الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال معاوية لصَعْصَعةَ بنِ صوحان: صف لي الناس، فقال: خُلق الناسُ أطواراً، طائفةٌ للسيادة والولاية، وطائفةٌ للفقه والسنة، وطائفة للبأسِ والنّجدة، ورِجْرِةٌ بين ذلك، يُغْلون السعر، ويكدِّرون الماءَ، إذا اجتمعوا ضرّوا، وإذا تفرقوا لم يُعرَفوا. . . . ومن طريف التفاسير وغريبها ما قيل في قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ} أي من السلطان
{أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} أي من السَّفِل. وقال دعبل:
ما أكثرَ الناسَ لا بل ما أقلَّهُمُ
…
اللهُ يعلمُ أنّي لم أقلْ فَنَدا
إنِّي لأفتحُ عيني حينَ أفتَحُها
…
على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحَداً
وهم يشبهون سوادَ الناس بالدَّبا، والدَّبا مقصور: الجرادُ قبل أن يطير، وفي حديث عائشة قالت:(كيف الناس بعد ذلك؟ قال: دَبًى يأكلُ شدادُه ضعافَه حتّى تقومَ عليهم الساعة). . . .
قلة الوفاء في الناس وشيوع الغدر والمكر في عامتهم
وقالوا في قلّة الوفاء في الناس ووصف عامّتهم بالغَدْر، والمكر السّيّئ، ومن أروع ما قيل في ذلك قوله ُعزّ وجلّ:{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} . . وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} . . . . وقال: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} وقال: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ
إِلَّا بِأَهْلِهِ}. . . وقال: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} . وقال: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} . . . . وقال المتنبي:
غَيْري بأكْثرِ هذا النّاسِ يَنْخَدِعُ
…
إن قاتلوا جَبُنوا أو حَدَّثوا شَجُعوا
أهْلُ الحفيظةِ إلَاّ أنْ تُجرِّبَهم
…
وفي التجارِبِ بَعْد الغَيِّ ما يَزَعُ
وقال أبو فراس الحمداني:
بِمَنْ يَثقُ الإنسانُ فيما ينوبُه
…
ومِنْ أين للحُرِّ الكريمِ صحابُ
وقد صارَ هذا الناسُ إلا أقلَّهُمْ
…
ذئاباً على أجْسادِهِنَّ ثِيابُ
وقال أبو تمام:
إنْ شئتَ أن يَسْوَدَّ ظنُّكَ كلُّه
…
فأجِلْهُ في هذا السَّوادِ الأعْظمِ
ليسَ الصديقُ بمن يُعيرُك ظاهراً
…
متبسِّماً عن باطنٍ مُتَجَهِّمِ
يقول: إن شئت أن لا تظن بأحد خيراً فاختبر من شئت من هذا الناس، وكان يحيى بن خالد البرمكي إذا اجتهد في يمينه يقول: لا والذي جعل الوفاء أعزَّ ما يرى. وكان يقول: هو أعزُّ من الوفاء. وقالوا: من عامل الناس بالمكر كافؤوه بالغدر. وكانت العرب إذا غدر مِنْهم غادرٌ، يُوقدون له بالموسم ناراً وينادون عليه يقولون: ألا إن فلاناً غدر. . . . وقالوا: ربَّ حيلة أهلكت المحتال، وقال امرؤ القيس:
أحارِ بْنَ عَمْرٍو كأنّي خَمِرْ
…
ويَعْدو على المَرْءِ ما يَأْتَمِرْ
رجل خَمِر: خالطه الداء، وقوله ويعدو الخ: أراد أن المرء يأتمر لغيره بسوء فيرجع وَبالُ ذلك عليه وقال شاعر لا أذكره:
وكمْ مِنْ حافرٍ لأخيه ليلاً
…
تَردّى في حَفيرَتِه نَهارا
ومن قولهم في وصف الغادر: فلانٌ يَحْسو الأماناتِ حَسْواً، وفلانٌ
أغْدَرُ مِنَ الذِّئْبِ، قال:
هو الذِّئْبُ ولَلذِّئبُ أوْفى أمانة
وقال:
والذِّئْبُ يأدو لِلْغَزالِ يَأْكُلُهْ
يأدو للغزال: يَخْتِله ليأكله، قال الشاعر:
حَنَتْني حانياتُ الدَّهْرِ حتَّى
…
كأنّي خاتِلٌ يَأدو لِصَيْدِ
ويقال: ركب فلان السَّخْبرَ: إذا غدر، قال حسان بن ثابت:
يا حارِ مَنْ يَغْدِرْ بذمّة جارِه
…
مِنكم فإنَّ مُحمداً لم يَغْدِرِ
إنْ تَغْدِروا فالغَدْرُ منكم شيمةٌ
…
والغَدْرُ ينبتُ في أصولِ السَّخْبَرِ
قال ابن برّي: إنّما شُبّه الغادرُ بالسخبر، لأن السخبر شجرٌ إذا انتهى استرخى رأسُه ولم يبقَ على انتصابه، يقول حسان: أنتم لا تثبتون على وفاء كهذا السخبر الذي لا يثبت على حالٍ، بينا يُرى معتدلاً منتصباً، عاد مُسْترخياً غير منتصب
وبعد فإنّهم على هذا نَصحوا بمُداراةِ الناسِ ما دام الاستغناء عنهم غيرَ مستطاع. قال رجل لابن عباس: ادعُ اللهَ لي أن يغنيني عن الناس فقال: إنّ حوائج الناس تتصل بعضُها ببعض كاتصال الأعضاء، فمتى يستغني المرْءُ عن بعض جوارحه؟ ولكن قل: أغْنِني عن شرار الناس. ورُوي: أن بعضهم كان يطوف ويقول: من يشتري مني بضائعَ بعشرة آلاف درهم؟ فدعاه بعضُ الملوك وبذل له المال فقال له: اعلم أن اللهَ لم يخلق خلقاً شراً من الناس، وإن لم يكن بدٌّ من الناس فانظر كيف تحتاج أن تعامل ما لابدّ منه ولا غِنى بك عنه. . . ثم قال: هل يساوي هذا الكلام عشرة آلاف درهم؟ قال: دونَك المال، ولم يأخذه. . . وقالوا: ثلثا التعايش، مداراةُ الناس. وقال النظَّام - إبراهيم بن سيّار أحد شيوخ المعتزلة -: ما يسرُّني تركُ المداراة ولي حُمْرُ النَّعَم،