المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وخيرُ سَجيَّاتِ الرِّجالِ سَجيَّةٌ … تُوفِّيكَ ما تُسدي من القَرْضِ - الذخائر والعبقريات - جـ ٢

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌عبقريات شتَّى تندرج في الأبواب السابقة

- ‌سموّ أخلاق الخلفاء الراشدين

- ‌طلحة بن عبيد الله

- ‌حادث تلاقى فيه الكرم بالشجاعة والمروءة والحياء والنُّبل

- ‌حلم وأدب وسمو خلق

- ‌خير ما يُرْزقه العبد

- ‌لا تزال العرب عرباً ما حافظت على زيها

- ‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

- ‌لا تشْكُ إلى غير الله

- ‌نبالة ومروءة

- ‌دعوة الله

- ‌كلمات في السؤال

- ‌كانوا يرون أنّ الملوك لا يُستحى من مَسألتهم

- ‌مثلٌ في الرياء

- ‌الهم نصف الهرم

- ‌مثلُ الدنيا وآفاتها والخوف من نهايتها

- ‌عمرو بن العاص يصف حاله في احتضاره

- ‌ماذا قال عبد الله بن الزبير حين أتاه خبر مقتل أخيه المصعب

- ‌إِذا ضيقت شيئاً ضاق جداً

- ‌لا تلهفنَّ على ما فاتك

- ‌ومن قولهم في الحث على التعزي

- ‌لكل غد طعام

- ‌اللئام مولعون بإيذاء الكرام

- ‌أبيات في الصبر والشجاعة والكرم

- ‌أبيات حكيمة

- ‌أبياتٌ مَنْ لم يروِها فلا مروءةَ له

- ‌حكم ومواعظ

- ‌في الموت

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التعازي

- ‌التسلية بعد وقوع المحذور

- ‌من دواعي التّسلّي قُرْبُ اللّحوقِ بالميّت

- ‌من تعازي الملوك وتَسلّيهم بأنّ الناسَ جميعاً مُصابون

- ‌التسلّي بأنه مُعَزّى لا مُعَزًّى به

- ‌التسلّي عمَّن مَضى بِمَنْ بقي

- ‌مَنْ تسلّى بما له من الثوابِ وبعض تعازيهم

- ‌مَنْ ماتَ له كثيرٌ مِنْ أهلِه فَصَبِرَ

- ‌ومِنْ أدْعَيتِهمْ لِذوي المصيبة

- ‌عبقرياتهم في الطب والمرض وعيادة المرضى

- ‌معنى الطب

- ‌وصف طبيب حاذق

- ‌الطبيب الجاهل

- ‌مدح الحمية وذمّها

- ‌شُرْبُ الدَّواء

- ‌سياسةُ الأبْدانِ بِما يُصلِحُها من الطعام وغيرِه

- ‌مَنْ تَناولَ طعاماً وتحقَّقَ تولُّد عِلّة منه

- ‌الحمى

- ‌الرمد

- ‌النقرس

- ‌عَودٌ إلى عبقرياتهم في التّداوي والأدوية

- ‌شهوة المريض إلى الطعام

- ‌شكوى العلة

- ‌فضل الصحة والعافية

- ‌نفع المرض

- ‌وصفُ العِلَّةِ بأنّها تنال الأماثِلَ

- ‌عيادة المريض

- ‌وجوبُ عيادة المريض

- ‌أدب عيادة المريض

- ‌شكايةُ مَنْ لا يعودُه إخوانُه

- ‌الاعتذار عن ترك العيادة

- ‌من عاده ممرّضه

- ‌مريض عاد صحيحاً

- ‌حثهم العائد على تنشيط المريض

- ‌حثُّهم على تخويفه ليتجنبَ المضارَّ

- ‌تغير اللون

- ‌تهنئة مَنْ برأ من المرض

- ‌تفدية المريض

- ‌عبقريات شتى في الطب والمرض والعيادة

- ‌الباب الرابع في كتمانِ السرِّ وإفشائهوعبقرياتهم في ذلك وفيما يجري هذا المجرىمن الشورى والاستبداد بالرأي والنصح والأناة والعجلة

- ‌حفظ اللسان

- ‌منعُ إظهارِ السِّرِّ قبل تمامه

- ‌حثهم على حفظ السرّ

- ‌من يُكْره اطِّلاعُه على السر

- ‌المُفْتَخِر بحفظ السر

- ‌الممدوح بحفظ السر

- ‌صعوبة حفظ السرّ

- ‌من لا يحفظ سِرَّه ويَسْتَحْفظُه غيرَه

- ‌ذمُّ مَنْ يُفشي السرَّ

- ‌الأحوال التي يفشو فيها السرّ

- ‌المُساررة في المحافل

- ‌المتبجِّح بإظهار أسرار أصدقائه

- ‌الرُّخصة في إفشاء السرّ إلى الصديق

- ‌عبقريات شتى في كتمان السر

- ‌عبقرياتهم في المشورة

- ‌والاستبداد بالرأي

- ‌مدح المشورة

- ‌حثهم على مُشاورةِ الحازمِ اللبيب

- ‌استشارة الكبار والصغار ومن يُعْتمد على مَشورته ورويَّته

- ‌من يجب أن تجتنب استشارتَه

- ‌وجوب نَصيحةِ مُستشيرِك

- ‌الحثّ على قبول النصح وإن كان مُرّاً

- ‌عتاب من لم يقبل النصح

- ‌ضياع النصح لمن لا يقبله

- ‌معاتبة من يستنصح الناس ويستغشّ الناصح

- ‌الناصح متهم

- ‌وصف غاش في نصحه

- ‌الاستبداد وكراهة المشورة

- ‌المتفادى من أن يُستشار

- ‌الأناةُ والرَّويَّةُ والعَجلة

- ‌مَدْحُ الأناة والروية وذمّ العجلة

- ‌مدح العجلة وانتهاز الفرص

- ‌عبقريات شتى في المشورة

- ‌عبقرياتهم في الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌نهي من لم يتعظ عن الوعظ

