الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَلْدِ لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَلْدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِكْرًا عِنْدَ الزَّنْيَتَيْنِ، وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ اللِّعَانِ وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ فَزَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ
(فَصْلٌ) لَوْ (شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا؛ لِأَنْفُسِهِمَا) فِي الشَّهَادَةِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا (وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ) أَوْ لَا (وَإِنْ بَحَثَ) عَنْ ذَلِكَ (لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا، فَإِنْ قَالَا: نَهَبُونَا) فَأَخَذُوا مَالَنَا رُفْقَتُنَا (لَمْ يُقْبَلَا) لَا فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا (لِلْعَدَاوَةِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُمْ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ بِشَيْءٍ (فَقَالَا) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ (نَشْهَدُ بِهَا) أَيْ بِالْوَصِيَّةِ (لِهَؤُلَاءِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَا قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ بِهَا لَهُمْ وَلَنَا لَمْ تُقْبَلْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلتُّهْمَةِ
[بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ]
[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِ حَدّ شَارِب الْخَمْر]
(بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ) شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَالْخَمْرُ (هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّتْ وَقَذَفَتْ بِالزَّبَدِ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْعَصِيرِ (وَالرُّطَبُ) أَيْ عَصِيرُهُ إذَا صَارَ مُسْكِرًا (، وَالْأَنْبِذَةُ الْمُسْكِرَةُ) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ (مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْخَمْرِ (فِي التَّحْرِيمِ، وَالْحَدِّ، وَالنَّجَاسَةِ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي كَوْنِهَا مَائِعَةً مُسْكِرَةً (لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا) دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قَالَ وَكَيْفَ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ إنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ، فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بَلْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْإِجْمَاعُ، وَالنَّصُّ عَلَيْهِ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا (وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ فَكُلُّ مُلْتَزِمِ التَّحْرِيمِ) أَيْ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ (شَرِبَ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ مِنْهُ (مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْحَدُّ)«؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحُدُّ فِي الْخَمْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقَلِيلَ وَحَدَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرَّمَ تَقْبِيلَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْخَلْوَةَ بِهَا لِإِفْضَائِهِمَا إلَى الْوَطْءِ
(وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ) أَيْ شُرْبُهُ (وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ ثَمَرٍ وَرُطَبٍ، وَالْخَلِيطُ) أَيْ شُرْبُهُ (وَهُوَ) مَا يُعْمَلُ (مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ) وَقِيلَ مِنْ ثَمَرٍ وَزَبِيبٍ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا (فَيُحَدُّ) بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ (الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ) وَلَا يُؤَثِّرُ اعْتِقَادُهُ حِلَّهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَلِأَنَّ الطَّبْعَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ: وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا إلَخْ) جَرَى فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى الثَّانِي فِي بَابِ الزِّنَا قَالَ الكوهكيلوني كَلَامُهُ فِي حَدِّ الزِّنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ لِشَخْصٍ وَفِي بَابِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِشَخْصٍ (قَوْلُهُ: صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْأَصْلُ) هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
[فَصْلٌ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا؛ لِأَنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ]
(بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ)
(قَوْلُهُ شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ وَقَالَ {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: 33] وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِثْمَ هِيَ الْخَمْرُ وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ (قَوْلُهُ: وَرَوَى الشَّيْخَانِ إلَخْ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ) وَقِيلَ بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبُ لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ يَعْنِي الشَّاشِيَّ ثُمَّ نَازَعَهُ فِيهِ وَقَالَ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَيْثُ كَانَتْ مُبَاحَةً بِالْإِطْلَاقِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ إلَى حَدٍّ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ إنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ كَانَتْ إبَاحَتُهَا لَهُمْ بِاسْتِصْحَابٍ أَوْ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَوَّلُ قَالَ شَيْخُنَا وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ.
(قَوْلُهُ: دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا) قَالَ فِيهِ بَعْدَمَا فِي الشَّرْحِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ حَدِيثِ «التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ كَافِرٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَمْ يَكْفُرْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ: شُرْبُ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ) سَيَأْتِي مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ شُرْبُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَجَامِدِهِ وَجَامِدِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ مِمَّا أَصْلُهُ مَائِعٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ) ، فَإِنْ قِيلَ
يَدْعُو إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ وَبِهَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ فَارَقَ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ أَيْ مُطْلَقًا لِيَخْرُجَ الْحَنَفِيُّ الشَّارِبُ لِلنَّبِيذِ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ (لَا) أَيْ يُحَدُّ مَنْ ذُكِرَ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ لَا (بِإِسْعَاطٍ وَحُقْنَةٍ) بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ، فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَدْعُو إلَيْهِمَا (وَ) يُحَدُّ (بِمَرَقِ) أَيْ بِشُرْبِ مَرَقِ (مَا طُبِخَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْكِرِ (لَا) بِأَكْلِ (لَحْمِهِ) لِذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْهُ (وَ) يُحَدُّ (بِأَكْلِ مَا ثُرِدَ بِهِ) أَوْ غُمِسَ فِيهِ (لَا) بِأَكْلِ (مَا عُجِنَ بِهِ) لِاسْتِهْلَاكِهِ فِيهِ (وَلَا بِشُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ) كَأَنْ شَرِبَ مَا فِيهِ قَطَرَاتُ خَمْرٍ، وَالْمَاءُ غَالِبٌ بِصِفَاتِهِ لِذَلِكَ (وَلَا يُحَدُّ مُكْرَهٌ بِشُرْبِهِ) لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ شُرْبُهُ بِالْإِكْرَاهِ (وَ) لَا (مُسِيغُ) أَيْ مُزْدَرِدُ (لُقْمَةٍ) بِهِ حِينَ (غَصَّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ شَرِقَ (بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاغَةُ (وَخَافَ) الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لِلضَّرُورَةِ (وَيَجُوزُ) لَهُ حِينَئِذٍ إسَاغَتُهَا بِهِ (بَلْ يَجِبُ) دَفْعًا لِلْهَلَاكِ (فَلَوْ شَرِبَهَا) أَيْ الْخَمْرَ (لِتَدَاوٍ أَوْ) لِدَفْعِ (جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَثِمَ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ بِشُرْبِهَا لِذَلِكَ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ فِي التَّدَاوِي وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُصَحِّحْ كَالرَّافِعِيِّ فِيهِمَا شَيْئًا وَإِنَّمَا قَالَا قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ لَا حَدَّ بِالتَّدَاوِي، وَإِنْ حَكَمْنَا بِالْحُرْمَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي حِلِّ الشُّرْبِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْمُعْتَبَرُونَ أَقْوَالَهُمْ: إنَّهُ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ ثُمَّ قَالَ فِي الشُّرْبِ لِلْعَطَشِ وَإِذَا حَرَّمْنَاهُ فَفِي الْحَدِّ الْخِلَافُ كَالتَّدَاوِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ هُوَ الْأَصَحَّ مَذْهَبًا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي كَمَا جُعِلَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ
(وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِنَجَسٍ) غَيْرِ مُسْكِرٍ (كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ وَمَعْجُونِ خَمْرٍ) كَمَا مَرَّ فِي الْأَطْعِمَةِ (وَلَوْ) كَانَ التَّدَاوِي (لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ) كَمَا يَكُونُ لِرَجَائِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ (بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ) عَدْلٍ بِذَلِكَ (أَوْ مَعْرِفَةِ الْمُتَدَاوِي) بِهِ إنْ عُرِفَ (وَ) بِشَرْطِ (عَدَمِ مَا يَقُومُ بِهِ مَقَامَهُ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ (، وَالْمَعْذُورُ) فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ بِشَيْءٍ (مَنْ جَهْلِ التَّحْرِيمَ) لَهُ (لِقُرْبِ عَهْدٍ) مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ (وَنَحْوِهِ) كَنَشْئِهِ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ (أَوْ) مَنْ (جَهِلِ كَوْنَهُ خَمْرًا لَا يُحَدُّ) لِعُذْرِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ) الْفَائِتَةِ (مُدَّةَ السُّكْرِ) كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْعَالِمِ) بِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ (وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ أَوْ كَوْنَهُ مُسْكِرًا لِقِلَّتِهِ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ
(وَإِنَّمَا يُحَدُّ) السَّكْرَانُ (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ إقْرَارِهِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا) لَا بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ (فَيَكْفِي) ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَالِمًا مُخْتَارًا) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ الْعِلْمُ بِمَا يَشْرَبُهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ، وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَالشَّهَادَةِ بِهَا بِخِلَافِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» فَاحْتِيجَ فِي الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ بِهِ إلَى الِاحْتِيَاطِ (وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى) مُشَاهَدَةِ (السُّكْرِ وَ) لَا عَلَى ظُهُورِ (النَّكْهَةِ) أَيْ رَائِحَةِ الْفَمِ وَلَا عَلَى تَقَيُّؤِ الْخَمْرِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ أَوْ الْإِكْرَاهِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ
(فَرْعٌ مُزِيلُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْبَنْجِ) ، وَالْحَشِيشَةِ حَرَامٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ (لَا حَدَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ الْحَنَفِيُّ إذَا وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَلَّى خَلْفَ الْحَنَفِيِّ بَعْدَ مَا مَسَّ فَرْجَهُ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَدَ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَكَذَلِكَ إذَا تَوَضَّأَ الْحَنَفِيُّ بِغَيْرِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَالْجَوَابُ أَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ يَكُونُ رَجْعَةً فَأَشْبَهَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ إنْكَارُهُ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَ مَسِّ الْفَرْجِ لَيْسَ لِلشَّافِعَيَّ إنْكَارُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُوصَفُ بِالِانْعِقَادِ فَهِيَ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ شُرْبِ النَّبِيذِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِي عَقْدٍ تَحْصُلُ مِنْهُ إبَاحَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْإِبَاحَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلْحَنَفِيِّ إلَى تَعَاطِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعُقُودِ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَاطِيهَا وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ وَالْوُضُوءُ، فَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَقُلْنَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَمَلًا بِاعْتِقَادِ الْمُتَوَضِّئِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالذِّمَّةِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ إلَّا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعِبَادِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَقَدْ قَرَّرَ أَهْلُ الْأُصُولِ أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ الْمِلَلِ (قَوْلُهُ: وَلَا مُسِيغُ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) قَالَ شَيْخُنَا وَكَذَا لَا حَدَّ فِي كُلِّ مَنْ شَرِبَهُ لِلْعَطَشِ أَوْ التَّدَاوِي أَوْ كَوْنِهِ غَصَّ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِدَفْعِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَثِمَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَقْوَى وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَا حَدَّ عَلَى الْمُتَدَاوِي وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا وَيَكُونُ قَصْدُ التَّدَاوِي شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ اهـ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ نَفْيُ الْحَدِّ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَا وَجُعِلَ الْإِكْرَاهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ فَهَذَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي حِلِّهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ إلَخْ) ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْذُورُ مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمٌ مَوْصُولٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ خَبَرُ الْمَعْذُورُ وَلَا يُحَدُّ خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ بِكَسْرِهَا تَعْلِيلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ نَشَأَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ فَأَمَّا النَّاشِئُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُخَالِطُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهَا فِي شَرْعِنَا
(قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا إلَخْ) كَأَنْ قَالَ شَرِبْت مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرِي فَسَكِرَ مِنْهُ أَوْ قَالَ الشَّاهِدُ مِثْلَ ذَلِكَ