الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قولها أيضا:
طوى الدهر ما بيني وبين أحبة
…
بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع
فلا يحسب الواشون أن قناتنا
…
تلين ولا أنا من الموت نجزع
ولكن للآلاف لا بد لوعة
…
إذا جعلت أقرانها تتقطع
خماني ابنة أردشير بن بهمن
ملكت بعد أبيها " بهمن" ملوكها حبا في أبيها ولعقلها وفروسيتها، وكانت تلقب ب " نهرزاد" وقيل: إنها ملكت لأنها حين حملت من " دارا الأكبر" سألته أن يعقد التاج له في بطنها ويؤثره بالملك ففعل " بهمن" وعقد التاج عليه حملا في بطنها، وكان " ساسان بن بهمن" رجلا يتصنع للملك فلما رأى فعل أبيه لحق بإصطخر وتزهد ولحق برؤوس الجبال وهلك " بهمن" و" دارا" في بطن أمه فملكوها ووضعته بعد شهر من ملكها فأنفت من إظهار ذلك وجعلته في تابوت وجعلت معه جواهر وأجرته في نهر المكر من إصطخر وسار التابوت إلى طحان من أهل إصطخر ففرح بما فيه من الجوهر فحضنته امرأته، ثم ظهر أمره حين شب فأقرت " خماني" بإساءتها فلما تكامل امتحن فوجد على غاية ما يكون من أبناء الملوك، فحولت التاج إليه وسارت إلى فارس وبنت مدينة إصطخر، وكانت قد أوتيت ظفرا وأعزت الروم وشغلت الأعداد عن تطرق بلادها وخففت عن رعيتها الخراج وكان ملكها ثلاثين سنة·
خولة بنت الأزور الكندي
وهي أخت ضرار بن الأزور· كانت مشهورة بالشجاعة والجمال، خرجت مع أخيها إلى الشام حين فتحها في خلافة أبي بكر الصديق وكانت تفوق الرجال بالفروسية والبسالة، ولها وقائع مشهورة لا يسعها المقام إذا أحببنا إيرادها ولكنا نقتصر علي البعض منها· قال الواقدي في " فتوح الشام": إنه لما أسر ضرار بن الأزور في وقعة أجنادين توجه خالد بن الوليد بطليعة من الجيش لخلاصه فبينما هو في الطريق إذ مر به فارس على فرس طويل وبيده رمح، وهو لا يبين منه إلا الحدق وقد سيق أمامه الناس كأنه نار، فلما نظره خالد قال: ليت شعري من هذا الفارس، وأيم الله، إنه لفارس ثم اتبعه خالد والناس وسار إلى أن أدرك المشركين وقد حمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة، فزعزع كتائبهم، وحطم مواكبهم، فما كانت إلا جولة جائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء، وقد قتل رجالا وجندل أبطالا وقد عرض نفسه للهلاك ثانية، واخترق القوم غير مكترث وكثر قلق الناس عليه ولا يعلمون من هو منهم رافع بن عميرة ومن معه ظنوا أنه خالد وقالوا: ما هذه الحملات إلا لخالد، وبينما هم ومنهم رافع بن عميرة ومن معه ظنوا أنه خالد وقالوا: ما هذه الحملات إلا لخالد، وبينما هم على ذلك إذ أشرف خالد بمن معه فقال له رافع: من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته؟ فقال خالد: والله إنني أشد إنكارا منك أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله·
فقال رافع: أيها الأمير، إنه منغمس في عسر الروم ويطعن يميناً وشمالا· فقال خالد: معاشر المسلمين، احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة، وخالد زمامهم إذ نظر إلى الفارس وقد خرج من القلب كأنه شعلة نار، والخيل في إثره، وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل، فعند ذلك حمل خالد ومن معه ووصل الفارس -المذكور- إلى جيش المسلمين فتأملوه ورأوه قد تخضب بالدماء، فصاح خالد والمسلمون: لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته
على الأعداد، اكشف لنا عن اسمك، وارفع لثامك· فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم فتصايحت الروم من كل جانب، وكذلك المسلمون وقالوا: أيها الرجل الكريم أميرنا يخاطبك وأنت تعرض عنه أظهر لنا اسمك لنزداد تعظيما، فلم يرد عليهم جوابا· فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال: ويحك، لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك، من أنت؟ فلما ألح عليه خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه قال: إنني أيها الأمير لم أعرض عنك إلا حياء منك لأنك أمير جليل، وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور وإنما حملني على ذلك أني محرقة الكبد، زائدة الكمد· فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا خولة بنت الأزور أخت ضرار المأسور بيد المشركين وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن أسير، فركبت وفعلت ما رأيت، وعند ذلك حمل المسلمون وحملت خولة وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور وقالوا: إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم من طاقة، وأما خولة فإنها جعلت تجول يمينا وشمالاً، وهي لا تطلب إلا أخاها وهي لا ترى له أثرا، ولا وقعت له على خبر وجعلت تسأل عنه لم يجبها أحد ولم تر من المسلمين من يخبرها أنه نظره أورآه أسيرا أو قتيلا فلما أيست منه بكت بكاء شديدا وجعلت تقول: يا ابن أمي ليت شعري في أي البيداء طرحوك أم بأي سنان طعنوك، أم بأي حسام قتلوك· يا أخي أختك لك الفداء لو أني أراك أنقذتك من أيدي الأعداء. ليت شعري أتري أني أراك بعدها أبدا، فقد تركت يا ابن أمي في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها ولا يطفأ سعيرها· ليت شعري ألحقت بأبيك المقتول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعليك مني السلام إلى يوم اللقاء· فبكي الناس من قولها عند سماعها ونياحها· ومن وقائعها أيضا ما ظهر من بسالتها يوم أسر النسوة في وقعة صحورا من أعمال الشام وقد جمعت النساء وقامت فيهم خطيبة وكانت هي من ضمن المأسورات فقالت: يا بنات حمير وبقية تبع، أترضين لأنفسكن علوج الروم ويكون أولادكن عبيدا لأهل الشرك! فأين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب ومحاضر الحضر؟ وإني أراكن بمعزل عن ذلك وإني أري القتل عليكن أهون من هذه الأسباب وما نزل عليكن من خدمة الروم· فقالت لها عفراء بنت غفار الحميرية: صدقت والله يا بنت الأزور نحن في الشجاعة كما ذكرت، وفي الرباعة كما وصفت لنا المشاهد العظام والمواقف الجسام ووالله لقد اعتدنا ركوب الخيل وهجوم الليل غير أن السيف يحسن فعله في مثل هذا الوقت وإنما دهمنا العدو على حين غفلة، وما نحن إلا كالغنم بدون سلاح· فقالت خولة: يا بنات التبابعة خذوا أعمدة الخيام وأوتاد الأطناب ونحمل بها على هؤلاء اللئام فلعل الله ينصرنا عليهم فنستريح من معرة العرب· فقالت عفراء بنت غفار: والله ما دعوت إلا ما هو أحب إلينا مما ذكرت، ثم