الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلا الحكم التي كانت منارا
…
لكل بصيرة في كل خطب
رأيت نتائج الأحوال فيه
…
ممثلة تلوح بغير نقب
لتميورية العصر المحلى
…
بما نسجت يداها كل حقب
أديبة معشر شرفت أصولا
…
وسارت بين أقلام وكتب
حوت قصب السباق بكل فن
…
وراضت في المعاني كل صعب
ودونك غادة عذراء وافت
…
بمهجة شيق للقاك صب
وأني لو قدرت جعلت ذاتي
…
بها سطرا ينادي الركب سربي
تقر بعجز من نظمت حلاها
…
وتلتمس القبول وذاك حسبي)
ومن إنشاء المترجمة نثرا ما قالته مرة، ونشر في جريدة الآداب يوم السبت الموافق 9 جمادى الثانية سنة 1306 هجرية تحت عنوان (صعر المعارف) وهي:
لا تصلح العائلات إلا بتربية البنات
(إني وإن كنت لست أهلا لمجال المقال في هذا المضمار ومعترفة بقصر اليد عن قبض زمام المنال لاعتكافي بخيمة الإزار، لكني أرى من خلال أطرافه أن مناهج التربية ظرف الكنوز وبحدود مسالك التأديب مفاتيح كل جوهر مكنوز، فالواجب على كل ذي نفس كريمة أن يميل كل الميل إلى تلك السبل الفخيمة ويحث كل عزيز له أن يرتع في مراتعها القويمة ليحظى بتلك الجواهر اليتيمة مع أني أرى الهيئة الشرقية لا تنظر إلا ما هو أمامها من الصالح فتحض به نفسها، ولو التفت إلى ما بعد يومها وتفقدته لعضت أنامل الندم على ما فرطت ووجدت بالالتفات إلى حكم بارئ النسمات، وموجد المخلوقات، وهي المصانع البديعة الربانية، والمباني الأصيلة الطبيعية صيرورة مدار عمران هذا العالم على الزوجين ولو أمكن الانفراد لخص عالم الأسرار أحدهما دون الآخر وهو الأفضل ولم يفقره إلى ما هو دونه، فكان التأمل في هيولى هذا الكون موجبا على الهيئة الرجولية العناية بتأديب البنات وتهذيب العائلات، لأن ثمرة الؤدد راجعة إليها، فلربما إنه قعد أمر الرجل فأدهشه، فلمته الزوجة بأطراف بناتها الرقيقة وأخمدت جذوة ولوعه بتدابيرها الدقيقة، وهو مع ذلك يجتهد في أن يكتم فضلها بين أفراد الهيئة ويحذر من إعلانه خشية أن يقال: هي ذات معلومية، فيكدر عيشه الصافي وهذا بخلاف الدولة الغربية فالأسف ثم الأسف على هيئة لم تمض فحصها في هذا النسق البديع ولم تجهد نفسها في البحث على هذا الشرف الرفيع، والعجب ثم العجب على مدينة تشغف بتزيين فتياتها بحلي مستعار، وتستعين على إظهار جمالهن بزخرف المعادن والأحجار، وتتخيل أنها زادتهن بسطة في الحسن والدلال، والحال أنها ألقت تلك الأحداث في أخدود الوبال، لأنه لم يعد عليهن من تلك المستعارات إلا العجب والغرور المؤدي بهن إلى ساحة المباهاة والفجور، وذلك لكف بصيرتهن عن الإدراك وعدم علمهن بنتائج الأحوال، وعواقب الأمور.
قد زينت بالدر غرة جبهة
…
وتوشحت بخمار جل أسود
وتطوقت بالعقد تبهج جيدها
…
والجهل يطمس كل فضل أمجد
فلو اجتهدت الهيئة الرجلية في حسن سلوكهن بالتربية، وجذبتهن بشواهد المدينة إلى طرف الإطلاع لتتوجت تلك الغانيات من تلقائها بيواقيت المعلومية، وتقلدت بلآلئ التفقه، وكلما شبت ألفت خطواتها في طرق الإدراك، وأدركت مزية حليها الأصيل فزادته جلاء، وفطنت بغلاء قيمته فأوقرته بهاء وسناء، واستغنت بلمعة شرفه عن أرفع جوهر قماش، ولو كان ملبسها ثوبا من الشاش:
إن العلوم لأصل الفخر جوهرة
…
يسمو بها قدر الوضيع ويشرف
فوجودها في درج مهجة فاضل
…
من حازها بين الآنام مشرف
فأستوهبكم العفو يا أربا العقول عما سأقول: نحن معاشر المخدرات أدرى منكم بنشأة الأطفال من بنين وبنات، إذ من المعلوم أن الطفل حيثما صار على كف القابلة بادر أولا بالبكاء، ثم هجع برهة لفتوره مما لاقاه من التعب لاسيما إطلاق صوته في الصياح الذي لم يكن سبق له، ثم ينتبه محركا جيده يمينا وشمالا فاتحا فاه لطلب الغذاء، فترضعه أمه، فينام على أثر الشبع، فترى منه بسيمات خفيفة في أثناء نومه، وهذا دليل على أن دنيانا دار هم، ومحل أحزان وغم كثيرة الجفاء قليلة الصفاء، فإذا أخذ الطفل في النمو وبلغ خمسة أشهر كانت أول فطنته معرفة أمه ثم أبيه، وتناول الشيء حيث هو منها لإيصاله إلى فيه، فلكم التأمل في مبنى هذه الإشارة الخفيفة والعبارة اللطيفة، ثم كلما اشتدت أعصابه وقويت أعضاؤه علا صياحه فتبادره الوالدة بألحان معدة إليه فيصغي لسماع تلك الألحان. وإذا ضاق صدره من ألم عالجته بكل حنان، وحملته ودارت به من مكان إلى مكان فيفرج كربه ويتلطف ألمه، وهو يظن ذلك التلطف والتسكين بقدرتها وتبيت في قلق وضنك من الشفقة عليه فإذا عوفي أتى إليه الوالد بما يبهجه وتقر به عينه حسب قدرته، فإذا كبر وترعرع وطمحت نفسه للشراسة الطفلية اخترعت له أمه ما يليه عن ذلك وخوفته بمخترعات الأسماء منها ما يتخيل به إرهابا، وإذا صاح ذكرته به، وإذا تشيطن نادت به إليه فيسكت الطفل وتارة تذكر له أباه وتوجس به منه شرا فتوقع في قلبه من جهته الرعب فيستعظم قدرته ويكبره في عينه، ويجعل هيبته إنسان قلبه ومركز ذاته.
فيا ليت شعري ماذا يكون من أمر هذه الفقيرة إلى العلوم وهي خاوية الوفاض عما تستحقه إن في ذلك لحكما:
إن المصابيح إن أفعمتها دسما،
…
أهدت لوامعها في كل مقتبس
وإن خلا زيتها جفت فتائلها
…
أين الضياء لخيط غير منغمس
وكيف تحسن الشفقة الوالدية بإساءة المشفق عليه، فلو عنيت رجالنا معاشر الشرقيين بتربية بناتهم وأجمعت على تلقين العلوم لهن بمقدار شفقتهم لنالت أرفع مجد، وأهنأ جد، ولعوضت تلك الفتيات عن ذلك القلق براحة العرفان، وأوسعت بسواعد معلوميتهن مضيق السلوك إلى ساحة الإذعان، وقامت بواجبات التدبير وهمت بوقاية أساس حليتها من التدمير لأن تخرب الدور بعد انقطاع أهلها طبيعي والطبيعي ليس بضار إنما هدم سقف الشرف بصرصر الجهل مع وجود الديار هو العار بل النار ومن المستغربات أن يفرط الغارس في تمهيد الأصل، ويأسف على اعوجاج الفرع، هو المؤدي به، فلو أروت الرجال غرائسها من قرارة المعرفة والعرفان لا تكأت في ثقل الأحمال على قويم تلك الأفنان، وصعدت بمساعدتهن أعلى الدرج، وتمسكت بأقوى الحجج.
ولكن تعالت هيئتنا هذه في التنمق عن التهذيب بحجة أوهى من بيت العنكبوت وهي أنهن إذا تعلمن الكتابة يعلقن بالهوى ومغازلة السوى بالجوى، وبادرن
بالمراسلات ألم يطرق مسامعهم روايات الأميين، وأحاديث الجاهليين. فيا رجال أوطاننا وملاك زمام شأننا لم تركتموهن سدى، وذهلتم عن مزايا التأمل في (ما تفعل اليوم ستلقاه غدا) فمن أكم بخلتم عن أن تمدوهن بزينة الإنسانية الحقيقية، ورضيتم بتجردهن عن حليتها البهية، وهن بين أنامل سطوتكم أطوع من قلم، وخضوعهن لسلطتكم أشهر من نار على علم، فعلام ترفعون أكف الحيرة عند الحاجة كالضال المعنى، وقد سخرتم بأمرهن وازدريتم باشتراكهن معكم في الأعمال واستحسنتم انفرادكم في كل معنى فانظروا عائد اللوم على من يعود.
وإني أروم إظهار مقالي هذا ولكني لم أر ساعدا يكون لي مساعدا حتى منحنى المراد مفتاح درج ما كنه الفؤاد، وهي رسالة إحدى السيدات التي ترى تربية البنات من الوجبات، فيا لها من سيدة جلت بلوامع انتباهها في الليلة الليلاء سرجا، ورقت بقوة إدراكها في هذا السبق درجا، وانشقت أذهان السامعين من زهر فطنتها أرجا، وكحلت بإثمد نصحها عيون الناظرين فأحيت بصيره، وأدارت أسنة اللوم عنهن لأنها بقدرهن خبيرة فحق لي أن أهنئ المخدرات بفضل تلك المشارة التي شنفت مسامع الأيقاظ بهذه الإشارة هذا وإني أرى أنجم مصابيحها الغراء تنور بين أيدي الفضلاء، وتهدي أن يميل كل دان بالالتفات إلى ذلك الثناء المشهود، وتشغف كل مبصر منه يوصله إلى سبيل المقصود، والسلام على من اتبع الهدى) .
