الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال لي: تقدم إلى الستارة فألقه على فريدة. فألقيته عليها. قالت: هو خلي أو خل كيف هو؟ فعلمت أنها سألتني عن صاحبه لها اسمها خل وكانت ربية معها وأخفت ذلك عن الواثق. وبقيت مدة في دار خلافة الواثق حتى ماتت عنده.
فضل المدينة
كانت حاذقة بالغناء، كاملة الخصال وأصلها لإحدى بنات هارون الرشيد. ونشأت وتعلمت ببغداد ودرجت من هناك إلى المدينة المنورة فازدادت طبقتها في الغناء وأخذ عنها جملة من المغنين، ولها أصوات حسنة مذكورة بالأغاني وبقيت بالمدينة إلى أن ماتت بها.
فضل الشاعرة
كانت فضل جارية مولدة من مولدات البصرة وكانت أمها من مولدات اليمامة بها ولدت ونشأت في دار رجل من عبد القيس وباعها بعد أن أدبها وخرجت واشتريت وأهديت إلى المتوكل، وكانت هي تزعم أن الذي باعها أخوها وأن أباه وطئ أمها فولدتها منه فأدبها وخرجها معترفاً بها وأن بنيه من غير أمها (تواطؤوا) على بيعها وجحدها ولم تكن تعرف بعد أن أعتقت إلا بفضل العبيدية، وكانت حسنة الوجه والجسم والقوام أديبة فصيحة سريعة البديهة مطبوعة في قول الشعر. ولم يكن في نساء زمانها أشعر منها.
قال أحمد بن أبي طاهر: كانت فضل الشاعرة مع رجل من النخاسين بالكرخ يقال له: حسنويه فاشتراها محمد ابن الفرج أخو عمر بن الفرج أخو عمر بن الفرج الراجحي وأهداها إلى المتوكل فكانت تجلس للرجال ويأتيها الشعراء فألقى عليها يوماً أبو دلف القاسم بن عيسى:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم
…
أشهى المطي إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة
…
نظمت وحبة لؤلؤ لم تنقب
فقالت فضل مجيبة له:
إن المطية لا يلذ ركوبها
…
ما لم تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أصحابه
…
حتى يؤلف للنظام بمثقب
ولما دخلت على المتوكل يوم أهديت إليه قال لها: أشاعرة أنت؟ قالت: كذا زعم من باعني واشتراني، فضحك وقال: أنشدينا من شعرك، فأنشدته:
استقبل الملك إمام الهدى
…
عام ثلاث وثلاثينا
خلافة أفضت إلى جعفر
…
وهو ابن سبع بعد عشرينا
إنا لنرجو يا إمام الهدى
…
أن تملك الناس ثمانينا
لا قدس الله امراً لم يقل
…
عند دعائي لك آمينا
فاستحسن الأبيات وأمر لها بخمسة آلاف درهم وأمر عريب فغنت فيها.
وكان المعتمد بن المتوكل عرضت عليه جاريته وهو صغير في خلافة أبيه فاشتط مولاها في السوم فلم يشترها وخرج بها مولاها إلى ابن الأغلب، فبيعت هناك.
