المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب - الذخائر والعبقريات - جـ ٢

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌عبقريات شتَّى تندرج في الأبواب السابقة

- ‌سموّ أخلاق الخلفاء الراشدين

- ‌طلحة بن عبيد الله

- ‌حادث تلاقى فيه الكرم بالشجاعة والمروءة والحياء والنُّبل

- ‌حلم وأدب وسمو خلق

- ‌خير ما يُرْزقه العبد

- ‌لا تزال العرب عرباً ما حافظت على زيها

- ‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

- ‌لا تشْكُ إلى غير الله

- ‌نبالة ومروءة

- ‌دعوة الله

- ‌كلمات في السؤال

- ‌كانوا يرون أنّ الملوك لا يُستحى من مَسألتهم

- ‌مثلٌ في الرياء

- ‌الهم نصف الهرم

- ‌مثلُ الدنيا وآفاتها والخوف من نهايتها

- ‌عمرو بن العاص يصف حاله في احتضاره

- ‌ماذا قال عبد الله بن الزبير حين أتاه خبر مقتل أخيه المصعب

- ‌إِذا ضيقت شيئاً ضاق جداً

- ‌لا تلهفنَّ على ما فاتك

- ‌ومن قولهم في الحث على التعزي

- ‌لكل غد طعام

- ‌اللئام مولعون بإيذاء الكرام

- ‌أبيات في الصبر والشجاعة والكرم

- ‌أبيات حكيمة

- ‌أبياتٌ مَنْ لم يروِها فلا مروءةَ له

- ‌حكم ومواعظ

- ‌في الموت

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التعازي

- ‌التسلية بعد وقوع المحذور

- ‌من دواعي التّسلّي قُرْبُ اللّحوقِ بالميّت

- ‌من تعازي الملوك وتَسلّيهم بأنّ الناسَ جميعاً مُصابون

- ‌التسلّي بأنه مُعَزّى لا مُعَزًّى به

- ‌التسلّي عمَّن مَضى بِمَنْ بقي

- ‌مَنْ تسلّى بما له من الثوابِ وبعض تعازيهم

- ‌مَنْ ماتَ له كثيرٌ مِنْ أهلِه فَصَبِرَ

- ‌ومِنْ أدْعَيتِهمْ لِذوي المصيبة

- ‌عبقرياتهم في الطب والمرض وعيادة المرضى

- ‌معنى الطب

- ‌وصف طبيب حاذق

- ‌الطبيب الجاهل

- ‌مدح الحمية وذمّها

- ‌شُرْبُ الدَّواء

- ‌سياسةُ الأبْدانِ بِما يُصلِحُها من الطعام وغيرِه

- ‌مَنْ تَناولَ طعاماً وتحقَّقَ تولُّد عِلّة منه

- ‌الحمى

- ‌الرمد

- ‌النقرس

- ‌عَودٌ إلى عبقرياتهم في التّداوي والأدوية

- ‌شهوة المريض إلى الطعام

- ‌شكوى العلة

- ‌فضل الصحة والعافية

- ‌نفع المرض

- ‌وصفُ العِلَّةِ بأنّها تنال الأماثِلَ

- ‌عيادة المريض

- ‌وجوبُ عيادة المريض

- ‌أدب عيادة المريض

- ‌شكايةُ مَنْ لا يعودُه إخوانُه

- ‌الاعتذار عن ترك العيادة

- ‌من عاده ممرّضه

- ‌مريض عاد صحيحاً

- ‌حثهم العائد على تنشيط المريض

- ‌حثُّهم على تخويفه ليتجنبَ المضارَّ

- ‌تغير اللون

- ‌تهنئة مَنْ برأ من المرض

- ‌تفدية المريض

- ‌عبقريات شتى في الطب والمرض والعيادة

- ‌الباب الرابع في كتمانِ السرِّ وإفشائهوعبقرياتهم في ذلك وفيما يجري هذا المجرىمن الشورى والاستبداد بالرأي والنصح والأناة والعجلة