ومن مراسلاتها إلى السيدة وردة - كريمة الشيخ ناصيف اليازجي - ردا على خطاب ورد للمترجمة منها وهو: (بسم الله أقول، وعزة مآثر البراعة، وعذوبة مذاق مزايا البلاغة، إني لأغبط كتابي لدى لقاء من أؤدي إليه جوابي فلو تطاوعني الإرادة لقرنت عين الإنسان بكل عين من حروفه، وصيرت نفس مرآة العيان قرطي مظروفه، أو قبل الشمل هديا لجعلت قربانه أبعد، أو رام أعظم رشوة وهبت إليه وجدا لم أجد له حد، وذلك عندما أقبل كتابكم من سماء المعاني بعبقري الخطاب، ونقشت رقة أرقام زبدة معانيه على صحاف الصدر، فنطق الجنان قبل اللسان بالترحاب، فلله در كتاب ما نطقت ولادة إلا بحروف هجايته، وما تغزل قيس إلا بألفاظ كادت تداني براعة بدايته، قد أسس بشير يراعه بخلاصة تأثير مآله حديقة الحق بالود وسقى عطير مداده غرائس صدق تفتر عن كل غرام ووجد، وقد عن لي أن أتتوج بتلك الحلية التي توسطت في فتح باب يانعة الوداد وأنالتني نشيق تفاحات وردت هي لانتعاش الروح عين المراد فأملي أن لا تبخلي علي بتلك العاطرة ما هب الصبا، كما انك لا تبرحين من بالي ما لاح كوكب، لا زال سنا عرفانك لائحاً بتيجان الربا وذكاء بهائك يبدي سلام من حملها حبكم وصبا) .
ومن مراسلاتها للسيدة وردة المذكورة أيضا: (استهل براعة سلام حمل الشوق رسالته وتقلد الشفق ما نشقت ناشقة عرف الوداد كفالته، ولو رضيت المجال في صدق المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه، وأقام بأداء التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد توجته أزاهر الثناء بلآلئ غراء، وكالمنه زواهر الوفاء من خالص الوداد إلى حضرة من لا تزال تستروح الأسماع بنسيم أنبائها صباحا ومساء، وتشوق الأرواح إلى استطلاع بدر إنسانها الكامل أطرافا وإناء، ومما زادني شوقا إلى شوق حتى لقد شب فيه طفل الشفق عن الطوق اجتلائي حديقة الورد القدسية ونافجة الدب المسكية، فيا لها من حديقة رمقتها أحداق الأذهان فاقتبست نورا ونوار، وانتشقتها مسام
الآذان فثلمت طربا وسرورا.
ومنذ سرحت في أرجاء تلك اليانعة إنسان العيون، وشرحت بأفكار البصيرة أسرار ذلك الدر المصون لم أزل بين طرب أتوشح بوشاحه، وأدب أتعجب من حسن اختتامه وافتتاحه وجعلت أغازل من نرجس تلك الروضة عيونا ملكت مني الحواس وأهصر من غصون ألفاتها كل ممشوق أهيف مياس، وأتأدب في حضرة وردها خوفا من شوكة سلطانه، وإن حياتي بجميل الالتفات ضاحكة عن نفيس جمانه، وإذا بالياسمين الغض قد ألقى نفسه على الثرى ونادى بلسان الإفصاح هل لهذه النضرة نظيرة يا ترى، فأشار المنثور بكفة الخضيب أن لا نظير لتلك الغادة، ونطق الزنبق بلسان البيان لا تكتموا الشهادة، فعند ذلك صفق الطير بأكف الأجنحة وبشر وجرى الماء لإذاعة نبأ السرور، فعثر بذيل النسيم وتكسر، وتمايلت أغصانها المورقة، لسماع هذا الحديث، وأخذت نسماتها العاطرة في السير الحثيث إذاعة لتلك البشائر في العشائر ونشرا لهذا الفضائل التي سارت مسير المثل السائر، فقلت بلسان الصادق الأمين بعد تحقق هذا النبأ اليقين هكذا هكذا تكون الحديقة وإلا وكذلك لتكتب الفضائل وتملي:
وحدثتني يا سعد عنهم فزدتني
…
غراما فزدني من حديثك يا سعد
فتحمل عني أيها الصديق تحية إلى ربة هاتيك الحديقة واشرح لديها حديث شغفي بفضلها الباهر على الحقيقة، واعتذر عن كتابي هذا فقد جاء يمشي على استحياء، وكلما حرضه الشوق على القدوم يبطئه الحياء وكيف وقد حل في منبع الفضائل والمقام الذي لم يدع مقالا لقائل، كأني إنما أهدى الثمر إلى هجر وأمنح البحر الخضم بالمطر أدام الله معالي تلك الحضرة وزادها في كل حال بهجة ونضرة ما لاح جبين هلال وبلغ غاية الكمال) . ومن شعرها البديع قولها:
بيد العفاف أصون عز حجابي
…
وبعصمتي أسمو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحة
…
نقادة قد كملت آدابي
ولقد نظمت الشعر سيمة معشر
…
قبلي ذوات الخدر والأحساب
ما قتله إلا فكاهة ناطق
…
يهوي بلاغة منطق وكتاب
فبنية المهدي وليلى قدوتي
…
