المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع - الذخائر والعبقريات - جـ ٢

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌عبقريات شتَّى تندرج في الأبواب السابقة

- ‌سموّ أخلاق الخلفاء الراشدين

- ‌طلحة بن عبيد الله

- ‌حادث تلاقى فيه الكرم بالشجاعة والمروءة والحياء والنُّبل

- ‌حلم وأدب وسمو خلق

- ‌خير ما يُرْزقه العبد

- ‌لا تزال العرب عرباً ما حافظت على زيها

- ‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

- ‌لا تشْكُ إلى غير الله

- ‌نبالة ومروءة

- ‌دعوة الله

- ‌كلمات في السؤال

- ‌كانوا يرون أنّ الملوك لا يُستحى من مَسألتهم

- ‌مثلٌ في الرياء

- ‌الهم نصف الهرم

- ‌مثلُ الدنيا وآفاتها والخوف من نهايتها

- ‌عمرو بن العاص يصف حاله في احتضاره

- ‌ماذا قال عبد الله بن الزبير حين أتاه خبر مقتل أخيه المصعب

- ‌إِذا ضيقت شيئاً ضاق جداً

- ‌لا تلهفنَّ على ما فاتك

- ‌ومن قولهم في الحث على التعزي

- ‌لكل غد طعام

- ‌اللئام مولعون بإيذاء الكرام

- ‌أبيات في الصبر والشجاعة والكرم

- ‌أبيات حكيمة

- ‌أبياتٌ مَنْ لم يروِها فلا مروءةَ له

- ‌حكم ومواعظ

- ‌في الموت

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التعازي

- ‌التسلية بعد وقوع المحذور

- ‌من دواعي التّسلّي قُرْبُ اللّحوقِ بالميّت

- ‌من تعازي الملوك وتَسلّيهم بأنّ الناسَ جميعاً مُصابون

- ‌التسلّي بأنه مُعَزّى لا مُعَزًّى به

- ‌التسلّي عمَّن مَضى بِمَنْ بقي

- ‌مَنْ تسلّى بما له من الثوابِ وبعض تعازيهم

- ‌مَنْ ماتَ له كثيرٌ مِنْ أهلِه فَصَبِرَ

- ‌ومِنْ أدْعَيتِهمْ لِذوي المصيبة

- ‌عبقرياتهم في الطب والمرض وعيادة المرضى

- ‌معنى الطب

- ‌وصف طبيب حاذق

- ‌الطبيب الجاهل

- ‌مدح الحمية وذمّها

- ‌شُرْبُ الدَّواء

- ‌سياسةُ الأبْدانِ بِما يُصلِحُها من الطعام وغيرِه

- ‌مَنْ تَناولَ طعاماً وتحقَّقَ تولُّد عِلّة منه

- ‌الحمى

- ‌الرمد

- ‌النقرس

- ‌عَودٌ إلى عبقرياتهم في التّداوي والأدوية

- ‌شهوة المريض إلى الطعام

- ‌شكوى العلة

- ‌فضل الصحة والعافية

- ‌نفع المرض

- ‌وصفُ العِلَّةِ بأنّها تنال الأماثِلَ

- ‌عيادة المريض

- ‌وجوبُ عيادة المريض

- ‌أدب عيادة المريض

- ‌شكايةُ مَنْ لا يعودُه إخوانُه

- ‌الاعتذار عن ترك العيادة

- ‌من عاده ممرّضه

- ‌مريض عاد صحيحاً

- ‌حثهم العائد على تنشيط المريض

- ‌حثُّهم على تخويفه ليتجنبَ المضارَّ

- ‌تغير اللون

- ‌تهنئة مَنْ برأ من المرض

- ‌تفدية المريض

- ‌عبقريات شتى في الطب والمرض والعيادة

- ‌الباب الرابع في كتمانِ السرِّ وإفشائهوعبقرياتهم في ذلك وفيما يجري هذا المجرىمن الشورى والاستبداد بالرأي والنصح والأناة والعجلة

