الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم لعلهم ينتهون صبرا، يا معاشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أيا يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى وعما قليل ليصبحن نادمين حين تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص إن من ضل والله عن الحق وقع في الباطل، ألا إن أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا لها، فالله الله أيها الناس قبل أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، وتقوى كلمة الشيطان فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبي سبطيه خلق من طينته وترفع من نبعته وجعله باب دينه، وأبان ببغضه المنافقين، وها هو ذا مفلق الهام ومكسر الأصنام صلى والناس مشركون، وأطاع والناس كارهون فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزيه وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خبير وفرق به جمع أهوائهم فيا لها من وقائع زرعت في القلوب نفاقا، وردة، وشقاقا، وزادت المؤمنين إيمانا. قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله.
فقال معاوية: يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي، ولو قتلتك ما حرجت في ذلك. قالت: والله ما يسوءني أن يجري قتلي على يد من يسعدني الله بشقائه. قال: هيهات، يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله؟ قالت: وما عساني أن أقول في عثمان، استخلفه الناس وهم به راضون، وقتلوه وهم له كارهون. قال معاوية: يا أم الخير، هذا ثناؤك الذي تثنين؟ قالت: لكن والله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا، ولكن كان سابقا إلى الخير وإنه لرفيع الدرجة غدا. قال: وما تقولين في الزبير؟ قالت: وما أقول في ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدثت أنك أحلمها أن تعافيني من هذه المسائل وتسألني عما شئت من غيرها قال: نعم ونعمة عين قد عفيتك منها.
ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة إلى الكوفة وبقيت في عز إلى أن توفاها الله.
أم سلمة زوجة السفاح
هي ابنة يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكانت ذات أدب وجمال ومال تزوج بها عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها، ثم كانت عند هاشم فهلك عنها، وسبب زواجها بالسفاح هو أنها بينما كانت ذات يوم جالسة في منزلها إذ مر بها أبو العباس السفاح وكان جميلا وسيما فسألت عنه، فنسب لها، فأرسلت له مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها. وقالت لها: قولي له هذه سبعمائة دينار أوجه بها إليك وكان معها مال عظيم وجوهر وحشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال: أنا مملق لا مال عندي، فدفعت إليه المال فأنعم لها وأقبل إلى أخيها فسأله التزويج بها فزوجه إياها فأصدقها خمسمائة دينار وأهدى لها مائة دينار ودخل عليها من ليلته وإذا هي على منصة فصعد عليها فإذا كل عضو منها مكلل بالجوهر فلم يصل إليها فدفعت بعض الجواري فنزلت وغيرت لبسها ولبست ثيابا مصيفة وفرشت له فرشا على الأرض دون ذلك فلم يصل إليها فقالت: لا يغرك هذا كذلك كان غيرك يصيبه مثل ما أصابك فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته، وحظيت عنده وحلف أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فولدت له محمد وريطة، وغلبت على أمره غلبة شديدة حتى إنه كان لا يقطع أمرا إلا بمشورتها حتى آلت الخلافة إليه فلم يكن يدنو من غيرها لا حرة ولا أمة، ووفى لها بما حلف أن يغيرها فبينما كان ذات يوم في خلافته إذ خلا به خالد بن صفوان فقال: "يا أمير المؤمنين، إني فكرت في أمرك وسعة ملكك وقد ملكت نفسك امرأة واحدة فإن مرضت مرضت، وإن غابت غبت، وحرمت نفسك التلذذ واستطراف الجواري ومعرفة أخبارهن وحالاتهن والتمتع بما تشتهي
منهن فإن منهن يا أمير المؤمنين الطويلة الغيداء، والغضة البيضاء، والعقيقة الأدماء، والدقيقة السمراء، والبربرية العجزاء، من مولدات المدينة تفتتن بمحادثتهن وتلذ بخلوتهن، وأين أمير المؤمنين من بنات الأحرار والنظر إلى ما عندهن وحسن الحديث منهن، ولو رأيت يا أمير المؤمنين الطويلة البيضاء، والسمراء اللعساء، والصفراء العجزاء، والمولدات من البصريات، والكوفيات ذات الألسن العذبة، والقدود المهفهفة والأوساط المخصرة، والأصداغ المظرفنة، والعيون المكحلة، والثدي المحققة، وحسن زيهن وزينتهن وشكلهن لرأيت شيئا حسنا".
