الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسٍ، وقال ابن مسعود: من خضَعَ لغنيٍّ فوضع نفسه عنده طعماً فيه ذهب ثلثا دينه وشطْرُ مروءته. أقول ولهذا باب سيمرُّ عليك.
حثهم على التواضع
قال سيّدنا رسول الله: (طوبى لِمَنْ تَواضعَ في غير مَنْقَصةٍ، وذلَّ في نفسه في غير مَسْكنة) في غير منقصة: بأن لا يضعَ نفسَه بمكانٍ يُزري به، ويؤدي إلى تضييع حقِّ الحق - الله سبحانه - أو الخلق، فإنّ القصد بالتواضع خفضُ الجناح للمؤمنين مع بقاءِ عِزَّة الدين. رُوي أنّ رجلاً مرَّ على عُمرَ وقد تخشَّع وتذلَّل وبالغ في ذلك، فقال عمر: ألست مسلماً؟ قال: بلى، قال: فارفع رأسَك وامْدُدْ عنقَك فإنَّ الإسلام عزيز منيع؛ أما كلمة طوبى فلِلْعلماء فيها كلام كثير فمن ذلك قول بعضهم: طوبى: اسمُ الجنة بالهندية، قال الصاغاني: فعلى هذا يكون أصلُها توبى، بالتاء، فإنه ليس في كلام العرب طاء، وقال قتادة: طوبى كلمة عربية تقول العرب: طوبى لك إنْ فعلتَ كذا وكذا؛ قالوا: ومعنى طوبى لفلان: الحُسنى والخيرُ له. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى للتواضع، قال أبو أُمامة رضي الله عنه:(خرج علينا رسول الله متَّكئاً على عصا، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجِم يعظِّم بعضُهم بعضاً، وقال: إنّما أنا عبدٌ آكل كما يأكلُ العبدُ وأجلس كما يجلس العبد) وكان صلوات الله عليه يركب الحمار ويردف خلفه،
ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه مختلطاً بهم، حيثما انتهى به المجلس جلس. . . ومن حديث عُمر عنه صلى الله عليه وسلم:(لا تُطروني كما أطرت النّصارى ابْنَ مريم، إنّما أنا عبدٌ، فقولوا عبدُ الله ورسولُه). وعن عائشة رضي الله عنها: أنه صلوات الله عليه كان في مهنةِ أهلِه - خدمتهم - يَفلي ثوبه، ويحلب شاتَه، ويرقع ثوبه، ويخصف نعلَه، ويقُمُّ البيتَ - يكنسه ويزيل قمامته - ويخدم نفسَه، ويعقل البعيرَ - يربطه من رجله بالعقال - ويعلف ناضِحَه - الجمل الذي يُستقى عليه الماء - ويأكل مع الخادم، ويعجن معها، ويحمل بضاعتَه في السوق.
وأخباره في تواضعه صلوات الله عليه كثيرةٌ متوافرة تراها في كتب الشمائل والحديث.
وفي المثل: تواضُعُ الرجلِ في مرتبتِه ذبٌّ للشّماتة عِنْدَ سقطته.
وقال عروة بن الزبير: التواضعُ أحدُ مصايد الشرف، وفي لفظ: سُلَّمُ الشرف
وقال عبد الله بن المعتز: متواضعُ العلماء أكثرُهم عِلماً، كما أنَّ المكان المنخفض أكثرُ الأماكن ماءً.
وقالوا: من وضعَ نفسَه دون قدرِه رفعه الناسُ فوق قدره، ومن رَفعَها عن حدِّه وضعه الناس دون قَدْرِه.
وقال جعفر بن محمد: رأسُ الخيرِ التَّواضع، فقيل له: وما التواضعُ؟ فقال أنْ ترضى من المجلس بدون شرِفك، وأن تُسلِّم على مَنْ لقيت، وأنْ تترك المِراءَ وإن كنت محقّا، وأن تكرهَ الرِّياءَ والسُّمعةَ.
وقالوا: التَّواضُعُ نعمةٌ لا يَفْطِنُ لها الحاسد.
وقالوا: التواضعُ كالوَهْدةِ يجتمع فيها قطرُها وقَطْرُ غيرها.
وقال عُمر: أُريدُ رجلاً إذا كان في القوم وهو أميرهم كان كبَعْضهم، فإذا لم يكنْ أميراً فكأنّه أميرهم.
وقال رضي الله عنه حينَ نظر إلى بعض السَّراةِ مُبْتَذِلاً لأصحابه: هذا رجل يفرُّ من الشرف والشَّرفُ يَتْبَعُه.
وقد مَدحَ الشعراءُ المُتواضعينَ فَمِنْ ذلك قولُ أبي تمام:
مُتَبَذِّلٌ في القومِ وَهْوَ مُبَجَّلٌ
…
مُتواضِعٌ في الحَيِّ وَهْوَ مُعَظَّمُ
وقال آخر:
مُتواضِعٌ والنُّبلُ يَحْرُسُ قَدْرَهُ
…
وأخو النَّباهَةِ بالنَّباهةِ يَنْبُلُ
وقال البحتريُّ:
دَنَوْتَ تَواضُعاً وعَلَوْتَ مَجْداً
…
فشَأناكَ انْحِدارٌ وارْتِفاعُ
كذاكَ الشَّمْسُ تَبْعُدُ أنْ تُسامى
…
ويَدْنو الضَّوْءُ مِنْها والشُّعاعُ
وقال أبو محمد التَّيْميُّ:
تَواضَعَ لَمّا زادَه اللهُ رِفْعةً
…
وكلُّ رَفيعٍ قَدْرُه مُتواضِعُ