- ‌حفظ اللسان

- ‌منعُ إظهارِ السِّرِّ قبل تمامه

- ‌حثهم على حفظ السرّ

- ‌من يُكْره اطِّلاعُه على السر

- ‌المُفْتَخِر بحفظ السر

- ‌الممدوح بحفظ السر

- ‌صعوبة حفظ السرّ

- ‌من لا يحفظ سِرَّه ويَسْتَحْفظُه غيرَه

- ‌ذمُّ مَنْ يُفشي السرَّ

- ‌الأحوال التي يفشو فيها السرّ

- ‌المُساررة في المحافل

- ‌المتبجِّح بإظهار أسرار أصدقائه

- ‌الرُّخصة في إفشاء السرّ إلى الصديق

- ‌عبقريات شتى في كتمان السر

- ‌عبقرياتهم في المشورة

- ‌والاستبداد بالرأي

- ‌مدح المشورة

- ‌حثهم على مُشاورةِ الحازمِ اللبيب

- ‌استشارة الكبار والصغار ومن يُعْتمد على مَشورته ورويَّته

- ‌من يجب أن تجتنب استشارتَه

- ‌وجوب نَصيحةِ مُستشيرِك

- ‌الحثّ على قبول النصح وإن كان مُرّاً

- ‌عتاب من لم يقبل النصح

- ‌ضياع النصح لمن لا يقبله

- ‌معاتبة من يستنصح الناس ويستغشّ الناصح

- ‌الناصح متهم

- ‌وصف غاش في نصحه

- ‌الاستبداد وكراهة المشورة

- ‌المتفادى من أن يُستشار

- ‌الأناةُ والرَّويَّةُ والعَجلة

- ‌مَدْحُ الأناة والروية وذمّ العجلة

- ‌مدح العجلة وانتهاز الفرص

- ‌عبقريات شتى في المشورة

- ‌عبقرياتهم في الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌نهي من لم يتعظ عن الوعظ