- ‌حثهم على الوعظ بالفَعال دونَ المَقال

- ‌التلطّف واللين في الوعظ

- ‌الحث على الاتعاظ

- ‌وعظ مَنْ لا يتعظ

- ‌حثهم على قبول وعْظِ مَنْ ليسَ بمُتَّعظ

- ‌النهي عن الاقتداء بذوي الزّلات

- ‌الحث على الأمر بالمعروف والحال التي يجوز فيها

- ‌الباب الخامس في الحلم وكظم الغيظوالعفو والغضب والانتقام وما إلى هذه المعاني

- ‌الممدوحُ بالحلم وتمدُّحهم به

- ‌فضل كظم الغيظ

- ‌الغضب وألوانه

- ‌وما يسكن به ثورانه

- ‌من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ

- ‌حثهم على ترك الغضب

- ‌المؤدي إلى الاعتذار

- ‌حثّهم على التصامُم عن القبيح

- ‌حثهم على العفو مطلقاً

- ‌التحلُّم عنِ الخدمِ

- ‌الرحمةُ ومَدْحُ ذويها

- ‌ما يُستحسنُ فيه الحِلْمُ من الكبار وما يُسْتقبح

- ‌حثهم على درء الحدود

- ‌حث القادر على العفو

- ‌ذمُّ المُتشفّي من الغيظ

- ‌مدح من صَفح عند القدرة

- ‌الحث على إقالة من سَلِمَ ظاهرُه

- ‌العفو عمن سلم باطنه

- ‌عتب من يحفظ الذنب بعد تقادمه

- ‌العفو عن المقرّ المعترف

- ‌حسن العفو عن المصِرِّ

- ‌اسْتِعفاء من خلط إقراراً بإنكار

- ‌معتذر مع إنكار

- ‌مُعْتذرٌ بتكذيبِ نَفْسِه

- ‌استعفاء من زعم أن ذنبه كان خطأ

- ‌مستعفٍ سأل أن يقوّم ويؤدّب

- ‌مستعف سأل العفو لفرط خوفه

- ‌مستعف اتكل على سالف حرمته

- ‌الاستعفاءُ لِمُذْنبٍ من قومٍ مُحْسِنين

- ‌متوصل إلى العفو بمراجعة أو حجة

- ‌مستعف ذكر فرط خوفه من الوعيد

- ‌من اسْتَعْفى واسْتَوهب معاً

- ‌المتوصل إلى العفو بالتثبت إلى حين التبيُّن

- ‌نهي العافي عن التثريب

- ‌نهيهم عن الاعتذار وصعوبته

- ‌تأسُّف من يعاتب من غير ذنب

- ‌عبقرياتهم في ذمِّ الحِلْمِ ومَدْحِ العِقاب

- ‌النَّهْيُ عن الحِلم إذا كان يسبب ذُلاً أو ضَرّاً

- ‌دَفْعُ الجهل بالجهل

- ‌من نهي عن الاغترار بحلمه

- ‌الحلم مُغْرٍ وضارّ مُذل

- ‌نهيهم عن إكرام اللّئام

- ‌الاستعانة بالجهل لدى الحاجة إليه

- ‌حث القادر على العقاب قبل فَوْته

- ‌التبجح بقسوة القلب وقلة الرحمة

- ‌أخذ البريء بذنب الجاني

- ‌عذر من بدر منه سخط

- ‌طائفة من عبقرياتهم في العداوات

- ‌الاحتراسُ من غرس العداوة

- ‌نَهْيُهم عَنِ الاغترارِ بالوُدّ تُسْتَبطنُ معه العداوةُ

- ‌نهيهم عن السكون إلى من تقدّم منك إليه إساءة

- ‌نهيهم عن احتقار العدو

- ‌المتبجح بإظهار الليان وإضمار العداوة

- ‌العدو يكاشرك إذا حضرك

- ‌من نظرُه ينبئ عن عداوته

- ‌ثبات العداوة الذاتية

- ‌حمد المداجاة طلباًَ للفرصة

- ‌المسرة بوقوع العداء بين أعدائك

- ‌دنيءٌ يُعاديك بلا سبب

- ‌تأسُّف من يعاديه لئيم أو دنيء

- ‌حثهم على العداوة بالقول لا بالفعل

- ‌طائفةٌ من عبقرياتهم

- ‌في‌‌ الناسوما جُبل عليه السوادُ الأعظم من الحقد والحسد

- ‌ الناس

- ‌وسوء الظنِّ والشماتة وما جرى هذا المجرى

- ‌لا يزالُ الناسُ بخير ما تَبايَنوا

- ‌وجدت الناس اخْبُر تَقْلَهْ

- ‌الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة

- ‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

- ‌الغوغاء

- ‌قلة الوفاء في الناس وشيوع الغدر والمكر في عامتهم

- ‌الأنذال واللئام

- ‌الظن

- ‌الشماتة

- ‌الحقد

- ‌ذمّ الحقد ومدحه

- ‌الحسد

- ‌المزاح

- ‌نهيهم عن المزاح

- ‌حمدهم القصد في المزح ومزاح الأماثل

- ‌نهيهم عن الغضب في المَزْح

- ‌الممدوح بأن فيه الجدَّ والهزل

- ‌عذر من يضحك وهو محزون

- ‌نهيهم عن كثرة الضحك

- ‌إيراد جِدٍّ في مسلك هزل

- ‌صدرٌ من عبقرياتهم في الغيبة والنميمة

- ‌حقيقة الغيبة والنميمة

- ‌ذمّ الغيبة والنميمة

- ‌من سمحت نفسه بأن يكون في حِلٍّ

- ‌من قلّت مبالاتُه بمن اغتابه

- ‌ذم ناقص يغتاب فاضِلاً

- ‌من رمى غيره بعيبه

- ‌اغتياب المرء غيرَه يدلُّ على عيبه

- ‌تشهي الغيبة واستطابتها

- ‌من اغتاب فاغتيب

- ‌نهيهم عن الإصغاء إلى المُغتاب

- ‌الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة

- ‌حثهم على التثبّت فيما يُسمع من السعاية

- ‌صعوبة التخلص من اغتياب الناس

- ‌ذم ناقل الغيبة

- ‌الموصوف بالنميمة

- ‌من اغتاب غيره فرآه

- ‌من لا يحرم اغتيابه

- ‌حثهم على التحرز

- ‌الباب السادس في التواضع والكبروما إليهما

- ‌حدّ التواضع والكبر

- ‌حثهم على التواضع

- ‌ذمّهم التكبّر

- ‌بعض دواعي التكبر

- ‌متكبِّر دنيء أو فقير

- ‌مدحهم معرفةَ الرجل قدرَ نفسه

- ‌وذمهم الصّلف

- ‌وبعض نوادر المزهوّين

- ‌معتذر لعجبه وعزته

- ‌التكبر على ذوي الكبر

- ‌ذمهم الإفراط في التواضع

- ‌حمد تعظيم الكبار

- ‌الباب السابع في الشجاعة وعبقرياتهم فيهاوفي الصبر في القتال وسائر ما يتصل بالحرب

- ‌حقيقة الشجاعة

- ‌الأسباب المشجعة

- ‌حثهم على الثبات والإقدام

- ‌ونهيهم عن الإحجام والفكر في العواقب

- ‌المبادر إلى الحرب غير مبال بها

- ‌حثّ من دُعي إلى المبارزة على الإجابة

- ‌المُنازل وقت المنازلة

- ‌صدر من عبقرياتهم في الصبر

- ‌الخدعة والحيلة والتحرّز في الحرب

- ‌ما ينبغي أن يتصف به أمراء الجيوش

- ‌حثهم على التفكير قبل التقدم

- ‌من يؤثر الموت في العز على الحياة في الذل

- ‌نهيهم عن مخافة القتل

- ‌وحثُّهم على تصور الموت

- ‌وتمدُّحهم بذلك

- ‌الجود بالنفس

- ‌وحبُّ الموت في الوغى

- ‌وأنفتهم من الموت على الفراش

- ‌من يخوض الحرب

- ‌في القتل حياة

- ‌تأثير الخوف والمخوف منه

- ‌والموفى على الجماعة

- ‌المتبرِّم بالحرب والسخرية منه

- ‌الممدوح بقوة نفسه دون جسمه

- ‌القصد إلى العدى مُجاهرةً

- ‌المقاتل عن حريمه

- ‌المستنكف من السلب

- ‌الشبان والكهول في الحرب

- ‌العاجز أعاديه عن إصلاح ما أفسده وعكس ذلك

- ‌من تصحبه الطيور والسباع في القتال

- ‌عذر من يلبس الدروع

- ‌ونحوها في الحرب والمُستغني بشجاعته ويقينِه عنها

- ‌تحريم الملاهي على المحارب

- ‌طائفة من عبقرياتهم في الصلح

- ‌والتحذير من الحرب

- ‌الحرب تصيب جانيها وغير جانيها

- ‌الممتنع من الصلح

- ‌ضارع يطلب الصلح

- ‌التحذير من صغير يفضي إلى كبير

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التهديد والوعيد

- ‌قلة غناء الوعيد

- ‌مَنْ يتهدَّد بظهر الغيبِ ولا يُغْني غَناءً

- ‌من لا يبالي بتهديده

- ‌طائفة من عبقرياتهم

- ‌في الهزيمة والخوف وأنّ الفِرارَ لا يقي من الموت

- ‌تفضيل القتل على الهرب

- ‌الممتنع من الفرار

- ‌المعيَّر بانهزامه

- ‌ترك اتباع المنهزم

- ‌الفارّ وقت الفِرار والثابت وقت الثبات

- ‌المتفادي من حضور الحرب

- ‌والمحتجُّ لانهزامه بالخوف من القتل

- ‌هارِبٌ يعتذر عن هربه

- ‌بأنّه نَبْوَة أو قَدَر

- ‌المتخلفُ عن قومه

- ‌من نجا وقد استولى عليه الخوف

- ‌تسلية المُنهزم

- ‌صدر من عبقرياتهم في الجبن

- ‌من يظهر الشجاعة خارجَ الحرب ويجبُنُ فيها

- ‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

- ‌ما غُزي قومٌ قطّ في عقر دارهم إلا ذلُّوا

- ‌صدر من عبقرياتهم

- ‌في وصف آلات الحرب

الفصل: وخيرُ سَجيَّاتِ الرِّجالِ سَجيَّةٌ … تُوفِّيكَ ما تُسدي من القَرْضِ

وخيرُ سَجيَّاتِ الرِّجالِ سَجيَّةٌ

تُوفِّيكَ ما تُسدي من القَرْضِ بالقَرْضِ

إذا الأرْضُ أدَّتْ ريعَ ما أنْتَ زارِعٌ

مِنَ البَذْرِ فيها فَهْيَ ناهيكَ مِنْ أرْضِ

ولَولا الحُقودُ المُسْتَكنَّاتُ لم يكُنْ

لِيَنْقُضَ وِتْراً آخِرَ الدَّهْرِ ذو نَقْضِ

وما الحِقْدُ إلاّ تَوْأمُ الشُّكْرِ في الفَتى

وبَعْضُ السَّجايا يَنْتَهينَ إلى بَعْضِ

فحيثُ تَرى حِقْداً على ذي إساءةٍ

فَثَمَّ تَرى شُكْراً على حَسَنِ الفَرْضِ

وفي هذا القدر من عبقرياتهم في الحقد كفاية وترى في باب الطبائع ما ينقع غلّتك إن شاء الله.

