الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فألقى عمرو نفسه عن الفراش وقال: ما هذا يا ظريفة؟ قالت: هو خطب جليل، وحزن طويل، وخلف قليل والقليل خير من تركه، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: تذهب إلى السد فإذا رأيت جرذا يكثر في السد الحفر ويقلب برجليه من الجبل الصخر فاعلم أن القريب حضر، وأنه قد وقع الأمر.
قال: وما هذا الأمر الذي يقع؟ قالت: وعيد الله نزل، وباطل بطل، ونكال بنا نزل، فتعمده يا عمرو فليكن الثكل. فانطلق عمرو إلى السد يحرسه فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلا، فرجع إلى ظريفة فأخبرها الخبر وهو يقول:
أبصرت أمرا عاد لي منه ألم
…
وهاج لي من هوله برح السقم
من جرذ كفحل خنزير أجم
…
أو تيس حرم من أقاوين الغنم
يسحب صخرا من جلاميد العرم
…
له مخاليب وأنياب فطم
ما فاته سجلا من الصخر قصم
…
كأنما يدعي حصيرا من سلم
فقالت له ظريفة: إن علامات ما ذكرت لك أن تجلس في مجلسك بين الخبتين، ثم تأمر بزجاجة فتوضع بيده يديك فإنها ستمتلئ بين يديك من تراب البطحاء من سهله الوادي ورمله، وقد علمت أن الجنان مظلة ما يدخلها شمس ولا ريح.
فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه فلم تمكث إلا قليلا حتى امتلأت من تراب البطحاء فذهب الملك إلى ظريفة فأخبرها بذلك وقال لها: متى ترين هلاك السد؟ قالت: فيما بينك وبين السبعين سنة قال: ففي أيها يكون؟ قالت لا يعلم ذلك إلا الله ولو علمه أحد لعلمته، ولا يأتي عليك ليلة فيما بينك وبين السبعين سنة (وأظنها من سني حياته) إلا ظننت هلاكك في غدها أو تلك الليلة فكان كما قالت. وحصل ما حصل في خبر طويل.
حرف العين
عائشة بنت أبي بكر الصديق
ابن أبي قحافة القريشية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بنت ست سنين. وقيل سبع ودخل بها فيا لمدينة وهي بنت تسع. وقيل عشر وكان مولدها سنة أربع من النبوة وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر وكان صداقها أربعمائة درهم وكانت أحب نسائه إليه وكنيتها أم عبد الله كنيت بابن أختها أسماء، وروت عائشة ألفي حديث ومائتي حديث وعشرة أحاديث.
ولها خطب ووقائع وكانت هي السبب في وقعة الجمل المشهورة في الإسلام وذلك أن عائشة خرجت إلى مكة وعثمان محصور، ثم رجعت من مكة تريد المدينة.
فلما كانت برف لقيها رجل من أخوالها من ليث يقال له: عبيد بن أبي سلمة. فقالت له مهيم. قال: قتل عثمان وبقوا ثمانيا. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا على بيعة علي. فقالت: هذه انطبقت على هذه إن تم المر لصاحبك ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها: ولم إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أبي سلمة:
فمنك البداء ومنك الغير
…
ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام
…
وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله
…
وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السف من فوقنا
…
ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذاك اقتدار
…
يزيل الشبا ويقيم الصغر
ويلبس للحرب أثوابها
…
وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فنزلت فيه فاجتمع الناس حولها فقالت: أيها الناس، إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس ونقموا عليه استعماله من حدثت سنه، وقد استعمل أمثالهم قبله مواضع من الحمى حماها لهم، فتابعهم ونزع لهم عنها، فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام، والله لأصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه، أو الثوب من درنه أماصوه كما يماص الثوب بالماء (أي يغسل) . فقال عبد الله بن عامر الحضرمي: وكان عامل عثمان على مكة ها أنا أول طالب فكان أول مجيب وتبعه بنو أمية على ذلك وبذا صارت الحرب بخبر طويل يخرجنا عن الموضوع وروده.
ومما قالت عائشة عند دخولهم المربد واجتمع القوم وخرج أهل البصرة وعثمان بن حنيف وكان عاملا على البصرة فتكلمت وكانت جمهورية الصوت فحمدت الله وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزورون على عماله بالمدينة فيستشفعرننا فيما يخبرونا عنهم فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا ونجدهم فجرة غدرة كذبة، وهم يحاولون غير ما يظهرون، فلما قووا كاثروه فتحوا عليه داره واستحل الدم الحرام والشهر الحارم والبلد الحارم بلا شره ولا غدر ألا إن مما ينبغي ولا ينبغي لكم غير أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله وقرأت (أم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب) [آل عمران: 23] الآية وكانت فصيحة الكلام صحيحة المنطق فهاجت السامعين.
وقالت: أيضا يوم الجمل: أيها الناس، صه صه إن لي عليكم حق الأمومة وحرمة الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وأنا إحدى نسائه في الجنة له إدخرني ربي وسلمني من كل بضاعة وبي ميز بين منافقكم ومؤمنكم، وبي رخص الله لكم في صعيد الأبواء ثم أبى ثالث ثلاثة من المؤمنين وثاني اثنين الله ثالثهما. وأول من سمي صديقا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم راضيا عنه وطوقه طوق الإمامة، ثم اضطرب حبل الدين فمسك أبي بطرفيه ورتق لكم فتق النفاق، وأغاض نبع الردة وأطفأ ما حش يهود وانتم يومئذ جحظ العيون تنظرون الغدرة وتسمعون الصيحة فرأب الثأى، وأوذم العطلة، وانتاش من المهواة، واحتجى دفين الداء حتى أعطن الوارد وأورد الصادر، وعل الناهل فقبضه الله واطئا على هامات النفاق مذكيا نار الحرب للمشركين، وانتظمت بضاعتكم بحبله، ثم ولي أمركم رجلا مرعيا إذا ركن إليه بعيد ما بين اللايتين عروكه للأذن بجنسه صفوحا عن أذاة الجاهلين يقظان الليل في نصرة الإسلام فسلك مسلك السابقة ففرق شمل الفتنة وجمع أعضادها جمع القران، وأنا نصب المسألة عن مسيري هذا الم ألتمس إثما ولم أدلس فتنة أوطئكموها أقول قولي هذا صدقا وعدلا وإعذاراً وإنذاراً، وأسأل الله أن يصلي على محمد وأن يخلفه فيكم بأفضل خلافة المرسلين.
وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر لما قتل أبي محمد بن أبي بكر بمصر جاء عمي عبد الرحمن بن أبي بكر فاحتملني
أنا وأختا لي من مصر، فقدم بنا المدينة فبعث إلينا عائشة، فاحتملتنا من منزل عبد الرحمن إليها، فما رأيت والدة قط ولا والدا أبر منها، فلم نزل في حجرها ثم بعثت إلى عمي عبد الرحمن.
فلما دخل عليهما تكلمت فحمدت الله عز وجل وأثنت عليه فما رأيت متكلما ولا متكلمة قبلها ولا بعدها أبلغ منها، ثم قالت: يا أخي، إني لأم أزل أراك معرضا عني منذ قبضت هذين البنيين منك ووالله ما قبضتهما تطاولا عليك ولا تهمة لك فيهما ولا شيء تكره ولكنك كنت رجلا ذا نساء وكانا صبيين لا يكفيان من أنفسهما شيئا فخشيت أن يرى نساؤك منهما ما يتقذرن به من قبيح أمر الصبيان، فكنت ألطف لذلك وأحق لولايته، فقد قويا على أنفسهما وشبا وعرفا ما يأتيان فها هما هذان، فضمهما إليك وكن لهما كحجية بن المضرب أخي كندة فإنه كان له أخ يقال له: معدان، فمات وترك صبية صغارا في حجر أخي، فكان أبر الناس بهم وأعطفهم عليهم، وكان يؤثرهم على صبيانه فمكث بذلك ما شاء الله.
ثم إنه عرض له سفر لم يجد بدا من الخروج فيه فخرج وأوصى بهم امرأته وكانت إحدى بنات عمه وكان يقال لها: زينب، فقال اصنعي بيني أخي ما كنت أصنع بهم، ثم مضى لوجهه فغاب شهرا ثم رجع وقد ساءت حال الصبيان وتغيرت فقال: ويلك مالي أرى بني معدان مهازيل، وأرى بني سمانا؟ قالت: قد كنت أواسي بينهم، ولكنهم كانوا يعبثون ويلعبون فخلا بالصبيان، فقال: كيف كانت زينب تصنع بكم؟ قالوا: سيئة ما كانت تعطينا من القوت إلا ملء هذا القدح من لبن وأروه قدحا صغيرا، فغضب على امرأته غضبا شديدا وتركها حتى إذا راح راعيا إبله قال لهما: اذهبا فأنتما وإبلكما لبني معدان فغضبت من ذلك زينب وهجرته وضربت بينه وبينها حجابا فقال: والله لا تذوقين منها صبوحا ولا غبوقاً أبداً وقال في ذلك:
لججنا ولجت هذه في التغضب
…
ولط الحجاب بيننا والتجنب
وخطت بفردي إثمد جفن عينها
…
لتقتلني وشد ما حب زينب
تلوم على مال شفاني مكانه
…
فلومي حياتي ما بدا لك واغضبي
رحمت بني معدان إذ قل ما لهم
…
وحق لهم مني ورب المحصب
وكان اليتامى لا يسد اختلالهم
…
هدايا لهم مني في كل قعب مشعب
فقلت لعبدينا أريحا عليهم
…
سأجعل بيتي وبيت آخر مغرب
وقلت خذوها واعلموا أن عمكم
…
هو اليوم أولى منكم بالتكسب
عيالي أحق أن ينالوا خصاصة
…
وإن يشربوا رنقاً إلى حين مكسب
أحابي بها من لو قصدت لماله
…
حريباً لآساني على كل موكب
أخي والذي إن أدعه لعظيمة
…
يجبني وإن أغضب إلى السيف يغضب
قالت عائشة: فلما بلغ زينب هذا الشعر خرجت حتى أتت المدينة فأسلمت، وذلك في ولاية عمر بن الخطاب، فقدم حجية المدينة، فطلب زينب أن ترد عليه وكان نصرانيا فنزل بالزبير بن العوام فأخبره بقصته فقال له: إياك وأن يبلغ هذا عنك عمر فتلقي منه أذى وانتشر خبر حجية بالمدينة وعلم فيم كان مقدمه فبلغ ذلك عمر فقال للزبير: قد بلغني قصة ضيفك ولقد هممت به لولا تحرمه بالنزول عليك فرجع الزبير إلى حجية فأعلمه قول عمر فمدحه بأبياته الآتي أولها: (إن الزبير بن عوام تداركني) ثم انصرف من عنده متوجها إلى بلده آيسا من زينب كئيبا حزينا، فقال في ذلك:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب
…
وكيف تصابي المرء والرأس أشيب