الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا هُمَا) مَعًا (دُونَ طُولِ الْمُدَّةِ) وَالِاسْتِفَاضَةِ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُجَرَّدَةَ قَدْ تَكُونُ عَنْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَالتَّصَرُّفُ الْمُجَرَّدُ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ غَاصِبٍ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ فِيهِمَا بِالْيَدِ.
(وَلَوْ تَجَرَّدَتْ الِاسْتِفَاضَةُ لَمْ يَشْهَدْ) بِهَا الشَّاهِدُ عَلَى الْمِلْكِ (حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهَا إمَّا يَدٌ أَوْ تَصَرُّفٌ مَعَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ) فِيهِمَا كَمَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى أَسْبَابِ الْمِلْكِ (فَإِنْ انْضَمَّا) أَيْ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ (إلَيْهَا) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (لَمْ يُشْتَرَطْ طُولُ الْمُدَّةِ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَحْدَهَا هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ وَعَنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَ وَالْأَقْرَبُ إلَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ انْتَهَى وَنَصَّ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَنَقَلَ الْمِنْهَاجُ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) بِالْمِلْكِ بِنَاءً (عَلَى الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ) مَعَ مَا ذُكِرَ (أَنْ لَا يُعَارِضَهَا مُنَازِعٌ) فِي الْمِلْكِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ إذْ ظَنُّ الْمِلْكِ إنَّمَا يَحْصُلُ حِينَئِذٍ (وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ مُدَّةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ إلَى الْعُرْفِ وَلَا يَكْفِي الشَّاهِدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَقُولَ سَمِعْت النَّاسَ) يَقُولُونَ كَذَا وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا (بَلْ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ) مَثَلًا (لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا سَمِعَ) مِنْ النَّاسِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَلَا يَذْكُرُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْحَاكِمِ مُسْتَنَدَ شَهَادَتِهِ مِنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةِ يَدٍ أَوْ تَصَرُّفٍ زَائِدٍ فَلَوْ ذَكَرَهُ بِأَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَنَّ هَذَا مَلَكَ زَيْدًا وَأَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنِّي رَأَيْته يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالشَّهَادَةِ.
وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الِاسْتِصْحَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّضَاعِ عَلَى امْتِصَاصِ الثَّدْيِ وَحَرَكَةِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ حَمْلُهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَلِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ مَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ الْمُسْتَنَدِ مِنْ تَسَامُعٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِحٍ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِهِ تَرَدُّدٌ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أَوْ حِكَايَةِ حَالٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ
(فَرْعٌ التَّصَرُّفُ الْمُعْتَبَرُ) هُنَا تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ (كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْبَيْعِ وَالْفَسْخِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ أَوْ الرَّهْنُ) لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ (وَلَا يَكْفِي) التَّصَرُّفُ (مَرَّةً) وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ظَنًّا (وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ بِاسْتِفَاضَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي قَدْرِهِ كَذَا عَلَّلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِلْكَ الْحِصَصِ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَالَ وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَوِيٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلنَّوَوِيِّ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ شَهِدَ الْأَعْمَى بِالِاسْتِفَاضَةِ جَازَ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ) وَإِشَارَةٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالِاسْتِفَاضَةِ عَلَى السَّمَاعِ وَالْأَعْمَى فِيهِ كَالْبَصِيرِ (بِأَنْ شَهِدَ عَلَى مَعْرُوفٍ) بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ (أَوْ) شَهِدَ (لَهُ بِنَسَبٍ مُرْتَفِعٍ) أَوْ بِنَسَبٍ أَدْنَى وَصَوَرُهُ بِأَنْ يَصِفَ الشَّخْصُ فَيَقُولُ الرَّجُلُ الَّذِي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا وَمُصَلَّاهُ كَذَا وَسَكَنُهُ كَذَا هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ وَالْأَقْرَبُ إلَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَنَقَلَهُ الشَّاشِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ نَصًّا وَحَكَى قَبْلَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ وَحَكَى جَمَاعَةٌ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِهِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ التَّحَفُّظِ فِي الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ خَيْرَانَ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَنْ لَا يُعَارِضَهَا مُنَازِعٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ رِيبَةً تُوجِبُ التَّوَقُّفَ كَمَا لَوْ قِيلَ أَصْلُهُ كَانَ وَقْفًا أَوْ رَهْنًا أَوْ غَصْبًا أَوْ قَالَ ذُو الْيَدَانِ هَذِهِ مِلْكٌ لِرَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَوْ إنَّهَا لَيْسَتْ لِي ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ مِلْكِيَّتَهَا فَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ وَادَّعَاهَا مِلْكًا لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْت النَّاسَ) أَيْ أَشْهَدُ أَنِّي (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ كَالسُّبْكِيِّ حَمْلُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلِلْجَمِيعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ إلَخْ) وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أَوْ حِكَايَةِ حَالٍ إلَخْ) بِأَنْ بَتَّ شَهَادَتَهُ ثُمَّ قَالَ مُسْتَنِدِي الِاسْتِفَاضَةُ أَوْ الِاسْتِصْحَابُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي شَهَادَةِ الْجَرْحِ يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ رُؤْيَةِ الْجَرْحِ أَوْ سَمَاعِهِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ فَيَقُولُ رَأَيْته يَزْنِي أَوْ سَمِعْته يَقْذِفُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَقُولُ فِي الِاسْتِفَاضَةِ اسْتَفَاضَ عِنْدِي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَحَاصِلُهُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِهِ
[فَرْعٌ التَّصَرُّفُ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِفَاضَةُ]
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ) يُشْبِهُ أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ لَا يُبَاشِرُ أَمْلَاك النَّاسِ نِيَابَةً عَنْهُمْ كَجُبَاةِ أَمْلَاك الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ وَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَقَبْضِ الْأُجْرَة وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ قِيَامِ الْأَيْتَامِ وَالْوُقُوفِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَطُولُ مُدَّةُ أَيْدِيهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ فِي أَمْلَاك النَّاسِ غَالِبًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَشْهَدُ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ خَبِيرًا بِبَوَاطِنِ أَحْوَالِهِمْ مُمَيِّزًا بَيْنَ مَا هُوَ لَهُمْ وَمَا هُوَ لِغَيْرِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ غ وَقَوْلُهُ يُشْبِهُ أَنَّ مَحِلَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي التَّصَرُّفُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) أَوْ مَرَّاتٍ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ) قَالَ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا هَلْ كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فِيهِ وَجْهَانِ قُلْت الصَّوَابُ الْجَوَازُ غ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وَقَوْلُهُ {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَقَدْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ خُزَيْمَةُ وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى إخْبَارِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) كَالْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ مَلَكَ الْحِصَصَ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَخْ) كَهَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ رُبْعُهَا لِزَيْدٍ وَثُمْنُهَا لِعَمْرٍو وَسُدُسُهَا لِبَكْرٍ (قَوْلُهُ وَصُوَرُهُ) أَيْ النَّسَبِ الْأَدْنَى
الَّذِي اسْمُهُ كَذَا وَكُنْيَتُهُ كَذَا إلَى آخِرِ الصِّفَاتِ (أَوْ) شَهِدَ لَهُ (بِمِلْكِ دَارٍ مَعْرُوفَةٍ أَوْ أَرْضٍ مَعْرُوفَةٍ فَرْعٌ مَا شَهِدَ بِهِ) الشَّاهِدُ (اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ جَازَ الْحَلِفُ عَلَيْهِ) اعْتِمَادًا عَلَيْهَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى خَطِّ الْأَبِ دُونَ الشَّهَادَةِ
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ حَرَامٌ) الْآيَةَ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا (وَيَجِبُ الْأَدَاءُ) لَهَا (عَلَى مُتَعَيَّنٍ) لَهَا وَعَلَى (غَيْرِهِ إنْ دُعِيَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (لِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ) وَهِيَ كَمَا سَيَأْتِي مَسَافَةُ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ (وَلَا عُذْرَ لَهُ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَهُوَ عَدْلٌ) فَإِنْ لَمْ يُدْعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ إلَّا فِي شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَقِيَّةِ الْمَفَاهِيمِ (فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ) مِنْ اثْنَيْنِ (وَامْتَنَعَ الْآخَرُ) بِلَا عُذْرٍ (وَقَالَ) لِلْمُدَّعِي (احْلِفْ مَعَهُ عَصَى) وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إذْ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعُ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ (وَكَذَا شَاهِدَا رَدِّ الْوَدِيعَةِ) إذَا امْتَنَعَا مِنْ الْأَدَاءِ وَقَالَا لِلْمُودَعِ احْلِفْ عَلَى الرَّدِّ يَعْصِيَانِ (وَإِنْ صَدَقَ) الْمُودَعُ (فِي الرَّدِّ بِيَمِينِهِ) وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْوَاقِعَةِ (إلَّا شَاهِدٌ) وَاحِدٌ (لَزِمَهُ الْأَدَاءُ إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى الْحُكْمَ بِهِمَا (وَإِلَّا فَلَا) يَلْزَمُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَيَجِبُ الْأَدَاءُ) عَلَى الشَّاهِدَيْنِ (وَإِنْ تَحَمَّلَاهَا اتِّفَاقًا) بِأَنْ وَقَعَ السَّمَاعُ أَوْ الرُّؤْيَةُ اتِّفَاقًا (لَا قَصْدًا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا كَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثُمَّ بَيَّنَ بَقِيَّةَ مَفَاهِيمِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ فَقَالَ.