وبفطنتي أعطيت فصل خطابي
لله در كواعب نسبوا لها
…
نسج العلا لعوانس وكعاب
وخصصن بالدر الثمين وهامت ال
…
خنساء في صخر وجوب صعاب
فجعلت مرآتي جبين دفاتر
…
وجعلت من نقش المداد خضابي
كم زخرفت وجنات طرسي أنملي
…
بعذار خط أواهب شبابي
ولكم أضا شمع الذكا وتضوعت
…
بعبير قولي روضة الأحباب
منطقت ربات البها بمناطق
…
يغبطنها في حضرتي وغيابي
وحللت في نادي الشعور ذوائبا
…
عرفت شعائرها ذوو الأنساب
عوذت من فكري فنون بلاغتي
…
بتميمة غرا وحرز حجاب
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي
…
إلا بكوني زهرة الأباب
ما سائني خدري وعقد عصابتي
…
وطراز ثوبي واعتزاز رحاب
ي
ما عاقني خجلي عن العليا ولا
…
سدل الخمار بلمتي ونقابي
عن طي مضمار الرهان إذا اشتكت
…
صعب السباق مطامح الركاب
بل صولتي في راحتي وتفرسي
…
في حسن ما أسعى لخير مآب
ناهيك من سر مصون كنهه
…
شاعت غرابته لدى ا؟ لأغراب
كالمسك مختوم بدرج خزائن
…
ويصوغ طيب طيبه بملاب
أو كالبحار حوت جواهر لؤلؤ
…
عن مسها شلت يد الطلاب
در لشوق نوالها ومنالها
…
كم كابد الغواص فعل عذاب
والعنبر المشهور وافق صونها
…
وشؤنه تتلى بكل كتاب
فأنرت مصباح البارعة وهي لي
…
منح الإله مواهب الوهاب
وقولها وقد توسلت بالمقام النبوي صلى الله عليه وسلم:
أعن وميض سري في حندس الظلم
…
أم نسمة هاجت الأشواق من أضم
فجدد إلى عهد بالغرام مضى
…
وشاقني نحو أحبابي بذي سلم
دعا فؤادي من بعد السلو إلى
…
من كنت أعهد في قلبي من القدم
وهاجني لحبيب عشق منظره
…
يمحو ويثبت ما يهواه من عدمي
يمحو سلوي كما يمحو إساءته
…
حبي له فعذابي فيه كالنعم
رام الوشاة سلوي عن محبته
…
ولم أوف لهم عذلا ولم أرم
كيف استنار الجوى يا من تملكني
…
وشاهد العشق في العشاق كالعلم
فيا له معرضا عني ومعترضا
…
بين الفراغ وقلبي فهو متهمي
حسبي من الحب ما أفضى إلى تلفي
…
وما لقيت من الآلام والسقم
إني رددت عناني عن غوايته
…
وقلت يا نفس خلي باعث الندم
ولذت بالمصطفى رب الشفاعة إذ
…
يدعو المنادي فتحيا الناس من رمم
طه الذي قد كسى إشراق بعثته
…
وجه الوجود سناء الرشد والكرم
طه الذي كللت أنوار سنته
…
تيجان أمته فضلا على الأمم
نعم الحبيب الذي من الرقيب به
…
وهو القريب لراجي المجد والنعم
روحي الفداء ومن لي أن أكون له
…
هذا الفداء وموجودي كمنعدم
وما هي الروح حتى أفتديته بها
…
وهي البقاء بقاء الظلم والظلم
والعمر أوفت ثقال الوزر لمحته
…
وبددته صروف الدهر بالتهم
أين الرشاد الذي أعددته لغد
…
غويت عنه فزلت بالهوى قدمي
من لي بأطلال بان عز منظرها
…
تسقي بطل من الآماق منسجم
تحط أثقال وزر لا تقوم بها
…
شم الرواسي من راس ومنهدم
كم بنبع زلل قد فاض من يده
…
أروى الأوام وأسقى منه كل ظم
والجذع أن له من بعده جزعا
…
لما نأى عنه مولى العرب والعجم
لانت له الصخرة الصماء طائعة
…
مذ مسها سيد الكونين القدم
فيا لها معجزات ما لها عدد
…
أقلها ما بدا نار على علم
ولا يحيط به مدحي ولو جعلت
…
جوارحي ألسنا ينطقن بالحكم
وإنما أرتجي من مدحه قبسا
…
يهذي الصراط ويشفي الروح من ألم
وكيف لي باتعاظ النفس آمرتي
…
بالسوء ناهيتي عن مورد النعم
فما التماسي عن خير يقربني
…
إلى النعيم ولا نسقي بمنتظم
لكن لي أسوة أشفي بها وصبي
…
حسن ارتباطي بحبل غير منفصم
ومنة الله دين وصفه قيم
…
لحجني أن أخف يوم للقا يقم
وما سوى فوز كوني بعض أمته
…
ذخرا أفوز به من زلة الوصم
إلا التماسي عفواف بالشفاعة لي
…
من خاتم الرسل خير الخلق كلهم
مددت كف الرجا أرجو مراحمه
…
وقد حللت به في شهره الحرم
محمد المصطفى مشكاة رحمتنا
…
مصباح حجتنا في بعثة الأمم
يا من به أفتدي يوم الزحام إذا
…
أبديت ناصية مفجومة الوسم
أقول حين أوافي الحشر في خجل
…
إن الكبائر أنست ذكرة اللمم
يا خير من أرتجي إن لك تكن مددي
…
وأزلتي يوم وضع القسط والدمي
فأشفع بحب الذي أنت الحبيب له
…
لولاك ما أبرز الدنيا من العدم
عليك أزكى صلاة الله ما افتتحت
…
أدوار دهر وما ولت بمختتم.