ولما ولي المعتمد الخلافة سأل عن خبرها فقيل له: إنها بيعت وأولدها مولاها الذي اشتراها فقال لفضل: قولي فيها شيئاً. فقالت:
علم الجمال تركتني
…
في الحب أشهر من علم
ونصبتي يا خيبتي
…
غرض المظنة والتهم
فارقتني بعد الدنو
…
فصرت عندي كالحلم
لو أن نفسي فارقت
…
جسمي لفقدك لم تلم
ما كان ضرك لو وصلت
…
فخف عن قلبي الألم
أو لا فطيفي في المنا
…
م فلا أقل من اللمم
صلاة المحب حبيبه
…
الله يعلمه كرم
وكتب محمد بن العباس اليزيدي يوماً لها هذه الأبيات:
أصبحت فرداً هائم العقل
…
إلى غزال حسن الشكل
أخني فؤادي طول عهدي به
…
وبعده عني وعن وصلي
منية نفسي في هوى فضل
…
أن يجمع الله بها شملي
أهواك يا فضل هوى خالصاً
…
فما بقلبي عنك من شغل
فأجابته:
الصبر ينقص والسقام يزيد
…
والدار دانية وأنت بعيد
أشكوك أم أشكو إليك فإنه
…
لا يستطيع سواهما المجهود
إني أعوذ بحرمتي بك في الهوى
…
من أن يطاع لديك في حسود
وكانت تهوى أحد جلسائها في مجلس الخليفة، والخليفة لا يعلم ذلك، فكتب لها خليلها يوماً رقعة وسلمها لها بحيث لا أحد يراهما، فلما فضتها وجدت فيها:
ألا ليت شعري فيك هل تذكرينني
…
فذكراك في الدنيا حبيب
وهل لي نصب من فؤادك ثانياً
…
كما لك عندي في الفؤاد نصيب
ولست بموصل فأحيا بزورة
…
ولا النفس عند اليأس عنك تطيب
فكتبت إليه:
نعم وإلهي إنني بك صبة
…
فهل أنت يا من لا عدمت مثيب
لمن أنت منه في الفؤاد مصور
…
وفي العين نصب العين حين تغيب
فثق بوداد أنت مظهر مثله
…
على أن بي سقماً وأنت طبيب
ومرة اتكأ المتوكل على يدها ويد بنان الشاعر وجعل يمشي في داره وقال لهما أجيزا إلي قول الشاعر:
تعلمت أسباب الرضا خوف عتبها
…
وعلمها حبي لها كيف تغضب
فقالت فضل:
تصد وأدنو بالمودة جاهداً
…
وتبعد عني بالوصال وأقرب
فقال بنان:
وعندي لها العتبى على كل حالة
…
فما منه لي بد ولا عنه مذهب
وألقى أحد أصحاب أحمد بن طاهر عليها يوماً:
ومستفتح باب البلاء بنظرة
…
تزود منها قلبه حسرة الدهر
فقالت بديهة:
فو الله لا يدرى أندري بما جنت
…
على قلبه أو أهلكته وما ندري
وكان علي بن الجهم يوماً عند فضل الشاعرة فلحظها لحظة استرابت بها فقالت:
يا رب رام حسن تعرضه
…
يرمي ولا يشعر أني غرضه
فقال مجيباً لها:
أي فتى لحظك لم يمرضه
…
وأي عقد محكم لم ينقضه
فضحكت وقالت: خذ في غير هذا الحديث.
وكان بينها وبين سعيد بن حميد الشاعر مراسلات ومواصلات أدبية فحضر مجلسها يوماً ومعه بنان فأقبلت على بنان وتركته، وذهب مغضباً لها وظهر لها في وجهه ذلك فكتبت إليه:
وعيشك لو صرحت باسمك في الهوى
…
لا قصرت عن أشياء بالهزل والجد
ولنني أبدي لهذا مودتي
…
وذاك وأخلو فيك بالبث والوجد
مخافة أن يغرى قول كاشح
…
عدو فيسعى بالوصال إلى الصد
فكتب إليها سعيد:
تنامين عن ليلي وأسهره وحدي
…
وأنهى جفوني أن تبثك ما عندي
فإن كنت لا تدرين ما قد فعلته
…
بنا فانظري ماذا على قاتل العمد
وجاءها أبو يوسف بن الدقاق الضرير وأبو منصور الباخرزي زائرين فحجبا عن الدخول إليها، ولما رجعا وعلمت بمجيئهما وانصرافهما قبل مقابلتها غمها ذلك فكتبت إليهما تعتذر:
وما كنت أخشى أن تروا لي زلة
…
ولكن أمر الله ما عنه مذهب
أعوذ بحسن الصفح منكم وقبلنا
…
بصفح وعفو ما تعوذ مذنب
فكتب إليها أبو منصور الباخرزي:
لئن أهديت عتباك لي ولإخوتي
…
فمثلك يا فضل الفضائل يعتب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه
…
وكل امرئ لا يقيل العذر مذنب