‌الحسد

الحسد وقانا الله شرَّه - داءٌ من الأدواء المُتأصّلة الخبيثة الشائعة في هذا الناس إلا من عصم ربُّك، قال علماؤنا: الحسد: أن يرى الرجل لأخيه نِعمةً فيتمنّى أنْ تَزولَ عنه وتكونَ

له دونه، أما الغَبْطُ أو الغِبْطةُ فهي: أن يتمنى أن يكونَ له مثلُها ولا يتمنى زوالَها عنه، وهي كما قال الإمام الأزهري -: ضَرْبٌ من الحسد، ولكنَّها أخفُّ منه، قال: ألا ترى أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما سُئِل: هل يضرُّ الغَبْط؟ فقال: نعم، كما يضرُّ الخَبط فأخبر أنّه ضارٌّ وليس كضرر الحسد الذي يتمنى صاحبُه زوالَ النعمةِ عن أخيه، والخبط: ضرْبُ ورق الشجر حتى يتحاتَّ عنه ثم يستخلف من غير أن يضُرَّ ذلك بأصل الشجرة وأغصانها.

وقال الله عز وجل: {وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} . . . . .

قال الإمام البيضاويُّ: ما فضَّل اللهُ به بعضَكم على بعض: أي من الأمورِ الدُّنيوية كالجاه والمال، قال: لا تتمنَّوْه. فلَعلَّ عدمَه خيرٌ، قال:

ص: 174

والمُقتضي للمَنْعِ كونُه ذريعةً إلى التحاسد والتَّعادي مُعْرِبةً عن عدم الرضا بما قسم اللهُ له، وأنّه تَشَهٍّ لحصولِ الشيء له من غير طلب، وهو مذمومٌ لأن تمنِّي ما لم يُقْدَرْ له معارضةٌ لحكم القدرِ وتمنّي ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال؛ وقد نعى الله في غير ما آيةٍ على أولئك الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله

وفي الحديث: (لا حَسَدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه اللهُ مالاً فهْوَ يُنْفِقُه آناءَ الليل وأطرافَ النهار، ورجل آتاه اللهُ قرآناً فهو يتلوه). . . . قال الإمام الأزهري: هو أن يتمنّى الرجل أن يرزقَه اللهُ مالاً ينفق منه في سبيل الخير أو يتمنّى أن يكون حافظاً لكتاب الله فيتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ولا يتمنّى أن يُرْزأ صاحبُ المال في ماله أو تالي القرآن في حفظه. وقال ثعلب: معناه ليس حسد لا يضرّ إلا في اثنتين، أقول: ومعنى ذلك أنّ كلَّ حسد ضار إلا في هاتين أي أن حسد صاحب المال ينفقه في سبيل الخير وحافظ القرآن يتلوه، غير ضار، لأنّ هذين على سبيل سواء يستحِقّان معه أن يُحسدا، أي أن يُغبطا. . . .

وقال حكيم: الحسد مِنْ تعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البِنْية وضعف عقد العقل. . والحاسدُ طويل الحسرات. وقال حكيم: الحسد جرحٌ لا يبرأ، وحَسْبُ الحسود ما يَلْقى. وقال الحسن البصري: يا ابن آدم، لِمَ تَحسُدُ أخاك؟ إنْ كان اللهُ أعطاه لكرامتِه عليه، فلِمَ تحسد مَنْ أكرمَه اللهُ؟ وإن كان غيرَ ذلك فلِمَ تحسُدُ من مصيرُه إلى النار! وفي الأثر: الحسد يأكل الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ، وقال علي بن أبي طالبٍ: ما رأيتُ ظالماً

