الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ست الملك بنت العزيز بالله
ت الملك بنت العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي.
كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا، وأثبتهن جنانا، وأعلاهن رايان وأشدهن حزما. شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك حتى إنه صار يقطع الامور عنم رأيها، وكلما خالفها في أمر تقوم عليه الرعية وينبذون طاعته، وهو يحسب ذلك من أخته ست الملك حتى إنه تغير عليها وأراد قتلها فصار يترقب الفرس وهي توجس منه خيفة إلى أن كثر ظلمه وزاد عسفه فكرهه الناس من سوء فعله ومن شدة كراهتهم له كانوا يكتبون إليه الرقاع فيها سبه وسب أسلافه والدعاء عليه حتى أنهم عملوا من قراطيس صورة امرأة وبيدها رقعة.
فلما رآها ظن أنها تشتكي، فأمر بأخذ الرقة منها وفيها كل لعن وشتيمة قبيحة وذكر حرمه بما يكره فأمر بطلب المرأة فقيل له: إنا من قراطيس فأمر بإحراق مصر ونهبها، ففعلوا ذلك، وقاتل أهلها أشد قتال مدة يومين. وفي اليوم الثالث انضاف إليهم الأتراك والمشارقة فقويت شوكتهم وأرسلوا إلى الحاكم يسألونه الصفح ويعتذرون إليه فلم يقبل فعادوا إلى التهديد.
فلما رأى قوتهم أمر بالكف عنهم وقد أحرق بعض مصر ونهب بعضها وتتبع المصريون من أخذ نساءهم وأولادهم فابتاعوهم منه، وقد فضحت نساؤهم فازداد غيظهم وحقنفم عليه فظن أن ذلك من أخته ست الملك لأنه بلغه أن الرجال يدخلون عليها، فأرسل يتهددها بالقتل، ولما رأت سوء تصرفه وأنه ربما يطيع هواه فيقتلها أرسلت على قائد كبير من قواد الحاكم يقال له ابن داوس-وكان يخاف الحاكم- فقالت له إني أريد أنألقاك، ثم حضرت عنده وقالت له أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك وإنه متى تمكن منك لا يبقي عليك، وأنا كذلك وقد انضاف إلى هذا ما تظاهر به مما يكره المسلمون ولا يصبرون عليه، وأخاف أن يثوروا به، فيهلك هو ونحن معه، وتنقلع هذه الدولة فأجابها إلى ما تريد فقالت إنه يصعد إلى هذا الجبل غدا وليس معه غلام إلا الركاب وصبي وينفرد بنفسه فتقيم رجلين تثق بهما يقتلانه ويقتلان الصبي ونقيم ولده بعده وتكون أنت مدير الدولة وأزيد في إقطاعك مائة ألف دينار، ثم أعطته ألف دينار للرجلين، وانصرفت. فاختار اثنين من ثقاته وأخبرهما بالقصة فمضيا إلى الجبل
.
فلما انفرد الحاكم هجما عليه وقتلاه وأخفياه وكان عمره ستا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، فملا أيقنت النسا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأجلست على كرسي الولاية علي بن الحاكم وهو صبي لم يناهز الحلم وبايع له الناس ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله، وأنفذت الكتب إلى البلاد بأن البيعة له وفي الغد ضر ابن داوس بأمر من ست الملك ومعه قواده، فأمرت خادما لها أن يضربه بالسيف فقتله وهو ينادي يا لثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان وقامت ست الملك تدبر الدولة مدة أربع سنوات وهي تعدل بين الرغبة وتنصف المظلومين حتى أحبها جميع الأهالي وتنموا أن مدتها تدوم وتوفيت سنة 415 هجرية وقد حزن عليها جميع أهل مصر وتمنوا بقاءها تدبر المملكة حتى يكبر ابن أخيها ولكن لله في حكمه إرادة.
سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية
كانت من النساء العاقلات الحكيمات ذوات الفصاحة والبلاغة وأصالة الرأي حتى إنها قادت أكابر قومها إلى رأيها وتحت طاعتها وركبت على العرب في عساكر جرارة، ولما أقبلت من الجزيرة قاصدة المدينة لمحاربة أبي بكر وادعت النبوة كانت هي ورهطها في أخوالها من تغلب أفناء ربيعة، وجاء معها
الهذيل بن عمران من بين تغلب وكان نصرانيا فترك دينه وتبعها وعقبه بن هلال في النمر، وزياد بن بلال في أياد، والسليل بن قيس في شيبان فأتاهم أمر أعظم منا هم فيه لاختلافهم.
وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر فأرسلت إلى ملك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها، وردها عن غزوها، وحملها على أحياء من بين تميم فأجابته وقالت: أنما امرأة من بني يربوع فإن كان ملكا فهو لكم وهرب منها عطارد بن حاجب وساده من بني مالك وحنظلة إلى بني العنبر وكرهوا ما صنع وكيع، وكان قد أودعها وهرب منها أشباههم من بين يربوع وكرهوا ما صنع مالك بن نويرة واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب. فساروا إليهم فلقيهم ضبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحوا وقال قيس بن عاصم شعرا أظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته، ثم سارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النباج، فأغار عليهم أوس ابن خزيمة الجهمي في بني عمرو فأسر الهذيل وعقبة، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه.
ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت: عليكم باليمامة وزقوا زفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة، لا يلحقكم بعدها ملامة.
فقصدت بني حنيفة فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها تغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على هجر وهي اليمامة فأهدى لها، ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فأمنته فجاءها في أربعين من بني حنيفة فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض ولقريش نصفها لو عدلت، وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش، وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء حتى يموت ذلك الولد فيطلب الواحد حتى يصيب ابنا، ثم يمسك.
وقيل: بل تحصن منها فقالت له: انزل، فقال لها: أبعدي أصحابك، ففعلت. وقد ضرب لها قبة وجمرها لتزكو بطيب الريح واجتمع بها. فقالت له: ما أوحى إليك ربك؟ فقال: ألم تري إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى بين صفاق وحشا. قالت: أشهد أنك نبي! قال: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب. فتزوجها بجوابها وأقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى قومها فقالوا لها: ما عندك؟ قالت كان على حق فتبعته وتزوجته قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق فرجعت.
فلما رآها أغلق باب الحصن، وقال: ما لك؟ قالت: أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبيب بن ربعي الرياحي فدعاه وقال له: ناد في أصحابك إن مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة فانصرفت ومعها أصحابها منهم عطارد بن حاجب وعمرو بن الأيهم وغيلان بن خرشة وشبيب بن ربعي فقال عطارد بن حاجب:
أمست نبيتنا أنثى نطوف بها
…
وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت هذيلا وعقبة وزيادا لأخذ النصف الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا، فما زالت سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام المجاعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها وانتقلت إلى البصرة وماتت بها، وصلى عليها سمرة بن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة. وقيل: إنها لما قتل مسيلمة سارت إلى أخوالها تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها بذكر.