وقال المتوكل يوماً لعلي بن المنجم: كان بيني وبين فضل موعد وقبل مجيئها قد شربت وسكرت فنمت وجاءت فضل للموعد فحركتني بكل ما ينتبه به النائم فلم أنتبه فلما علمت أن لا صلة لها في كتبت رقعة ووضعتها على مخدتي وانصرفت، فلما انتبهت وجدتها فإذا مكتوب فيها:
قد بدا شبهك يا مو
…
لاي يحدو بالظلام
قم بنا نقضي لبانا
…
ت التزام والتآم
قبل أن تفضحنا عو
…
دة أرواح النيام
وكانت فضل تهاجي خنساء جارية هشام المكفوف -وكانت شاعرة- فكان أبو شبل عاصم بن وهب يعاون فضلاً عليها ويهجوها مع فضل، وكان القصيدي والحفصي يعينان خنساء على فضل وأبي شبل على لسان فضل:
خنساء طيري بجناحين
…
أصبحت معشوقة نذلين
من كان يهوى عاشقاً واحداً
…
فأنت تهوين عشيقين
هذا القصيدي وهذا الفتى ل
…
حافصي قد زاراك فردين
فضحت من هذا وهذا كما
…
ينعم خنزير بحشين
فقالت خنساء تجيبها:
ماذا مقال لك يا فضل بل
…
مقال خنزيرين فردين
يكنى أبا الشبل ولو أبصرت
…
عيناه شبلا راث كزين
وقالت فضل في خنساء:
إن خنساء لا جعلت فداها
…
اشتراها الكسار من مولاها
ولها نكهة يقول محادث
…
ها أهذا حديثها أم فساها
وقالت خنساء في فضل وأبي شبل:
تقول له فضل إذا ما تخوفت
…
ركوب قبيح الذل في طلب الوصل
حرام فتى لم يلق في الحب ذلة
…
فقلت لها لا بل حرام أو شبل
وقالت خنساء تهجو أبا شبل لمساعدته فضل عليها:
ما ينقضي فكري وطول تعجبي
…
من نعجة تكنى أبا الشبل
لعب الفحول بسفلها وعجانها
…
فتمردت كتمرد الفحل
لما اكتنيت بما اكتنيت به
…
وتسمت النقصان بالفضل
كادت بنا الدنيا تميد ضحى
…
ونرى السماء تذوب كالمهل
ولما وصلت هذه الأبيات إلى أبي شبل غضب منها ولم يجب عليها وقال يهجو مولاها هشاماً:
نعم مأوى العذاب بيت هشام
…
حين يرمي اللثام باغي اللثام
من أراد السرور عند حبيب
…
لينال السرور تحت الظلام
فهشام نهاره ودجى الل
…
يل سواء نفسي فداء هشام
ذاك حر دواته ليس تخلو أبداً من تخرق الأقلام
وزارت فضل سعيد بن حميد ليلة على موعد بينهما، فلما حصلت عنده جاءتها جاريتها مبادرة تعلمها أن رسول الخليفة قد جاء يطلبها، فقامت مبادرة، فمضت فلما كان من غد كتب إليها ابن حميد:
ضن الزمان بها فلما نلتها
…
ورد الفراق فكان أقبح وارد
والدمع ينطق للضمير مصدقاً
…
قول المقر مكذباً للجاحد
وقال لها عبيد بن محمد صبيحة قتل المنتصر والمعتز ماذا نزل بكم البارحة؟ فقالت:
أن الزمان بذحل كان يطلبنا
…
ما كان أغفلنا عنه وأسهانا
مالي وللدهر قد أصبحت همته
…
مالي وللدهر ما للدهر لا كانا
وخرجت فيحة جارية المتوكل إلى سيدها يوم نيروز وبيدها كأس بلور بشراب صاف فقال لها: ما هذا فديتك؟ قالت: هديتي لك في هذا اليوم عرفك الله بركته، فأخذها من يدها ونظر إليها فإذا مكتوب على خدها
نقطة جعفر بالمسك فشرب الكأس وقبل خدها وكانت فضل الشاعرة واقفة على رأسه فقالت:
وكاتبة بالمسك في الخد جعفراً
…
بنفسي سواد المسك من حيث أثرا
لئن أثرت بالمسك سطراً بخدها
…
لقد أودعت قلبي من الحزن أسطرا
فيا من مناها في السريرة جعفر
…
سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا
ثم قالت أيضاً:
سلافة كالقمر الباهر
…
في قدح كالكوكب الزاهر
يديرها خشف كبدر الدجى
…
فوق قضيب أهيف ناضر
على فتى أروع من هاشم
…
مثل الحسام المرهف الباتر
فلما سمع المتوكل هذه الأبيت طرب طرباً شديداً وأمر فغنى بها وأنعم على فضل إنعاماً زائداً وكتبت فضل إلى سعيد بن حميد يوماً.