أشبهَ بمظلومٍ من الحاسد، نَفَسٌ دائم،

ص: 175

وعقلٌ هائم، وحزنٌ لازم، وقالوا: الحسود لا يسود. . . . قال رَوْحُ بن زنباع الجُذاميُّ: كنت أرى قوماً دوني في المنزلة عن السلطان يدخلون مداخِلَ لا أدخلُها، فلمّا أذهبت عنّي الحَسدَ دخلتُ حيث دَخلوا. . . . وقال ابن المُقفّع: أقلُّ ما لِتاركِ الحسدِ في تركه أن يَصرِفَ عن نفسه عذاباً ليس بمُدْرِكٍ به حَظّاً ولا غائِطٍ بهِ عدوّاً، فإنّا لمْ نرَ ظالِماً أشبهَ بمظلومٍ من الحاسد، طولُ أسفٍ، ومحالفةُ كآبةٍ وشدّةُ تحرُّقٍ، ولا يبرح زارِياً على نعمة اللهِ ولا يجد لها مَزالاً، ويُكدِّر على نفسه ما به من النّعمةِ فلا يجد لها طعماً ولا يزال ساخِطاً على مَنْ لا يَترضّاه ومتسخِّطاً لما لن ينالَ فوقَه، فهو منغَّص المعيشةِ دائمُ السّخْطةِ محرومُ الطّلِبة، لا بِما قُسم له يقنعُ ولا على ما لم يقسم له يَغْلِب، والمَحسود يتقلَّبُ في فضل اللهِ مُباشراً للسُّرورِ منتفِعاً به مُمَهَّلاً به إلى مُدَّةٍ ولا يقدر الناسُ لها على قطعٍ وانتقاص. . . وقال أبو تمام:

وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فَضيلةٍ

طُوُيَتْ أتاحَ لها لِسانَ حَسودِ

لولا اشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ

ما كانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْفِ العودِ

لولا التّخوُّفُ لِلْعَواقبِ لَمْ تَزَلْ

لِلْحاسِدِ النُّعْمى على المَحْسودِ

وقال البحتري:

ولَنْ يَسْتبينَ الدَّهْرَ مَوْضِعُ نِعْمةٍ

إذا أنْتَ لَمْ تُدْلَلْ عليها بِحاسِدِ

وقال عبد الله بن المعتز:

اصْبِرْ على كَيْدِ الحسو

دِ فإنَّ صَبْرَك قاتِلُهْ

فالنّارُ تأكُلُ نَفْسَها

إنْ لَمْ تَجِدْ ما تأكُلُهْ

وقال ابن المقفع أيضاً: الحسد والحرص دعامتا الذنوب، فالحرص أخرج آدم عليه السلام من الجنة، والحسد نقل إبليس من جوار الله تعالى

ص: 176

وقال الجاحظ: من العدل المحض والإنصاف الصريح - الخالص - أن تحطَّ عن الحاسدِ نصفَ عقابه، لأنّ ألمَ جَسْمه قد كفاك مؤونةَ شَطْر غيظك؛ وللجاحظ رسالة مطوّلة في الحسد تراها في رسائله.

وقيل للحسن البصري: أيَحْسُدُ المؤمنُ أخاه؟ قال: لا أبالك، أنسيت إخوة يوسف؟ وقالوا: الحَسود غضبانُ على القدر، والقدر لا يُعْتِبه - أي لا يُزيل عتْبَه: أي لا يُرضيه - أخذ هذا المعنى منصور الفقيه فقال:

ألا قُلْ لِمَنْ باتَ لي حاسِداً

أتَدْري عَلى مَنْ أسأتَ الأدَبْ

أسأتَ على اللهِ في فِعْلِه

إذا أنْتَ لَمْ تَرْضَ لي ما وَهَبْ

وقال معاويةُ: كلُّ الناس يمكنني أن أرضيَه، إلا الحاسدَ الذي لا يردُّه إلى مودَّتي إلا زوالُ نعمتي. وقال المتنبي:

سِوى وَجَعِ الحُسَّادِ داوِ فإنّه

إذا حلَّ في قلْبٍ فلَيْسَ يَحولُ

وقال آخر:

كلُّ العَداوة قدْ تُرْجى إماتتُها

إلا عَداوةَ مَنْ عاداكَ مِنْ حَسَدِ

ويقال: إذا أرادَ اللهُ أنْ يُسلِّطَ على عبده عدوّاً لا يرحمُه سلَّط عليه حاسداً. . . . . وقال العُتْبيُّ - وذكر وُلْدُ، الذين ماتوا -:

وحتّى بَكى ليَ حُسَّادُهُمْ

وقَدْ أتْرَعوا بِالدُّموعِ العُيونا

وحَسْبُكَ مِنْ حادِثٍ بامْرئٍ

يَرى حاسِديهِ لهُ راحِمينا

وقالوا: مَنْ دعتْهُ نفسُه إلى ترك الدنيا فلينظر: هل يَحْسُدُ أحداً، فإنْ حسد كان تركُه عجزاً، لأنه لو زهد فيها ما حَسَدَ عليها. وقال البحتريّ:

مُسْتريحُ الأحْشاءِ مِنْ كُلِّ ضِغْنٍ

بارِدُ الصَّدْرِ مِنْ غَليلِ الحَسودِ

ص: 177

وقيل لسفيانَ بن معاوية: ما أسْرعَ حسدَ الناسِ إلى قومِك! فقال:

إنّ العَرانينَ تَلْقاها مُحَسَّدةً

ولا تَرى لِلِئامِ النّاسِ حُسّادا

وقال آخر:

وتَرى اللَّبيبَ مُحَسَّداً لَمْ يَجْتَرِمْ

شَتْمَ الرِّجالِ وعِرْضُه مَشْتومُ

حَسدوا الفَتى إذْ لَمْ يَنالوا سَعْيَه

فالقومُ أعْداءٌ لهُ وخُصومُ

كَضَرائِرِ الحَسْناءِ قُلْنَ لِوَجْهِها

حَسداً وظُلْماً: إنّه لَدَميمُ

وقال آخر:

إن تَحْسِدوني فإنّي لا ألومُكُمُ

قبلي مِنَ الناسِ أهلُ الفضلِ قد حُسِدوا

فدامَ لي ولَهُمْ ما بي وما بِهِمُ

وماتَ أكثرُنا غَيْظاً بما يَجِدُ

أنا الذي تَجدوني في حلوقِكُمُ

لا أرْتقي صَدْراً عَنْها ولا أرِدُ

وخطب الحجاج يوماً بِرُسْتَقُباذ بقولِ سويد بن أبي كاهل - شاعر جاهلي إسلامي -:

كيفَ يَرْجون سَقاطي بَعْد ما

جَلَّلَ الرأسَ بياضٌ وصَلَعْ

رُبَّ مَنْ أنضَجْتُ غيظاً صدرَه

قَدْ تَمنّى ليَ موتاً لَمْ يُطَعْ

ويَراني كالشَّجا في حَلْقِه

عَسِراً مَخْرجُه ما يُنْتَزَعْ

مُزْبِداً يخْطِرُ ما لَمْ يرَني

فإذا أسْمَعْتُهُ صَوْتي انْقَمَعْ

ص: 178

لَمْ يَضِرْني غَيْرَ أنْ يَحْسِدُني

فَهْوَ يَزْقو مثلَ ما يَزْقو الضُّوَعْ

ويُحيّيني إذا لاقيتُه

وإذا يَخْلو له لَحْمي رَتَعْ

قد كفاني اللهُ ما في نفسِه

وإذا ما يَكْفِ شيئاً لا يُضَعْ

وقال ابن الرومي لصاعد بن مخلد:

وضِدٍّ لكمْ لا زالَ يَسْفُلُ جَدُّه

ولا بَرِحَتْ أنفاسُه تَتَصَعَّدُ

يرى زِبْرِجَ الدُّنْيا يُزَفُّ إليكُمُ

ويُغْضي عَنِ اسْتِحْقاقكِمْ فَهْوَ يُفْأدُ

ولَوْ قاسَ باسْتِحْقاقِكِمْ ما مُنِحْتُمُ

لأطفأ ناراً في الحَشا تَتَوقَّدُ

وآنَقُ مِنْ عِقْدِ العَقيلةِ جيدُها

وأحْسنُ مِنْ سِرْبالِها المُتَجَرَّدُ

وقال الأصمعي: رأيْتُ أعرابيَّاً قدْ أتتْ له مائةٌ وعشرون سنة، فقلت له: ما طوَّل عُمُرَك؟ فقال تركت الحسدَ فبقيت. وكانوا يقولون: سِتّةٌ لا يخلون من الكآبة: رجلٌ افتقر بعد غنىً، وغنيٌّ يخافُ على ماله النَّوى - الهلاك والضياع - وحقودٌ، وحسودٌ، وطالبُ مرتبةٍ لا يبلغُها قدرُه ومخالِطُ الأدباءِ بغير أدب.

