الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبلَ انتشارِها صعبٌ عليك إطفاؤها بعدَ أن تنْتشر. وقال بعضُ الملوك لِحكيم: كيفَ لي أنْ لا أغضبَ؟ فقال: بأنْ تكون كلَّ وقت ذاكراً أنّه يجبُ أنْ تُطيعَ لا أنْ تُطاعَ فقط، وأن تَخْدُمَ لا أنْ تُخْدَمَ فقط، وأنْ تتحقّقَ أنَّ اللهَ تعالى يَراكَ دائماً، فإذا فعلْتَ ذلك لم تغضَبْ وإنْ غضبْتَ غضبْتَ قليلاً. . .
وقالوا: من غَضِبَ قائِماً فقَعَدَ سكَنَ غضبُه، وإنْ كان قاعِداً فاضْطَجَعَ سَكَنَ.
وكانت العرب تقول: إنّ الرثيثةَ تَفْثأُ الغَضَبَ: الرثيثة: اللبنُ الحامِضُ يُصبُّ عليه الحليب، وهو أطيبُ اللّبن، وتفثأ الغضبَ: تُسْكنه وتكسِرُ حِدَّته وخطبَ معاويةُ يوماً فقال له رجلٌ: كذَبْتَ، فنزل مُغْضَباً، فدخل منزلَه، ثمَّ خرجَ عليهم تقطُرُ لِحيتُه ماءً، فصَعِدَ المِنْبرَ فقال: أيُّها الناسُ، إنَّ الغضبَ مِنَ الشيطان، وإنَّ الشيطانَ مِن النار، فإذا غضِبَ أحدُكم فلْيُطْفِئَه بالماءِ؛ ثمَّ أخذَ في الموضِعِ الذي بلغَه مِنْ خُطْبته.
وفي الحديث: (إنَّ الغَضبَ جَمْرةٌ تُوقَدُ في جوفِ ابْن آدمَ، ألَمْ تَرَوْا إلى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وانْتِفاخِ أوْداجِه). . . .
من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ
خاطر رجلٌ آخرَ على أنْ يُغْضبَ الأحْنفَ بْنَ قيس، فجَاءَه فخَطَبَ إليهِ أمَّه، فقال: لَسْنا نردُّك انتقاصاً لِحَسَبِك، ولا قِلَّةَ رغبةٍ في مصاهَرَتِك ولكنَّها امرأةٌ قدْ علا سِنَّها، وأنْتَ تحتاج إلى امرأةٍ وَلودٍ وَدودٍ تأخذُ من خُلُقِك، وتستمِدُّ من أدبِك؛ ارْجِعْ إلى قومِك وأخبرهُمْ أنّك لمْ تُغضبْني.
وخطب آخرُ إلى معاويةَ أمَّه: فقال: ما الذي رغَّبك فيها وهْيَ عَجوزٌ؟
فقال: إنّها عجوزُ عَظيمةُ العَجُزِ! فقال: لعلّك خاطَرْتَ على أن تُغْضِبَ سيِّدَ بني تميم؟ قال: نعم، قال: ارْجِعْ فلست به.
وشتَمَ رجلٌ الأحْنفَ وألحَّ عليه، فلمّا فرغَ قال له: يابْنَ أخي، هل لكَ في الغَداء؟ فإنّك منذُ اليومِ تَحْدو بجملٍ ثَفالٍ. . . . الثفال: البَطيءُ الثقيلُ الذي لا يَنْبَعِثُ إلا كَرْهاً
ورُوي أنَّ رَجلاً خاطرَ آخرَ على أن يقومَ إلى معاويةَ إذا سجدَ فيضَعَ يدَه على كَفَلِه ويقول: سبحانَ اللهِ يا أميرَ المؤمنين! ما أشْبَه عُجَيْزَتَك بِعُجَيْزة أمِّك هندٍ! ففعل ذلك، فلمّا انْفتلَ
معاويةُ عَنْ صَلاتِه قال له: يا أخي، إنَّ أبا سُفيانَ كان مُحْتاجاً إلى ذلك مِنْها، فخُذْ ما جَعلوهُ لك، فأخذه ثم خاطرَه آخرُ بعدَ ذلك أنْ يقومَ إلى زيادٍ وهْوَ في الخُطبة فيقول: أيُّها الأميرُ من أمُّك؟ ففعل؛ فقال زياد: هذا يُخبِرُك - وأشار إلى صاحبِ الشُّرطةِ - فَقدَّمه وضَرَبَ عنقَه، فلمّا بلغَ ذلك معاويةَ قال: ما قَتلَه غيري، ولوْ أدَّبْتُه على الأولى ما عادَ إلى الثانية. . .
وقيل للأحنف: مِمّنْ تعلّمْتَ الحِلْمَ؟ قال: مِنْ قيس بن عاصِم المِنْقَريِّ، رأيته قاعِداً بفِناءِ دارِه مُحتبياً بِحَمائِلِ سيفِه يُحدِّث قَوْمَه، حتّى أتيَ بمَكتوفٍ ورجُلٍ مقتولٍ، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قَتلَ ابنَك. قال: فو اللهِ ما حلَّ حُبْوتَه ولا قطع كلامَه، ثم التفتَ إلى ابن أخيهِ فقال: يا ابن أخي أثِمْتَ بِرَبِّك، ورمَيْتَ نفسَك بسهمِك، وقتلت ابْنَ عمِّك؛ ثمّ قال لابْنٍ له آخر: قُمْ يا بُنَيَّ فَوارِ أخاك وحُلَّ كِتافَ ابْنِ عَمِّك وسُقْ إلى أمِّك