تبث هواك في بدني وروحي
…
فألف فيهما طمع بياس
فأجابها سعيد في وقتها:
كفانا الله شر الياس إني
…
لبغض الياس أبغض كل آس
قال ابن أبي المدور الوراق: كنت يوماً عند سعيد بن حميد وكان قد ابتدأ ما بينه وبين فضل يتشعب وقد بلغ ميلها إلى بنان المغني وهو بين المصدق والمكذب بذلك، فأقبل على صديق له فقال: قد أصبحت والله من أمر فضل في غرور أخادع نفسي بتكذيب العيان، وأمنتها ما قد حيل دونه، والله إن إرسالي بعدها قد لاح من تغيرها لذلك وإن عدولي في أمرها مشبه بالعجز وإن تصبري لمن دواعي التلف ولله در محمد بن أمية حيث يقول:
يا ليت شعري ما يكون جوابي
…
أما الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجلت نفسي الظنون وأشعرت
…
طمع الحريص وخيفة المرتاب
وتروعني حركات كل محرك
…
والباب يقرعه وليس ببابي
كم نحو باب الدار لي من وثبة
…
أرجو الرسول بمطمع كذاب
والويل لي من بعد هذا كله
…
إن كان ما أخشاه رد جوابي
قال ابن المنجم: غضب بنان المغني على فضل الشاعرة في أمر أنكره عليها فاعتذرت إليه فلم يقبل معذرتها فأنشدت في ذلك مصبرة نفسها.
يا فضل صبراً إنها ميتة
…
يجرعها الكاذب والصادق
ظن بنان أنني خفته
…
روحي إذا من بدني طالق
وقال المتوكل لعلي بن الجهم: قل بيتاً وطالب فضل الشاعرة بأن تجيزه. فقال علي: أجيزي يا فضل:
لاذبها يشتكي إليها
…
فلم يجد عندها ملاذا
فأطرقت هنيهة ثم قالت:
فلم يزل ضارعاً إليها
…
تهطل أجفانه رذاذا
فعاتبوه فزاد عشقاً
…
فمات وجداً فكان ماذا
فطرب المتوكل وقال: أحسنت وحياتي وأمر لها بمائتي دينار وأمر عريب فغنت بها وكتب سعيد بن حميد إلى فضل رقعة قال في آخرها:
تظنون أني قد تبدلت بعدكم
…
بديلاً وبعض الظن إثم ومنكر
إذا كان قلبي في يديك رهينة فكيف بلا قلب أصافي وأهجر
قال إسحاق بن مسافر: كنت يوماً عند سعيد بن حميد إذ دخلت عليه فضل على غفلة فوثب إليها وسلم عليها وسألها أن تقيم عنده فقالت: قد جاءني وحياتك رسول من القصر فليس يمكنني الجلوس وكرهت أن أقيم ببابك ولا أراك فقال: سعيد من وقته على البديهة.
قربت ولا نرجو اللقاء ولا نرى
…
لنا حيلة يدنيك منا احتيالها
فأصبحت كالشمس المنيرة ضوءها
…
قريب ولكن أين منا منالها
وظاعنة ضنت بها غربة النوى
…
علينا ولكن قد يلتم خيالها
تقربها الآمال ثم تعوقها
…
مماطلة الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنية فلعلها
…
يجود بها صرف النوى وانتقالها
وتغاضب سعيد بن حميد وفضل أياماً ثم كتب إليها:
تعالي نجدد عهد الرضا
…
ونصفح في الحب عما مضى
ونجري على سنة العاشقين
…
ونضمن عني وعنك الرضا
ويبذل هذا لهذا هواه
…
ويصير في حبه للقضا
ونخضع ذلً خضوع العبيد
…
لمولى عزيز إذا أعرضا
فإني مذلج هذا العتاب
…
كأني أبطنت جمر الغضى
فسارت إليه وصالحته.