ومن ألفاظهم في وصف الحسد: قد دبَّت عقاربُ الحُسَّدِ، وكَمَنَتْ

ص: 179

أفاعيهم بكلِّ مَرْصد: فلانٌ قد وَكَّلَ بي لَحْظاً يَنْتَضِلُ بأسْهُمِ الحَسَدِ. . .

ومن وصاياهم في باب الحذر من الأعداء الحُسَّد قول أعرابيٍّ يعِظ رجلاً: ويحك، إنَّ فُلاناً وإن ضحك إليك، فإنّه يضحك منك، ولَئِنْ أظهر الشفقة عليك، إنّ عقاربَه لَتسري إليك، فإنْ لم تتخذْه عَدوَّاً في علانيَّتك فلا تجعلْه صديقاً في سريرتك. . .

وحذَّر بعض الحكماء صديقاً له صحِبَه رجلٌ، فقال: احذر فلاناً، فإنّه كثيرُ المسألة، حسنُ البحث، لطيفُ الاستدراج يحفَظُ أولَ كلامِك على آخِره، ويعتبر ما أخَّرْتَ بما قدَّمت، فلا تظهُرِنَّ له المخافةَ فيرى أنك قد تحرَّزت. واعلم أن من يقظة الفطنة إظهارَ الغفلةِ مع شدّة الحذر. فباثِّه مباثَّةَ الآمِنِ، وتحفّظ منه تحفُّظَ الخائِف. فإنَّ البحثَ يُظهر الخفيَّ الباطن،

ويبدي المستكنَّ الكامن.

هذا، وقد عقد الغزاليُّ للحسد باباً زاخِراً في كتابه الإحياء حلّل فيه على طريقته هذا الداء - داء الحسد - وبيّن أسبابَه وأعراضه وعلاجه ولماذا كان شائعاً بين الأقران والإخوة والأقارب فارجع إليه إذا أردت التّوسُّعَ في هذا الباب، ولنختر منه هذه الحكاية الطريفة، قال: كان رجل يغشى بعضَ الملوك، فيقوم بحذاء الملك فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء سيكفيكَه إساءته، فحسده رجلٌ على هذا المقام، وذلك الكلام، فسعى به إلى الملك فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول، زعم أن الملك أبْخَرُ، فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال تدعوه إليك، فإنه إذا دنا منك وضع يدَه على أنفه لِئلا يشمَّ ريحَ البَخَر، فقال له:

ص: 180

انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاماً فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك على عادته، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكَه إساءته، فقال له الملك:

ادن منّي، فدنا منه ووضع يده على فيه، مخافةَ أن يشمَّ الملكُ منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه: ما أرى فلاناً إلا قد صَدق، وكان الملك لا يكتب بخطّه إلا بجائزة أو صلة، فكتب له كتاباً بخطّه إلى عامل من عمّاله: إذا أتاك حامِلُ كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحشُ جِلْدَه تبناً وابعث به إليّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سَعا به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خطَّ الملكُ لي بصلة، فقال: هبْهُ لي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أنْ أذبحَك وأسلخَك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، فاللهَ اللهَ في أمري حتى تراجعَ الملك، وقال: ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشا جلدَه تبناً وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقيني فلانٌ فاستوهبَه منّي، فوهبته له، قال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما قُلْتُ ذلك، قال: فلِمَ وضعْتَ يدك على فيك، قال: لأنه أطعمني طعاماً فيه ثوم، فكرهت أن تشمَّه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك فقد كُفي المسيءُ إساءته. . . . ومثل هذه الحكايات كثير ويصحُّ أن توضع في باب السّعاية والمكر، وعاقبة الماكرين.

وبعد فإنّ ما نورده ههنا من عبقرياتهم في الحسد والحقد وما إليهما إنما هو قليلٌ من كثيرٍ تراه في باب الطبائع وإنّما ما نورد من هذه العبقريات لنستوفي بابَ العداوات

ص: 181