المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لو تكاشفتم ما تدافنتم - الذخائر والعبقريات - جـ ٢

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌عبقريات شتَّى تندرج في الأبواب السابقة

- ‌سموّ أخلاق الخلفاء الراشدين

- ‌طلحة بن عبيد الله

- ‌حادث تلاقى فيه الكرم بالشجاعة والمروءة والحياء والنُّبل

- ‌حلم وأدب وسمو خلق

- ‌خير ما يُرْزقه العبد

- ‌لا تزال العرب عرباً ما حافظت على زيها

- ‌توقير العالم والشريف والكبير والترفع عن الوضيع

- ‌لا تشْكُ إلى غير الله

- ‌نبالة ومروءة

- ‌دعوة الله

- ‌كلمات في السؤال

- ‌كانوا يرون أنّ الملوك لا يُستحى من مَسألتهم

- ‌مثلٌ في الرياء

- ‌الهم نصف الهرم

- ‌مثلُ الدنيا وآفاتها والخوف من نهايتها

- ‌عمرو بن العاص يصف حاله في احتضاره

- ‌ماذا قال عبد الله بن الزبير حين أتاه خبر مقتل أخيه المصعب

- ‌إِذا ضيقت شيئاً ضاق جداً

- ‌لا تلهفنَّ على ما فاتك

- ‌ومن قولهم في الحث على التعزي

- ‌لكل غد طعام

- ‌اللئام مولعون بإيذاء الكرام

- ‌أبيات في الصبر والشجاعة والكرم

- ‌أبيات حكيمة

- ‌أبياتٌ مَنْ لم يروِها فلا مروءةَ له

- ‌حكم ومواعظ

- ‌في الموت

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التعازي

- ‌التسلية بعد وقوع المحذور

- ‌من دواعي التّسلّي قُرْبُ اللّحوقِ بالميّت

- ‌من تعازي الملوك وتَسلّيهم بأنّ الناسَ جميعاً مُصابون

- ‌التسلّي بأنه مُعَزّى لا مُعَزًّى به

- ‌التسلّي عمَّن مَضى بِمَنْ بقي

- ‌مَنْ تسلّى بما له من الثوابِ وبعض تعازيهم

- ‌مَنْ ماتَ له كثيرٌ مِنْ أهلِه فَصَبِرَ

- ‌ومِنْ أدْعَيتِهمْ لِذوي المصيبة

- ‌عبقرياتهم في الطب والمرض وعيادة المرضى

- ‌معنى الطب

- ‌وصف طبيب حاذق

- ‌الطبيب الجاهل

- ‌مدح الحمية وذمّها

- ‌شُرْبُ الدَّواء

- ‌سياسةُ الأبْدانِ بِما يُصلِحُها من الطعام وغيرِه

- ‌مَنْ تَناولَ طعاماً وتحقَّقَ تولُّد عِلّة منه

- ‌الحمى

- ‌الرمد

- ‌النقرس

- ‌عَودٌ إلى عبقرياتهم في التّداوي والأدوية

- ‌شهوة المريض إلى الطعام

- ‌شكوى العلة

- ‌فضل الصحة والعافية

- ‌نفع المرض

- ‌وصفُ العِلَّةِ بأنّها تنال الأماثِلَ

- ‌عيادة المريض

- ‌وجوبُ عيادة المريض

- ‌أدب عيادة المريض

- ‌شكايةُ مَنْ لا يعودُه إخوانُه

- ‌الاعتذار عن ترك العيادة

- ‌من عاده ممرّضه

- ‌مريض عاد صحيحاً

- ‌حثهم العائد على تنشيط المريض

- ‌حثُّهم على تخويفه ليتجنبَ المضارَّ

- ‌تغير اللون

- ‌تهنئة مَنْ برأ من المرض

- ‌تفدية المريض

- ‌عبقريات شتى في الطب والمرض والعيادة

- ‌الباب الرابع في كتمانِ السرِّ وإفشائهوعبقرياتهم في ذلك وفيما يجري هذا المجرىمن الشورى والاستبداد بالرأي والنصح والأناة والعجلة

- ‌حفظ اللسان

- ‌منعُ إظهارِ السِّرِّ قبل تمامه

- ‌حثهم على حفظ السرّ

- ‌من يُكْره اطِّلاعُه على السر

- ‌المُفْتَخِر بحفظ السر

- ‌الممدوح بحفظ السر

- ‌صعوبة حفظ السرّ

- ‌من لا يحفظ سِرَّه ويَسْتَحْفظُه غيرَه

- ‌ذمُّ مَنْ يُفشي السرَّ

- ‌الأحوال التي يفشو فيها السرّ

- ‌المُساررة في المحافل

- ‌المتبجِّح بإظهار أسرار أصدقائه

- ‌الرُّخصة في إفشاء السرّ إلى الصديق

- ‌عبقريات شتى في كتمان السر

- ‌عبقرياتهم في المشورة

- ‌والاستبداد بالرأي

- ‌مدح المشورة

- ‌حثهم على مُشاورةِ الحازمِ اللبيب

- ‌استشارة الكبار والصغار ومن يُعْتمد على مَشورته ورويَّته

- ‌من يجب أن تجتنب استشارتَه

- ‌وجوب نَصيحةِ مُستشيرِك

- ‌الحثّ على قبول النصح وإن كان مُرّاً

- ‌عتاب من لم يقبل النصح

- ‌ضياع النصح لمن لا يقبله

- ‌معاتبة من يستنصح الناس ويستغشّ الناصح

- ‌الناصح متهم

- ‌وصف غاش في نصحه

- ‌الاستبداد وكراهة المشورة

- ‌المتفادى من أن يُستشار

- ‌الأناةُ والرَّويَّةُ والعَجلة

- ‌مَدْحُ الأناة والروية وذمّ العجلة

- ‌مدح العجلة وانتهاز الفرص

- ‌عبقريات شتى في المشورة

- ‌عبقرياتهم في الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌نهي من لم يتعظ عن الوعظ

- ‌حثهم على الوعظ بالفَعال دونَ المَقال

- ‌التلطّف واللين في الوعظ

- ‌الحث على الاتعاظ

- ‌وعظ مَنْ لا يتعظ

- ‌حثهم على قبول وعْظِ مَنْ ليسَ بمُتَّعظ

- ‌النهي عن الاقتداء بذوي الزّلات

- ‌الحث على الأمر بالمعروف والحال التي يجوز فيها

- ‌الباب الخامس في الحلم وكظم الغيظوالعفو والغضب والانتقام وما إلى هذه المعاني

- ‌الممدوحُ بالحلم وتمدُّحهم به

- ‌فضل كظم الغيظ

- ‌الغضب وألوانه

- ‌وما يسكن به ثورانه

- ‌من اجتُهد في إغْضابِه فَحَلِمَ

- ‌حثهم على ترك الغضب

- ‌المؤدي إلى الاعتذار

- ‌حثّهم على التصامُم عن القبيح

- ‌حثهم على العفو مطلقاً

- ‌التحلُّم عنِ الخدمِ

- ‌الرحمةُ ومَدْحُ ذويها

- ‌ما يُستحسنُ فيه الحِلْمُ من الكبار وما يُسْتقبح

- ‌حثهم على درء الحدود

- ‌حث القادر على العفو

- ‌ذمُّ المُتشفّي من الغيظ

- ‌مدح من صَفح عند القدرة

- ‌الحث على إقالة من سَلِمَ ظاهرُه

- ‌العفو عمن سلم باطنه

- ‌عتب من يحفظ الذنب بعد تقادمه

- ‌العفو عن المقرّ المعترف

- ‌حسن العفو عن المصِرِّ

- ‌اسْتِعفاء من خلط إقراراً بإنكار

- ‌معتذر مع إنكار

- ‌مُعْتذرٌ بتكذيبِ نَفْسِه

- ‌استعفاء من زعم أن ذنبه كان خطأ

- ‌مستعفٍ سأل أن يقوّم ويؤدّب

- ‌مستعف سأل العفو لفرط خوفه

- ‌مستعف اتكل على سالف حرمته

- ‌الاستعفاءُ لِمُذْنبٍ من قومٍ مُحْسِنين

- ‌متوصل إلى العفو بمراجعة أو حجة

- ‌مستعف ذكر فرط خوفه من الوعيد

- ‌من اسْتَعْفى واسْتَوهب معاً

- ‌المتوصل إلى العفو بالتثبت إلى حين التبيُّن

- ‌نهي العافي عن التثريب

- ‌نهيهم عن الاعتذار وصعوبته

- ‌تأسُّف من يعاتب من غير ذنب

- ‌عبقرياتهم في ذمِّ الحِلْمِ ومَدْحِ العِقاب

- ‌النَّهْيُ عن الحِلم إذا كان يسبب ذُلاً أو ضَرّاً

- ‌دَفْعُ الجهل بالجهل

- ‌من نهي عن الاغترار بحلمه

- ‌الحلم مُغْرٍ وضارّ مُذل

- ‌نهيهم عن إكرام اللّئام

- ‌الاستعانة بالجهل لدى الحاجة إليه

- ‌حث القادر على العقاب قبل فَوْته

- ‌التبجح بقسوة القلب وقلة الرحمة

- ‌أخذ البريء بذنب الجاني

- ‌عذر من بدر منه سخط

- ‌طائفة من عبقرياتهم في العداوات

- ‌الاحتراسُ من غرس العداوة

- ‌نَهْيُهم عَنِ الاغترارِ بالوُدّ تُسْتَبطنُ معه العداوةُ

- ‌نهيهم عن السكون إلى من تقدّم منك إليه إساءة

- ‌نهيهم عن احتقار العدو

- ‌المتبجح بإظهار الليان وإضمار العداوة

- ‌العدو يكاشرك إذا حضرك

- ‌من نظرُه ينبئ عن عداوته

- ‌ثبات العداوة الذاتية

- ‌حمد المداجاة طلباًَ للفرصة

- ‌المسرة بوقوع العداء بين أعدائك

- ‌دنيءٌ يُعاديك بلا سبب

- ‌تأسُّف من يعاديه لئيم أو دنيء

- ‌حثهم على العداوة بالقول لا بالفعل

- ‌طائفةٌ من عبقرياتهم

- ‌في‌‌ الناسوما جُبل عليه السوادُ الأعظم من الحقد والحسد

- ‌ الناس

- ‌وسوء الظنِّ والشماتة وما جرى هذا المجرى

- ‌لا يزالُ الناسُ بخير ما تَبايَنوا

- ‌وجدت الناس اخْبُر تَقْلَهْ

- ‌الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة

- ‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

- ‌الغوغاء

- ‌قلة الوفاء في الناس وشيوع الغدر والمكر في عامتهم

- ‌الأنذال واللئام

- ‌الظن

- ‌الشماتة

- ‌الحقد

- ‌ذمّ الحقد ومدحه

- ‌الحسد

- ‌المزاح

- ‌نهيهم عن المزاح

- ‌حمدهم القصد في المزح ومزاح الأماثل

- ‌نهيهم عن الغضب في المَزْح

- ‌الممدوح بأن فيه الجدَّ والهزل

- ‌عذر من يضحك وهو محزون

- ‌نهيهم عن كثرة الضحك

- ‌إيراد جِدٍّ في مسلك هزل

- ‌صدرٌ من عبقرياتهم في الغيبة والنميمة

- ‌حقيقة الغيبة والنميمة

- ‌ذمّ الغيبة والنميمة

- ‌من سمحت نفسه بأن يكون في حِلٍّ

- ‌من قلّت مبالاتُه بمن اغتابه

- ‌ذم ناقص يغتاب فاضِلاً

- ‌من رمى غيره بعيبه

- ‌اغتياب المرء غيرَه يدلُّ على عيبه

- ‌تشهي الغيبة واستطابتها

- ‌من اغتاب فاغتيب

- ‌نهيهم عن الإصغاء إلى المُغتاب

- ‌الممدوح بصيانة مجلسه عن الغيبة

- ‌حثهم على التثبّت فيما يُسمع من السعاية

- ‌صعوبة التخلص من اغتياب الناس

- ‌ذم ناقل الغيبة

- ‌الموصوف بالنميمة

- ‌من اغتاب غيره فرآه

- ‌من لا يحرم اغتيابه

- ‌حثهم على التحرز

- ‌الباب السادس في التواضع والكبروما إليهما

- ‌حدّ التواضع والكبر

- ‌حثهم على التواضع

- ‌ذمّهم التكبّر

- ‌بعض دواعي التكبر

- ‌متكبِّر دنيء أو فقير

- ‌مدحهم معرفةَ الرجل قدرَ نفسه

- ‌وذمهم الصّلف

- ‌وبعض نوادر المزهوّين

- ‌معتذر لعجبه وعزته

- ‌التكبر على ذوي الكبر

- ‌ذمهم الإفراط في التواضع

- ‌حمد تعظيم الكبار

- ‌الباب السابع في الشجاعة وعبقرياتهم فيهاوفي الصبر في القتال وسائر ما يتصل بالحرب

- ‌حقيقة الشجاعة

- ‌الأسباب المشجعة

- ‌حثهم على الثبات والإقدام

- ‌ونهيهم عن الإحجام والفكر في العواقب

- ‌المبادر إلى الحرب غير مبال بها

- ‌حثّ من دُعي إلى المبارزة على الإجابة

- ‌المُنازل وقت المنازلة

- ‌صدر من عبقرياتهم في الصبر

- ‌الخدعة والحيلة والتحرّز في الحرب

- ‌ما ينبغي أن يتصف به أمراء الجيوش

- ‌حثهم على التفكير قبل التقدم

- ‌من يؤثر الموت في العز على الحياة في الذل

- ‌نهيهم عن مخافة القتل

- ‌وحثُّهم على تصور الموت

- ‌وتمدُّحهم بذلك

- ‌الجود بالنفس

- ‌وحبُّ الموت في الوغى

- ‌وأنفتهم من الموت على الفراش

- ‌من يخوض الحرب

- ‌في القتل حياة

- ‌تأثير الخوف والمخوف منه

- ‌والموفى على الجماعة

- ‌المتبرِّم بالحرب والسخرية منه

- ‌الممدوح بقوة نفسه دون جسمه

- ‌القصد إلى العدى مُجاهرةً

- ‌المقاتل عن حريمه

- ‌المستنكف من السلب

- ‌الشبان والكهول في الحرب

- ‌العاجز أعاديه عن إصلاح ما أفسده وعكس ذلك

- ‌من تصحبه الطيور والسباع في القتال

- ‌عذر من يلبس الدروع

- ‌ونحوها في الحرب والمُستغني بشجاعته ويقينِه عنها

- ‌تحريم الملاهي على المحارب

- ‌طائفة من عبقرياتهم في الصلح

- ‌والتحذير من الحرب

- ‌الحرب تصيب جانيها وغير جانيها

- ‌الممتنع من الصلح

- ‌ضارع يطلب الصلح

- ‌التحذير من صغير يفضي إلى كبير

- ‌طائفة من عبقرياتهم في التهديد والوعيد

- ‌قلة غناء الوعيد

- ‌مَنْ يتهدَّد بظهر الغيبِ ولا يُغْني غَناءً

- ‌من لا يبالي بتهديده

- ‌طائفة من عبقرياتهم

- ‌في الهزيمة والخوف وأنّ الفِرارَ لا يقي من الموت

- ‌تفضيل القتل على الهرب

- ‌الممتنع من الفرار

- ‌المعيَّر بانهزامه

- ‌ترك اتباع المنهزم

- ‌الفارّ وقت الفِرار والثابت وقت الثبات

- ‌المتفادي من حضور الحرب

- ‌والمحتجُّ لانهزامه بالخوف من القتل

- ‌هارِبٌ يعتذر عن هربه

- ‌بأنّه نَبْوَة أو قَدَر

- ‌المتخلفُ عن قومه

- ‌من نجا وقد استولى عليه الخوف

- ‌تسلية المُنهزم

- ‌صدر من عبقرياتهم في الجبن

- ‌من يظهر الشجاعة خارجَ الحرب ويجبُنُ فيها

- ‌عبقريات شتى في الشجاعة والحرب

- ‌ما غُزي قومٌ قطّ في عقر دارهم إلا ذلُّوا

- ‌صدر من عبقرياتهم

- ‌في وصف آلات الحرب

الفصل: ‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

البعير القوي على الأسفار والأحمال، النجيب التامُّ الخَلْق الحسن المنظر، ويقع على الذكر والأنثى، والهاء فيه للمُبالغة

وقال الشاعِرُ:

الناسُ مِثلُ بيوتِ الشِّعْرِ كَمْ رَجلٍ

مِنْهُمْ بألْفٍ وكَمْ بيتٍ بِديوانِ

وفي هذا المعنى يقول المعرِّي:

النّاسُ كالشِّعْرِ تُلْفى الأرْضُ جائِشةً

بالجَمْعِ يُزْجى وخيرٌ منهمُ رَجلُ

‌لو تكاشفتم ما تدافنتم

ومن كلمة لسيّدنا رسول الله صلوات الله عليه: (لو تكاشفتم ما تدافنتم). يقول: لو علم بعضُكم سريرةَ بعْضٍ لاستثقل تشييعَه ودَفْنََه. . . ولعل أبا العتاهية قد أخذ من هذا الحديث قوله:

وفي النّاسِ شرٌّ لو بَدا ما تَعاشروا

ولكنْ كَساه اللهُ ثوبَ غِطاءِ

وقالوا في ذم الناس:

عَوى الذِّئْبُ فاسْتأنَسْتُ بالذِّئْبُ إذْ عَوى

وصَوَّتَ إنْسانٌ فكِدْتُ أطيرُ

وقال المعري:

يَحْسُنُ مَرْأًى لِبَني آدَمٍ

وكلُّهمْ في الذَّوقِ لا يَعْذُبُ

ما فيهمُ بَرٌّ ولا ناسِكٌ

إلاّ إلى نَفْعٍ لهُ يَجْذِبُ

أفْضَلُ مَنْ أفْضلِهمْ صَخْرةٌ

لا تَظْلِمُ الناسَ ولا تَكْذِبُ

ص: 152

وقال محمد بن يَسير:

سوأةً للنِّاس كُلّهمُ

أنا في هذا مِنَ اوَّلِهِمْ

لَسْتَ تَدْري حينَ تَنْسِبُهُمْ

أيْنَ أدْناهُمْ مِنْ أفْضلِهِمْ

وقال بعضُهم: كنتُ عندَ الحَسنِ البصريّ، فقال: أسْمعُ حسيساً، ولا أرى أنيساً، صِبيانٌ حيارى، مالَهم تَفاقدوا عقولَهم، وفراشُ نار، وذِبّانُ طمع. وقيل لسفيان الثَّوريّ: دُلَّنا على رجلٍ نجلس إليه، فقال: تلك ضالّةٌ لا تُوجد. . . . وقال فلانٌ: رأيتُ كُلثومَ بنَ عمرو العتّابيَّ يأكل خبزاً في الطريق، فقلت له أما تستَحي أن تأكلَ بِحَضْرةِ الناس؟ فقال: أرأيتَ لوْ كنتَ في دارٍ فيها بقرٌ، أما كنتَ تأكلُ بحضْرتِهم؟ قلتُ: نَعَمْ، قال: فهولاء بقر! ثمّ قال: إن شئْتَ أريتُك دلالةً على ذلك، ثم قام ووَعظَ، وجمع قوماً ثمَّ قال: رُوي عن غير وجه: أنّ من بلَغَ لسانُه أرنبةَ أنْفِه أدْخَلَه اللهُ الجنَّةَ، فلَمْ يبقَ أحدٌ إلا أخرج لسانَه ينظر هل يبلغ!

وقال رجل لأحدِ الشعراء: أين سكةُ الحمير؟ فقال: اسْلُكْ أيَّ دَرْبٍ فكلُّها دُروبُ الحَمير. . . ومثل هذه النوادر المستطرفة. . .

وقال بعضُهم: الناسُ أربعةُ أصنافٍ: آساد، وذئاب، وثعالب، وضَأْن، فأمّا الآساد فالملوك - ومَنْ إليهِمْ من الحُكّام المُستبدّين - وأمّا الذئاب فالتُّجار، وأمَّا الثعالِبُ فالقُرّاء المُخادعون، وأما الضأن فالمؤمن - يريد الطيِّبَ الكريم - ينْهشُه كلُّ مَنْ يَراه. وقال كثيّر عزة:

سواسٍ كأسْنانِ الحِمارِ فَما تَرى

لِذي شَيْبةٍ مِنْهُمْ على ناشئٍ فَضْلاً

ص: 153

يقال هم سواسِيةٌ وسَواسٍ وسُؤاسية: إذا استَوَوْا في اللُّؤمِ والخِسَّة والشَّرِّ وقال آخر:

شبابُهم وشيبُهمُ سَواءٌ

سَواسِيةٌ كأسْنانِ الحِمارِ

وأسْنانُ الحَمارِ مُستوية

وقال طرفة بن العبد:

كلُّ خليلٍ كنتُ خالَلْتُه

لا تَرَكَ اللهُ له واضِحَهْ

كلُّهُمْ أرْوغُ مِنْ ثَعْلَبٍ

ما أشْبَهَ اللّيلةَ بالبارِحَهْ

وقال المتنبي:

ولَمّا صارَ وُدُّ النَّاسِ خِبّا

جزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسامِ

وصِرْتُ أشكُّ فيمَنْ أصْطَفيهِ

لعِلْمي أنّه بَعْضُ الأنامِ

وقال ابن الرومي:

واعْلَمْ بأنَّ النّاسَ مِنْ طينةٍ

يصدق في الثَّلْبِ لَها الثالِبُ

لولا علاجُ النّاسِ أخلاقَهم

إذَنْ لَفاحَ الحَمأُ اللازِبُ

وقال المتنبي:

أذُمُّ إلى هذا الزَّمانِ أُهَيْلَهُ

فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحْزَمُهُمْ وَغْدُ

وقال:

إنّما أنْفُسُ الأنيسِ سِباعٌ

يَتَفارَسْنَ جَهْرةً واغْتِيالا

مَنْ أطاقَ الْتماسَ شَيْءٍ غِلاباً

واغْتِصاباً لَمْ يَلْتَمِسْهُ سُؤالا

كلُّ غادٍ لِحاجةٍ يتَمنّى

أنْ يكونَ الغَضَنْفَرَ الرِّئْبالا

ص: 154

وقال:

إنّا لَفي زَمَنٍ تَرْكُ القبيحِ بهِ

مِنْ أكْثرِ الناسِ إحْسانٌ وإجْمالُ

لَولا المشقَّةُ سادَ الناسُ كلُّهمُ

الجودُ يُفقرُ والإقْدامُ قتَّالُ

وقالوا في أنّ من شيمِ الناسِ أن تَحمدَ مَنْ رشدَ وتلومَ مَنْ يَغوي وفي ذلك يقول القُطاميُّ:

والنَّاسُ مَنْ يلْقَ خيراً قائِلونَ له

ما يَشْتهي ولأُمِّ المُخْطئِ الهَبَلُ

وقدْ أخذَه من قول المُرقّش الأصغر:

ومَنْ يلْقَ خَيْراً يَحْمدِ الناسُ أمرَه

ومَنْ يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائِما

وهذا لعمري من عناوين اللؤم المركب في الطّباع.

وقالوا في انْتكاسِ الأحوال وارتفاع السَّفِلَةِ الأنْذال والقائل: خِداشُ بنُ زهير - شاعر جاهلي من شعراء قيس - وهو ابن عمّ لبيد:

فإنَّكَ لا تُبالي بَعْدَ حَوْلٍ

أظبْيٌ كانَ أمَّكَ أمْ حِمارُ

فَقَدْ لَحِقَ الأسافِلُ بالأعالي

وماجَ اللؤمُ واخْتَلَطَ النِّجارُ

وعاد الفِنْدُ مثلَ أبي قُبيسٍ

وسيقَ مَعَ المُعلْهَجَةِ العِشارُ

النِّجار: الأصل. والفِنْد: قطعةٌ مِنَ الجَبلِ طولاً، وأبو قُبيس جبل بمكَّةَ، والمراد به: الرَّجلُ

الشريف، كما يُراد بالفِند، الرَّجلُ الوضيع، والمُعَلْهَجة: المرأةُ اللئيمةُ الأصْل الفاسِدةُ النَّسب. والعشار: جمع العُشراء: الناقة مضى لحملها عشرة أشهر؛ يقولُ هذا الشاعر: أمّا وقد لحق الأسافلُ بالأعالي واختلطت الأصولُ وماجَ أمرُ الناسِ واضطرب وعظمَ شأن اللؤم ونفقَتْ

ص: 155

سوقُه وعاد الخَسيسُ مثل الشريف حتى سيقت الإبلُ الحواملُ في مهر اللئيمة وتغيّر بذلك الزمان واطّرحت مراعاة الأنساب فلا تبالي بعد قيامك بنفسك واستغنائك عن أبويك، مَنِ انْتسبت إليه، شريفاً كان أم وضيعاً. . . . . وضرب المثل بالظبي والحمار وجعلهما أُّمَّيْنِ وهما ذكران لأنّه مثل لا حقيقة، وقصد قصد الجنسين ولم يُحقّق أبوّة. وذكر الحول، لذكر الظبي والحمار، لأنهما يستغنيان بأنفسهما بعد الحول؛ فهذا شاعر ساخط كما ترى

وقال ابن الرومي:

دَهْرٌ عَلا قدرُ الوضيعِ به

وهْوَ الشريفُ يحطُّه شَرَفُهْ

كالبَحْرِ يَرْسُبُ فيه لُؤلؤُهُ

سُفلاً وتطفو فوقَه جِيَفُهْ

وقال:

رأيْتُ الدّهْرَ يرْفَعُ كلَّ وَغْدٍ

ويَخْفِضُ كلَّ ذي شِيَمٍ شريفَهْ

كَمِثلِ البحرِ يَغْرقُ فيه حيٌّ

ولا ينفكُّ تطفو فيه جيفَهْ

أوِ الميزانِ يَخْفِضُ كلَّ وافٍ

ويَرْفَعُ كلَّ ذي زِنةٍ خَفيفَهْ

وقال الوزير المغربي:

إذا ما الأمورُ اضْطربْنَ اعْتَلى

سَفيهٌ يُضامُ العُلا باعْتِلائِهْ

كذا الماءُ إنْ حرَّكَتْهُ يدٌ

طفا عَكِرٌ راسِبٌ في إنائِهْ

وقال المعري في الناس:

لقَدْ فَتَّشْتُ عَنْ أصْحابِ دينٍ

لَهُمْ نُسْكٌ وليس لَهمْ رِياءُ

فألْفَيْتُ البهائِمَ لا عقولٌ

تقيمُ لها الدَّليلَ ولا ضِياءُ

وإخْوانُ الفَطانةِ في اخْتِيالٍ

كأنَّهُمُ لِقَوْمٍ أنْبياءُ

فأمّا هؤلاءِ فأهْلُ مَكْرٍ

وأمّا الأوّلونَ فأغْبِياءُ

ص: 156

فإنْ كان التُّقى بَلهاً وعِيَّاً

فأعْيارُ المَذلَّةِ أتْقياءُ

الأعْيار: جمع عَيْر، وهو الحِمار يضرب به المثل في الذلِّ قال المتلمس:

ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ ألمَّ به

إلا الأذَلانِ عَيْرُ الحَيِّ والوَتِدُ

فَذاكَ يُخْسَفُ مَرْبوطاً بمِقْودِه

وذا يُشَجُّ ولا يَرْثي له أحدُ

وقال:

بني الدَّهْرِ مَهْلاً إنْ ذَمَمْتُ فِعالَكمْ

فإنّي بنَفْسي لا محالةَ أبدأُ

مَتى يتقضَّى الوقتُ واللهُ قادِرٌ

فنَسْكنُ في هذا الترابِ ونَهْدأ

تَجاورَ هذا الجسمُ والرُّوحُ بُرْهةً

فما بَرِحَتْ تأذى بِذاكَ وتَصْدأ

وقال المعري:

جَرَّبْتُ دَهْري وأهليهِ فما ترَكَتْ

ليَ التجارِبُ في وُدِّ امرِئٍ غَرضا

وقال:

أولو الفَضْلِ في أوطانِهم غُرباءُ

تَشِذُّ وتَنأى عَنْهُمُ القُرباءُ

تَواصلَ حَبْلُ النسلِ ما بينَ آدَمٍ

وبيني ولَمْ يُوْصَلْ بِلامي باءُ

تَثاَءبَ عَمْرٌو إذْ تَثاَءبَ خالِدٌ

بِعَدْوى فَما أعْدَتْنِيَ الثُّؤباءُ

وزَهَّدَني في الخَلْقِ مَعْرفتي بِهمْ

وعِلمي بأنَّ العالَمينَ هَباءُ

وقال المَعرّي:

أرائيكَ فلْيَغْفِرْ لِيَ اللهُ زلَّتي

بِذاكَ ودينُ العالمينَ رِئاءُ

وقدْ يُخْلِفُ الإنسانُ ظَنَّ عَشيرِه

وإنْ راقَ منه مَنْظرٌ ورُواءُ

إذا قومُنا لَمْ يَعبُدوا اللهَ وَحْدَه

بِنُصحٍ فإنّا مِنْهمُ بُرَآءُ

وقال:

إذا بَكْرٌ جَنى فَتَوقَّ عَمْراً

فإنَّ كِلَيْهِما لأبٍ وأمِّ

ص: 157

وفي كلِّ الطِّباعِ طِباعُ نَكْزٍ

ولَيْسَ جميعُهنَّ ذواتِ سُمِّ

النكز: لسع الحيّة

رأيْتُ الحَقَّ لُؤلؤةً تَوارَتْ

بِلُجٍّ مِنْ ضَلالِ النَّاسِ جَمِّ

وقال:

رِياءُ بني حَوّاَء في الطَّبْعِ ثابِتٌ

فَمِنْهمْ مُجِدٌّ في النفاقِ وهازِلُ

سَخَوْا لِيقولَ النَّاسُ جادوا وأقْدَموا

لِيُذْكَرَ في الهيْجاءِ قِرْنٌ مُنازِلُ

وقال:

النّاسُ مثلُ الماءِ تَضْربُه الصَّبا

فيكونُ منهُ تفرُّقٌ وتألّفُ

والخيرُ يفعلُه الكريمُ بطَبْعِه

وإذا اللئيمُ سَخا فذاكَ تَكلُّفُ

شَكَوْتُ مِنْ أهْلِ هَذا العَصْرِ غَدْرَهُمُ

لا تُنْكِرنْ فَعَلى هذا مَضى السَّلَفُ

وقلَّما تَسكنُ الأضْغانُ في خَلَدٍ

إلَاّ وفي وجْهِ مَنْ يَسْعى بِها كَلَفُ

أمْسى النِّفاقُ دُروعاً يُسْتَجَنُّ بِها

مِنَ الأذى ويُقوِّي سَرْدَها الحَلِفُ

الحلف: اليمين

فَحَسِّنِ الوَعْدَ بالإنْجازِ تتبعه

إذا مَواعِدُ قومٍ شانَها الخُلُفُ

وقال:

إذا فَزِعْنا فإنَّ الأمْنَ غايتُنا

وإنْ أمِنّا فَما نَخْلو مِنَ الفَزَعِ

وشيمةُ الإنْسِ مَمْزوجٌ بِها مَللٌ

فَما نَدومُ عَلى صَبْرِ ولا جَزَعِ

وقال:

إذا ما أسَنَّ الشيخُ أقْصاهُ أهلُه

وجارَ عليهِ النَّجْلُ والعَبْدُ والعِرْسُ

ص: 158

العِرْسُ: الزوجة

يُسبِّحُ كَيما يغفرَ اللهُ ذنبَه

رُويْدَكَ في عهد الصِّبا مُلِئ الطِّرْسُ

وقال:

أهْرُبْ مِنَ الناسِ فإنْ جِئْتَهمْ

فَمِثلَ سَأبٍ جَرَّه السَّاحِبُ

يَنْتفِعُ الناسُ بِما عِنْدَه

وهْوَ لَقًى بَيْنَهُمْ شاحِبُ

وقال:

إنْ مازَتِ النّاسَ أخْلاقٌ يُعاشُ بِها

فإنَّهُمْ عِنْدَ سوءِ الطَّبْعِ أسْواءُ

أوْ كانَ كلُّ بَني حَوَّاَء يُشْبِهُني

فَبِئْسَ ما وَلَدَتْ في الخَلْقِ حَوَّاءُ

بُعْدي مِنَ النّاسِ بُرْءٌ مِنْ سَقامِهِمُ

وقُرْبُهُمْ للحِجَى والدِّينِ أدْواءُ

كالبَيْتِ أفْرِدَ لا إيطاَء يُدْرِكُه

ولا سِنادَ ولا في اللفْظِ إقْواءُ

وقال:

قَدْ حُجِبَ النُّورُ والضِّياءُ

وإنَّما دينُنا رِياءُ

يا عالَمَ السُّوءِ ما عِلْمُنا

أنَّ مُصَلّيكَ أتْقياءُ

كَمْ وَعَظَ الواعِظونَ مِنَّا

وقامَ في الأرْضِ أنْبِياءُ

فانْصَرفوا والبلاءُ باقٍ

ولَمْ يَزُلْ داؤُكَ العَياءُ

زال يزول: راح وذهب، والعَياء: الذي لا يُبرأ منه

حُكمٌ جرى للمليكِ فينا

ونَحْنُ في الأصْلِ أغْبياءُ

ص: 159

وقال:

مُلَّ المُقامُ فَكَمْ أعاشِرُ أمَّةً

أمَرَتْ بِغَيْرِ صَلاحِها أُمراؤُها

ظَلَموا الرَّعيَّةَ واسْتَجازوا كَيْدَها

فَعَدَوْا مَصالِحَها وهُمْ أُجَراؤُها

وقال بشار بن برد:

خَيْرُ إخْوانِكِ المُشارِكُ في المُ

رِّ وأيْنَ المُشارِكُ في المُرِّ أيْنا

الذي إنْ شَهِدْتَ سَرَّكَ في الح

يِّ وإنْ غِبْتَ كانَ أذْناً وعَيْنا

مِثْلُ سِرِّ الياقوتِ إنْ مَسَّه النَّا

رُ جَلاه البَلاءُ فازْدادَ زَيْنا

أنْتَ في مَعْشَرٍ إذا غَبْتَ عَنْهُمْ

بَدَّلوا كُلَّ ما يَزينُك شَيْنا

وإذا ما رَأوْكَ قالوا جَميعاً

أنْتَ مِنْ أكْرَمِ البَرايا عَلَيْنا

ما أرى للأنامِ وُدّاً صَحيحاً

عادَ كلُّ الوِدادِ زوراً ومَيْنا

وقال ابن الرومي:

ذُقْتُ الطُّعومَ فَما الْتَذَذْتُ بِراحَةٍ

مِنْ صُحْبَةِ الأخْيارِ والأشْرارِ

أمّا الصديقُ فلا أحِبُّ لِقاَءه

حَذَرَ القِلى وكَراهةَ الإعْوارِ

وأرى العَدُوُّ قَذًى فأكْرَه قُرْبَه

فَهَجَرْتُ هذا الخلقَ عَنْ إعْذارِ

أرني صَديقاً لا يَنوءُ بِسَقْطةٍ

مِنْ عَيْبِه في قَدْرِ صَدْرِ نَهارِ

أرني الّذي عاشَرْتَه فوَجَدْتَه

مُتَغاضِياً لكَ عَنْ أقلِّ عِثارِ

أأحِبُّ قَوْماً لَمْ يُحبُّوا رَبَّهم

إلا لِفِرْدوسٍ لديهِ ونارِ

وقال:

عَدوُّك مِنْ صَديقِكَ مُسْتفادٌ

فلا تَسْتَكْثِرنَّ مِنَ الصِّحابِ

فإنَّ الدّاَء أكثرَ ما تَراه

يَحولُ مِنَ الطَّعامِ أوِ الشَّرابِ

إذا انْقَلَبَ الصَّديقُ غَداً عَدوّاً

مُبيناً والأمورُ إلى انْقِلابِ

ص: 160