الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ، وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ، وَالْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي الْإِسَاءَةِ وَأَمَّا إيجَابُ الْقَوَدِ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَفِيهِ وَقْفَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ فِي السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى التَّمَلُّكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ السَّرِقَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ كَمَا فِي السَّارِقِ وَيَجُوزُ أَنْ تُحْسَمَ الْيَدُ ثُمَّ تُقْطَعَ الرِّجْلُ وَأَنْ يُقْطَعَا جَمِيعًا ثُمَّ يُحْسَمَا (وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا انْحَتَمَ) أَيْ وَجَبَ (قَتْلُهُ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا لَا تُحَتِّمُ الْقَتْلَ فَلَا يَسْقُطُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ (وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ.
وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ (أَوْ قُتِلَ بِقِصَاصٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الصَّلْبُ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ فَسَقَطَ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ، وَالصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ وَقَدْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا فَوَجَبَ الْآخَرُ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَالْمُحَارِبُ) وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ (يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ) فَلَا يُعْكَسُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا وَقَدْ «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَإِذَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ أَوَّلًا وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ (فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ)
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ) وَهِيَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَالْيَدِ (وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) مِنْ الْقَاطِعِ (قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ) ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ يَجِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ كَالسَّرِقَةِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَلَمْ يُفَصِّلْ (قَوْلُهُ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ) وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِي الْأُمُّ مَا يَقْتَضِيهِ اهـ وَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَالِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارِمِيِّ فَلَوْ ظَنَّهُ مِلْكَهُ أَوْ ادَّعَاهُ فَلَا قَطْعَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا) أَيْ مُكَافِئًا لَهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ) وَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَتْلِهِ طَلَبُ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ إلَخْ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا مَحْضًا لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخَذَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ دُونَ النِّصَابِ وَغَيْرَ مُحْرَزٍ قُتِلَ حَتْمًا اهـ وَيُشْتَرَطُ لِقَطْعِ الْقَاطِعِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ الْحِرْزُ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ اعْتِبَارُ طَلَبِ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الْقَتْلِ طَلَبَ الْأَوْلِيَاءِ وَاسْتُشْهِدَ بِذَلِكَ بِنَصِّ الْأُمِّ وَيُشْتَرَطُ لِصَلْبِهِ مَعَ الْقَتْلِ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ وَقِيَاسُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُ الْحَوْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعُبَابِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخْذِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ كَافِيًا فِي تَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ (تَنْبِيهٌ)
لَوْ قَالَ قَتَلَهُ عَدَاوَةً لَا لِأَخْذِ الْمَالِ وَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ أَوْ الْوَلِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْأَقْرَبُ تَصْدِيقُ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَفَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ انْدِفَاعُ تَحَتُّمِ قَتْلِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا) قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ بِلَا شُبْهَةٍ مَعَ صَلْبِ مَالِكِهِ شَرْطٌ لِصَلْبِهِ مَعَ قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ) وَذَلِكَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ أَوْ لُغَةٌ وَهُمَا حُجَّةٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ وَإِذْ ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ أَوَّلًا) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّقَ بِهِ مَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ أَوَّلًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا مِنْ الْأَيَّامِ) فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ الْمَذْكُورِ الِانْفِجَارُ وَنَحْوُهُ وَإِلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتْنُ وَالتَّغَيُّرُ غَالِبًا
[الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ عُقُوبَةِ قَطْع الطَّرِيق]
(قَوْلُهُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ) الْمُرَادُ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ أَنْ لَا تَمْتَدَّ إلَيْهِمْ يَدُ الْإِمَامِ بِهَرَبٍ أَوْ اسْتِخْفَاءٍ أَوْ امْتِنَاعٍ (تَنْبِيهٌ)
ادَّعَى الْمُحَارِبُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ قَبْلَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ فِي سُقُوطِ حَدٍّ قَدْ وَجَبَ وَإِنْ اقْتَرَنَ
{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] الْآيَةَ (لَا بَعْدَهَا) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَلِتُهْمَةِ الْخَوْفِ أَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا مِنْ قِصَاصٍ وَضَمَانِ مَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ (وَلَا يَسْقُطُ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ) أَيْ بَاقِيهَا كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ فِي حَقِّ الْقَاطِعِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ عَلَى التَّرْكِ لَا التَّرْكُ الْمَاضِي وَمَحَلُّ عَدَمِ السُّقُوطِ فِيمَا ذُكِرَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا بَعْدَ هَذَا مَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَالْمُغَلَّبُ) فِي قَتْلِ الْقَاطِعِ (حَقُّ الْآدَمِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لَهُ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يَحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا وَقِيلَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِدُونِ طَلَبِ الْوَلِيِّ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فُرُوعًا فَقَالَ (فَلَا يُقْتَلُ) إذَا كَانَ حُرًّا (بِعَبْدٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهُ كَابْنِهِ وَذِمِّيٍّ، وَالْقَاطِعُ مُسْلِمٌ (وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ) لَوْ قَالَ الضَّمَانُ بِالْمَالِ كَانَ أَعَمَّ (وَإِنْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَقَطْعِ عُضْوٍ (رُوعِيَتْ الْمُمَاثَلَةُ) فِي قَتْلِهِ بِأَنْ يُقْتَلَ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ (وَإِذَا قَتَلَ وَمَاتَ) قَبْلَ قَتْلِهِ قِصَاصًا (فَالدِّيَةُ) تَجِبُ (فِي مَالِهِ وَإِذَا عَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ) أَيْ الْقَاطِعَ الْمَالُ (وَقُتِلَ حَدًّا) كَمُرْتَدٍّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَنْهُ بِمَالٍ وَسَقَطَ قَتْلُهُ قِصَاصًا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْهُ (وَإِذَا قَتَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ (فَلِوَرَثَتِهِ الدِّيَةُ) عَلَى قَاتِلِهِ وَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُتَحَتِّمٌ وَلَوْ لَمْ يُرَاعَ فِيهِ الْقِصَاصُ لَمْ تَلْزَمْهُ الدِّيَةُ بَلْ مُجَرَّدُ التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ (وَبِنَفْسِ التَّوْبَةِ) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (تَسْقُطُ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ) تَعَالَى (كَالْقَطْعِ، وَالصَّلْبِ وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ وَيَبْقَى الْقِصَاصُ، وَالْمَالُ) هَذَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الطَّرَفِ (وَإِذَا جَرَحَ) جُرْحًا (وَلَمْ يَسْرِ لَمْ يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ) ؛ لِأَنَّ الِانْحِتَامَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَصُّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْجُرْحَ فِي الْآيَةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ، فَلَوْ عُفِيَ عَنْهُ سَقَطَ، فَإِنْ سَرَى فَهُوَ قَاتِلٌ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ وَنَبَّهَ بِلَمْ يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فِيهِ قَوَدٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ فَوَاجِبَةُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ كَمَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَاطِعِ (وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ
(فَصْلٌ)(يُوَالِي) عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ (قَطْعَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ) لِاتِّحَادِ الْعُقُوبَةِ كَالْجَلَدَاتِ فِي الْحَدِّ الْوَاحِدِ (فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْأُخْرَى) وَلَا يُجْعَلُ طَرَفٌ آخَرُ بَدَلَ الْمَفْقُودِ، وَالتَّصْرِيحُ بِفَقْدِ الْيَسَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ فُقِدَتَا) قَبْلَ أَخْذِهِ الْمَالَ (قُطِعَ لِأُخْرَيَانِ) أَوْ بَعْدَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ (وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ قِصَاصٌ فِي يَمِينِهِ) مِنْ يَدَيْهِ (قُطِعَتْ قِصَاصًا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُغَلَّبُ فِي ذَلِكَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا تُقْطَعُ قِصَاصًا وَمُحَارَبَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الرَّجْمُ لِزِنًا وَقَتْلِ قِصَاصٍ لَا يُقْتَلُ رَجْمًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بَلْ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ (ثُمَّ) قُطِعَتْ (رِجْلُهُ) الْيُسْرَى (لِلْمُحَارَبَةِ بِلَا) وُجُوبِ (مُهْلَةٍ) بَيْنَ الْقَطْعَيْنِ بَلْ يُوَالِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعُقُوبَتَانِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَقَّةٌ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ قَطْعُهُمَا جَمِيعًا عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ إذْ الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ.
(فَإِنْ عَفَا) مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ (وَلَوْ بِمَالٍ أَخَذَ) الْمَالَ فِي صُورَتِهِ (وَقُطِعَا) الْأَوْلَى وَقُطِعَتَا (حَدًّا) ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أُخِذَ مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ) وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ (فِي يَسَارِهِ) مِنْ يَدَيْهِ (قُطِعَتْ) أَوَّلًا لِلْقِصَاصِ (وَأُمْهِلَ) لِقَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى (لِلْحَدِّ حَتَّى يَبْرَأَ) ، فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَتَا (أَوْ فِي عُضْوَيْ الْمُحَارِبِ) الْمَقْطُوعَيْنِ فِي الْمُحَارَبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا (وَاقْتُصَّ مِنْهُ) فِيهِمَا (سَقَطَ) عَنْهُ (الْحَدُّ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ عَفَا عَنْهُ قُطِعَا حَدًّا وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَ غَيْرِهِ وَسَرَقَ قُطِعَتْ يَسَارُهُ قِصَاصًا وَأُهْمِلَ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَمِينُهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَلَا يُوَالَى؛ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ آكَدُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
(فَصْلٌ) لَوْ (لَزِمَهُ قَتْلٌ وَقَطْعٌ) عَنْ قِصَاصٍ (وَقَذْفٍ) أَيْ حَدُّهُ (لِثَلَاثَةٍ وَطَالَبُوهُ) بِذَلِكَ (جُلِدَ) وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَذْفُ (وَأُمْهِلَ) حَتَّى يَبْرَأَ وَإِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ عَجِّلُوا الْقَطْعَ وَأَنَا أُبَادِرُ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ لِئَلَّا يَهْلِكَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِهَا إمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى التَّوْبَةِ فَفِي الْقَبُولِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَفْهُومِ الْآيَةِ إلَخْ) وَلِأَنَّ دَفْعَ الْعُقُوبَةِ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَسَدِّ بَابِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْجَرَائِمِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ) وَاحْتَجَّ لَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمُّ بِحَدِيثِ «مَاعِزٍ حِينَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّ بِالزِّنَا وَأَمَرَ بِحَدِّهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيُخْبِرَهُ بَلْ تَائِبًا فَلَمَّا أَقَامَ حَدَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَاهُ لَصَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً فِي إبْطَالِ حِكْمَةِ الْحُدُودِ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ فَلِوَرَثَتِهِ الدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا أَحَدُ مَوْضُوعَيْنِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ إذَا كَانَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي رَقِيقٍ غَيْرِ جَانٍ وَمَا هُنَا فِي حُرٍّ جَانٍ (قَوْلُهُ: هَذَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الطَّرَفِ) ذَكَرَهُ ثَمَّ لِبَيَانِ مُخَالَفَتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَهُنَا لِبَيَانِ مُخَالَفَتِهِ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَرَحَ وَلَمْ يَسْرِ لَمْ يَتَحَتَّمْ جَرْحُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] فَحَتَّمَ الْقَتْلَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَبَّهَ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَغْلَظُ وَإِنَّمَا يُنَبِّهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى دُونَ الْعَكْسِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي
(قَوْلُهُ: فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْأُخْرَى) فِي مَعْنَى فَقْدِهَا أَنْ تَكُونَ شَلَّاءَ لَا تُحْسَمُ عُرُوقُهَا لَوْ قُطِعَتْ (قَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِي يَسَارِهِ إلَخْ