الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منفوسة بنت زيد بن أبي الغوار رضي الله تعالى عنها
كانت إذا مات ولدها تضع رأسه على حجرها وتقول: والله لتقدمك أمامي خير عندي من تأخرك بعدي ولصبري عليك أولى من جزعي عليك، ولئن كان فراقك حسرة، فإن في توقع أجرك لخيره. ثم تنشد قول عمرو بن معد يكرب رضي الله عنه:
وإنا لقوم لا تفيض دموعنا
…
على هالك منا وإن قصم الظهر
مهجة القرطبية صاحبة ولادة
كانت من أجمل النساء في زمانها وأخفهن، وعلقت بها ولادة ولازمت تأديبها، وكانت من أخف الناس روحا ووقع بينها وبين ولادة ما اقتضى أن تهجوها. ومن شعرها في ولادة حينما كانتا مصطلحتين.
لئن قد حمى عن ثغرها كل حائم
…
فما زال يحمى عن مطالبه الثغر
فذلك تحميه القواضب والقنا
…
وهذا حماه ممن لواحظها السحر
ولها أشعار كثيرة لم نشأ جمعها واقتصر منها على هذا المقدار.
مي ابنة طلابة بن قيس بن عاصم الغساني
كان جدها قيس من أجلاء ملوك العرب وأفاضلهم حتى ضربت به الأمثال لجلاله وسماحته، وحسن جواره ودماثته، وكانت مي قصيرة، عذبة الكلام، بليغة غزالة العينين زجاء الحاجبين مر عليها غيلان بن معدي الكناني المعروف بذي الرمة، وكان غيسانيا مليحا، وشاعرا فصيحا، فأدركه الظمأ فمال إلى سرداقعلا عروضه وأطنابه، وامتدت أوتاده وأسبابه، وإذا بمي تمشط رأسها وقد أسبلت شعرها كأنه عثاكيل النخل ووجهها يشف من خلاله فقال غيلان: هل من إداوة تنفي الأوام. وتشفي من السقام، فأسرعت إلى ماء شيب باللبن وسقته، ثم رحبت به وأنزلته فجلس يأكل مما هيأت، وعيونها تروي له عن الأيام ما خبأت فما انصرف آخر النهار إلا وفي قلبه لاعج وأوار، كأنهما مارج من نار، فعطف يعاودها على طول الشقة وفرط المشقة، وينشد:
وكنت إذا ما جئت ميا أزورها
…
أرى اورض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها
…
إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
وحدث يوما عقبة الفزاري فقال: ما معناه: أتاني يوما ذو الرمة. فقال: إن في مية خلوفا فهل لك أن تسعدني في الزيارة؟ فقلت: لبيك، ثم سرنا حتى إذا أتينا الربع نظرت النساء إلى غيلان فعرفنه فجئن يتهادين وبينهن مي حتى جلسن لائذات به فقال حسناء منهن: أسمعنا يا ذا الرمة ما قلت: فالتقت إلي وقال لي: أنشدها ما رويت
عني فاندفعت أقول قصيدته التي أولها:
وقفت على ربع لمية ناقتي
…
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
ولما بلغت قوله:
نظرت إلى أظعان مي كأنها
…
ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسلبت العيان والقلب كاتم
…
بمغرورق نمت عليه سواكبه
بكى وامق حال الفراق ولم تحل
…
حوائلها أسراره ومعاتبه
هو الألف قد حان الفراق ولم تحل
…
محاولها أسراره ومقانبه
قالت الحسناء: لكن اليوم فلتحل، ثم مضت في الإنشاد، حتى انتهت إلى قوله:
وقد حلفت بالله مية ما الذي
…
أحدثها إلا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني الله من حيث لا أرى
…
ولا زال في أرض عدو أحاربه
قالت مي: ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله! ثم ما زلت في الإنشاد حتى بلغت قوله:
إذا رحت من حب لمي سوارح
…
على القلب أمته جميعا عوازبه
قالت الحسناء: قتلته يا مي قتلك الله! فقالت مي: ما أصحه وهنيئا له، فأصعد ذو الرمة زفرة كاد حرها يحرق عارضيه أما أنا فداومت إنشادي حتى أنتهيت على قوله:
إذا راجعتك القول مية أوبدا
…
لك الوجه منها أو نضى الدرع سالبه
فيالك من خد أسيل ومنطق
…
رخيم ومرحوق تعلل شاربه
فقالت الحسناء باسمة: قدر وجع الآن القول وبدا الوجه فمن لنا بأن ينضى الدرع سالبه فضحكت مي ثم قالت الحسناء: إن لهذين شأنا ففرجوا عنهما. فقمت مع من قام وجلست بحيث أرهما فتعاتبا طويلا ولم يبرح غيلان من مكانه ولم يسمع حديثهما سوى قولها: كذبت والله ولا أدري بم كذبته. ثم جاءني ومعه نافجة طيب أهدته إياها فقال: شأنك وهده. ثم قال: وهذي قلادة أعطتنيها فو الله لأقلدنها بعيرا. ثم عقدها في سيفه كالحمائل وانصرفنا، ثم وقفنا على أطلال مي فأنشد:
ألا يا سلمى يا دار مي على البلي
…
ولا زال منهلا يجر عائك القطر
وإن لم تكوني غير شام بقفرة
…
تجر بها الأذيال صيفية كدر
وانضمت عيناه بالعبرة وقال: إني جلد صبور وإن كان مني ما ترى، ثم انصرفنا وكان آخر العهد به فو الله ما رأيت أشد منه صبابة ولا أحسن صبرا. ومن لطائف أشعاره قوله:
إذا هبت الأرياح من نحو جانب
…
به آل مي زاد قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما
…
هوى كل نفس أين حل حبيبها