وقولها غزلا:
منثور حسنك في الحشا سطرته
…
ورقيم خطك طالما كررته
سطر العذار تلوته فوجدته
…
يومي لسفك دمي وقد سلمته
وقولها في الخمريات:
لاح الصبوح وبهجة الأوقات
…
فاشرب وعاطي الصب بالكاسات
واجلب براحك للقلوب تروحا
…
فالراح تبدع نشأة اللذات
وانهض فديتك فالزمان مراقبي
…
فالحظ لي في كل يوم آتي
ودع الوشاة وما تقول عواذلي
…
فالعين عيني والصفات صفاتي
ودعني ومالي في الفؤاد بحبها
…
لما صبا بشقائق الوجنات
لا غرو أن كان الرشيق يديرها
…
في معهد الغزلان والبانات
فانا الأسير بظل روض كرومها
…
ولو أن في عتقي هني حياتي
وأنا الشهيد بحب ذوق عصيرها
…
إن كان في حب الكؤوس مماتي
جهل العواذل ما تريد بشربها
…
نفسي وما تلقى من السكرات
تسليني عن جفوة أم صبوة
…
لفؤادي المضنى من الحسرات
شتان بين ظنونهم وسرائري
…
والله يعلم منتهى غاياتي
كما باتت الأحداق يسقى طلها
…
روض الجوى وحدائق اللوعات
يا عاذلي كف الملام فإنني
…
صلب بدت بين الورى آياتي
قل ما تشاء فإن قولك مطربي
…
وحديث من أهوى دوا علاتي
إن شئت لمني أو فهدد وانته
…
فأليم لومك في الهوى لذاتي
لعبت بي الأشجان حتى إنني
…
لم أدر من أهوى ومن هو ذاتي
ورسا بي الشوق الخؤن لمعهد
…
أهو العلى أم غرفة الجنات
وقلوها تهنئة بمولود:
تجلى النور في أفق المعالي
…
وحل البدر في أوج الكمال
وأزهرت الكواكب مسفرات
…
عن البشرى كإشراق الليالي
وأبدى الدهر مولودا زكيا
…
تلوح عليه آيات الجلال
عطاره بلائحة التهاني
…
أتى الأعتاب والإقبال عالي
فألبسنا من الأفراح تاجا
…
وكلله بأنواع اللآلي
فطب صدرا وقر به عيونا
…
ودم فرحا بهاتيك الخلال
فمشكاة السعود لديك تنمو
…
وعباس علي النضر غالي
مخايله الشريفة معلنات
…
بأن سيكون في أبهى الخصال
ويقفوا الشبل في وصف أباه
…
كما يقفوا الرشا أثر الغزال
وقال مشطرة لهذين البيتين:
وليلى ما كفاها الهجر حتى
…
أطالت في دجى ليلي أنيني
وكل تجلدي بالصبر لما
…
أباحت في الهوى عرضي وديني
فقلت لها ارحمي الأمي قالت
…
كذا خط اليراع على الجبين
فدع قلق الصغار وكن صبورا
…
وهل في الحب يا أمي ارحمي
وقالت في تشطيرهما أيضا:
وليلى ما كفاها الهجر حتى
…
أذاعت بعد كتمان شجوني
وحين تبينت آيات وجدي
…
أباحت في الهوى عرضي وديني
فقلت لها ارحمي الأمي قالت
…
جننت وفي الهوى بعض الجنون
وهبني كنت أمك كيف أحنو
…
وهل في الحب يا أمي ارحميني
وقالت مخمسة للبيتين المذكورين:
إليك معنقي يكفيك إفتا
…
جهلت صبابتي أم هل عرفتا
فلا أقوى عليك وأنت أنتا
…
وليلى ما كفاها الهجر حتى
أباحت في الهوى عرضي ودين
بروض جمالها أمت وقالت
…
وإن عثر المتيم ما أقالت
وكم صدت في هجري أطالت
…
فقلت لها ارحمي الأمي قالت
وهل في الحب يا أمي ارحميني
وقالت تهنئ الخديوي السابق:
كللت تاج البدر قربا بالشرف
…
مذ حل في مصر ركابك وانعطف
طربت بمقدمك السني وعطفه
…
مصر السعيدة والسرور بها هتف
لما عزمت عزمت يصحبك الثنا
…
والعود جدد بالهنا ما قد سلف
وتزينت بكر الحبور وأصبحت
…
مجلوة بين الرفاهة والترف
وتجملت مصر بما جاء الهنا
…
ورخيم مطربها على عود عكف
وبك الأماني قد تبسم ثغرها
…
والصفو مال بقده حسن الهيف
وتراقصت مهج النفوس لبشرها
…
كبلابل غردن في روض أنف
أضحى يقول بسعد بابك نيلها
…
أقل سرت الدنيا ومن فيها شغف
رقمت جمال بها قدومك عصمة
…
بمداد تحرير سناه شفي وشف
وبمعجم في معرب قد أرخت
…
كللمت تاج البدر قربا بالشرف
وقالت ترثي ابنتها:
إن سال من غرب العيون بحور
…
فالدر باغ والزمان غدور
