الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا، وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَ الْآخَرُ وَاللَّوْثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَالْأَلَمُ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا (وَلَهُمَا التَّحْلِيفُ) أَيْ وَلِكُلٍّ مِنْ الْوَارِثَيْنِ تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالتَّكَاذُبِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ أَقْسَمَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ) إذْ لَا تَكَاذُبَ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أَبْهَمَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ عَيَّنَهُ الْآخَرُ (وَأَخَذَ) كُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّنْ عَيَّنَهُ (رُبْعَ الدِّيَةِ) لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُهَا وَحِصَّتُهُ مِنْهُ نِصْفُهُ (وَإِنْ قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ (الْمَجْهُولُ مَنْ عَيَّنَهُ أَخِي أَقْسَمَا ثَانِيًا، وَأَخَذَ الْبَاقِيَ) أَيْ أَقْسَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْآخَرُ، وَأَخَذَ رُبْعَ الدِّيَةِ (وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ (خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ نِصْفَهَا) فِيهِ (خِلَافٌ) يَأْتِي فِي نَظَائِرِهِ (أَوْ) قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَمَا ذَكَرَ (الْمَجْهُولَ غَيْرَ مَنْ عَيَّنَهُ) صَاحِبِي (رَدَّ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مَا أَخَذَهُ) لِتَكَاذُبِهِمَا (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا رَدَّ صَاحِبُهُ وَحْدَهُ) مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَذَّبَهُ بِخِلَافِ قَائِلِهِ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ عَيَّنَهُ، وَقَوْلُهُ (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِاَلَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ.
(وَلَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا (قَتَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَقْسَمَا عَلَى زَيْدٍ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَطَالَبَاهُ بِالنِّصْفِ) ، وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ عَلَى عَمْرٍو؛ لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ فِي الشَّرِكَةِ (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (تَحْلِيفُ خَصْمِهِ فِي الْبَاقِي) فَلِلْأَوَّلِ تَحْلِيفُ عَمْرٍو فِيمَا بَطَلَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُ زَيْدٍ فِيهِ (وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ أَثَرٍ فِي اللَّوْثِ) وَالْقَسَامَةِ (كَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْعَصْرِ (وَالْجُرْحِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَلَا لَوْثَ فَلَا قَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ فَجْأَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَرُّضِ غَيْرِهِ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِيَبْحَثَ عَنْ الْقَاتِلِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبَسَطَهُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) فِي ذَلِكَ (الْجُرْحُ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ.
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ
يَحْلِفُ الْوَلِيُّ) أَيْ الْوَارِثُ (مَعَ) وُجُودِ (اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ حَائِزًا أَمْ لَا لِتَكْمُلَ الْحُجَّةُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ النَّفْسُ كَامِلَةً أَمْ لَا (لَقَدْ قَتَلَ هَذَا أَبِي) مَثَلًا (وَإِنْ شَاءَ مَيَّزَهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ (بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ) وَغَيْرُهُمَا كَقَبِيلَةٍ وَضُبَعَةٍ (عَمْدًا) أَيْ قَتَلَهُ عَمْدًا (أَوْ خَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَشَمَلَ قَوْلُهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ أَوْصَى لَهُ سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدٍ قَتَلَ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقْسِمَ، وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْوَارِثُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ (وَيَقُولُ) قَتَلَهُ (وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ، وَهَلْ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ (شَرْطٌ) لِاحْتِمَالِ الِانْفِرَادِ صُورَةً مَعَ الِاشْتِرَاكِ حُكْمًا كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ أَوْ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَتَلَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ (وَجْهَانِ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَنَّ الْجَانِيَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَرِيءَ مِنْ الْجُرْحِ زَادَ الْوَلِيُّ فِي الْيَمِينِ وَمَا بَرِيءَ مِنْ جُرْحِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ (وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي تَخْوِيفُهُ وَوَعْظُهُ) إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْلِفْ إلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا} [آل عمران: 77] (وَيُغْلِظُ) عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ (كَمَا فِي اللِّعَانِ) فَيُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فِيهَا زَمَانًا وَمَكَانًا، وَلَفْظًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا) ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ كَالشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ تَفْرِيقُهَا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا وَيُفَارِقُ اشْتِرَاطَهَا فِي اللِّعَانِ بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ، وَأَنَّهُ يَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ، وَتَشِيعُ بِهِ الْفَاحِشَةُ (فَإِنْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ وَنَحْوُهُ) كَإِغْمَاءٍ ثُمَّ زَالَ عَمَّنْ قَامَ بِهِ (بَنَى) عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِعُذْرِهِ مَعَ لُزُومِ مَا وَقَعَ (أَوْ) تَخَلَّلَهَا (مَوْتٌ) لِلْمُدَّعِي (اسْتَأْنَفَ وَارِثُ الْمُدَّعِي) فَلَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قَدْ يَحْكُمُ بِهِمَا بِخِلَافِ يَمِينِ الْقَسَامَةِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نِصْفُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ إلَخْ) ، قَالَ فِي الْأُمِّ وَسَوَاءٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ كَانَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ سِلَاحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِلَا أَثَرٍ.
[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ]
(قَوْلُهُ: يَحْلِفُ الْوَلِيُّ مَعَ وُجُودِ اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِينًا) مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ أَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: أَيْ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ) أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ الْجَنِينَ فَيُقْسِمُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا قَتِيلًا إنَّمَا يُطْلَقُ الْقَتِيلُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَالْأَقْسَامُ تَجِيءُ فِي قَدِّ الْمَلْفُوفِ مَعَ أَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ فِيهِ حَالَةَ الْقَتْلِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَنِينِ ع وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْعَهُ التَّهَيُّؤَ لِلْحَيَاةِ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ، وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ إلَخْ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ اشْتِرَاطَهَا) أَيْ الْمُوَالَاةِ.
لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يَحْكُمُ بِهَا (لَا إنْ تَمَّتْ) أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ يَحْكُمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ (وَيَبْنِي وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتَهُ الْأَيْمَانُ (وَإِنْ عُزِلَ الْقَاضِي) أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوَلِيَ غَيْرُهُ (لَا الْمُدَّعِي) إنْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا أَيْ لَا يَبْنِي عَلَيْهَا بَلْ يَسْتَأْنِفُ (إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ) فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْنَفَ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَبِمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَخَرَجَ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَيْضًا مَنْ فِي حُكْمِ وَارِثِهِ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِيمَا لَوْ تَخَلَّلَ أَيْمَانَهُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ مَوْتُهُ ثُمَّ وَلِيَ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ يَمِينَهُ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ (وَعَزْلُ الْقَاضِي وَمَوْتُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا كَهُوَ) الْأَوْلَى كَهُمَا (فِي أَثْنَائِهَا فِي الطَّرَفَيْنِ) أَيْ طَرَفِ الْمُدَّعِي وَطَرَفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَنْ يُقْسِمَ، وَلَوْ غَابَ حَالَ قَتْلِهِ) عَنْ مَحَلِّ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِفُ الْحَالَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ سَمَاعِ مَنْ يَنُوبُهُ، وَلَا تَمْنَعُ الْقَسَامَةَ غَيْبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (، وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ) ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ فَكَذَا الْيَمِينُ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ، وَهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ خِلَافَتِهِ وَفِي صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ كَقَسْمِ الْمَالِ وَفِي الْمُعَادَةِ لَا يَحْلِفُ وَلَدُ الْأَبِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَإِنْ أَخَذَ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ) مِنْ الْأَيْمَانِ إنْ وَقَعَ كَسْرٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ (فَمَنْ خَلَّفَ تِسْعَةً، وَأَرْبَعِينَ ابْنًا حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُتَمِّمُ، وَلَوْ خَلَّفَ أُمًّا وَابْنًا حَلَفَتْ تِسْعًا وَحَلَفَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَلَوْ خَلَّفَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلٌّ) مِنْهُمْ (سَبْعَ عَشَرَةَ) يَمِينًا (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ) مِنْهُمْ (حَلَفَ خَمْسِينَ لِحَقِّهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ) أَيْ إلَى حُضُورِ الْآخَرِينَ لِتَعَذُّرِ أَخْذِ شَيْءٍ قَبْلَ تَمَامِ الْحُجَّةِ فَيَفْرِضُ حَائِزًا لِذَلِكَ فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى حَضَرَا حَلَفَ كُلٌّ بِقَدْرِ حَقِّهِ (وَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ (حَلَفَ نِصْفَهَا) كَمَا لَوْ حَضَرَ ابْتِدَاءً (وَ) حَلَفَ (الثَّالِثُ) إذَا حَضَرَ أَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ (سَبْعَ عَشَرَةَ) بِتَكْمِيلِ الْمُنْكَسِرِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَتْ الْأَيْمَانُ كَالْبَيِّنَةِ فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِوُجُودِهَا مِنْ بَعْضِهِمْ كَالْبَيِّنَةِ قُلْنَا لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْيَمِينُ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ فِي الْحَالِ، وَكَانَ لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا قُلْنَا إنَّ تَكْذِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَغَوِيّ فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِظَارُ؛ لِأَنَّ تَوَافُقَ الْوَرَثَةِ شَرْطٌ، وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ التَّكَاذُبِ لَا التَّوَافُقُ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْحَاضِرُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْقَسَامَةِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَمَّلَ مَعَهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِيهَا تَقْصِيرٌ مُبْطِلٌ وَالْقَسَامَةُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ صَدْرَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَصْبِرْ، وَعَجُزَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ إذْ الصَّحِيحُ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَاضِرِ مِنْهَا بِالتَّأْخِيرِ.
(وَإِنْ مَاتَا) أَيْ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بَعْدَ حَلِفِ الْحَاضِرِ (فَوَرِثَهُمَا) الْحَاضِرُ (حَلَفَ حِصَّتَهُمَا) ، وَلَا يَكْفِيهِ حَلِفُهُ السَّابِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِحِصَّتِهِمْ يَوْمَئِذٍ (وَلَوْ خَلَّفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَشَرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ) بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ كَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (أَوْ) خَلَّفَتْ (زَوْجًا وَبِنْتًا حَلَفَتْ الْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ، وَهُوَ) أَيْ الزَّوْجُ (الثُّلُثَ) بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ نَصِيبَهَا كَنَصِيبِهِ مَرَّتَيْنِ.
(وَيَحْلِفُ الْخُنْثَى خَمْسِينَ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ) لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ بِحَسَبِ أَسْمَاءِ فَرَائِضِهِمْ أَوْ بِحَسَبِ سِهَامِهِمْ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَوْلِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَآخَرَيْنِ لِأُمٍّ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ فَهَلْ يَحْلِفُونَ عَلَى أَسْمَاءِ فَرَائِضِهِمْ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ وَالْأُمُّ سُدُسَهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأَبِ ثُلُثَيْهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثَهَا جَبْرًا لِلْمُنْكَسِرِ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى نِسْبَةِ سِهَامِهِ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْخَمْسِينَ وَالْأُخْتَانِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةَ أَعْشَارِهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ خُمُسَيْهَا، فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَ الثَّانِيَ (قَوْلُهُ: حَلَفَ خَمْسِينَ لِحَقِّهِ) أَيْ لِأَخْذِهِ فَيَأْخُذُهُ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَضَرَ آخَرُ أَوْ بَلَغَ حَلَفَ نِصْفَهَا إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْأَيْمَانُ كَالْبَيِّنَةِ فَهَلَّا كَانَ وُجُودُهَا مِنْ بَعْضِهِمْ حُجَّةً لِجَمِيعِهِمْ كَالْبَيِّنَةِ قِيلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ النِّيَابَةِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْيَمِينَ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ، قَالَ شَيْخُنَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِينَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ إلَخْ) إنَّمَا حَذَفَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِحَقِّهِ أَيْ لِأَخْذِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَوَافُقَ الْوَرَثَةِ شَرْطٌ) وَالْبَغَوِيُّ، قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ ذُهُولًا قُلْت بَلْ إيرَادُهُ هُوَ الذُّهُولُ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ، قَالَ فِي تَوْجِيهِ رَأْيِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا كَانَ لِلْبَالِغِ الْحَاضِرِ أَنْ يُقْسِمَ مَعَ احْتِمَالِ التَّكْذِيبِ مِنْ الثَّانِي إذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ، وَقَالَ فِي تَوْجِيهِ الْأَصَحِّ وَفِيمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا لَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ الْخَارِمُ لِلظَّنِّ فَكَانَ كَمَا إذَا ادَّعَى، وَلَمْ يُسَاعِدْهُ الْآخَرُ، وَلَمْ يَكْذِبْ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُقْسِمَ. اهـ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ حَلِفَ الْبَعْضِ مَعَ غَيْبَةِ الْبَاقِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى الرَّأْيَيْنِ مَعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِحِصَّتِهِمَا يَوْمَئِذٍ) لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا مَيِّتَيْنِ حَالَ الْحَلِفِ فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِحَلِفِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا فس هُوَ وَاضِحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّعْلِيلِ.