الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للاحتراق أيضاً وتأخذ في إشعال البارود وغيره من المواد السريعة الاشتعال بقضيب طويل مشتعل.
وكان البعض ينظرون إلى ذلك بعين الخوف لأنهم كانوا يعلمون أن شرارة واحدة من القضيب المشتعل الرأس أو من المواد التي كانت تحرقها كافية لحرق تلك المركبة الكبيرة إذا وصلت على الهيدروجين الذي كان يرفعها، وهكذا حدث فإن النار اشتعلت فاشتعل أسفل المركبة فأخذت تسقط بسرعة، ثم احترقت الحبال التي كانت تربط مجلس المركبة وسقط فسقطت ما دام "بلانشار" على سطح من سطوح بيوت المدينة ومنها على الأرض فماتت حالاً.
المتجردة هند زوجة المنذر بن ماء السماء
كانت من أعظم نساء العرب جمالاً فلما مات عنها أخذها ولده النعمان فكان يجلسها مع نديميه النابغة والمنخل، فشغفت بالمنخل وامتزجا حباً فأمر النعمان يوماً النابغة أن يصفها فقال:
وإذا طعنت طعنت في مستهدف
…
رابي المجسة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن مستحصف
…
نزع الحزور بالرشاء المحصد
فقال المنخل: إن هذا وصف معاين وحرض النعمان على قتله فهرب وكان عفيفاً فلما خرج النعمان إلى الصيد رجع بغتة فوجد المتجردة مع المنخل وقد ألبسته أحد خلخاليها، وشدت رجله إلى رجليها فقتله وللمنخل فيها أبيات منها:
إن كنت عاذلني فسيرى
…
نحو العراق ولا تحوري
ولقد دخلت على القتا
…
ة الخدر في اليوم المطير
والكاعب الحسناء تر
…
فل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت
…
مثل القطاة إلى الغدير
فلثمتها فتنفست
…
كتنفس الظبي البهير
فرثت وقالت هل بحبك
…
يا منخل من فتور
ما شف جسمي غير حبك
…
فاهتدى عني وسيري
وأحبها وتحبني
…
ويحب ناقتها بعيري
ولقد شربت من المدا
…
مة بالصغير وبالكبير
فإذا سكرت فإنني
…
رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فأنني
…
رب الشويهة والبعير
يا هند هل من ناهل
…
يا هند للعاني الأسير
متيم الهشامية
كانت متيم صفراء مولدة من مولدات البصرة وبها نشأت وتأدبت وغنت وأخذت عن إسحاق وعن أبيه من قبله، وعن طبقتهما من المغنين، وكانت من تخريج بذل المغنية وتعليمها لها وعلى ما أخذت عنها تعتمد فاشتراها علي بن هشام بعد ذلك فما ازدرت أحداً ممن كان يغشاه من المغنين، وكانت من أحسن الناس وجهاً
وغناء وأدباً وكانت تقول شعراً مستحسناً من مثلها، وحظيت عند علي بن هشام حظوة شديدة وتقدمت عنده على جواريه أجمع، وهي أم أولاده كلهم، فولدت له صفية -وتكنى أم العباس- ثم ولدت محمداً ويعرف بأبي عبد الله، ثم ولدت بعده ابناً يقال له: هارون ويعرف بأبي جعفر، سماه المأمون وكناه، بهذا الاسم والكنية قال: ولما توفي علي بن هشام عتقت.
وكان المأمون يبعث إليها فتجيبه فتغنيه، فلما خرج المعتصم على "سر من رأى" أرسل إليها فاستخلصها وأنزلها داخل الجوسق في دار كانت تسمى الدمشقي وأقطعها غيرها وكانت تستأذن المعتصم في الدخول إلى بغداد على ولدها فتزورهم، ثم ضم غليها قلم وهي جارية لعلي بن هشام.
قال الحسن بن إبراهيم بن رياح: سألت عبد الله بن العباس الربيعي من أحسن من أدركت صنعة. قال إسحاق قلت: ثم من؟ قال: علوية. قلت: ثم من؟ قال: متيم. قلت: ثم من؟ قال: أنا، فعجبت من تقديمه متيم على نفسه، فقال: الحق أحق أن يتبع.
وكانت متيم جالسة بين يدي المعتصم ذات يوم ببغداد وإبراهيم بن المهدي حاضر فغنت متيم:
لزينب طيف تعتريني طوارقه
…
هدوا إذا ما النجم لاحت لواحقه
فأشار غليها إبراهيم أن تعيده فقالت ميتم للمعتصم: يا سيدي، إبراهيم يستعيدني الصوت وكأني أراه يريد أن يأخذه. فقال: لا تعيديه.
فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضراً مجلس المعتصم ومتيم غائبة، فانصرف إبراهيم بعد حين على منزله ومتيم في منزلها بالميدان وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفة على الطريق فسمعها تغني هذا الصوت، فضرب باب المنظرة بمقرعة.
وقال: قد أخذناه بلا حمدك، وكان المأمون سأل علي بن هشام أن يهبها له وكان بغنائها معجباً، فدفعه عن ذلك ولم يكن له منها ولد وقتئذٍ فلما ألح المأمون في طلبها حرص على أن تعلق منه حتى حملت ويئس المأمون منها فيقال: إن ذلك كان سبباً لغضبه عليه حتى قتله.