فلكل عين حق مدرار الدما
…
ولكل قلب لوعة وبثور
ستر السنا وتحجبت شمس الضحى
…
وتنقبت بعد الشريف بدور
ومضى الذي أهوى وجرعني الأسى
…
وغدت بقلبي جذوة وسعير
يا ليته لما نوى عهد النوى
…
وافى العيون من الظلام نذير
ناهيك ما فعلت بماء حشاشتي
…
نار لها بين بين الضلوع زفير
لوثب حزني في الورى لم يلتفت
…
لمصاب قيس والمصاب كثير
طافت بشهر الصوم كاسات الردى
…
سحرا وأكواب الدموع تدور
فتناولت منها ابنتي فتغيرت
…
جنات خد شانها التغيير
فذوت أزاهير الحياة بروضها
…
والقد منها مائس ونضير
لبست ثياب السقم في حفر وقد
…
ذاقت شراب الموت وهو مرير
جاء الطبيب ضحى وبشر بالشفا
…
إن الطبيب بطبعه مغرور
وصف التجرع وهو يزعم أنه
…
بالبرء من كل السقام بشير
فتنفست للحزن قائلة له
…
عجل ببرئي حيث أنت خبير
وارحم شبابي إن والدتي عدت
…
ثكلى يشير لها الجوى وتشير
وارأف بها قد حرمت طيب الكرى
…
تشكو السهاد وفي الجوف فتور
لما رأت يأس الطبيب وعجزه
…
قالت ودمع المقلتين غزير
أماه قد كل الطبيب وفاتني
…
مما أؤمل في الحياة نصير
لو جاء عراف اليمامة يبتغي
…
برئي لرد الطرف وهو حسير
يا روع روحي حلها نزع الضنى
…
عما قليل ورقها ستطير
أماه قد عز القاء وفي غد
…
سترين نعشي كالعروس يسير
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي
…
هو منزلي وله الجموع تصير
قولي لرب اللحد رفقا بابنتي
…
جاءت عروسا ساقها التقدير
وتجلدي بإزاء لحدي برهة
…
فتراك روح راعها المقدور
أماه قد سلفت لنا أمنية
…
يا حسنها لو سافها التيسير
كانت كأحلام مضت وتخلفت
…
مذ بان يوم البين وهو عسير
عودي إلى ربع خلا ومآثر
…
قد خلفت عني لها تأثير
صوني جهاز العرس تذكارا فلي
…
قد كان منه إلى الزفاف سرور
جرت مصائب فرقتي لك بعد إذ
…
لبس السواد ونفذ المسطور
والقبر صار بغصن قدي روضة
…
ريحانها عند المزار زهور
أماه لا تنسي بحق بنوتي
…
قبري لئلا يحزن المقبور
ورجاء عفو أو تلاوة منزل
…
فسواك من لي بالحنين يزور
فلعلما أحظى برحمة خالق
…
هو راحم بر بنا وغفور
فجبتها والدمع يحبس منطقي
…
والدهر من بعد الجوار يجور
بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي
…
قد زال صفو شأنه التكدير
لا توصي ثكلى قد أذاب فؤادها
…
حزن عليك وحشرة وزفير
قسما بغض نواظر وتلهفي
…
مذ غاب إنسان وفارق نور
وقبلتي ثغرا تقضي نحبه
…
فحرمت طيب شذاه وهو هطير
والله لا أسلو التلاوة والدعا
…
ما غردت فوق الغصون طيور
كلا ولا أنسى زغير توجعني
…
والقد منك لدى الثرى مدثور
إني ألفت الحزن حتى إنني
…
لو غاب عني ساءني التأخير
قد كنت لا أرضى التباعد برهة
…
كيف التصبر والبعاد دهور
أبكيك حتى نلتقي في جنة
…
برياض خلد زينتها الحور
إن قيل عائشة أقول لقد فني
…
عيشي وصبري والإله خبير
ولهي على توحيدة الحسن التي قد غاب بدر جمالها المستور
قلبي وجفني واللسان وخالقي
…
راض وباك شاكر وغفور
متعت بالرضوان في خلد الرضا
…
ما زينت لك غرفة وقصور
وسمعت قول الحق للقوم ادخلوا
…
دار السلام فسعيكم مشكور
هذا النعيم به الأحبة نلتقي
…
لا عيش إلا عيشه المبرور
ولك الهناء فصدق تاريخي بدا
…
توحيدة زفت ومعها الحور
وقولها غزلا:
ملك الفؤاد وقد هجر
…
بدر المحاسن مذ ظهر
عذب الرضاب مهفهف
…
يسبي المتيم بالحور
ما حيلتي في حبه
…
ألا الخضوع لما أمر
من منجدي وجفونه
…
منها المحب على خطر
وا حيرتي في حبه
…
وا طول شجوي بالخفر
أشكو الغرام ويشتكي
…
جفن تعذب بالسهر
يا قلب حسبك ما جرى
…
أحرقت جسمي بالشرر
رام الحبيب لك الضنى
…
لم ذا وأنت له مقر
لكن تعذيب الهوى
…
ما للشجي منه مفر
قابلته متثنيا
…
ناهيك من غصن خطر
واتيته متبسما
…
كالبدر لما أن سفر
يا بدر حكمك الهوى
…
فاحكم ونفذ ما أمر
ألق الوشاح وخلني
…
أصلى سعيرا في سقر
وعن العذار فلا تسل
…
ولنت أولى من عذر
ودع الظلام على الضيا
…
واستر بطرتك اغرر
سامت بها الثغر الذي
…
يفتر عن غالي الدرر
واصدع بحسنك وافتخر
…
تيها بجيدك والطرر
فالشمس تخجل عندما
…
تبدو ويستحي القمر
وقولها غزلا أيضا:
ملك الفؤاد وقد رشى
…
بدر تكنى بالرشا
عذب الرضاب مهفهف
…
يسبي الشجي إذا مشى
ما حيلتي في حبه
…
إلا سعير في الحشا
وقالت مخمسة:
وعذري الهوى العذري وهو يمين
…
به مقسم التبريح ليس يمين
لأفتكمن ضرب الصفاح تبين
…
عيون عن السحر المبين تبين
يسالمها المشتاق وهي تخون
عجبت لها تنسى وقلبي حافظ
…
وإنسانها ينسى النهى وهو واعظ
وأعجب من ذا الفتك وهي لواحظ
…
مراض صحاح ناعسات يواقظ
لها عند تحريك الجفون سكون
فآهالها مرضي على شدة القوى
…
وهاروت عن أجفانها السحر قد روى
ولا ذنب للولهان في لوعة الجوى
…
إذا إبصرت قلبا خليا من الهوى
وأومت بلطف حل فيه فتون
يقاد لها طوعا أسريرا وطالما
…
أضاعت بوادي التيه صبا ومغرما
وكم فوقت سهما وكم سفكت دما
…
وما جردت من مرهفات وإنما
تقول له كن مغرما فيكون
وقولها في صدر جواب:
سلام قد حوى منظوم در
…
سلوا عنه الرسالة حين عنت
ولو رامت تعبر عن ضمير
…
وما لاقى بكم قلبي لغنت
وقالت استغاثة:
أين الطريق لأبواب الفتوحات
…
أين السبيل إلى نيل العنايات
أين الدليل الذي أرجو الرشاد به
…
إلى سبيل المعالي والهدايات
أين السلوك الذي أسرار لمحته
…
مصباح نور لمشكاة المناجاة
أين الخلوص الذي آثاره سبقت
…
يوم الرحيل إلى دار السعادات
كيف الخلاص وأحداث الشقا وطني
…
وقد رمتني بها أيدي الشقاوات
كيف المسير إلى أرض المنى وأنا
…
بطاعة النفس في قيد الضلالات
كيف العدول بقصد السبل عن عوج
…
أمضي بسعي إلى دار الندامات
كيف الرحيل بلا زاد وراحلة
…
تحث سير لأرض الاستقامات
ولي حقائب بالأوزار مثقلة
…
وعيس كدحي كلت عن مراداتي
فيا أولي الحزم حلوا عقد مشكلتي
…
وكيف أبلغ أقطار السلامات
عتبت نفس على ما ضاع من عمري
…
في ملهيات وغفلات وزلات
فخالفت مقصدي جهلا وما اتعظت
…
ولمحة العمر ولت في الخسارات
فلو بكت مقلتي للحشر ما غسلت
…
ذنوب يوم تقضي في الجهالات
ولو تبدد قلبي حسرة وأسى
…
على الذي مر من تفريط أوقاتي
لم يجد لي غير دق الكف من ندم
…
على عظيم إساءاتي وغفلاتي
إن طال خوفي فقد أحيا الرجا أملي
…
في غافر الذنب خلاق السموات
فاز المخفون واستن التقاة إلى
…
دار السلام وفردوس الكرامات
وكان شغلي خضوعي زلتي أسفي
…
ووضع خدي على أرض المذلات
وطوع أمارتي بالسوء قيدني
…
عن الوصول لغايات الكمالات
فلم يسعني بأثقال الذنوب سوى
…
ساحات غفران علام الخفيات
وقولها:
مرارة الصبر خصت بالحلاوات
…
وجدت في مرها حلوى السلامات
صيانتي في كهوف الصبر أنفع لي
…
من حصن كسرى ومن أعماق أغمات
كم بات دهري يريني نهج تربيتي
…
فينئني بقبولي وامتثالاتي
وما احتجابي عن عيب أتيت به
…
وإنما الصون من شأني وغاياتي
وكلما شب دهري في معاندتي
…
لم يلق مني له إلا الإطاعات
وكلما آدني ظلما بمثقلة
…
عدلت سيري كما يرضى بمرضاتي
كم قابلتني ليال ريحها سعر
…
بطيئة السير ترمي بالشرارات
لاقيتها بجميل الصبر من جلدي
…
وبت أسقي الثرى من غيث عبراتي
كم أقعدتني أيام بصدمتها
…
وقمت بالعزم مشهور العنايات