(فَإِنْ دُعِيَ لِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ (الْأَدَاءُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وَلِلْمَشَقَّةِ وَلِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ (وَحَدُّ الْقُرْبِ مَا يَعُودُ فِيهِ) بِمَعْنًى مِنْهُ (الْمُبَكِّرُ مِنْ يَوْمِهِ) أَيْ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُبَكِّرُ إلَيْهِ مِنْ عَوْدِهِ إلَى مَحِلِّهِ فِي يَوْمِهِ (لَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ) تَمَامِ (مَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَلَوْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ إلَى فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِلْأَدَاءِ لِمَا مَرَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا إذْ ادَّعَاهُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ فِي عَمَلِهِ فَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ فِي عَمَلِهِ أَوْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ حُضُورُهُ وَقَدْ اسْتَحْضَرَ عُمَرُ رضي الله عنه الشُّهُودَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْمَدِينَةِ وَرُوِيَ مِنْ الشَّامِ أَيْضًا وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ (وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى الْعَدْلِ فَلَوْ أُجْمِعَ عَلَى فِسْقِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ خَفِيَ فِسْقُهُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ بَاطِلٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِسْقِ الظَّاهِرِ بِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبِالظَّاهِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ وَصَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَهْمًا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يُوَافِقُهُ وَقَدْ قَدَّمْته
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُدُودِهِ وَأَدَائِهَا) (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى مُتَعَيِّنٍ لَهَا) بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ غَيْرَهَا أَوْ مَاتَ الْبَاقُونَ أَوْ جُنُّوا أَوْ فَسَقَوْا أَوْ مَرِضُوا أَوْ غَابُوا أَوْ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِأَمْرٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَيْ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَوْ لِلْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ أَوْ لِلتَّحَمُّلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَوْ دُعِيَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِيَثْبُتَ بِهَا اللَّوْثُ (قَوْلُهُ أَيْ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُبَكِّرُ إلَيْهِ مِنْ عَوْدِهِ إلَى مَحِلِّهِ فِي يَوْمِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي أَوَائِلِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ الْإِقَامَةِ فِي الْمُحَاكَمَةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ بُكْرَةً وَاشْتَغَلَ بِالْمُحَاكَمَةِ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ لَيْلًا عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ فَهُوَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لِأَنَّ الْفَوْرَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى زَمَنِ الْمُحَاكَمَةِ عَلَى الْعَادَةِ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ الَّذِي رَاعُوهُ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا مَا بَيْنَهُ) أَيْ مَا يَعُودُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ حُضُورُهُ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا أَمْكَنَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَعَيَّنَ حُضُورُهُ طَرِيقًا فِي خَلَاصِ الْحَقِّ وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَحَمَّلَ فَيُشْبِهُ اللُّزُومَ لِأَنَّهَا أَدَاءُ أَمَانَةٍ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ أُجْمِعَ عَلَى فِسْقِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ) وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ أَدَاءَهُ حَمْلُ الْحَاكِمِ عَلَى الْبَاطِلِ إذْ السَّبَبُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ بَاطِلٌ شَرْعًا وَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ بَاطِنًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ إلَخْ) غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَجَحَدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ وَلَكِنْ بِيَدِهِ وَثِيقَةٌ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ قَدْ قَبَضَهُ وَالشُّهُودُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي الْوَثِيقَةِ وَيَقْبِضُهُ قِصَاصًا عَنْ الْمَجْحُودِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحُكْمِ بِدَيْنٍ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْخَصْمُ وَحَمَلَ الشُّهُودُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ بَاطِنًا وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَصَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَهُمَا) عِبَارَتُهُ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ قَالَ إنْ كَانَ فِسْقُهُ مَقْطُوعًا بِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَلَوْ شَهِدَ عَصَى وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ خَفِيًّا لِأَنَّهُ يَلْبِسُ الْأَمْرُ عَلَى الْقَاضِي وَتَابَعَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ وَاَلَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَلَقَّيْته مِنْ مَدَارِجِ مُصَنَّفَاتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَعْصِي وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ حَقٌّ وَيَجُوزُ لَهُ أَدَاؤُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الَّذِي أَرَاهُ صَحِيحًا لَا رَيْبَ فِيهِ وَمِمَّنْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ اهـ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ) أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يُوَافِقُهُ وَقَالَ إنَّهُ الْمُخْتَارُ