تناولت كل واحدة عمودا من أعمدة الخيام وصحن صيحة واحدة وألقت خولة على عاتقها عمودا وسعت من ورائها عفراء أم أبان بنت عتبة ومسلمة بنت زارع ولبنى ومزروعة بنت عملوق وسلمة ابنة النعمان ومثل هؤلاء فقالت لهن خولة: لا ينفك بعضكن عن بعض وكن كالحلقة الدائرة ولا تتفرقن فتملكن فيقع بكن التشتيت واحطمن رماح القوم واسكرن سيوفهم، وهجمت خولة وهجم النساء وراءها وقاتلن قتالا شديدا حتى استخلصت النسوة من أيدي الروم وخرجت وهي تقول:
نحن بنات تبع وحمير
…
وضربنا في القوم ليس ينكر
لأننا في الحرب نار تسعر
…
اليوم تسقون العذاب الأكبر
ومن قولها حين أسر ضرار في المرة الثانية في " مرج دابق":
ألا مخبر بعد الفراق يخبرنا
…
فمن ذا الذي يا قوم أشغلكم عنا
فلو كنت أدري أنه آخر اللقا
…
لكنا وقفنا للوداع وودعنا
ألا يا غراب البين هل أنت مخبري
…
فهل بقدوم الغائبين تبشرنا
لقد كانت الأيام تزهو لقربهم
…
وكنا بهم نزهو وكانوا كما كنا
ألا قاتل الله النوى ما أمره
…
وأقبحه ماذا يريد النوى منا
ذكرت ليالي الجمع كنا سوية
…
ففر قناريب الزمان وشتتنا
لئن رجعوا يوما إلى دار عزمهم
…
لثمنا خفاقا للمطايا وقبلنا
ولم أنس إذ قالوا ضرار مقيد
…
تركناه في دار العدو ويممنا
فما هذه الأيام إلا معارة
…
وما نحن إلا مثل لفظ بلا معنى
أرى القلب لا يختار في الناس غيره
…
م إذا ما ذكرهم قلبي المضنى
سلام على الأحباب في كل ساعة
…
وإن بعدوا عنا وإن منعوا منا
ثم بكت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون فوالله لأخذنا بثأره إن شاء الله تعالى، ولما زحفت عساكر الإسلام إلى أنطاكية لأجل خلاص ضرار سار معهم النساء اللاتي لهن أسرى وفي مقدمتهن خولة بنت الأزور وهي تنشد قولها من المراثي المبكيات:
أبعد أخي تلذ الغمض عيني
…
فكيف ينام مقروح الجفون
سأبكي ما حييت على شقيق
…
أعز علي من عيني اليمين
فلو أني لحقت به قتيلا
…
لهان علي إذ هو غير هون
وكنت إلى السلو أرى طريقا
…
وأعلق منه بالحبل المتين
وإنا معشر من مات منا
…
فليس يموت موت المستكين
وإني إن يقال مضى ضرار
…
لباكية بمنسجم هتون
وقالوا لم بكاك فقلت مهلا
…
أما أبكي وقد قطعوا وتيني
ولما أسر ضرار المرة الثالثة في وقعة " دير المسيح" من أرض البهنسا وسار المسيب ورافع وجماعتهما في طلبه تهللت فرحا، وأسرعت في لبس سلاحها، وأتت إلى خالد تستأذنه في المسير معها فقال لهما خالد: أنتما تعلمان شجاعتها وبراعتها فخذاها معكما فقالا: السمع والطاعة، ثم ساروا حتى بلغوا منتصف الطريق وكمنوا قبل مرور القوم فبينما هم كامنون وإذا بالقوم قد أتوا محدقين بضرار وهو متألم من كتافه وهو ينشد ويقول:
ألا بلغوا قومي وخولة أنني
…
أسير رهين موثق اليد بالقيد
فيا قلب مت هما وحزنا وحسرة
…
ويا دمع عيني كن معينا على خدي
فلو أن أقوامي وخولة عندنا
…
لألزم ما كنا عليه من العهد
ولو أنني فوق المجمل راكبا
…
وقائم حد العضب قد ملكت يدي
لأذللت جمع الروم إذلال نقمة
…
وأسقيهم وسط الوغى أعظم الكد
فنادته خولة من مكمنها قد أجاب الله دعاءك وقبل تضرعك أنا خولة ثم كبرت وحملت وكبر بقية العسكر وحملوا حتى خلصوا ضرار من الأسر ووقائعها كثيرة وقد أبلت بلاء حسنا في فتوح الشام ومصر، عمرت