الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على يوم الفراق ويتمنى أن يكون بعدها التلاق.
هند بنت النعمان
ابن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم.
كانت هند من أجمل نساء أهلها وزمانها وأمها مارية الكندية وكان يهواها عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي ولها يقول:
علق الأحشاء من هند علق
…
مستسر فيه نصب وأرق
وهي قصيدة طويلة وفيها أيضا يقول:
من لقلب مدنف أو معتمد
…
قد عصى كل نصوح ومعد
وهي طويلة أيضا وفيها يقول:
يا خليلي يسرا التعسيرا
…
ثم روحا فهجرا تهجيرا
واعرجا بي على ديار لهند
…
ليس إن عجتما المطي كثيرا
وقد تزوجها وكان سبب عشقه لها أنها خرجت في خميس الفصح تتقرب في البيعة، ولها حينئذ إحدى عشرة سنة، وذلك في ملك المنذر وقد قدم عدي حينئذ بهديته من كسرى إلى المنذر والنعمان يومئذ فتى شاب، فاتفق دخولها البيعة، وقد دخلها عدي ليتقرب.
وكانت مديدة القامة، عبلة الجسم، معتدلة القوام فرآها عدي وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأملها وقد كان جواريها رأين عديا وهو مقبل فلم يقلن لها وذلك كي يراها عدي وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية قد كانت أحبت عديا فلم تدر كيف تأتي له.
فلما رأت هند عديا ينظر إليها شق عليها ذلك وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب فوقعت هند في نفس عدي فلبث حولا لا يخبر بذلك أحدا.
فلما كان بعد حول وظنت مارية أن هندا قد أضربت عما جرى وصفت لها بيعة رومية ووصفت لها من فيها من الرواهب ومن يأتيها من جواري الحيرة وحسن بنائها وسرجها وقالت لها: سلي أمك الإذن لك في إتيانها فسألتها ذلك فأذنت لها وبادرت مارية إلى عدي فأخبرته الخبر فبادر فلبس قباء كان أهداه له فرخان "شاه مرد"، وكان مذهبا لم ير مثله حسنا.
وكان عدي حسن الوجه مديد القامة حلو العينين حسن المبسم نقي الثغر وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة فدخل البيعة، فلما رأته مارية قالت لهند: انظري إلى هذا الفتى فهو والله أحسن من كل ما ترين من البرج وغيرها قالت: ومن هو؟ قالت: عدي بن زيد. قالت: أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب؟ قالت: ومن أين يعرفك وما رآك قط فلا تخافي من حيث يعرفك؟ فدنت هند منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله وحسن كلامه وفصاحته وما عليه من الثياب فذهلت لما رأته، وصارت تنظر إليه، وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها
فقالت لها: كلميه، فكلمته وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته، وانصرف هو بمثل حالها، فلما كان الغد تعرضت له مارية.
فلما رآها هش لها وكان قبل ذلك لا يكلمها وقال لها: ما غدا بك؟ قالت: حاجة إليك. قال: اذكريها فو الله لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه فعرفته أنها تهواه وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند وعاهدته على ذلك فأجاب طلبها، ثم أتت هندا فقالت: أما تشتهين أن تري عديا؟ قالت: وكيف لي به؟ قالت: أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه. قالت: أفعل، فواعدته إلى ذلك المكان. فأتاه وأشرفت هند عليه فكادت أن تموت وقالت: إن لم تدخليه إلي هلكت. فبادرت مارية إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته الخبر وذكرت أنها قد شغفت به وسبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح، وأنه لم يزوجها به افتضحت في أمره وماتت فقال لها: ويلك، وكيف أبدؤه بذلك؟ فقالت: هو أرغب من أن تبدأه أنت، وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره، وأتت عديا فأخبرته الخبر وقالت: ادعه فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه هندا فإنه غير رادك.
قال: أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا. قالت: ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه. فصنع عدي طعاما واحتفل فيه، ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام وذلك في يوم الاثنين فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه ففعل، فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام فكانت معه حتى قتله النعمان فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة حتى ماتت.
وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة وخطبها المغيرة، وقد مر بدير هند فنزل ودخل عليها بعد أن استأذن عليها، فأذنت له وبسطت له مسحا، فجلس عليه ثم قالت له: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطباً قالت: والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك، ولكنك أردت أن تقول في المواسم ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته فبحق معبودك أما هذا أردت. قال إي والله. قالت: فلا سبيل إليه. قال لها: إذا سألتك عن أمور هل أنت مجيبة لي عنها؟. قالت: نعم، قل. فقال: أخبريني ما كان أبوك يقول في هذا الحي من ثقيف.
قالت: ينسبهم من أياد وقد افتخر عنده رجلان من ثقيف أحدهما من بني سالم والآخر من بني يسار، فسألهما عن أنسابهما، فانتسب أحدهما إلى هوزان والآخر إلى أياد. فقال أبي: ما لحي معه على أياد فضل. فخرجا وأبي يقول:
إن ثقيفا لم تكن هوازنا
…
ولم تناسب عامر أو مازنا
إلا حديثا أثبت المحاسنا فقال المغيرة: أما نحن، فمن هوازن وأبوك أعلم، ثم قال: أخبريني أي العرب كان أحب إلى أبيك، قالت: أطوعهم له قال: ومن أولئك؟ قالت: بكر بن وائل. قال: فأين بنو تميم؟ قالت: مستفتهم في طاعة. قال فقيس. قالت: ما اقتربوا إليه بما يحب إلا استعقبوه بما يكره. قال: فكيف أطاع فارس؟ قالت: كانت طاعتهم إياه فيما يهوى فاكتفى المغيرة بذلك، ثم قام وانصرف، وقال فيها: