الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل له: لم؟ قال: لأن الأمر إذا غشيك فشخَصْتَ له أرداك، وإذا طأطأت له تَخطَّاك. . . وقال معاوية: لو كان بيني وبين الناس شَعْرةٌ ما انقطعت، لأنّهم إذا جذبوها أرسلتها، وإذا أرسلوها جذبْتُها. . . وقال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبةٌ للعداوة، وإفراط الأنس مكسَبةٌ لقُرناء السّوء، ومن أمثال العرب: لا تكن حُلواً فتُسْترط ولا مُراً فتُلفَظ استرطه ابتلعه وجاء في كتاب للهند: بعض المقاربة حَزْمٌ، وكلُّ المقاربة عجز، كالخشبة المنصوبة في الشمس، تُمال فيزيد ظلُّها، ويُفرَطُ في الإمالة فينقص الظِّلُّ. .
وقال الطّغرائي في لاميّته المشهورة المعروفة بلامية العجم:
وحُسْنُ ظنِّك بالأيامِ مَعْجَزةٌ
…
فظُنَّ شَرّاً وكُنْ منها على وَجلِ
غاضَ الوفاءُ وفاض الغَدْرُ وانْفرجَتْ
…
مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعملِ
وإنّما رَجُلُ الدنيا وواحدُها
…
من لا يعوِّلُ في الدنيا على رَجُلِ
الأنذال واللئام
اللُّؤم: ضدُّ العتق والكرم، واللئيم: الدَّنيء الأصل الشَّحيح النّفس. والنَّذالة: الخِسَّة والسَّفالة
وركاكة العقل والتأخر عن المكارم، والنذل: الخسيس الحقير الفَسْلُ الذي لا مُروءة له. ومن عبقرياتهم في هذا الصنف من الناس قولُ أبي الأسد نباتة بن عبد الله التميمي - شاعر كان معاصراً لأبي تمام: -
إنْ يَبْخلوا أو يَجْبُنوا
…
أو يَغْدِروا لا يَحْفِلوا
يَغْدوا عليكَ مُرجِّلي
…
نَ كأنَّهم لم يَفْعَلوا
كأبي بَراقِشَ كلَّ لَوْ
…
نٍ لَوْنُهُ يَتَخيّلُ
وصف قوماً مشهورين بالمقابح لا يستحون ولا يحتفلون بمن رآهم على ذلك. وقوله: يغدوا هو بدلٌ من قوله: لا يحفلوا، لأن غدوَّهم مرجِّلين دليلٌ على أنهم لم يحفِلوا. والتّرجيل: مشط الشَّعر وإرساله. وأبو براقش طائر صغير أعلى ريشه أغبرُ وأوسطه أحمرُ وأسفله أسودُ فإذا انتفش تغيّر لونُه ألواناً شتَّى. وهذا أبو بَراقِشَ غير براقش التي وردت في قولهم: على أهلها دلت بَراقِشُ، فهذه اسم كلبة لقومٍ من العرب أُغيرَ عليهم في بعضِ الأيّام، فهَربوا وتبعتهم بَراقشُ فرجع الذين أغاروا خائبين؛ فسمعت براقش وقع حوافر الخيل، فنبحت فاستدلّوا على موضع نِباحها، فعَطفوا عليهم واستباحوهم، فذهبت مثلاً وقالوا: على أهلها تجني بَراقش، قال حمزة بن بيض:
لمْ تكُنْ عن جنايةٍ لحِقَتْني
…
لا يَساري ولا يَميني جَنتْني
بلْ جَناها أخٌ عليَّ كريمٌ
…
وعلى أهلها بَراقِشُ تَجْني
وقال آخر - وهي من أبيات الحماسة - حماسة أبي تمام: -
أناخَ اللُّؤمُ وسْطَ بَني رباحٍ
…
مطيَّتَه فأقْسمَ لا يَريمُ
كذلكَ كلُّ ذي سَفَرٍ إذا ما
…
تَناهى عند غايتِه يُقيمُ
يقال: أنَخْتُ البعيرَ فبرَكَ، ولا يقال فَناخَ، وهذا من باب ما استُغني عنه بغيره، ولا يَريم: لا يبرح، وقوله: كذلك في موضع الحال لأنّ كل ذي سفر مبتدأ ومقيم خبره، كأنه قال: وكلُّ مسافر إذا ما انتهى إلى غايته يلقى عصاه كذلك، أي مثل إقامة اللُّؤم فيهم، وقد نقل البحتريُّ هذا المغنى إلى المدح فقال:
إذا ما رأيْتَ المَجْدَ ألقى رحلَه
…
في آل طَلْحةَ ثمّ لَمْ يَتَحوَّلِ