- ‌حثهم على الوعظ بالفَعال دونَ المَقال

- ‌التلطّف واللين في الوعظ

- ‌الحث على الاتعاظ

- ‌وعظ مَنْ لا يتعظ

- ‌حثهم على قبول وعْظِ مَنْ ليسَ بمُتَّعظ

- ‌النهي عن الاقتداء بذوي الزّلات

- ‌الحث على الأمر بالمعروف والحال التي يجوز فيها

- ‌الباب الخامس في الحلم وكظم الغيظوالعفو والغضب والانتقام وما إلى هذه المعاني

- ‌الممدوحُ بالحلم وتمدُّحهم به

- ‌فضل كظم الغيظ

- ‌الغضب وألوانه

- ‌وما يسكن به ثورانه

- ‌من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ

- ‌حثهم على ترك الغضب

- ‌المؤدي إلى الاعتذار

- ‌حثّهم على التصامُم عن القبيح

- ‌حثهم على العفو مطلقاً

- ‌التحلُّم عنِ الخدمِ

- ‌الرحمةُ ومَدْحُ ذويها

- ‌ما يُستحسنُ فيه الحِلْمُ من الكبار وما يُسْتقبح

- ‌حثهم على درء الحدود

- ‌حث القادر على العفو

- ‌ذمُّ المُتشفّي من الغيظ

- ‌مدح من صَفح عند القدرة

- ‌الحث على إقالة من سَلِمَ ظاهرُه

- ‌العفو عمن سلم باطنه

- ‌عتب من يحفظ الذنب بعد تقادمه

- ‌العفو عن المقرّ المعترف

- ‌حسن العفو عن المصِرِّ

- ‌اسْتِعفاء من خلط إقراراً بإنكار

- ‌معتذر مع إنكار

- ‌مُعْتذرٌ بتكذيبِ نَفْسِه

- ‌استعفاء من زعم أن ذنبه كان خطأ

- ‌مستعفٍ سأل أن يقوّم ويؤدّب

- ‌مستعف سأل العفو لفرط خوفه

- ‌مستعف اتكل على سالف حرمته

- ‌الاستعفاءُ لِمُذْنبٍ من قومٍ مُحْسِنين

- ‌متوصل إلى العفو بمراجعة أو حجة

- ‌مستعف ذكر فرط خوفه من الوعيد

- ‌من اسْتَعْفى واسْتَوهب معاً

- ‌المتوصل إلى العفو بالتثبت إلى حين التبيُّن

- ‌نهي العافي عن التثريب

- ‌نهيهم عن الاعتذار وصعوبته

- ‌تأسُّف من يعاتب من غير ذنب

- ‌عبقرياتهم في ذمِّ الحِلْمِ ومَدْحِ العِقاب

- ‌النَّهْيُ عن الحِلم إذا كان يسبب ذُلاً أو ضَرّاً

- ‌دَفْعُ الجهل بالجهل

- ‌من نهي عن الاغترار بحلمه

- ‌الحلم مُغْرٍ وضارّ مُذل

- ‌نهيهم عن إكرام اللّئام

- ‌الاستعانة بالجهل لدى الحاجة إليه

- ‌حث القادر على العقاب قبل فَوْته

- ‌التبجح بقسوة القلب وقلة الرحمة

- ‌أخذ البريء بذنب الجاني

- ‌عذر من بدر منه سخط

- ‌طائفة من عبقرياتهم في العداوات

- ‌الاحتراسُ من غرس العداوة

- ‌نَهْيُهم عَنِ الاغترارِ بالوُدّ تُسْتَبطنُ معه العداوةُ

- ‌نهيهم عن السكون إلى من تقدّم منك إليه إساءة

- ‌نهيهم عن احتقار العدو

- ‌المتبجح بإظهار الليان وإضمار العداوة

- ‌العدو يكاشرك إذا حضرك

- ‌من نظرُه ينبئ عن عداوته

- ‌ثبات العداوة الذاتية

- ‌حمد المداجاة طلباًَ للفرصة

- ‌المسرة بوقوع العداء بين أعدائك

- ‌دنيءٌ يُعاديك بلا سبب

- ‌تأسُّف من يعاديه لئيم أو دنيء

- ‌حثهم على العداوة بالقول لا بالفعل

- ‌طائفةٌ من عبقرياتهم

- ‌في‌‌ الناسوما جُبل عليه السوادُ الأعظم من الحقد والحسد

- ‌ الناس

- ‌وسوء الظنِّ والشماتة وما جرى هذا المجرى

- ‌لا يزالُ الناسُ بخير ما تَبايَنوا

- ‌وجدت الناس اخْبُر تَقْلَهْ

- ‌الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة

- ‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

- ‌الغوغاء

- ‌قلة الوفاء في الناس وشيوع الغدر والمكر في عامتهم

- ‌الأنذال واللئام

- ‌الظن

- ‌الشماتة

- ‌الحقد

- ‌ذمّ الحقد ومدحه

- ‌الحسد

- ‌المزاح

- ‌نهيهم عن المزاح

- ‌حمدهم القصد في المزح ومزاح الأماثل

- ‌نهيهم عن الغضب في المَزْح

- ‌الممدوح بأن فيه الجدَّ والهزل

- ‌عذر من يضحك وهو محزون

- ‌نهيهم عن كثرة الضحك

- ‌إيراد جِدٍّ في مسلك هزل

- ‌صدرٌ من عبقرياتهم في الغيبة والنميمة

- ‌حقيقة الغيبة والنميمة

- ‌ذمّ الغيبة والنميمة

- ‌من سمحت نفسه بأن يكون في حِلٍّ

- ‌من قلّت مبالاتُه بمن اغتابه

- ‌ذم ناقص يغتاب فاضِلاً

- ‌من رمى غيره بعيبه

- ‌اغتياب المرء غيرَه يدلُّ على عيبه

- ‌تشهي الغيبة واستطابتها

- ‌من اغتاب فاغتيب

- ‌نهيهم عن الإصغاء إلى المُغتاب

- ‌الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة

- ‌حثهم على التثبّت فيما يُسمع من السعاية

- ‌صعوبة التخلص من اغتياب الناس

- ‌ذم ناقل الغيبة

- ‌الموصوف بالنميمة

- ‌من اغتاب غيره فرآه

- ‌من لا يحرم اغتيابه

- ‌حثهم على التحرز

- ‌الباب السادس في التواضع والكبروما إليهما

- ‌حدّ التواضع والكبر

- ‌حثهم على التواضع

- ‌ذمّهم التكبّر

- ‌بعض دواعي التكبر

- ‌متكبِّر دنيء أو فقير

- ‌مدحهم معرفةَ الرجل قدرَ نفسه

- ‌وذمهم الصّلف

- ‌وبعض نوادر المزهوّين

- ‌معتذر لعجبه وعزته

- ‌التكبر على ذوي الكبر

- ‌ذمهم الإفراط في التواضع

- ‌حمد تعظيم الكبار

- ‌الباب السابع في الشجاعة وعبقرياتهم فيهاوفي الصبر في القتال وسائر ما يتصل بالحرب