- ‌حفظ اللسان

- ‌منعُ إظهارِ السِّرِّ قبل تمامه

- ‌حثهم على حفظ السرّ

- ‌من يُكْره اطِّلاعُه على السر

- ‌المُفْتَخِر بحفظ السر

- ‌الممدوح بحفظ السر

- ‌صعوبة حفظ السرّ

- ‌من لا يحفظ سِرَّه ويَسْتَحْفظُه غيرَه

- ‌ذمُّ مَنْ يُفشي السرَّ

- ‌الأحوال التي يفشو فيها السرّ

- ‌المُساررة في المحافل

- ‌المتبجِّح بإظهار أسرار أصدقائه

- ‌الرُّخصة في إفشاء السرّ إلى الصديق

- ‌عبقريات شتى في كتمان السر

- ‌عبقرياتهم في المشورة

- ‌والاستبداد بالرأي

- ‌مدح المشورة

- ‌حثهم على مُشاورةِ الحازمِ اللبيب

- ‌استشارة الكبار والصغار ومن يُعْتمد على مَشورته ورويَّته

- ‌من يجب أن تجتنب استشارتَه

- ‌وجوب نَصيحةِ مُستشيرِك

- ‌الحثّ على قبول النصح وإن كان مُرّاً

- ‌عتاب من لم يقبل النصح

- ‌ضياع النصح لمن لا يقبله

- ‌معاتبة من يستنصح الناس ويستغشّ الناصح

- ‌الناصح متهم

- ‌وصف غاش في نصحه

- ‌الاستبداد وكراهة المشورة

- ‌المتفادى من أن يُستشار

- ‌الأناةُ والرَّويَّةُ والعَجلة

- ‌مَدْحُ الأناة والروية وذمّ العجلة

- ‌مدح العجلة وانتهاز الفرص

- ‌عبقريات شتى في المشورة

- ‌عبقرياتهم في الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌نهي من لم يتعظ عن الوعظ

- ‌حثهم على الوعظ بالفَعال دونَ المَقال

- ‌التلطّف واللين في الوعظ

- ‌الحث على الاتعاظ

- ‌وعظ مَنْ لا يتعظ

- ‌حثهم على قبول وعْظِ مَنْ ليسَ بمُتَّعظ

- ‌النهي عن الاقتداء بذوي الزّلات

- ‌الحث على الأمر بالمعروف والحال التي يجوز فيها

- ‌الباب الخامس في الحلم وكظم الغيظوالعفو والغضب والانتقام وما إلى هذه المعاني

- ‌الممدوحُ بالحلم وتمدُّحهم به

- ‌فضل كظم الغيظ

- ‌الغضب وألوانه

- ‌وما يسكن به ثورانه

- ‌من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ

- ‌حثهم على ترك الغضب

- ‌المؤدي إلى الاعتذار

- ‌حثّهم على التصامُم عن القبيح

- ‌حثهم على العفو مطلقاً

- ‌التحلُّم عنِ الخدمِ

- ‌الرحمةُ ومَدْحُ ذويها

- ‌ما يُستحسنُ فيه الحِلْمُ من الكبار وما يُسْتقبح

- ‌حثهم على درء الحدود

- ‌حث القادر على العفو

- ‌ذمُّ المُتشفّي من الغيظ

- ‌مدح من صَفح عند القدرة

- ‌الحث على إقالة من سَلِمَ ظاهرُه

- ‌العفو عمن سلم باطنه

- ‌عتب من يحفظ الذنب بعد تقادمه

- ‌العفو عن المقرّ المعترف

- ‌حسن العفو عن المصِرِّ

- ‌اسْتِعفاء من خلط إقراراً بإنكار

- ‌معتذر مع إنكار

- ‌مُعْتذرٌ بتكذيبِ نَفْسِه

- ‌استعفاء من زعم أن ذنبه كان خطأ

- ‌مستعفٍ سأل أن يقوّم ويؤدّب

- ‌مستعف سأل العفو لفرط خوفه

- ‌مستعف اتكل على سالف حرمته

- ‌الاستعفاءُ لِمُذْنبٍ من قومٍ مُحْسِنين

- ‌متوصل إلى العفو بمراجعة أو حجة

- ‌مستعف ذكر فرط خوفه من الوعيد

- ‌من اسْتَعْفى واسْتَوهب معاً

- ‌المتوصل إلى العفو بالتثبت إلى حين التبيُّن

- ‌نهي العافي عن التثريب

- ‌نهيهم عن الاعتذار وصعوبته

- ‌تأسُّف من يعاتب من غير ذنب

- ‌عبقرياتهم في ذمِّ الحِلْمِ ومَدْحِ العِقاب

- ‌النَّهْيُ عن الحِلم إذا كان يسبب ذُلاً أو ضَرّاً

- ‌دَفْعُ الجهل بالجهل

- ‌من نهي عن الاغترار بحلمه

- ‌الحلم مُغْرٍ وضارّ مُذل

- ‌نهيهم عن إكرام اللّئام

- ‌الاستعانة بالجهل لدى الحاجة إليه

- ‌حث القادر على العقاب قبل فَوْته

- ‌التبجح بقسوة القلب وقلة الرحمة

- ‌أخذ البريء بذنب الجاني

- ‌عذر من بدر منه سخط

- ‌طائفة من عبقرياتهم في العداوات

- ‌الاحتراسُ من غرس العداوة

- ‌نَهْيُهم عَنِ الاغترارِ بالوُدّ تُسْتَبطنُ معه العداوةُ

- ‌نهيهم عن السكون إلى من تقدّم منك إليه إساءة

- ‌نهيهم عن احتقار العدو

- ‌المتبجح بإظهار الليان وإضمار العداوة

- ‌العدو يكاشرك إذا حضرك

- ‌من نظرُه ينبئ عن عداوته

- ‌ثبات العداوة الذاتية

- ‌حمد المداجاة طلباًَ للفرصة

- ‌المسرة بوقوع العداء بين أعدائك

- ‌دنيءٌ يُعاديك بلا سبب

- ‌تأسُّف من يعاديه لئيم أو دنيء

- ‌حثهم على العداوة بالقول لا بالفعل

- ‌طائفةٌ من عبقرياتهم

- ‌في‌‌ الناسوما جُبل عليه السوادُ الأعظم من الحقد والحسد

- ‌ الناس

- ‌وسوء الظنِّ والشماتة وما جرى هذا المجرى

- ‌لا يزالُ الناسُ بخير ما تَبايَنوا

- ‌وجدت الناس اخْبُر تَقْلَهْ

- ‌الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة

- ‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

- ‌الغوغاء

- ‌قلة الوفاء في الناس وشيوع الغدر والمكر في عامتهم

- ‌الأنذال واللئام

- ‌الظن

- ‌الشماتة

- ‌الحقد

- ‌ذمّ الحقد ومدحه

- ‌الحسد

- ‌المزاح

- ‌نهيهم عن المزاح

- ‌حمدهم القصد في المزح ومزاح الأماثل

- ‌نهيهم عن الغضب في المَزْح

- ‌الممدوح بأن فيه الجدَّ والهزل

- ‌عذر من يضحك وهو محزون

- ‌نهيهم عن كثرة الضحك

- ‌إيراد جِدٍّ في مسلك هزل

- ‌صدرٌ من عبقرياتهم في الغيبة والنميمة

- ‌حقيقة الغيبة والنميمة

- ‌ذمّ الغيبة والنميمة

- ‌من سمحت نفسه بأن يكون في حِلٍّ

- ‌من قلّت مبالاتُه بمن اغتابه

- ‌ذم ناقص يغتاب فاضِلاً

- ‌من رمى غيره بعيبه

- ‌اغتياب المرء غيرَه يدلُّ على عيبه

- ‌تشهي الغيبة واستطابتها

- ‌من اغتاب فاغتيب

- ‌نهيهم عن الإصغاء إلى المُغتاب

- ‌الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة

- ‌حثهم على التثبّت فيما يُسمع من السعاية

- ‌صعوبة التخلص من اغتياب الناس

- ‌ذم ناقل الغيبة

- ‌الموصوف بالنميمة

- ‌من اغتاب غيره فرآه

- ‌من لا يحرم اغتيابه

- ‌حثهم على التحرز

- ‌الباب السادس في التواضع والكبروما إليهما

- ‌حدّ التواضع والكبر

- ‌حثهم على التواضع

- ‌ذمّهم التكبّر

- ‌بعض دواعي التكبر

- ‌متكبِّر دنيء أو فقير

- ‌مدحهم معرفةَ الرجل قدرَ نفسه

- ‌وذمهم الصّلف

- ‌وبعض نوادر المزهوّين

- ‌معتذر لعجبه وعزته

- ‌التكبر على ذوي الكبر

- ‌ذمهم الإفراط في التواضع

- ‌حمد تعظيم الكبار

- ‌الباب السابع في الشجاعة وعبقرياتهم فيهاوفي الصبر في القتال وسائر ما يتصل بالحرب

- ‌حقيقة الشجاعة

- ‌الأسباب المشجعة

- ‌حثهم على الثبات والإقدام

- ‌ونهيهم عن الإحجام والفكر في العواقب

- ‌المبادر إلى الحرب غير مبال بها

- ‌حثّ من دُعي إلى المبارزة على الإجابة

- ‌المُنازل وقت المنازلة

- ‌صدر من عبقرياتهم في الصبر

- ‌الخدعة والحيلة والتحرّز في الحرب

- ‌ما ينبغي أن يتصف به أمراء الجيوش

- ‌حثهم على التفكير قبل التقدم

- ‌من يؤثر الموت في العز على الحياة في الذل

- ‌نهيهم عن مخافة القتل

- ‌وحثُّهم على تصور الموت

- ‌وتمدُّحهم بذلك

- ‌الجود بالنفس

- ‌وحبُّ الموت في الوغى

- ‌وأنفتهم من الموت على الفراش

- ‌من يخوض الحرب

- ‌في القتل حياة

- ‌تأثير الخوف والمخوف منه

- ‌والموفى على الجماعة

- ‌المتبرِّم بالحرب والسخرية منه

- ‌الممدوح بقوة نفسه دون جسمه

- ‌القصد إلى العدى مُجاهرةً

- ‌المقاتل عن حريمه

- ‌المستنكف من السلب

- ‌الشبان والكهول في الحرب

- ‌العاجز أعاديه عن إصلاح ما أفسده وعكس ذلك

- ‌من تصحبه الطيور والسباع في القتال

- ‌عذر من يلبس الدروع

- ‌ونحوها في الحرب والمُستغني بشجاعته ويقينِه عنها

- ‌تحريم الملاهي على المحارب

- ‌طائفة من عبقرياتهم في الصلح

- ‌والتحذير من الحرب

- ‌الحرب تصيب جانيها وغير جانيها

- ‌الممتنع من الصلح

- ‌ضارع يطلب الصلح

- ‌التحذير من صغير يفضي إلى كبير

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التهديد والوعيد

- ‌قلة غناء الوعيد

- ‌مَنْ يتهدَّد بظهر الغيبِ ولا يُغْني غَناءً

- ‌من لا يبالي بتهديده

- ‌طائفة من عبقرياتهم

- ‌في الهزيمة والخوف وأنّ الفِرارَ لا يقي من الموت

- ‌تفضيل القتل على الهرب

- ‌الممتنع من الفرار

- ‌المعيَّر بانهزامه

- ‌ترك اتباع المنهزم

- ‌الفارّ وقت الفِرار والثابت وقت الثبات

- ‌المتفادي من حضور الحرب

- ‌والمحتجُّ لانهزامه بالخوف من القتل

- ‌هارِبٌ يعتذر عن هربه

- ‌بأنّه نَبْوَة أو قَدَر

- ‌المتخلفُ عن قومه

- ‌من نجا وقد استولى عليه الخوف

- ‌تسلية المُنهزم

- ‌صدر من عبقرياتهم في الجبن

- ‌من يظهر الشجاعة خارجَ الحرب ويجبُنُ فيها

- ‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

- ‌ما غُزي قومٌ قطّ في عقر دارهم إلا ذلُّوا

- ‌صدر من عبقرياتهم

- ‌في وصف آلات الحرب

الفصل: ‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

‌من يظهر الشجاعة خارجَ الحرب ويجبُنُ فيها

قالوا: فلانٌ يَتَثَعْلَبُ في الهيجاءِ ويَتَنمََّرُ في الرخاء.

وقال دعبل:

أسودٌ إذا ما كانَ يومُ كريهةٍ

ولكِنَّهُمْ يومَ اللقاءِ ثَعالِبُ

وقال:

عَيْرٌ رأى أسَدَ العَرينِ فراعَه

حتَّى إذا ولَّى تَولّى يَنْهَقُ

وقال آخر:

يَفِرُّ بِحَيْثُ تَخْتلِفُ العَوالي

وإنْ يأمَنْ فَذو كِبْرٍ وتيهِ

‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

قالوا: أحسنُ ما قيل في وصف الحربِ والمتحاربين قولُ الأول:

كأنَّ الأفْقَ مَحْفوفٌ بِنارٍ

وتَحْتَ النارِ آسادٌ نَزيرُ

ومما يتصل بذلك ما قيل في ليالي صفّين:

اللَّيْلُ داجٍ والكِباشُ تَنْتَطِحْ

نِطاحَ أسْدٍ ما أُراها تَصْطَلِحْ

فَمَنْ يُقاتِلْ في وَغاها ما نَجا

ومَنْ نَجا بِرأسِه فَقَدْ رَبِحْ

ص: 277

وكان يزيد بن عُمَر بن هُبَيرة والي العَراقين من قبل بني أميّة لا يُمِدُّ نَصْرَ بنَ سيّارٍ واليَ خُراسان مِنْ قِبَلهِ بالرجال، ولا يرفع ما يَرِدُ عليه من أخبار خُراسان إلى مروان بن محمد آخر الدولة الأموية، فلمّا كثر ذلك على نصر كتب إليه كتاباً وفيه هذه الأبيات:

أرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميضَ جَمْرٍ

ويُوشِكُ أنْ يكونَ له ضِرامُ

فإنَّ النارَ بالعودينِ تُذْكى

وإنَّ الحَرْبَ أوَّلُها الكَلامُ

فإنْ لَمْ يُطْفِها عُقلاءُ قَوْمٍ

يكونُ وَقودَها جُثَثٌ وهامُ

فقُلْتُ مِنَ التَّعَجُّبِ لَيْتَ شِعْري

أأيْقاظٌ أميَّةُ أمْ نِيامُ

قوله: وإن الحرب أولها الكلام نحوه قول بعضهم: إن الفتنة تُلْقَحُ بالنّجوى وتُنْتَجُ بالشّكوى. . .

ومما قيل في كثرة الجيش من قديمِ الشعر قولُ الأخنس بنِ شهاب التَّغلبي وهو ممّن حضرَ حربَ البسوس:

بِجأواَء يَنْفي وِرْدُها سَرَعانَها

كأنَّ وَميضَ البَرْقِ فيها كَواكِبُ

الجأواء: الكتيبة يَضربُ لونُها إلى الكُلْفة - اللون الكدر - وذلك من صدأ الحديد، والسَّرَعان: الأوائل، يقول: إن المياهَ لا تسعهم والأماكنَ تضيق بهم فكلّما نزلت فرقةٌ منهم رحل مَنْ تقدّمهم

وقول أوس بن حجر:

ص: 278

تَرى الأرْضَ مِنَّا بالفَضاءِ مَريضةً

مُعَضِّلةً مِنّا بِجَمْعٍ عَرَمْرَمِ

عَضَّلَتِ الأرْضُ بأهْلِها: إذا ضاقت بهم لكثرتهم! وعَضَّلتِ المرأةُ بولدِها تعضيلاً: إذا نَشِبَ الولدُ فَخَرجَ بعضُه ولَمْ يَخْرُجْ بَعْضٌ فبَقِيَ مُعْتَرِضاً

وقال أبو نواس:

أمامَ خَميسٍ أدْجُوانٍ كأنَّه

قَميصٌ مَحوكٌ مِنْ قنًا وجِيادِ

الأدْجوانُ: الأسود، واشتقاقه مِنَ الدُّجى، ويروى: أرْجُوانٍ، وهْوَ: الأحْمر

وقال ابن الرومي:

فلَوْ حَصَبَتْهُمْ بِالفضاءِ سَحابةٌ

لَظَلَّ عَلَيْهِمْ حَصْبُها يَتَدَحْرَجُ

وهو من قول قيس بن الخطيم:

لَوَ انَّكَ تُلْقي حَنْظلاً فَوْقَ بَيْضِنا

تَدَحْرَجَ عَنْ ذي سامِهِ المُتَقارِبِ

البيض جمع بَيضة: الخوذة، سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام، والحنظل ثمر يشبه البطيخ لكنه أصغر منه جداً ويضرب المثل بمرارته، وقوله: عن ذي سامه، أي على ذي سامه، فعن فيه بمعنى على والهاء في سامه يرجع إلى البيض المُمَوَّه به، أي البيض المُمَوّه بالسام، والسام: عروق الذهب والفضة، وهو هنا الطرائق الْمُذهبة في البيض، قال الإمام ثعلب: معناه: أنهم تراصُّوا في الحرب حتى لو وقع حنظل على رؤوسهم على إمّلاسِه واستواء أجزائه لم ينزل إلى الأرض

وقال أبو عمرو بن العلاء: أحسنُ ما قيل في صفة الجيش قول النابغة:

إنّي لأخشى عليكم أنْ يكونَ لكم

مِنْ أجْلِ بَغْضائِكُمْ يَوْمٌ كأيّامِ

ص: 279

أوْ تَزجُروا مُكْفهِرّاً لا كِفاَء له

كالَّليْلِ يَخْلِطُ أصْراماً بأصْرامِ

تَبْدو كواكِبُه والشَّمْسُ طالِعةٌ

نوراً بِنورٍ وإظْلاماً بِإظْلامِ

أو تزجروا عطف على ما قبله، والمُكْفهِرّ: الجيش العظيم، ولا كِفاءَ له: لا نظير له، ويخلط أصراماً بأصرام إمّا جعلته صفةً لليل والأصْرام جمعُ صريم وهو الليل المظلم فيكون المعنى يخلط مُظلماً بمظلم، وإمّا جعلته صفةً للجيش فيكون المعنى: يخلط كلّ حي بقبيلته خوفاً من الإغارة عليه، وقوله تبدو كواكبه. . . البيت يريد: شِدّة الهول والكرب، وهذا كما تقول العامة: أرَيْتُه النُّجومَ وسطَ النهار.

قال الفرزدق:

أريكَ نُجومَ اللّيلِ والشَّمْسُ حَيَّةٌ

وقال طرفة:

وتُريكَ النَّجْمَ يَجْري بالظُّهُرْ

وفي هذا المعنى يقول جرير:

والشَّمْسُ طالِعةٌ لَيْسَتْ بِكاسِفةٍ

تبكي عليك نُجومَ الليلِ والقَمَرا

يقول: إن الشمس طالعة وليست بكاسفة نجومَ الليل، لشدة الغم والكرب الذي فيه الناس، فنجوم مفعولُ كاسفة

قالوا: وأحسنُ من قولِ النابغة قولُ زيد الخيل:

بَني عامرٍ هلْ تَعْرِفونَ إذا غَدا

أبو مِكْنَفٍ قدْ شَدَّ عَقْدَ الدَّوابِرِ

بِجيشٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَراتِه

تَرى الأكْمَ منه سُجَّداً للحَوافِرِ

وجَمْعٍ كمثلِ الليلِ مُرْتَجِس الوَغى

كثيرٍ تواليه سَريعِ البَوادِرِ

قوله: قد شدَّ عقدَ الدوابر أراد: شدَّ دوابِرَ البَيْضة - أي مآخيرَها - بالدَّرْع لئلا تسقط إذا ركض الفارس: وقوله: تضلُّ البلق في حَجراته فحَجَراته: نواحيه جمعُ حَجْرة يقول: لكثرته لا يُرى به الأبلق

ص: 280

والأبلقُ مشهورُ المنظر لاختلاف لونَيْه - السواد والبياض - وكان رؤساء العرب لا يركبون البُلْقَ في الحرب لئلا تنِمَّ عليهم فيُقْصَدوا بشرّ، وقوله: ترى الأكْمَ منه سجداً للحوافر يقول: لكثرة الجيش يَطْحَن الأكم حتّى يُلْصقَها بالأرض:

يَدَعُ الأكامَ كأنَّهن صحارى

وقوله: كمثل الليل يريد: ظلمةً يكاد سوادُه لكثرته يسدُّ الأفق، والوغى: الأصوات، والارتجاس: صوت الشيء المختلط العظيم كالجيش والرعد، والتوالي: اللواحق

ومن بارع ما قيل في الكيد في الحرب قولُ أبي تمام:

هَزَزْتَ له سَيْفاً من الكيدِ إنّما

تُجَذُّ به الأعْناقُ ما لَمْ يُجَرَّدِ

يَسُرُّ الذي يَسْطو به وهْوَ مُغْمَدٌ

ويَفْضَحُ مَنْ يَسْطو بهِ غيرَ مُغْمَدِ

يقول: إن أخفيت الكيدَ ظفِرْتَ وسُررت، وإن أظهرته افتِضِحْت وخِبْتَ

وقال يصف أفاعيل رُمْح الممدوح في أعدائه:

أنْهَبْتَ أرْواحَه الأرْماحَ إذْ شُرِعَتْ

فَما تُرَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ عَنْه يَدُ

كأنَّها وهْيَ في الأوْداجِ والِغةٌ

وفي الكُلى تَجِدُ الغَيْظَ الذي تَجِدُ

مِنْ كُلِّ أزْرقَ نَظَّارٍ بلا نَظَرٍ

إلى المَقاتلِ ما في مَتْنِه أوَدُ

كأنَّه كانَ خِدْنَ الحُبِّ مُذْ زَمَنٍ

فلَيْسَ يُعْجِزُه قَلْبٌ ولا كَبِدُ

ص: 281