وقال علي بن محمد الهشامي: إنه أهدى على علي بن هشام برذون أشهب قرطاسي وكان في النهاية من الحسن والفراهة وكان علي به معجباً وكان إسحاق يرغب فيه رغبة شديدة وعرض لعلي يطلبه مراراً فلم يرض أن يعطيه له فسار إسحاق إلى علي يوماً يعقب صنعة متيم في هذا الصوت.
فلا زلن حسرى ظلعاً كم حملنها
…
إلى بلد ناء قليل إلا صادق
فاستعاده إسحاق واستحسنه ثم قال له: بكم تشتري مني هذا الصوت؟ فقال علي بن هشام: جاريتي تصنع هذا الصوت وأشتريه منك! قال: قد أخذته الساعة وأدعيه، فقول من يصدق قولي أو قولك فاختر الآن مني خلة من اثنتين إما أن تهبني البرذون وتحملني عليه وأما أن أبيت فأدعي والله هذا الصوت لي وقد أخذته قال: علي يؤخذ قولك ويترك قولي لا والله ما أظن هذا ولا اراه يا غلام قدم هذا البرذون إلى منزل أبي محمد بسرجه ولجامه لا بارك الله لك فيه.
وكلم ابن هشام متيم يوماً في كلام فأجابته جواباً لم يرضه، فدفع يده في صدرها فغضبت ونهضت فتناقلت عن الخروج غليه فكتب إليها:
فليت يدي بانت غداة مددتها
…
إليك ولم ترجع بكف وساعد
فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا
…
فلست إلى يوم التنادي بعائد
فصنعت له لحناً وخرجت غليه وصالحته وغنته الصوت. وعتبت عليه مرة فتمادى عتبها وترضاها فلم ترض فقال الدلال: يدعو إلى الملال، ورب هجر دعا إلى صبر، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه، ولقد صدق
العباس بن الأحنف حيث يقول:
ما أراني إلا سأهجر من لي
…
س يراني أقوى على الهجران
قد حدا بي على الجفاء وفائي
…
ما أضر الوفاء بالإنسان
فخرجت إليه من وقتها وقال الهشامي: كانت متيم تحبني حباً شديداً محبة الأخت لأخيها، وكانت تعرف أني أحب النبق، فبينما أنا جالس في داري في ليلة من الليالي في وقت السحر إذا أنا ببابي يدق فقيل: من هذا؟ فقالوا: خادم متيم يريد أن يدخل إليك. فقلت: يدخل، فدخل ومعه صينية فيها نبق، فقال لي: إن متيم تقرئك السلام وتقول لك: كنت عند أمير المؤمنين المعتصم بالله فجاءه نبق من أحسن ما يكون فأمر أن يوضع في صينية ويقدموها إلى متيم ففعلوا فأمرتني أن آتي بها إليك ودفعت إلي كمية من النقود حتى أدفعها إلى الحراس ليخرجوني بها وها هي عند المعتصم.
ووفدت على علي بن هشام جدته من خراسان فقالت له يوماً: اعرض علي جواريك. فعرضهن عليها ثم جلس على الشراب وغنت متيم وأطالت جدته الجلوس، فلم ينبسط ابن هشام إليهن كما كان يفعل فقال هذين البيتين:
أيبقى على هذا وأنت قريبة
…
وقد منع الزوار بعض التكلم
سلام عليكم لا سلام مودع
…
ولكن سلام من حبيب متيم
وكتبها في رقعة ورمى بها إلى متيم فأخذتها ونهضت إلى الصلاة ثم عادت وقد صنعت فيه لحناً فغنت فقالت: شاهك وهي جدة ابن هشام وما أرانا ألا قد ثقلنا عليكم اليوم وأمرت الجواري فحملن محفتها وأمرت بجوائز للجواري وساوت بينهن وأمرت لمتيم بمائة ألف درهم.
ومرت متيم في نسوة وهي مستخفية بقصر علي بن هشام بعد قتله، فلما رأت بابه مغلقاً لا أنيس عليه وقد علاه التراب والغبرة وطرحت في أفنيته المزابل وقفت وقالت:
يا منزلاً لم تبل أطلاله
…
حاشى لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني
…
أبكيت عيني فيك وإذ ولى
قد كان لي فيك هوى مدة
…
غيبه الترب وما هلا
فصرت أبكي جاهداً فقده
…
عند ادكاري حيثما حلا
فالعيش أولى ما بكاه الفتى
…
لا بد للمحزون أن يسلى
ثم سقطت من قامتها وجعل النسوة يناشدنها ويقلن: الله الله في نفسك فإنك لا تؤاخذين الآن فبعد كل جهد حملت تتهادى بين امرأتين حتى تجاوزت الموضع.
وقالت متيم: بعث إلي المعتصم بعد قدومه بغداد فذهبت غليه فأمرني بالغناء فغنيت:
هل مسعد لبكاء
…
بعبرة أو دماء
وذا لفقد خليل
…
لسادة نجباء
فقال: أعد لي عن هذا البيت إلى غيره فغنيته غيره عن معناه فدمعت عيناه وقال: غني غير هذا فغنيته.
أولئك قومي بعد عز ومنعة
…
تفانوا وإلا تذرف العين أكمد
فبكى وقال: ويحك لا تغني في هذا المعنى شيئاً فغنيت: