الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتزاحمهم على قدر أحلامهم وفضلهم.
وأما قولك: إنهم ليسوا بأكفاء فقاتلك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هشام بتزوجه صفية، وبتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ولا تراهم أهلا لأبي سفيان فرجع إليه فأعلمه ومن شعر خالد فيها:
أليس يزيد السير في كل ليلة
…
وفي كل يوم من أحبتنا قربا
أحن إلى بنت الزبير وقد علت
…
بنا العيس خرقا من تهامة أو نقبا
إذا نزلت أرضا تحبب أهلها
…
إلينا وإن كانت منازلها حربا
وإن نزلت ماء وإن كان قبلها
…
مليحا وجدناه ماء باردا عذبا
تجول خلاخيل النساء ولا أري
…
لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
أقلوا علي اللوم فيها فإنني
…
تخيرتها منهم زبيرية قربا
أحب بني العوام طرّا لحبها
…
ومن حبها أحببت أخوالها كلبا
ونشزت سكينة بنت الحسين عليها السلام على زوجها عبد الله بن عثمان فدخلت رملة على عبد الملك بن مروان وهو عند خالد بن يزيد بن معاوية فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أنه يبتذ أمرنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا· سكينة بنت الحسين قد نشزت على ابني· قال: يا رملة إنها سكينة· قالت: وإن كانت سكينة فوالله لقد ولدنا خيرهم، ونكحنا خيرهم، وأنكحنا خيرهم -تعني بمن ولدوا ففاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نكحوا صفية بنت عبد المطلب، ومن أنكحوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رملة، غرني منك عروة بن الزبير، فقالت: ما غرك، ولكن نصح لك لأنك قتلت أخي مصعبا فلم يأمني عليك· ولم تزل به حتى أصلح بين سكينة وعبد الله بن عثمان.
رميصاء بنت ملحان
رميصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية النجارية، وتلقب أم سليم أم أنس بن مالك· كانت عند مالك بن النضر والد أنس بن مالك في الجاهلية فغضب عليها وخرج إلى الشام ومات هناك، فخطبها أبو طلحة الأنصاري -وهو مشرك- فقالت: إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مرأة مسلمة فإن تسلم فلك مهري ولا أسألك غيره· فأسلم وتزوجها وحسن إسلامه فولدت له غلاما مات صغيرا وهو أبو عمير وكان معجبا به فأسف عليه، وولدت له عبد الله بن أبي طلحة -وهو والد إسحاق- فبارك الله في إسحاق وإخوته، وكانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم· وقيل: إن أبا طلحة لما خطب رميصاء قالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد زينة من الأرض يحبرها حبشي بني فلان؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي تعبد خشبة؟ إن أنت أسلمت فإني لا أريد منك الصداق غيره· قال: حتى أنظر في أمري· فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله· فقالت: يا أنس زوج أبا طلحة، فتزوجها· وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم· وروت عنه أحاديث· وروى عنها ابنها أنس وكانت من عقلاء النساء رضي الله عنها·
رولاند الفرنساوية
ولدت هذه الفاضلة في 17 اذار (مارس) عام 1754م، من أبوين فقيري الحال، مختلفي الأخلاق والآراء
وكانت أمها دمثة الأخلاق لينة العريكة، قانعة بهبات الباري تعالى· وكان أبوها طماعا سيء الطباع كثير التذمر والحقد على المكارم والأشراف، زاعما أنهم علة تعاسته وسبب فقره· ولذلك كان يندد بهم ككثيرين غيرهم من الفرنسويين، وتعلمت القراءة والكتابة قبل بلوغها الرابعة من عمرها، وتعلقت بالمطالعة حين لم يكن لأبويها طاقة على ابتياع الكتب لها، فأرسلاها إلى دير من الأديرة لتقتبس العلوم عن راهباته فأظهرت فهي من النجابة والبراعة في كل علم تعلمته ما جعلها فخراً لمعلماتها وقدوة لرفيقاتها، وأجادت في الموسيقى والتصوير وطالعت كل ما عثرت عليه من التواريخ ودواوين الشعر والرحلات والمقالات الدينية والعلمية والفكاهية والسياسية وبالغت في استقصاء أحوال اليونان والرومان القدماء واشتد ميلها إليهم· قيل: إن أباها وجدها ذات يوم منخرطة في البكاء من أجل أنها لم تولد رومانية وكثيراً ما كانت تتصور أمامها اليونان في سلطتهم والرومان في أوجه عظمتهم وتقابل بين أحوال ذينك الشعبين العظيمين وأحوال بلادها التي كانت قد أفرطت في الملاهي والترقي، وتهافتت على الباطل· فتنفر نفسها الأبية من الدنيا التي انغمس فيها أكابر قومها وتتمنى أن يسود الإنصاف وتسن بها الشرائع العادلة أبناء وطنها· والظاهر أن ذلك رسخ في ذاكرتها منذ نعومة أظافرها لكثرة ما كان أبوها يلقي على مسامعها من الأحاديث عن الملوك والأشراف، وهو يجول بها في شوارع باريس، ويريها قصورها الشاهقة ومبانيها الفاخرة وأشراف المدينة، وسيداتها خارجين إلى المتنزهات العمومية في عجلاتهم المذهبة بالخدم والحشم، لا هين بالأحاديث الفارغة، وخيولهم تدوس المساكين والبائسين وهم لا يبالون، ثم يقول لها: انظري يا ابنتي أين العدل والإنصاف؟ أين الآخذون بناصر الإنسانية ليقتصوا من هؤلاء البرابرة القساة ألا ترين أنهم يتوسدون الحرير والديباج، ويعيشون بالترف والعشب غارق في بحار الهموم محاط بالأتعاب يصل الليل بالنهار في الكد والكدح ليحصل الخيرية التي يتمتع بها هؤلاء العتاة؟
وخرجت من المدرسة وهي في الرابعة عشرة فجعلت أمها تمرنها على أشغال البيت فتخضع لأوامرها خضوعا تاما علما منها أن الأشغال البيتية من أهم واجبات المرأة، وكانت تبتاع لوازم بيتها بنفسها، فأكرمها البائعون لنباهتها ورزانتها، ولما بلغت سن الزواج تقاطر عليها الطلاب من كل فج، فرفضت طلبهم قائلة لوالديها: إن الطبيعة والشرائع قد اتفقت على وجوب تفضيل الرجل على المرأة فأخجل أن أختار من لا يكون أهلا لهذا المقام السامي وحدث أن أحد الأشراف دخل مخزن أبيها ورأى إنشاءاتها فدهش من براعة أساليبها، وراعه إتقان قريحتها، فكتب إليها كتابا يحثها فيه على التأليف، فأجابته لذلك بأبيات شائقة دقيقة المعنى أظهرت فيها الموانع التي تحول دون وصول المرأة إلى مثل تلك المنزلة الرفيعة، ومن ذلك اليوم جرت المكاتبة بينهما وكان لهذا الشريف ابن من أهل الطيش والجهالة فأراد أن يزوجه بها ظنا منه أن حكمتها وعزمها يهديانه سواء السبيل، فأبت ومن معرفتها بهذا الرجل تمكنت من معاشرة الأشراف رغبة في الاطلاع على شؤونهم ولكنها لم تقتبس شيئا من عوائدهم القبيحة ولا شاركتهم في آرائهم، بل زادت بهم احتقارا إذ كان دأبهم الطرب والملاهي، وهمهم التأنق بالزينة والملابس· وفي 4 شباط (فبراير) سنة 1780م، تزوجت ب"رولاند" أحد مفتشي المعامل في مدينة "ليون" وكان رجلا من ذوي الوجاهة والبراعة في العلوم جامعا بين الفضائل والمكارم، مشهوراً بالفضل والمآثر، له كتابات عديدة تدل على جودة عقله، فأقاما سنة في باريس ثم انتقلا إلى مدينة "امبان"، ثم رجعا منها إلى "ليون" حيث
قضت أسعد أيام حياتها وأظهرت مناقب المرأة الكاملة، فرتبت بيتها على أحسن منوال، وعكفت على تربية ابنتها وتعليمها بنفسها، وكانت إذا انتقلت إلى مصيف زوجها (في لبلاتبيه) تخصص جانبا من وقتها لزيارة المرضى والمساكين المجاورين لها وتعالجهم بنفسها لعدك وجود طبيب يعالجهم، فأحبوها محبة تفوق الوصف واشتهرت بينهم بالفضائل والفواضل· ولها على زوجها الفضل الأعظم· قال أحد أصحابه: لا أرى بين المحدثين من يشابه كانون الرماني في أكثر من "رولاند"· والحق أن يقال: "رولاند" مديون لامرأته بشجاعته ومعارفه فإنها كانت متخذة أفكاره ومعنية بأعماله وكثيرا ما كانت تصلح كتاباته وتقوم براهينه بغزارة معارفها، وقوة بيانها، واتقاد تصوراتها حتى طار صيته في بلاغة الإنشاء وقوة الكتابة· ولما بلغها نبأ الثورة الفرنسوية تلقته بالترحاب زعما منها أن الثورة أقرب طريق لسعادة فرنسا وأحسن بشرى بتبديل أحوال هاتيك الأيام بأحسن منها، فبذلت كل قواها في تحريك الخواطر إليها فلم يمض طويل الزمان حتى أضرمت نار الغيرة والحماسة في قلوب أهل وطنها وحركت زوجها وأصحابها فأداروا دولاب الثورة بمدينتهم "ليون" وعلقت آمال الشعب"دولاند" وامرأته بخلع غل الظلم عن أعناقهم، فوقف لهما جماعة من الأشراف بالمرصاد ووضعوا عليهما العيون، فما ثناهما ذلك عن عزمهما وزاد الناس حبا في "رولاند" فاختاروه نائبا عن مدينة "ليون" في مجمع الأمة الذي استدعاه "لويس السادس عشر" في بادئ الثورة فتوجه هو وامرأته في 20 شباط (فبراير) سنة 1791م، إلى باريس وكتبت مدام "رولاند" مقالة في أحوال تلك الأيام كان لها وقع عظيم· وفي آذار (مارس) سنة 1792م، انتخب زوجها وزيراً لداخلية وأعد لسكنه قصرا مفروشا مشيدا بالأثاث الفاخر ومزينا بالزينة البهية فدخلته مدام "رولاند" وكأنها خلقت له، ولم يبن إلا لها، ثم لما طلب من زوجها أن يشير على الملك بإعلان الحرب على المهاجرين وحلفائهم كتبت باسمه كتابا للملك قوي الحجة، عظيم التأثير حتى دهش زوجها من جراءتها وقوة أدلتها، ولكن كانت نتيجته خلع "رولاند" عن وظيفته ولذلك أشارت امرأته عليه أن يعرض كتابه على المجمع لتعلم الأمة سبب خلعه، ففعل، فعد ضحية لحب الوطن ثم طبع الكتاب ووزع نسخا عديدة في كل أنحاء المملكة، فهاجت الأمة بأجمعها حتى التزم الملك أن يرجعه إلى منصبه، فكانت زوجته سبب خلعه ثم نصبه ثانيا·
واتفق أم الجاكويين اجتهدوا أيام كانت العائة الملكية في السجن أن يهيجوا الشعب لينتقموا من مدام"رولاند" بدعوى أن لها دخلا في المكيدة التي كان يقصد بها تخليص الملك وإرجاعه إلى عرش الملك وتكلف بإتمام ذلك رجل لئيم يسمى "أشيل فيارد" لأظهر حزم "الجيرونديين" وهو يقصد باطنا أن يتجسس أعمالهم ويدبر على مدام"رولاند" مكيدة فكان حذراً حذرها منه فأوجست منه خيفة وأبعدته عنها احتقارا واستصغارا ومع ذلك فقد نجح باتهامها أمامك الجمع أنه كان بينها وبين أصحاب النفوذ في فرنسا وغيرها مراسلة سرية واتفاق على إنفاذ الملك فاستدعاها ديوان "الكونقاتسيون" لمرافعة خصمها والمدافعة عن نفسها فدخلت المحفل وكان غاصا بالجماهير وهم يحتدمون غيظا، وقد علا لغطهم، فلما جلست سكتت الضوضاء وأحدقت بها الأنظار، فدافعت عن نفسها وعن أصحابها دفاع أهل الحق والشيمة والشهامة، فبرأت نفسها وتلعثم لسان خصمها عن الكلام فرجع بصفقة خاسرة وأشار الرئىس أن يظهر الأعضاء علامات اعتبارهم لها، فهنأها الجميع وصفقوا لها استحسانا، وكان ذلك أمر من العلقم على أعدائها "