وكم حليفة سعد إذ تعنفني
…
تقول سعيك مذموم النهايات
فأخفض الطرف من حزن أكابده
…
وأهمل الدمع من تلك المقالات
وكم شكرت بأرض الظلم ناصيتي
…
فقمت من سجدتي أتلو تحياتي
وما منحت بيوم قد أتى غلطا
…
بالأنس إلا وقامت فيه غاراتي
ومذ أتت عذلى تبغي مصادرتي
…
ظلما منحتهم أسنى الكرامات
وكلما عددوا ذنبا رميت لبه
…
بسطت للعفو راحات اعترافاتي
وكلما حرروا منشور مظلمتي
…
وأثبتوا في الورى ظلما جناياتي
أظهرت شكري لهم بالرغم عن أسفي
…
وكان ما كان من فرط التهاباتي
ولم أفه لذوي ود لمعرفتي
…
أن الحبيب حبيب في المسرات
أقوم والضيم تطويني نوائبه
…
طي السجل ولم أسمعه أناتي
أخفي الأسى إن حسود جاء يسألني
…
لأين يسعى وأومى لابتهاجاتي
إن ضل سعي فهادي الصبر يرشدني
…
إلى طريق رشادي واستقاماتي
ولم أزل أشتكي بنى ومظلمتي
…
لعالم الجهر مني والخفيات
علت ولاة الصفا أشهى نجائبها
…
لتقضي الفوز من وادي المودات
وبت باليأس في بطحاء متربتي
…
وكان شغلي بضحى دق راحاتي
أقول للصبر لا عتب على زمن
…
أعطى لأبنائه أسمى العطيات
فقال مهلا ولا تغررك شوكتهم
…
فالصحو يعقبه سود الغمامات
فليس كل ملوم دام مكتئبا
…
وما السعيد سعيد للملاقاة
فدهرهم غرهم جهلا وما علموا
…
أن الزمان قريب الالتفاتات
فما توارت بغاة الغم من أسفي
…
حتى أناخوا بأجبال النكايات
تذكر الدهر عادات له سلفت
…
وقد نسوها بحانات الخلاعات
ورد دهري سهام الحقد صائبة
…
إليهم فغدوا في شر حالات
فما استطابوا أمانيهم ولا قنصوا
…
حتى استوينا بكهف الاعتكافات
قال الدهاة سهام الدهر قد وقعت
…
من ذلك الجمع في كشح وليات
فقلت أنعم به من حاذق فطن
…
وإنه لحقيق بالعدالات
ظنوا الزمان أباح السعد طالعهم
…
وأنه اختص نجمي بالنحوسات
والصبر أشهدني ما كنت أغبطهم
…
عليه عاد اعتبارا في البرات
فلا يهولنك حرمان بليت به
…
ولا يغرك إقبال غدا آتي
كلاهما والذي أنشأك من علق
…
يفنى ويعدم في بعض اللميحات
أين الملوك الألي كانت أوامرهم
…
محدودة كسيوف مشرفيات
تمحى وتثبت ما رامت وما رفضت
…
بين الأنام بأقوال سميات
قد أحكم الدهر مر ما هم فما لبثوا
…
حتى انطووا في الثرى طي السجلات
فكم مضى عزمهم في عز سطوتم
…
فولا وفعلا بتسديد الرياسات
وكم سرى في الورى منشور سلطتهم
…
شرقا وغربا بأنواع السياسات
يؤب بالعجز أقواهم إذا ألم
…
به ألم ويبدي شر حسرات
يلوذ ضعفا بأذيال الطبيب وما
…
يغني الطبيب لدى فتك المنيات
وكم لفقد عزيز منهم سكبت
…
مدامع بالنعما مصونات
وطالما أحرقت حسراتهم كبدا
…
تضعضعت منه أركان الشهامات
فلا تقل لي متاع وهو عارية
…
واليأس عندي راحات استراحاتي
وقد بسطت أكف الذل ضارعة
…
لخالق الخلق جبار السموات
وبت أدعو عليم السر قائلة
…
يا غافر الذنب جد لي باستجاباتي
يا كاشف الضر عن أيوب مرحمة
…
حين استغاثك من مس المضرات
وصاحب الحوت قد أنجيته كرما
…
لما دعا بابتهال في الضراعات
أنقذته يا إله العرش من ظلم
…
لظلمه النفس لاقته باعنات
وابيضت العين من يعقوب وانسكبت
…
حزنا على يوسف في فيض عبرات
ومذ شكا البث للرحمن عاد له
…
نور العيون قرينا بالمسرات
ويوسف السيد الصديق حين دعا
…
في ظلمة السجن من أسنى العنايات
ومذ علمت بإخلاص الخليل غدا
…
والنار من حوله في روض جناتي
عادت سلاما وبردا بعدما اشتعلت
…
ولم يفه من يقين بالشكايات
وقد رفعت يمين الذل داعية
…
إليك يا رب أرجو غفر زلاتي
ربي إلهي معبودي وملتجئي
…
إليك أرفع بثي وابتهالاتي
قد ضرني طعن حسادي وأنت ترى
…
ظلمي وعلمك يغني عن سؤالاتي