الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً) بِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُعْقَدُ لَهُمْ (وَإِنْ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَجُوسِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ كِتَابِهِمْ فَلِهَؤُلَاءِ أَوْلَى وَكَمَا يَحْرُمُ ذَبَائِحُ هَؤُلَاءِ وَمُنَاكَحَتُهُمْ يَحْرُمَانِ مِنْ الْمَجُوسِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَا وَحَلَّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا أَمَّا غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالشَّمْسِ فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ
(فَرْعٌ تُعْقَدُ) أَيْضًا (لِمَنْ دَخَلَ أَصْلَهُ التَّهَوُّدُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ) الْأَنْسَبُ وَالتَّنَصُّرُ (وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ) فِي دِينِهِ (لَا) بَعْدَ (النَّسْخِ) لَهُ (وَلَوْ بِعِيسَى) أَيْ بِشَرِيعَتِهِ فَتُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لِدِينِهِ أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ، وَإِنْ بَدَّلُوا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مَا لَمْ يُبَدَّلْ فَلَا يَنْحَطُّ التَّمَسُّكُ بِهِ عَنْ شُبْهَةِ كِتَابِ الْمَجُوسِ وَلَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى كَآبَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَطَلَ وَسَقَطَتْ فَضِيلَتُهُ (فَإِنْ شَكَكْنَا) فِي دُخُولِهِمْ فِيهِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ (أَقْرَرْنَاهُمْ) بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ (كَالْمَجُوسِ) وَبِهِ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ
(وَتُعْقَدُ لِمَنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ) ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابِيُّ أُمَّهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْكِتَابِ مَوْجُودَةٌ وَفِي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ احْتِيَاطًا
(لَا لِجَاسُوسٍ) يُخَافُ شَرُّهُ لِلضَّرَرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ كَمَا أَنَّ النَّامُوسَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ
[فَصْلٌ تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِلصَّائِبَةِ وَالسَّامِرَةِ]
(فَصْلٌ تُعْقَدُ) الْجِزْيَةُ (لِلصَّائِبَةِ وَالسَّامِرَةِ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ (وَكَذَا) تُعْقَدُ لَهُمْ (لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ، وَإِنْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ) تَبَعًا لِتَمَسُّكِ آبَائِهِمْ (بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ) الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ (صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ) دُونَ غَيْرِهِمْ (وَعَقَدَ لَهُمْ) الْجِزْيَةَ؛ لِأَنَّ دِينَهُمْ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِقَبْلِ النَّسْخِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ (فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ) وَلَوْ مِنْهُمْ بِأَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمَا (بِكَذِبِهِمْ فَإِنْ) كَانَ قَدْ (شَرَطَ) فِي الْعَقْدِ (قِتَالَهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ (فَوَجْهَانِ) : أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّهْذِيبِ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الظَّاهِرُ كَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُلْحَقُونَ بِالْمَأْمَنِ
(فَرْعٌ إذَا تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ)
كَمَا مَرَّ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ (ثُمَّ أَطْفَالُهُمْ) أَيْ الْمُتَوَثِّنِينَ (مِنْ) أُمِّهِمْ (النَّصْرَانِيَّةِ نَصَارَى وَكَذَا مِنْ) أُمِّهِمْ (الْوَثَنِيَّةِ فَتُعْقَدُ) الْجِزْيَةُ (لِمَنْ بَلَغَ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ التَّنَصُّرِ فَلَا تَزُولُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدُ
[فَصْلٌ مِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ]
(فَصْلٌ تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى شَيْخٍ هَرِمٍ وَزَمِنٍ وَأَجِيرٍ وَرَاهِبٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ)
؛ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ؛ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَتَبَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (فَيُطَالَبُ) الْفَقِيرُ فِي صُورَتِهِ (إنْ أَيْسَرَ) بِهَا
[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَكَانُ الْقَابِلُ لِلتَّقْرِيرِ]
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَكَانُ الْقَابِلُ) لِلتَّقْرِيرِ (فَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ) وَلَوْ ذِمِّيِّينَ (الْإِقَامَةُ بِالْحِجَازِ، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا) بِالْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِخْلَافٍ أَيْ قُرَاهَا (كَالطَّائِفِ) وَوَجٍّ (وَخَيْبَرَ وَكَذَا الطُّرُقُ الْمُمْتَدَّةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحِجَازِ سَوَاءٌ أَقَامُوا فِيهِ بِجِزْيَةٍ أَمْ لَا لِشَرَفِهِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مِنْ مَالِهِمْ عَنْ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ]
قَوْلُهُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا) وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا جِبْرِيلُ وَإِنَّمَا أُلْهِمُوهَا إلْهَامًا، وَهِيَ مَوَاعِظُ لَا أَحْكَامَ فِيهَا فَلَمْ تُلْحَقْ بِالْكِتَابِيِّينَ (قَوْلُهُ فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا بِقَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَخَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] أَيْ يَلْتَزِمُوهَا وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ وَهُمْ الْمَجُوسُ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَنْ عَدَا الْمَذْكُورِينَ بِعُمُومِ الْآيَةِ
[فَرْعٌ تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِمَنْ دَخَلَ أَصْلَهُ التَّهَوُّدُ وَالنَّصْرَانِيَّة]
(قَوْلُهُ تُعْقَدُ لِمَنْ دَخَلَ أَصْلُهُ إلَخْ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَصْلُهُ أُمُّهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا، وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا دَخَلَ آبَاؤُهُمْ وَكَذَا فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْأَبُ فِي التَّنْصِيرِ بَعْدَ النَّسْخِ وَدَخَلَتْ الْأُمُّ فِيهِ قَبْلَهُ لَمْ يَقِرَّ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا بِالْجِزْيَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى (قَوْلُهُ لَا بَعْدَ النَّسْخِ لَهُ وَلَوْ بِعِيسَى) إسْرَائِيلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ النَّاسِخُ لِشَرْعِ مُوسَى بِعْثَةُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ التَّهَوُّدَ بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى كَالتَّهَوُّدِ وَالتَّنَصُّرَ بَعْدَ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَقِرُّ بِالْجِزْيَةِ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِنْجِيلِ وَالْيَهُودِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ نَسَخَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْإِسْرَائِيلِيَّ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْقَدُ لِمَنْ تَهَوَّدَ أَصْلُهُ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ ثُمَّ انْتَقَلَ هُوَ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَخَرَجَ بِأَصْلِهِ أُمُّهُ
(قَوْلُهُ وَتُعْقَدُ لِمَنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ) مَحَلُّهُ إذَا بَلَغَ وَدَانَ ابْنُ الْوَثَنِيِّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ بِدِينِ أُمِّهِ فَإِنْ دَانَ بِدِينِ أَبِيهِ لَمْ يَقِرَّ قَوْلًا وَاحِدًا
(قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ قَضِيَّةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا) وَالْأَمَانُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ عِنْدَ ظَنِّ الْكَافِرِ صِحَّتَهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَعَلَى إطْلَاقِ الِاغْتِيَالِ جَرَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَفُرُوعُهُ
[فَرْعٌ إذَا تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ]
(قَوْلُهُ فَيُمْنَعُ الْكَافِرُ الْإِقَامَةَ بِالْحِجَازِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ هَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَوْ يَفْسُدُ الْإِطْلَاقُ وَيَتَقَيَّدُ بِغَيْرِ الْحِجَازِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي (فَرْعٌ)
لَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارًا بِالْحِجَازِ وَلَمْ يَسْكُنْهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأَخْرَجْنَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا؛ لِأَنَّهُ حَجْزٌ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ (لَا بَحْرًا) أَيْ يُمْنَعُونَ الْإِقَامَةَ بِمَا ذَكَرَ لَا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُ إقَامَةٍ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ) الْإِقَامَةِ فِي (جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْكُونَةِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: التَّقْيِيدُ بِهِ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَانِ الْبَغَوِيّ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا حَذَفَهُ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْإِقَامَةِ بِالطُّرُقِ الْمُمْتَدَّةِ.
وَالْبَغَوِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ (فَإِنْ دَخَلَ) الْكَافِرُ الْحِجَازَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ (أُخْرِجَ) مِنْهُ (وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ) لِدُخُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهُ (وَيُؤْذَنُ) لَهُ جَوَازًا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ (فِي دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ) إنْ كَانَ دُخُولُهُ (لِلْمَصْلَحَةِ) لَنَا (كَأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ وَهُدْنَةٍ وَحَمْلِ) مَتَاعِ (تِجَارَةٍ يُحْتَاجُ) إلَيْهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ (اشْتَرَطَ) فِي الْإِذْنِ لَهُ فِي الدُّخُولِ (أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا (وَقَدْرُهُ) أَيْ الْمَشْرُوطِ مَنُوطٌ (بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَ) إذَا دَخَلَهُ بِالْإِذْنِ (لَا يُقِيمُ) فِيهِ (أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (سِوَى يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ) ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا ثُمَّ سَوَاءٌ أَدَخَلَ لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا (وَيَشْتَرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَيُوَكِّلُ) غَيْرَهُ كَمُسْلِمٍ (بِقَبْضِ دَيْنَهُ) إنْ كَانَ لَهُ ثَمَّ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ ثَلَاثٌ (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) حَيْثُ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ.
(وَيُمْنَعُ الْمُرُورَ بِحَرَمِ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (وَيَخْرُجُ) وَاحِدٌ مِنَّا (إلَيْهِ لِسَمَاعِ رِسَالَةٍ) وَيُبَلِّغُهَا لِلْإِمَامِ (فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ طَلَبَ) مِنَّا (الْمُنَاظَرَةَ) لِيُسْلِمَ (خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ فَإِنْ بَذَلَ عَلَى دُخُولِهِ) الْحَرَمَ (مَا لَا لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ (فَإِنْ أُجِيبَ) فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ (وَ) إنْ (وَصَلَ الْمَقْصِدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى) وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُ بِعِوَضٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ (أَوْ) وَصَلَ (دُونَهُ) أَيْ الْمَقْصِدِ (فَبِالْقِسْطِ) مِنْ الْمُسَمَّى يُؤْخَذُ وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ عَلَى عَشَرَةٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةُ وَزَادَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكَرُّ زَلِّهَا اهْتَدَى فَلَمْ يَعُدْ سَيْلُ الْحِلِّ إذْ جَاءَ بُنْيَانُهُ (وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ) لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ»
(وَإِنْ دُفِنَ) الْكَافِرُ (فِي حَرَمِ مَكَّةَ نُبِشَ) قَبْرُهُ وَأُخْرِجَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ) وَكَانُوا زُهَاءَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا (قَوْلُهُ لَا بَحْرًا) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي الْمَرْكَبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ، وَهُوَ الْمُرَادُ (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ) وَبَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ الْحِجَازِ.
(قَوْلُهُ وَحَمْلِ مَتَاعِ تِجَارَةٍ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ وَحَكَى نَصًّا لِلشَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْأَصْحَابُ وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ إلَخْ) وَفِي الْبَسِيطِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَيُقِيمُونَ فِي كُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا مَنْعَ فَإِنَّهُ فِي صُورَةِ السَّفَرِ اهـ وَكَانَ الْمُرَادُ حَالَةَ الِاجْتِيَازِ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى التَّوَطُّنِ كَأَهْلِ النُّجْعَةِ وَأَصْلُهُ قَوْلُ إمَامِهِ لَوْ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ مِنْ بُقْعَةٍ إلَى بُقْعَةٍ وَلَوْ لُفِّقَتْ أَيَّامُ تَرَدُّدِهِمْ لَزَادَتْ عَلَى مَقَامِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ خُطَّةَ الْحِجَازِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُكَلِّفُهُمْ أَنْ يَجْرُوا فِي انْتِقَالِهِمْ عَلَى الْمَنَازِلِ الْمَعْهُودَةِ وَلَوْ قَطَعُوا فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَكَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى مُنْتَهَى كُلِّ فَرْسَخٍ فَلَا مَنْعَ وَلَا حَجْرَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَهَذَا، وَإِنْ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ فِي مَسِيرِهِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَقْصِدِ فَانْتِقَالُهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَا يُعَدُّ بِهِ مُسَافِرًا ر (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ إلَّا فِي قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَعْبَةُ (قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٍ) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَقُدُومُ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي جُمْلَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ عَشَرَةٍ فَأَنْزَلَهُمْ صلى الله عليه وسلم بِالْمَسْجِدِ وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