وكان سعيد بن حميد صديقاً لأبي العباس بن ثوابة فدعاه يوماً وجاءه رسول فضل يسأله المصير إليها، فمضى معه وتأخر عند أبي العباس، فكتب إليه رقعة يعاتبه معاتبة فيها بعض الغلظة فكتب إليها سعيد:
أقلل عتابك فالبقاء قليل
…
والدهر يعدل تارة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه
…
إلا بكيت عليه حين يزول
ولكل نائبة ألمت مدة
…
ولكل حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الإخاء جماعة
…
إن حصلوا أفناهم التحصيل
ولعل إحداث الليالي والردى
…
يوماً ستصدع بيننا وتحول
فلئن سبقت لتبكين بحسرة
…
وليكثرن على منك عويل
ولتفجعن بمخلص لك وامق
…
حبل الوفاء بحبله موصول
وحضر يوماً في منزل بعض إخوانه فوجد عندهم فضل، فأقام معهم عامة يومهم، وآخر النهار غضبت منهم على النبيذ، ثم انصرفوا وهم على ذلك وبعد أيام اجتمع سعيد مع إخوانه المذكورين وتصادف مجيء فضل على غير موعد، فدخلت عليهم وسلمت عليهم سواه فقالوا لها: أتهجرين أبا عثمان؟ فقالت: أجب أن تسألوه أن لا يكلمني. فقال سعيد:
اليوم أيقنت أن الهجر متلفة
…
وأن صاحبه منه على خطر
كرب الحياة لمن أمسى على شرف
…
من الميتة بين الخوف والحذر
يلوم عينيه أحياناً بذنبهما
…
ويحمل الذنب أحياناً على القدر
تنأون عنه وينأى قلبه معكم
…
فقلبه أبداً منه على سفر
فوثبت إليه وقبلت رأسه وقالت: لا أهجرك والله أبداً ما حييت. وبعد ذلك بمدة غضبت عليه فكتب إليها:
يا أيها الظالم ما لي ولك
…
أهكذا تهجر من واصلك
لا تصرف الرحمة عن أهلها
…
قد يعطف المولى على من ملك
ظلمت نفساً فيك علقتها
…
فدار بالظلم على الفلك
تبارك الله فما أعلم الله
…
بما ألقى وما أغفلك
فراجعت وصله وسارت إليه جواباً لرقتها: وكان سعيد يوماً في مجلس الحسن بن مخلد إذ جاءه غلام برقعة فضل، فقرأها وضحك فقال الحسن بن مخلد: بحياتي عليك أقرأتها فدفعها إليه فقرأها وإذا هي تشكو فيها شدة شوقها إلى سعيد فضحك وقال: قد وحياتي ملحت فأجب فكتب إليها:
يا واصف الشوق عندي من شواهده
…
قلب يهيم وعين دمعها يكف
والنفس شاهدة بالود عارفة
…
وأنفس الناس بالأهواء تأتلف
فكن على ثقة مني وبينة
…
أني على ثقة من كل ما تصف
فلما وصل إليها الجواب طاب قلبها وسارت إليه وأقامت عنده عامة النهار وكرت راجعة. ولما تعشقت بنان ابن عمر المغني وعدلت عن سعيد أسف عليها وأظهر تجلداً ثم قال فيها:
قالوا تعزى وقد بانوا فقلت لهم
…
بأن العزاء على آثار من بانا
وكيف يملك سلوانا لحبهم
…
من لم يطق للهوى سراً وكتمانا
كانت عزائم صبري أستعين بها
…
صارت علي بحمد الله أعوانا
لا خير في الحب لا تبدي شواكله
…
ولا ترى منه في العينين عنوانا
قال محمد بن السري: إنه توجه إلى سعيد بن حميد في حاجة له فوجده في منزل الحسن بن مخلد فقصده وإذا برسول فضل ناوله رقعة منها وفيها الأبيات التي أرسلتها إلى محمد بن العباس اليزيدي وأولها: الصبر ينقص والسقام تزيد وفي آخرها أنا يا أبا عثمان في حال التلف ولم تعدني ولا سألت عن خبري فأخذ بيد ابن السري ومضيا إليها فسألها عن خبرها فقالت: هو ذا أموت وتستريح مني. فانشأ يقول:
لا مت قبلي بل أحيا وأنت معاً
…
ولا أعيش إلى يوم تموتينا
لكن نعيش بما نهوى ونأمله
…
ويرغم الله فينا أنف واشينا
حتى إذا قدر الرحمن ميتتنا
…
وحان من أمرنا ما ليس يعدونا
متنا جميعاً كغصني بانة ذبلاً
…
من بعدما نضراً واستوسقا حينا