الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهوى إلهيا الأفئدة والقلوب ولها الطولى في نظم الغزل والنسيب فمن ذلك قولها:
وعاذلة تغدو علي تلومني
…
على الشوق لم تمح الصبابة من قلبي
فما لي إن أحببت أرض عشيرتي
…
وأبغضت طرفاء القصية من ذنب
فلو أن ريحاً بلغت وهي مرسل
…
حفي لنا خبت الجنوب على النقب
فإني إذا هبت شمالاً سألتها
…
هل ازداد صداح النميرة من قرب
وهيبة بنت عبد العزى بن عبد قيس
كانت من شاعرات العرب اللاتي لهن علم بالأدب، وكانت متزوجة بشخص من قومها يسمى زيد بن مية، وكان جاراً للزبرقان بن بدر فشد عليه رجل يقال له هزال بن بني عوف بن كعب بن سعد بن عبد مناة فقتله بجوار الزبرقان فقالت امرأته ترثيه وتوبخ الزبرقان على تركه ثأره:
متى ترد وأعكاظ توافقوها
…
بأسماع مجادعها قصار
أجيران ابن مية خبروني
…
أعين لابن مية أو ضمار
تجلل خزيها عوف بن كعب
…
فليس لخلعها منه اعتذار
فإنكم وما تخفون منها
…
كذات الشيب ليس لها خمار
فلما سمع الزبرقان ذلك الشعر منها حلف ليقتلنه وبعد ذلك سعت العرب بينهما صلحاً فاصطلحا، وفدى ابن مية بمال وتزوج هزال بخليدة أخت البزرقان وانصرف الأمر.
ولادة بنت المستكفي بالله
ولادة بنت المستكفي الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الناصر ليدن الله الاموي. كانت واحدة زمانها المشار إليها في أوانها، حسنة المحاورة، مشكورة المذاكرة، مشهورة الصيانة والعفاف. أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر، وكانت تناضل الشعراء وتجادل الأدباء، وتفوق البرعاء، وعمرت عمراً طويلاً، ولم تتزوج قط.
وكانت نهاية في الأدب والظرف حضور شاهد، وحرارة آبد، وحكم منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها معلباً لجياد النظم والنثر، ويعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، وعلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أ، ها أوجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها.
وقيل: إنها بالغرب كعلية ابنة المهدي العباسي بالشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق وأما الأدب والشعر والنوادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صنعة في الغناء ولها نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء.
ومن أخبارها مع أبي الوليد بن زيدون
-كما قاله الفتح بن خاقان في "القلائد"-: أن ابن زيدون كان يكلف بولادة ويهيم ويستضيء بنور محياها في الليل البهيم. وكانت من الأدب والظرف وتتميم السمع والطرف بحيث تختلس القلوب والألباب، وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب.
فلما حل بذلك الضرب وانحل عقدة صبره بيد الكرب فر إلى الزهراء ليتوارى في نواحيها، ويتسلى برؤية موافيها، فوافاها والربيع قد خلع عليها برده، ونشر سوسنه وورده وأترع جداولها، وأنطق بلابلها، فارتاح ارتياح حميد لوادي القرى، وزاح من روضتها يانع وريحة طيبة الثرى، فتشوق إلى لقاء ولادة وحن، وخاف تلك النوائب والمحن، فكتب إليها يصف فرط قلقه وضيق أمده إليها وطلقه، ويعلمها أنه ما سلا عنها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر، ويعاتبها على إغفال تعهده، ويصف حسن محضره بها ومشهده:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً
…
والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله
…
كأنما رق لي فاعتل إشفاقا
والروض عن مائي الفضي مبتسم
…
كما حللت عن اللبات أطواقا
يوم كأيام لذات الهنا انصرفت
…
بتنا لها حين نام الدهر سراقا
نلهو بما يستميل العين من زهر
…
جال الندى فيه حتى مال أعناقا
كأنه أعين إذا عاينت أرقى
…
بكت لما بي فجال الدمع رقراقا
ورد تألق في ضاحي منابته
…
فازداد منه الضحى في العين إشراقا
سر بنافحة نيلوفر عبق
…
وسنان نبه منه الصبح أحداقا
كل يهيج لنا ذكرى تسوقنا
…
إليك لم يعد عنها الصدر أن ضاقا
لو كان في المنى في جمعنا بكم
…
لكان من أكرم الأيام أخلاقا
لا سكن الله قلباً عن تذكركم
…
فلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا
…
وافاكم بفتى أضناه ما لاقى
يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى
…
نفسي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا
كان التجاري بمحض الود من زمن
…
ميدان أنس جرينا فيه أطلاقا
فالآن أحمد ما كنا لعهدكم
…
سلوتم وبقينا نحن عشاقا
وكانت ولادة معجبة بنفسها مفتخرة على بنات جنسها حتى من زيادة إعجابها كتبت الذهب على الطراز الأيمن من عصابتها:
أنا والله أصلح للمعالي
…
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وكتبت على الطراز الأيسر:
وأمكن عاشقي من صحن خدي
…
وأعطى قبلتي من يشتهيها
وكانت قد طالت مدة مقابلتها مع لبن زيدون فهاج بها الشوق والغرام، وتضاعف عندها الوجد والهيام وذلك بعد ما دلت عليه إدلالها وتسربلت من التمنع أعظم سربالها فكتبت إليه قائلة:
ترقب إذا جن الظلام زيارتي
…
فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح
…
وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر
فلما وصلت رقعتها إلى ابن زيدون أعلمها أنه لها بالانتظار، وفي فؤاده بتأجج لهيب نار ولا يطفئها إلا اللقاء وأعد لها مجلسا نضرا أوجد فيه من جميع الأزهار واللطائف، ومن كل فاكهة زوجين ولما آن الوقت المعين للحضور أقبلت ترفل بالدمقس وبالحرير كأنها من الحور العين فتقابلا وتصافحا ودار بينهما العتاب وقضيا مجلسهما يتعاطيان أكؤس الآداب إلى أن آن أوان الانصراف مالت غليه مودعة بانعطاف:
ودع الصبر محب ودعك
…
ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن علي أن لم يكن
…
زاد في تلك الخطا إذ شيعك
يا أخا البدر سناء وسنى
…
حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم
…
بت أشكو قصر الليل معك
وانصرفت على أمل اللقاء ومكثت زمانا لم تحصل مقابلتهما لدواع سياسية أخرت لبن زيدون عن التمكن من الاجتماع به فكتبت إليه:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرق
…
سبيل فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا
…
أبيت على جمر من الشوق محرق
فكيف وقد أمسيت في حال قطعه
…
لقد عجل المقدور ما كنت أتقى
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
…
ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
…
بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
وكتبت بعد الشعر في أثناء الكتابة وكنت ربما حثثني على أن أنبهك على ما أجد فيه عليك نقدا وإني عليك قولك: سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا فإن ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة:
ألا يا اسلمى يا درامي على البلي
…
ولا زال منهلا بجرعائك القطر
إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له وأما المستحسن فقول الآخر:
فسقى ديارك غير مفسدها
…
صوب الربيع وديمة تهمي
فأجابها متشكرا لها على انتقادها وعلم أنها مصيبة بهذا الانتقاد وفي آخر رقعته قال:
لحى الله يوما فيه بملتقي
…
محياك من أجل النوى المتفرق
وكيف يطيب العيش دون مسرة
…
وأي سرور للكئيب المؤرق
وكانت لها جارية سوداء بديعة المعنى فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
…
لم تهو جاريتي ولن تتخير
وتركت غصنا مثمرا بجماله
…
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمت بأنني بدر السما
…
لكن ولعت لشقوتي بالمشتري
فخجل من ذلك وأرسل إليها يتنصل ويستسمحها فلم تسامحه، واستحكمت النفرة بينهما وكانت لقبته بالمسدس فقالت فيه مرة:
ولقبت المسدس وهو نعت
…
تفارقك الحياة ولا يفارقك
فلوطي ومأبون وزان
…
وديوث وقرنان وسارق
وقالت فيه أيضا:
إن ابن زيدون على فضله
…
يغتابني ظلما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جئته
…
كأنني جئت لأخصي علي
وكان ابن عبدوس الوزير يهواها وهي تأبى مسامرته ودائما تتهكم عليه ومن تهكماتها مرت يوما به، وهو جالس أمام داره وبجانبه بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما اتحدت بشيء من الأقذار، وقد نشر أبو عامر الوزير كميه ونظر في عطفيه وحشد أعوانه إليه فقالت له:
أنت الخصيب وهذه مصر
…
فتدفقا فكلاكما بحر
فتركته لا يحير حرفا ولا يرد طرفا: وبسبب تعلق ابن عبدوس بولادة أرسل ابن زيدون إليه بالرسالة المشهورة -التي شرحها غير واحد من أدباء الشرق كالجمال بن نباتة والصفدي وغيرهما- وفيها من التلميحات والتحذيرات ما لا مزيد عليه، وأرسل ابن زيدون لابن عبدوس أيضا رسالة لاشتراكه معه في هواها يقول في آخرها:
أثرت هزبر الثرى إذ ربض
…
ونبهته إذ هدا فاغتمض
وما زلت تبسط مسترسلا
…
إليه يد البغي لما انقبض
وإن سكون الشجاع النهو
…
ش ليس بمانعه أن يعض
عمدت لشعري ولم تتئد
…
تعارض جوهره بالعرض
أضاقت أساليب هذا القري
…
ض أم قد عفار سمه فانقرض
لعمري فوقت سهم النضال
…
وأرسلته لو أصبحت الغرض
ومنها:
وغرك من عهد ولادة
…
سراب تراءى وبرق ومض