الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمح لها بالرجوع إلى جناح القصر الملكي الذي بني لها في "لوسيانة" قرب "فرساليا"، فأقامت فيه مع دوق برتياله عشيقها وكانت عيشتهما عيشة تنعم.
وسنة 1792 م سافرت إلى إنكلترا ولما رجعت منه ألقي عليها القبض سنة 1793 م بدعوى اختلاسها الأموال ومؤامرتها على الجمهورية، ولبسها ثوب احلداد في "لوندرة" على العائلة الملكية، فحكم عليها بالقتل، وكانت قد تشددت مدة المحاكمة غير أن عزيمتها خارت في طريقتها إلى دكة الدم واستمرت إلى آخر دقيقة من حياتها تسأل العفو بكلام يدعو إلى الشفقة فلم يغن عنها ذلك شيأ وكانت ساعدت بعض الشعراء وقربتهم واقتبست منهم بعض معارف، واستعانت بها على مقاصدها. وبالجملة كانت بارة بالفقراء والمساكين.
ماري أنتوانت ابنة دوق توسكا من مارياتريزيا
ولدت سنة 1755 م، وتزوجت وهي في السادسة عشرة من عمرها بولي عهد فرنسا "لويس السادس عشر" وكانت حينئذٍ على غاية البساطة وصفاء النية، محبة للمزح، أنيسة العشرة بعيدة التأنف والرسوم المرعية في قصور الملوك وسمي زوجها ملكاً على فرنسا سنة 1774 م، وكان ذلك بدأة أتعابها فكرهها الشعب الفرنساوي واتهمها بدسائس عديدة لم يقدر أن يثبت واحدة منها، وكانت هفواتها العظيمة حب الفخفخة والولائم والمسرات، وقصورها عن إدراك ويلات البلاد ومصائبها.
قيل: إنها رأت الفقراء يتضورون جوعاً فقالت: إني أحزن لفقرهم فإذا لم يكن لهم خبز يأكلونه فليأكلوا كعكاً وكان الفرنساويون يزدادون بغضاً لها وعداوةً، واتهموها بسرقة أموال البلاد وإنفاقها على ما لا فائدة منح وهجم جمهور من رعاعهم على قصر فرساليا بقصد قتلها، وطلبوا أن تخرج إليهم فخرجت بشجاعة وثياب يندرو جودهما في مثل تلك الأحوال، وأمسكت بيدها ولي العهد ابنها الطفل فلم يجسر أحد أن يرميها بشيء مخافة أن يصيبه.
وكان ذلك سبب نجاتها ثم أرادت مصالحة الأمة فزارت بعض المعامل وأظهرت سرورها من تقدم الصناعة فيها، وبينت اهتمامها بأحوال الشعب غير أن الخرق كان اتسع على الراقع فازداد الفرنساويون بغضاً وكرهاً لها، ولما رأت متهم ذلك صممت على الهرب من البلاد هي وزوجها فمانعها زوجها حاسباً أن هربه في تلك الأحوال ضرب من الخيانة لبلاده.
وكان شريف النفس أبيها، محباً للأمة لا يشوبه إلا ضعف الهمة. وفي أحد الأيام هجم البعض عليه وأوقفوا مركبته فساءه ذلك وحسبه تعدياً شخصياً، فهرب مع عائلته في 20 يونيه سنة 1791 م ولسوء حظه أمسك في فاران وأرجع أسيراً إلى باريس، وراد هياج الشعب ضد الملكة واتهموها بدسيسة مع النمسا، وقويت حجة فرنسا وبعد عراك طويل ومعاناة أخطار شتى أظهرت أثناءها شجاعة غريبة وقوة نادرة، وعزماً وحزماً تقصر عنهما الرجال حكم عليها المجلس بالقتل في 15 أكتوبر سنة 1793 م وأنفذ الحكم في اليوم الثاني وذلك بعد ما قتل زوجها بثمانية أشهر. وهكذا انتهت حياة هذه الملكة الفريدة التي فاقت الرجال عزيمة وثباتاً، وقاسمتهم الأتعاب والمشاق.
ماري ستوارث ابنة يعقوب الخامس دوق سكوتلانده
هي شهيرة عصرها جمالاً ونجابة، وزينة العالم الغربي علماً ومهابة. ولدت سنة 1542 م من زوجته "ماري دي لورين" التي ماتت بعد ولادتها بثمانية أيام.
وفي سنة 1558 م تزوج بها "روفان" الذي تولى تخت
فرنسا باسم فرنسيس الثاني، ثم مات عنها بعد سنة ونصف فعادت إلى بلادها حزينة، وهناك ودعت فرنسا بأبيات هي غاية في الرشاقة واللطف تعريبها ما يأتي. "وداعا يا فرنسا الأنيقة يا بلادي التي رشحت صباي والتي فيها مشتهاي، وداعاً يا أمي الغراء في مملكة العز والصفاء إن الفلك الذي فصلني عنك لم يفصل سوى شطري، وأما الشطر الآخر وهو ملك سأتركه في مغناك ذريعة لذكراك".
وكان تغاليها في الاستمساك بالمذهب اللاتيني الذي كان استبدله قومها بمذهب لوثير جعلها بغيضة لدى الأهليين، فرأت أن تتزلف إليهم بزواجها بابن عمها "هنري" الذي لم يكن له من مزية سوى بسطة في جسمه ومسحة في جمال وجهه، فزفت عليه سنة 1565 م وكان لئيماً غيوراً فاتهمها بحب كاتم أسرارها "داود بيز يوالا يتالي" الذي كان جميلاً فتاناً وموسيقياً شهيراً، فهجم عليه ليلة من باب خفي في قصرها، ولما رآه يعزف أمامها اشتعل حسداً وغيرة، فقتله غيلة عند الباب الخارجي.
وفي سنة 1567 م هلك "هنري" بكيفية تجلب الشك في أمر موته، فاتهمت به، وعقيب ثلاثة أشهر تزوجت بلا تدبر في العواقب بالكونت بوتويل الذي قيل عنه إنه المجهز بأمرها على زوجها، فهاج فعلها هذا القوم فاتهموها بالخيانة والفاحشة، وزجوها في معقل "لوس ليفان" وساموها جحد مذهبها علناً فأبت ولبثت سجينة حيثما تمخضت عن ولدها "جمس الأول" الذي وحد مملكتي "سكوتلاندا" والإنكليز، ثم حاولت الفرار فتدلت من شرافة عالية ونجت بنوع عجيب، وكتبت إذ بئست من الملك مستجيرة بابنة عمها الملكة "اليصابات"، وذلك سنة 1578 م، فاستقدمتها بأمان ولما رأت ما أوتيت من محاسن الذات والصفات أضمرت لها شراً وحسداً.
ثم افترت عليها أموراً منها أنها قتلت زوجها فأودعتها سجناً ضيقاً مكثت فيه 18 عاماً اتخذت في خلالها وسائل جمة للخلاص فلم تفلح، ومن تلا نبأ سجنها وما لقيت فيه من الضر والنكد لا يكاد يملك عبراته حزناً ووجداً، ولو كان فؤاده حجراً صلداً، ولم يكف "أليصابات" ذلك حتى اتهمتها ظلماً ولؤماً بأنها عاونت فريقاً من أهل مذهبها على إهلاكها، فخفرت ذمتها وحكمت عليها بالموت.
ثم أمرت الأمير "بيل" وكان من أشد الناس عداوة لماري بأن يزورها في السجن وينذرها بوشك القتل، فسار مع فريق من الأمراء وأبلغها الرسالة بلسان أمر من الصبر وفؤاد أقصى من الصخر، فأجابته متجلدة: إني لست من رعية ابنة عمي فكيف تأمر بقتلي وإذا كان رضاها بموتي فأهلاً به إلا أن نفساً لا تسمح لجسم بأن يتحمل ضربة جلاد فهو إذن غير جدير بنعيم الملك الجواد. ثم دعت قسيسها وكانوا قد حالوا بينهما فقال لها بعض النبلاء: لو فوضت أسقفاً لوتيريا لكان أقرب للتقوى. فأبت وكان أمير "كنت" متحمساً في البروتستانية فقال: إن حياتك لدينا موت وموتك حياة لنا.
ولما انصرفوا أمرت بالطعام وتناولت قليلاً منه على عادتها وحانت منها لفتة فرأت خدامها يبكون. فقالت لهم: كفوا يا أخوتي وافرحوا بانطلاقي من هذا العالم عالم الشقاء، ثم شربت بعد العشاء على أسمائهم رجالاً ونساء فشربوا معها ركعاً وقد مزجوا شرابهم من عيونهم بماء والتمسوا عفوها فعفت عنهم واستعفتهم عنها ثم كتبت وصيتها ووزعت بينهم حلاها وألبستها، وكتبت إلى ملك فرنسا رسائل وصاة في حق جميع حاشيتها ثم تودعت من النوم بالغرار، وأحيت سائر ليلها بالتهجد والاستغفار.
ولما ألقت الغزالة لعابها جاء أمر في طلابها وكان النهار صاحياً، ووجه السماء ضاحكاً ضاحياً، فلبست أبهى ثيابها وأسدلت عليها رداء من كتان، وخرجت على الفور وسجتها في بنانها، وعلى محياها الصبيح الوقور سمات الخفر والتجلد وكان المجد والإجلال يسيران في خدمتها.
ولما بلغت مقتلها استقبلها الأعيان والأمراء وبينهم خادمها
"ملفن" يشرق بالبكاء فقالت له: رويدك يا "ملفن" وكفاك نحيباً فإنك عما قليل ترى ماري معتوقة من قيد أحزنها فقل لأهل سكوتلاندة إني أموت كاتوليكية حافظة لفرنسا وسكوتلانده عهدي. إلهي اغفر لمن ظمئ إلى دمي كما تظمأ الإبل إلى الماء. إلهي إنك تعلم سرائري وخفايا ضمائري فبرئني عند ابني اليتيم أو ألهمه أن حياتي لم تدنس حرمته، ولم تشن مملكته. إلهي وفقه إلى أن ينهج مع ملكة الإنكليز منهج صدق ووداد إنك لغفور سميع جواد.
ثم ذرفت مدامعها ككريات من الماس تقذف من لجين وتدحرج على صفحتي لجين، وودعت خادمها الوداع الأخير فاندفع في البكاء حتى تولاه الإغماء، ثم التفتت بجلالها إلى الأمراء ورغبت إليهم أن يساعدوا خدمتها على إحراز مالهم من وصيتها، وأن يمكنوهم من القيام حولها ساعة قتلها فتجافي أمير "كنت" عن مطلبها الثاني لوساوس شيطانية فقالت له: لا تخف دركاً من هذه النعاج الوديعة الوريقة التي لا مأرب لها إلا التملي مني بهذا الوداع الأليم، وعندي أن حبيبتي لا تمنعني ذلك كيف لا وأنا ملكة أيضاً وابنة ملك، وزوجة ملك، وأقرب الناس إليها والله يعلم أنني أقول ذلك بقلب سليم وضمير مستقيم، فلبوها حينئذٍ وسار أمامها الأمراء وخادمها الخاص وراءها رافع رداءها حتى إذا بلغوا المذبح استوت على أريكة سوداء فتلى أمر قتلها فسمعته بإصغاء.
ثم حاول الأسافقة أن يميلوا بها عن مذهبها، فأجابتهم: إني أموت على ما ولدت. فطلب الأمراء أن يشتركوا معها في الصلاة والدعاء فقالت: لكم دينكم ولي دين.
ثم جثت وأخذت تصلي باللاتينية فتابعها خدمتها، ولما فرغت كررت الاستغفار عن الملكة والدعاء لابنها فتقدم الجلاد مستسمحاً فأجابته مسامحة، ثم نزع عنها خدامها رداءها الأعلى باكيات نائحات فقابلتهن بالصبر وكف العبرات، ثم غطت وجهها بقناع أسود واستوت على الخشبة قائلة: إلهي استودعتك روحي واستقبلت الموت.
بعزمة بعثتها همة زحل
…
من دونها بمكان الأرض من زحل
فتقدم الجلاد وقطع هامتها فهتف الأسقف: هكذا لتهلك أعداؤنا. ثم حنطت جثتها ودفنت باحتفال في كنيسة "بيتير بورغ" وصنع لها في باريس مأتم حافل، وكان لها من العمر يوم قتلها أربع وأربعون سنة وشهران، وما زال رسمها محفوظاً فوق سريرها في "أيدنبورغ" قاعدة سكوتلاندة ولها رسم آخر في محبسها الأول محفوظاً مع تاج الملك والسيف والصولجان، ووسام وخاتم ياقوتي فصه أكبر من البندقية، وقد ألف مشاهير الكتبة بحياة "ماري" وبراءتها روايات كثيرة شعراً ونثراً تركوها بهدها للناس أمثولة وذكرى.
إذا خان الأمير وكاتباه
…
وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل
…
لقاضي الأرض من قاضي السماء
وكتبت إلى "أليصابات" وهي في سجنها تقول من "ماري ستوارث" إلى "أليصابات" ملكة إنكلترا لقد برح الخفاء أيتها السيدة وظهرت عقبة من يتكل على عدلك في حفظ الذمام وكرم الأخلاق وقد تبين لي أن المستجير بك عند البلاء كالمستجير بالنار من الرمضاء. فعلام لا تقابلنني ولأي ذنب تلقينني في السجن وقد كنت آمل أن أرتع عندك في القصور المنيعة، ولماذا لم أر منك إلا الضغينة والبغضاء عوضاً عن المودة والولاء. وهل السجون والقبور لمثل "ماري ستوارث" حتى يحكم عليها مجلسك بها. وعلى أي ذنب بنوا حكمهم ووافقتيهم عليه يا ترى أساءك مني أن معتقدي يخالف معتقدك وإني لست لبنة كنيستك؟ أو تعدين هذا ذنباً سياسياً حتى انقضت علي من أجله منتقمة متشفية على حين سلمت نفسي إليك، وألقيت أمري بين يديك وقلت: خذوها فغلوها. آه لقد قضى أهل المروءة فواحر قلباه.
وآخر ما أقوله أيتها السيدة: إنك إذا كنت لا تنظرين في سوء