الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا لا تقل مهلا فقد ذهب المهل
…
وما كان من يلحى محبا له عقل
حمى الملك الجبار عني لقاءها
…
فمن دونها تخشى المتألف والقتل
فلا خير في حب يخاف وباله
…
ولا في حبيب لا يكون له وصل
فوا كبدي إني اشتهرت بحبها
…
ولم يك فيما بيننا ساعة بذل
ويا عجبا أني أكاتم حبها
…
وقد شاع حتى قطعت دون السبل
فقال معاوية: قد والله فهمت المعنى لأني أراه يشكو الحرمان فالخطب فيه يسير، ثم حج عامئذ للسبب عينه ولما انقضت المناسك دعا بإشراف قريش وشعرائهم وأجزل لهم الصلاة.
فلما أزمع وهب الانصراف قال: إيه يا وهب ما لي أرى يزيد ساخطا عليك في قواريض تأتيه عنك وشعر تنطق به فبدأ أبو دهبل يطيل الاعتذار ويحلف أنه مكذوب عليه فقال معاوية: لا بأس عليك وما يضرك ذلك فأي بنات عمك أحب إليك، قال: فلانة، فقال: قد زوجتك بها وأمهرتها بألفي دينار ووهبتك ألف دينار.
فلما استوفاها قال: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفو عما مضى فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق فقد أبحت به دمي وأما ابنة عمي فهي طالق بتاتا فسر معاوية ووعده بإدرار الصلة كل عام وهو لم يقل فيها شعرا ووفى بوعده وبقيت عاتكة مغرمة به إلى أن ماتت.
عاتكة بنت يزيد بن معاوية
وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز، تزوجها عبد الملك بن مروان فهي أم يزيد بن عبد الملك بن مروان وكان يحبها بعبد الملك حبا مفرطا فغضبت عليه مرة وكان بينهما باب محجبة، فأغلقت ذلك الباب فشق غضبها على عبد الملك، وشكا إلى رجل من خاصته يقال له: عمر بن بلال الأسدي فقال: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك فأتى عمر إلى بابها وجعل يتباكى وأرسل إليها السلام، فخرجت إليه حاضنتها ومواليها فقلن: ما لك؟ قال: نزعت إلى عاتكة ورجوتها وقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده قلن: وما لك؟ قال: ابناي لم يكن لي غيرهما قتل أحدهما صاحبه.
فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر به. فقلت: أنا الولي وقد عفوت قال: لا أعود الناس على هذه العادة، فرجوت أن ينجي الله ابني هذا على يدها، فدخلن عليها فذكرن ذلك لها فقالت: وكيف أصنع مع غضبي عليه وما أظهرت له قلن: إذا والله يقتل فلم يزلن بها حتى دعت بثيابها فلبستها، ثم خرجت نحو الباب، فأقبل حديج الخصي قال: يا أمير المؤمنين، هذه عاتكة قد أقبلت. قال: ويلك، ما تقول قال: قد والله طلعت فأقبلت وسلمت، فلم يرد عليها السلام فقالت: أما والله لولا عمر ما جئت إن أحد بينه تعدى على الآخر فتله فأردت قتل الآخر وهو الولي وقد عفا قال: إن أكره أن أعود الناس على هذه العادة قالت: أنشدك الله يا أميرا لمؤمنين فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية وقد طرق بابي فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبلتها فقال: هو لك ولم يبرحا حتى اصطلحا، ثم راح عمر بن بلال إلى بعد الملك فقال: كيف رأيت قال: رأينا أثرك، فهات حاجتك. قال: مزرعة بعدتها وما فيها، وألف دينا، وفرائض لولدي وأهلي. قال: ذلك لك، ثم اندفع عبد الملك يتمثل بشعر كثير (وإني لأرعى قومها من جلالها)
.
ولعاتكة هذه حكاية مع الشعراء وذلك ما حكاه نصيب قال: إنه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء فقال: هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتى نأتي العقيق؟ قالوا: نعم، فركبوا أفضل ما عندهم من
الدواب ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب، وتنكروا ثم ساروا حتى أتوا العقيق، فجعلوا يتصفحون الأماكن حتى رفع لهم سواد عظيم، فأموه حتى أتوه فإذا وصائف وخدم ونساء بارزات فسألنهم أن ينزلوا فنزلوا ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت: ادخلوا فدخلوا على امرأة جميلة برزة على فرش لها فرحبت وحيت وإذا كراسي موضوعة فجلسوا جميعا في صف واحد كل إنسان على كرسي.
فقالت: إن أحببتم أن تدعو بصبي لنا فنعرك أذنه ونصيحة فعلنا وإن شئتم بالغداء فقالوا: بل تدعين بالصبي ولن يفوتنا الغداء فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلا كلمح البصر حتى جاءت جارية جميلة عليها مطرف قد سترت نفسها به فكشفوه عنها وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها فرحبت بهم وحيتهم فقالت لها مولاتها: خذي ويحك من قول نصيب عافى الله نصيبا.
ألا هل من البين المفرق من بد
…
وهل مثل أيام بمنقطع السعد
تمنيت أيامي أولئك والمنى
…
على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي
فغنته، فجاءت به كأحسن ما سمع بأحلى لفظ وأشجى صوت، ثم قالت لها: خذي أيضا من قول نصيب عافاه الله:
أرق المحب وعاده سهده
…
لطوارق الهم التي ترده
وذكرت من رقت له كبدي
…
وأبى فليس ترق لي كبده
لا قومه قومي ولا بلدي
…
فنكون حينا جيرة بلده
ووجدت وجدا لم يكن أحد
…
من اجله بصبابة يجده
إلا ابن عجلان الذي تبلت
…
هند ففات بنفسه كمده
قال: فجاءت به أحسن من الأول فكدت أطير سرورا، ثم قالت: ويحك خذي أيضا قوله:
فيا لك من ليل تمتعت طوله
…
وهل طائف من نائم متمتع
نعم إن ذا شجو متى يلق شجوه
…
ولو نائما مستعتب أو مودع
له حاجة قد طالما قد أسرها
…
من الناس في صدر بها يتصدع
تحملها طول الزمان لعلها
…
يكون لها يوما من الدهر منزع
وقد قرعت في أم عمرو لي العصا
…
قديما كما كانت لذي الحلم تقرع
قال نصيب: فجاءني والله شيء حيرني وأذهلني طربا لحسن الغناء وسرورا باختيارها لشعري وما سمعت فيه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها، ثم قالت: خذي من قوله أيضا:
يا أيها الركب إني غير تابعكم
…
حتى تلموا وأنتم بي ملمونا
فما أرى مثلكم ركبا كشكلكم
…
يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا
أم خبروني عن داء بعلمكم
…
وأعمل الناس بالداء الأطبونا
قال نصيب: فوالله لقد زهوت بما سمعت زهوا خيل لي أني من قريش، وأن الخلافة لي ثم قالت: حسبك يا بنية هات الطعام يا غلام فوثب الأحوص وكثير وقالا: والله لا نطعم لك طعاما ولا نجلس لك في مجلس فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا وقدمت شعر هذا على شعرنا، وأسمعت الغناء فيه وإن في أشعارنا لم يفضل شعره وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا فقالت علة معرفة كل ما كان مني فأي شعر كما أفضل من شعره أقولك يا أحوص؟