وجعل خالد يجيد في الوصف ويجد في الإطناب بحلاوة لفظه، وجودة وصفه، فلما فرغ كلامه قال له أبو العباس: ويحك يا خالد ما حك مسامعي والله قط كلام أحسن مما سمعته منك فأعد علي كلامك فقد وقع مني.
فإعاد عليه خالد أحسن من الأول ثم انصرف وبقي أبو العباس مفكرا فيما سمع منه، فدخلت عليه أم سلمة امرأته، فلما رأته مفكرا مغموما قالت: إني لأنكرك يا أمير المؤمنين فهل حدث أمر تكرهه أو أتاك خبر فارتعت منه؟ قال: لم يكن من ذلك شيء قالت: فما قصتك أخبرني عنها؟ فلم تزل به حتى أخبرها بمقالة خالد فقالت: فما قلت لابن الفاعلة؟ قال لها: سبحان الله ينصحني وتشتميه؟ فخرجت من عنده مغضبة وأرسلت إلى خالد عشرة من الخدم ومعهم العصي وأمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا. قال خالد: فانصرفت إلى منزلي وأنا في غاية السرور بما رأيت من أمير المؤمنين وإعجابه بما ألقيت إليه ولم أشك أن صلته ستأتيني فلم ألبث حتى صار أولئك الخدم وأنا قاعد على باب داري، فلما رأيتهم قد أقبلوا نحوي أيقنت بالجائزة واصلة حتى وقفوا علي فسألوا عني فقلت: ها أنا ذا خالد فبادر إلي أحدهم بهراوة كانت معه.
فلما أهوى بها إلي وثبت فدخلت منزلي وأغلقت الباب علي واستترت ومكثت أياما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ووقع في خلدي أني أوتيت من قبل أم سلمة وطلبني أبو العباس طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلا بقوم قد هجموا علي وقالوا: أجب أمير المؤمنين، فأيقنت بالموت فركبت وليس علي لحم ولا دم، فلما وصلت إليه أومأ إلي بالجلوس ونظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد أرخيت، وحركة خلفها فقال: يا خالد لم أرك منذ ثلاث! قلت: كنت عليلا يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك وصفت لي في آخر دخلة من أمر النساء والجواري ما لم يخرق سمعي قط كلام أحسن منه فأعده علي.
قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتك أن العرب اشتقت اسم الضرة من الضر، وأن أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلا كان في جهد فقال: ويحك لم يكن هذا في الحديث قلت: بلى والله يا أمير المؤمنين وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأنهن في قدر يغلي عليهن. قال أبو العباس برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت سمعت منك هذا في حديثك الأول. قال: وأخبرتك أن الأربعة من النساء شر صريح لصاحبهن يشيبنه ويهرمنه ويسقمنه قال: ويلك، والله ما سمعت هذا الكلام منك ولا من غيرك قبل هذا الوقت! قال خالد: بلى والله. قال: ويلك أتكذبني؟ قال: أو تريد أن تقتلني؟ قال: مر في حديثك. قال: وأخبرتك أن أبكار الجواري رجال، ولكن لا خصي لهن قال خالد فسمعت الضحك من وراء الستر قلت: نعم وأخبرتك أيضا أن بني مخزوم ريحانة قريش وأنت عندك ريحانة من الرياحين وأنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء وغيرهن من الإماء قال خالد فقيل لي من وراء الستر: صدقت، والله يا عماه بهذا حدثت أمير المؤمنين، ولكنه بدل وغير ونطق بما في ضميره عن لسانك فقال له أبو العباس: ما لك قا تلك الله وأخزاك وفعل بك وفعل. قال: فتركته وخرجت وهو يشتم وقد أيقنت بالحياة فلما وصلت منزلي أخذت راحتي وصرت أفكر فيما حصل فما أشعر إلا ورسل أم سلمة قد صاروا إلي ومعهم عشرة آلاف درهم وتخت وبرذون وغلام فأخذتها وانصرفوا وبقيت أم سلمة عند السفاح إلى أن توفاه الله وهي مالكة قلبه.