- ‌حقيقة الشجاعة

- ‌الأسباب المشجعة

- ‌حثهم على الثبات والإقدام

- ‌ونهيهم عن الإحجام والفكر في العواقب

- ‌المبادر إلى الحرب غير مبال بها

- ‌حثّ من دُعي إلى المبارزة على الإجابة

- ‌المُنازل وقت المنازلة

- ‌صدر من عبقرياتهم في الصبر

- ‌الخدعة والحيلة والتحرّز في الحرب

- ‌ما ينبغي أن يتصف به أمراء الجيوش

- ‌حثهم على التفكير قبل التقدم

- ‌من يؤثر الموت في العز على الحياة في الذل

- ‌نهيهم عن مخافة القتل

- ‌وحثُّهم على تصور الموت

- ‌وتمدُّحهم بذلك

- ‌الجود بالنفس

- ‌وحبُّ الموت في الوغى

- ‌وأنفتهم من الموت على الفراش

- ‌من يخوض الحرب

- ‌في القتل حياة

- ‌تأثير الخوف والمخوف منه

- ‌والموفى على الجماعة

- ‌المتبرِّم بالحرب والسخرية منه

- ‌الممدوح بقوة نفسه دون جسمه

- ‌القصد إلى العدى مُجاهرةً

- ‌المقاتل عن حريمه

- ‌المستنكف من السلب

- ‌الشبان والكهول في الحرب

- ‌العاجز أعاديه عن إصلاح ما أفسده وعكس ذلك

- ‌من تصحبه الطيور والسباع في القتال

- ‌عذر من يلبس الدروع

- ‌ونحوها في الحرب والمُستغني بشجاعته ويقينِه عنها

- ‌تحريم الملاهي على المحارب

- ‌طائفة من عبقرياتهم في الصلح

- ‌والتحذير من الحرب

- ‌الحرب تصيب جانيها وغير جانيها

- ‌الممتنع من الصلح

- ‌ضارع يطلب الصلح

- ‌التحذير من صغير يفضي إلى كبير

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التهديد والوعيد

- ‌قلة غناء الوعيد

- ‌مَنْ يتهدَّد بظهر الغيبِ ولا يُغْني غَناءً

- ‌من لا يبالي بتهديده

- ‌طائفة من عبقرياتهم

- ‌في الهزيمة والخوف وأنّ الفِرارَ لا يقي من الموت

- ‌تفضيل القتل على الهرب

- ‌الممتنع من الفرار

- ‌المعيَّر بانهزامه

- ‌ترك اتباع المنهزم

- ‌الفارّ وقت الفِرار والثابت وقت الثبات

- ‌المتفادي من حضور الحرب

- ‌والمحتجُّ لانهزامه بالخوف من القتل

- ‌هارِبٌ يعتذر عن هربه

- ‌بأنّه نَبْوَة أو قَدَر

- ‌المتخلفُ عن قومه

- ‌من نجا وقد استولى عليه الخوف

- ‌تسلية المُنهزم

- ‌صدر من عبقرياتهم في الجبن

- ‌من يظهر الشجاعة خارجَ الحرب ويجبُنُ فيها

- ‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

- ‌ما غُزي قومٌ قطّ في عقر دارهم إلا ذلُّوا

- ‌صدر من عبقرياتهم

- ‌في وصف آلات الحرب

الفصل: ‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

عَنِ الجواب وهو مأسُورٌ لم يُقَلْ: حَلُمَ، إذا ترَكَ أنْ يقولَ الشيءَ لِصاحِبه مُنتصراً ولا يَخافُ عاقِبَةً يَكْرَهُها. فهذا الحِلْم المحضُ، فإذا لم يَفْعَلْ ذلك ورأى أنَّ تَرْكَه الحِلْمَ ذلٌ فَهْوَ خَطأٌ وسَفَهٌ؛ وقوله: ولم ترَ التواهُبَ بينها ضَعَةً، نحوٌ مِن هذا، وهو: أنْ يَهَبَ الرَّجل من حقِّه مالا يُسْتَكْرَه عليهِ. . . وكان يقال: أحْيوا المعروفَ بإِماتَتِه، ومعنى ذلك: أنّ الرجلَ إذا امْتَنَّ

بِمعْروفِه كَدَّره، وقيل: المِنَّةُ تَهْدِم الصنيعة، وقد قال قيسُ بنُ عاصِمٍ المِنْقَري: يا بَني تميم، اصْحَبوا مَنْ يذكُرُ إحْسانَكم إليه ويَنْسى أياديَه إليكم. . .

‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

كان زياد بن أبيه يقول: أُوصيكم بثلاثة: بالعالِم، والشريف - يعني العظيم القدر - والشيخ - يريد: الذي تقدمت به السن - فو الله لا أُوتى بوضيع سَبَّ شريفاً، أو شابٍّ وَثَبَ بشيخ، أو جاهلٍ امتَهَنَ عالماً، إلا عاقبتُ وبالغْتُ. . . وقال عُمارَة بن عقيل بن بلال بن جرير لبني أسد بن خزيمة:

يا أيّها السائلي عمداً لأُخْبِرَه

بذاتِ نَفْسي وأيدي اللهِ فوقَ يدي

إنْ تَسْتَقِمْ أسدٌ ترشَدْ وإنْ شَغَبَتْ

فلا يَلُمْ لائِمٌ إلا بَني أسدِ

إني رأيتكُمُ يُعْصَى كبيرُكم

وتَكْنَعونَ إلى ذي الفَجْرَةِ النَّكِدِ

ص: 11

فباعَدَ اللهُ كلَّ البُعْدِ دارَكُمُ

ولا شَفاكُمْ مِنَ الأضْغانِ والحَسَدِ

فرأى عِصْيانَهمْ الكبيرَ مِنْ أقْبحِ العيب وأدلِّه على ضِغْنِ بعضهم لبعض وحَسَدِ بعضهم بعضا، والوضيع ينقلب إلى الشريف لأنه يرى مُقاولته فخرا، والاجْتراء عليه ربحا، كما أن مُقاولة الشريف للئيم ذلُّ وضَعةٌ قال الشاعر:

إذا أنْتَ قاوَلْتَ اللئيمَ فإنّما

يكونُ عليك العَتْبُ حينَ تُقاوِلُهْ

ولستَ كَمَنْ يَرضى بما غيرُهُ الرِّضا

ويَمْسحُ رأسَ الذِّئْبِ والذِّئْبُ آكِلُهْ

قال المبرد: وفي هذا الشعرِ بيتان يقدّمان في باب الفَتك - وفي باب العَزْم والشجاعة والإقدام - وهما:

فلا تَقْرِنَنْ أمْرَ الصَّريمةِ بامْرئٍ

إذا رامَ أمْراً عَوَّقَتْهُ عَواذِلُهْ

وقلْ للفُؤادِ إنْ نزا بكَ نزوةٌ

من الرَّوعِ: أفْرِخْ أكْثرُ الرَّوعِ باطِلُهْ

قال المبرد: وقد امتنع قوم من الجواب - أي من مُقاولةِ اللئيم - تنبلاً - يريد ترفعاً - ومواضِعهم تُنْبئُ عن ذلك - أي أن مراكِزَهم تدلُّ على أن امْتِناعهم ترفّعٌ - وامتنع قوم عِيّاً بلا اعتلال - يريد دون أن يُبدوا عِلَّةً لِهذا الإعْراضِ عن اللئام - وامتنع قوم عَجزاً واعتلُّوا بكراهة السَّفه، وبعضهم معتلٌّ برفعة نفسه عن خصمه، وبعضهم كان يسُبُّه الرجل الرّكيكُ من العشيرة، فُيعرضُ ويسبُّ سيِّدَ قَوْمه، وكانت الجاهلية ربَّما فعلته في الذُّحول

ص: 12

-

جمع ذُحْل وهو الثأر - قال الراجز:

إنّ بَجيلاً كلّما هجاني

مِلْتُ على الأغْطَشِِ أو أبانِ

أو طلْحةِ الخيرِ فتى الفتيانِ

أولاكَ قومٌ شأنُهمْ كَشاني

ما نِلْتُ مِنْ أعْراضِهمْ كَفاني

وإنْ سَكَتُّ عَرفوا إحْساني

وقال أحد المحدثين:

إنَي إذا هَرَّ كلْبُ الحيِّ قلتُ لهُ

إسْلَمْ وربُّكَ مخنوقٌ على الجِرَرِ

وفي مثلِ اخْتيارِ النّبيل لتتكافأَ الأعْراض قول الأخطل:

شَفى النفسَ قَتْلَى من سُليمٍ وعامرٍ

ولم يَشْفِها قَتلَى غَنيّ ولا جَسْرِ

ولا جُشَمٍ شَرِّ القبائلِ إنّها

كبيضِ القَطا ليسوا بِسودٍ ولا حُمْرِ

ولَوْ بِبَني ذُبيانَ بُلَّتْ رِماحُنا

لقَرَّتْ بِهمْ عَيْني وباَء بِهمْ وِتْري

وقال رجلٌ من المحدثين وهو حمدانُ بنُ أبان اللاّحِقي:

ألَيْسَ مِنَ الكَبائرِ أنّ وَغْداً

لآلِ مُعَذَّلٍ يَهْجو سَدوسا

هَجا عِرْضاً لَهمْ غَضًّا جَديداً

وأهْدفَ عِرْضَ والِدِه اللَّبيسا

وقال آخر:

اللّؤْمُ أكْرمُ مِنْ وَبْرٍ ووالدِه

واللّؤْمُ أكْرمُ مِنْ وَبْرٍ وما وَلَدا

قومٌ إذا جَرَّ جاني قومِهم أَمِنوا

مِنْ لُؤْمِ أحْسابِهمْ أنْ يُقتلوا قَوَدا

اللّؤْمُ داءٌ لِوَبْرٍ يُقْتَلونَ بهِ

لا يُقْتَلونَ بِداءٍ غَيْرِه أبَدا

وقال أحد المحدثين هو - دِعْبِل بن علي الخزاعي -:

ص: 13

أمّا الهجاء فَدَقَّ عِرْضُك دونَه

والمَدْحُ عَنْك كَما عَلِمْتَ جليلُ

فاذْهَبْ فأنْتَ عَتيقُ عِرْضِك إنّه

عِرْضٌ عَزَزْتَ بهِ وأنْتَ ذَليلُ

وقال آخر:

نُبِّئْتُ كلْباً هابَ رمْيي لَه

يَنْبَحُني مِنْ مَوْضعٍ نائي

لَوْ كنتَ مِنْ شيءٍ هَجَوْناك أوْ

لوْ بِنْتَ للسَّامعِ والرائي

فعَدِّ عَنْ شَتْمي فإنّي امْرؤٌ

حَلَّمَني قِلَّةُ أكْفاني

وقال دعبل أيضاً:

فلَوْ أنّي بُليتُ بِهاشِمِيٍّ

خُؤولتُه بَنو عَبْدِ المدانِ

صَبَرْتُ على عَداوَتِه ولكِنْ

تَعالَيْ فانْظُري بِمَنِ ابْتلاني

ووقف رجلٌ عليه مقطَّعاتٌ على الأحنف بن قيس يسبُّه، وكان عمرو بن الأهْتم جعلَ له ألفَ دِرهمٍ على أن يُسفِّه الأحنف، فجعل لا يَأْلو أنْ يَسبَّه سبًّا يُغضِب، والأحْنَفُ مُطْرقٌ صامتٌ، فلما رآه لا يُكلمه أقبل الرجلُ يَعَضُّ إبْهامَيْه ويقول: يا سَوْأتاه، والله ما يمنعُه من جوابي إلا هَواني عليه. . . وفعلَ ذلك آخرُ فأمسكَ عنه الأحنف، فأكثرَ الرجلُ، إلى أن أراد الأحنفُ القيامَ للغَداء فأقبَل على الرَّجل فقال: يا هذا، إنَّ غَداءَنا قدْ حَضَرَ فانْهَضْ بنا إليه إن شئتَ فإنك مُذ اليوم تحْدو بِجَملٍ ثَفال.

ص: 14