الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشاور المأمون يحيى بنَ أكثم، فكانَ الرأيُ مُخالِفاً لِهوى المأمون، فقال يحيى: ما أحدٌ بالغَ في نصيحةِ المُلوك إلا اسْتَغَشّوه، قال: ولِمَ يا يحيى؟ قال: لِصَرْفِه لهمْ عمّا يُحبُّونَ إلى ما لعلَّهم يَكرهون في الوقت! والهوى إلهٌ مَعْبود!
وصف غاش في نصحه
من أمثالهم في الذي ينصح القومَ وهو غاشٌّ: أنْتَ شَوْلةُ الناصِحةُ
قال ابن السِّكيت: كانتْ شوْلَةُ أمةً رَعْناءَ تنصحُ لمَواليها فتعودُ نصيحتُها وبالاً عليهم، لحُمْقِها.
وقال معاوية يوماً لعمرِو بنِ العاص: هل غَشَشْتَني مُذ اسْتَنْصَحْتُك؟ قال: لا، فقال: ولا يومَ أشرْتَ عليَّ بمبارزةِ عليّ وأنْتَ تعلمُ مَنْ هو؟ فقال: كيفَ وقدْ دعاكَ رجلٌ عظيمُ الخَطرِ كنت من مُبارزتِه إلى إحْدى الحُسْنَيَيْن!! إنْ قتلتَه فُزْتَ بالمُلكِ وازْدَدْتَ شرفاً إلى شرفٍ، وإنْ قتلَك تَعجَّلْتَ من اللهِ تعالى ملاقاةَ الشهداءِ والصَّدِّيقين! فقال: وهذه أشدُّ من الأولى! فقال: أوَ كُنْتَ مِنْ جِهادِك في شكٍّ؟ فقال: دَعْني من هذا. . .
وقال شاعر:
أعاذِلَ إنَّ نُصحَكِ لي عَناءٌ
…
فحَسْبُكِ قدْ سَمِعْتُ وقدْ عَصَيْتُ
الاستبداد وكراهة المشورة
ومن الناس من آثر الاستبدادَ برأيِه وكَرِه أنْ يستشيرَ، قال المُهلّب بن أبي صفرة: لو لمْ يكنْ في الاستبدادِ بالرأيِ إلا صونُ السِّرِّ وتوفيرُ
العقل لوجب التَّمسُّكُ به. . . وقال عبد الملك بن صالح: ما اسْتَشَرْتُ أحداً قطٌّ إلا تكبَّرَ عليَّ وتصاغَرْتُ له، ودخلَتْه العِزّةُ ودَخلَتْني الذِّلَّةُ، فعليكَ بالاسْتِبْدادِ، فإنَّ صاحبَه جليلٌ في العُيون، مَهيبٌ في الصُّدورِ، واعْلمْ أنّكَ مَتى اسْتَشَرْتَ تَضَعْضَعَ شأنُك، ورَجَفَتْ بكَ أركانُك؛ وما عزَّ سلطانٌ لم يُغْنِه عقلُه عن عقولِ وزرائِه، وآراءِ نُصَحائه؛ فإيّاك والمشورةَ وإنْ ضاقَتْ عليكَ المذاهبُ، واشتبَهَتْ لديكَ المَسالك.
ورَوَوْا: أنّ أبا جعفرٍ المنصور كان يَستشيرُ أهلَ بيتِه حتّى مدَحَه ابْن هَرْمة بقوله:
يَزُرْنَ امْرأً لا يُصْلِحُ القومُ أمْرَه
…
ولا يَنْتَجي الأدْنَيْنَ فيما يُحاوِلُ
فاستوى جالِساً وقال: أصبْتَ واللهِ! واستعادَه، وما اسْتَشار بعدها.
وقال بعضُ جُلساءِ هارونَ الرشيد. أنا قتلتُ جعفرَ بنَ يحيى البَرْمكي وذلك أنّي رأيْتُ الرشيدَ وقدْ تَنفَّسَ تَنفُّساً مُنكراً فأنشدت في إثْر تَنَفُّسه:
واسْتَبدَّتْ مَرّةً واحِدةً
…
إنّما العاجِزُ مَنْ لا يَسْتَبِدْ
فأصْغى إليه واسْتَعادَه، ثم قتل جعفراً. . . .