الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشُهُودٍ فَبَانُوا مَرْدُودِينَ)
فِي شَهَادَتِهِمْ لِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ) أَيْ حُكْمَهُ (يُنْقَضُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ (فَتَعُودُ الْمُطَلَّقَةُ) بِشَهَادَتِهِمْ (زَوْجَةً وَالْمُعْتَقَةُ) بِهَا (أَمَةً فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ) بِهَا (قَطْعٌ أَوْ قَتْلٌ) أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي) الضَّمَانُ (وَلَوْ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) لِتَفْرِيطٍ بِتَرْكِ الْبَحْثِ التَّامِّ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهُ الْمُدَّعِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ أَمْ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَقُولُ اسْتَوْفَيْت حَقِّي (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (مَالًا) وَلَوْ (تَالِفًا ضَمِنَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ) وَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِتْلَافِ بِالْقِصَاصِ حَيْثُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ إنَّمَا يُضْمَنُ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَحُكْمُ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَأَمَّا الْمَالُ فَإِذَا حَصَلَ بِيَدِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ مَضْمُونًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ (فَلَوْ كَانَ) الْمَحْكُومُ لَهُ (مُعْسِرًا) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ غَائِبًا (غَرِمَ الْقَاضِي) لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بَدَلَ نَفْسٍ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا (وَرَجَعَ بِهِ) عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ (إذَا أَيْسَرَ) أَوْ حَضَرَ (وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ) لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ زَاعِمُونَ صِدْقَهُمْ بِخِلَافِ الرَّاجِعِينَ وَلَا عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلشُّهُودِ
[كِتَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَات وَفِيهِ أَبْوَابٌ]
[الْبَاب الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى]
(كِتَابُ الدَّعَاوَى)
بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا (وَالْبَيِّنَاتِ) الدَّعْوَى لُغَةً الطَّلَبُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ لِلْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشُّهُودِ سُمُّوا بِهَا لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضُعِّفَ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ وَجَانِبَ الْمُنْكِرِ قَوِيَ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ (وَفِيهِ أَبْوَابٌ) سَبْعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى وَفِيهِ مَسَائِلُ) سَبْعَةٌ (الْأُولَى فِي مُوجِبِ الرَّفْعِ) إلَى الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَ) الْحَقُّ (عُقُوبَةً كَقِصَاصٍ وَ) حَدِّ (قَذْفٍ اُشْتُرِطَ الرَّفْعُ) فِيهَا (إلَى الْقَاضِي) فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَعْمَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَوَاخِرِ قَوَاعِدِهِ لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَقَدَّمْتُ هَذَا أَيْضًا فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.
(وَكَذَا مَنْ لَهُ عَيْنٌ) عِنْدَ غَيْرِهِ (وَخَشِيَ بِأَخْذِهَا) اسْتِقْلَالًا (فِتْنَةً) يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلَاصِ بِهِ بِغَيْرِ إثَارَةِ فِتْنَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَهَا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا (أَوْ) كَانَ لَهُ (دَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ) مِنْ أَدَائِهِ (طَالَبَهُ) بِهِ لِيُؤَدِّيَهُ وَلَيْسَ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَصْلٌ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشُهُودٍ فَبَانُوا مَرْدُودِينَ]
كِتَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قِيلَ إنَّ أَوَّلَ دَعْوَى وَقَعَتْ فِي الْأَرْضِ دَعْوَى قَابِيلِ عَلَى هَابِيلِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِنِكَاحِ تَوْأَمَتِهِ فَتَنَازَعَا إلَى آدَمَ فَأَمَرَهُمَا بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة: 27] فَقَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلًا فِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ اُشْتُرِطَ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي) الْقَاضِي مَثَلٌ فَالْمُحَكِّمُ كَذَلِكَ وَالْمَنْصُوبُ لِلْمَظَالِمِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْوَزِيرُ وَالْمُحْتَسِبُ وَنَحْوُهُمْ إذَا تَضَمَّنَتْ وِلَايَاتُهُمْ ذَلِكَ وَالسَّيِّدُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى رَقِيقِهِ وَفُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ لَكِنْ يَقَعُ فِي الْقِصَاصِ الْمَوْقِعَ فَتُحْمَلُ عِبَارَتُهُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إذَا قُتِلَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ قُذِفَ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَلَا يُحْتَاجُ لِدَعْوَى الْحِسْبَةِ بَلْ فِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ ثَانِيهُمَا قُتِلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ دَعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبٍ (قَوْلُهُ نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ الْقِصَاصِ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ لَهُ عَيْنٌ عِنْدَ غَيْرِهِ إلَخْ) وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ حَبْسُهَا عَنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي ذِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ أَمِينٍ بَاذِلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا عِلْمِهِ وَلَا دُخُولَ مَنْزِلِهِ لِأَجْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بَلْ سَبِيلُهُ الطَّلَبُ وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ مَقْبُوضًا وَالْبَائِعُ بَاذِلٌ لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَالْإِرْغَابِ بِظَنِّ الذِّهَابِ أَلَا تَرَاهُمْ بَوَّبُوا بَابَ أَخْذِ الْحَقِّ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَيْنُ جِلْدِ الْمَيِّتَةِ وَالسِّرْقِينِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ مِمَّا يَثْبُتُ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ إذَا غُصِبَ وَلَا بَيِّنَةً لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا إلَّا لِلْمَالِ. اث وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَنْعُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ فِتْنَةَ) أَوْ ضَرَرًا (قَوْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي) اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَخْذُ عَيْنِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَإِنْ خَافَ فِتْنَةً لَا يَنْتَهِي الْحَالُ فِيهَا إلَى ارْتِكَابِ مَفْسَدَةِ مُقْتَضِيَةٍ لِلتَّحْرِيمِ وَتَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعُ الْأَخْذِ بِمُجَرَّدِ الْخَوْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ جَازَ وَالْفِتْنَةُ امْتَنَعَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَاحْتِمَالَانِ وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ تَغْلِيبًا لِلْمَحْذُورِ وَنَظِيرُهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِحَجِّ الْفَرْضِ، وَتَعَيُّنُ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرَّفْعَ إلَى مَنْ لَهُ إلْزَامُ الْحُقُوقِ وَالْإِجْبَارِ وَعَلَيْهَا مِنْ أَمِيرٍ وَوَزِيرٍ وَمُحْتَسِبٍ وَلَا سِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا عِنْدَهُمْ ر (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَهَا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَيْ عَيْنًا غُصِبَتْ مِنْهُ وَكَذَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ لَهُ الثَّمَنَ
لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي تَعْيِينِ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَى الْمَدِينِ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (أَخَذَ مِنْ مَالِهِ) شَيْئًا (رَدَّهُ) إلَيْهِ إنْ بَقِيَ (فَإِنْ تَلِفَ) عِنْدَهُ (ضَمِنَهُ فَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ الْحَقَّانِ (جَاءَ التَّقَاصُّ وَإِنْ كَانَ) الدَّيْنُ (عَلَى) مُقِرٍّ (مُمَاطِلٍ) بِهِ (أَوْ مُنْكِرٍ) لَهُ (يَحْتَاجُ) فِي أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ (إلَى بَيِّنَةٍ أَوْ تَحْلِيفٍ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ) اسْتِقْلَالًا وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ يَرْجُو إقْرَارَهُ لَوْ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي (جِنْسَ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَغَيْرُهُ بِهِ) وَلَا يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِخَبَرِ هِنْدَ «خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّ فِي الرَّفْعِ إلَيْهِ مَشَقَّةً وَمُؤْنَةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ وَيَتَعَيَّنُ فِي أَخْذِ غَيْرِ الْجِنْسِ تَقْدِيمُ النَّقْدِ عَلَى غَيْرِهِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ أَخْذِ غَيْرِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كَانَ الْمَدِينُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَيِّتًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَأْخُذْ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِهِ بِالْمُضَارَبَةِ إنْ عَلِمَهَا.
(وَيُنَقِّبُ) جَوَازًا (لَهُ) أَيْ لِأَخْذِهِ (الْحِرْزَ إنْ لَمْ يَصِلْ) إلَيْهِ (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالنَّقْبِ الشَّامِلِ لِكَسْرِ الْبَابِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ (بِلَا ضَمَانٍ) عَلَيْهِ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْحِرْزُ لِلدَّيْنِ وَغَيْرَ مَرْهُونٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ وَكَّلَ بِذَلِكَ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ فَعَلَ ضَمِنَ (ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الْجِنْسَ) الْمَأْخُوذَ أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ بَدَلًا عَنْهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْصِدُ أَخْذَ حَقِّهِ بِلَا شَكٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أَخَذَهُ لِيَكُونَ رَهْنًا بِحَقِّهِ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ مُقَارِنًا لِلْأَخْذِ كَفَى وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْغَابِ بِظَنِّ الذِّهَابِ بَلْ سَبِيلُهُ الطَّلَبُ وَمَنْ لَهُ الْعَيْنُ حَقِيقَةً هُوَ مَالِكُهَا فَيَخْرُجُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَصْرِيحًا بَلْ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ أَنَّ الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ لِلْمَالِكِ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ الْتِحَاقُ مَنْ ذَكَرْنَاهُ بِالْمَالِكِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُؤَبَّدَةً وَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي التَّقَدُّمِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسْتَحِقُّ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَسَيَأْتِي مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ تَجْوِيزِ الْأَخْذِ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ ر.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مُمَاطِلٍ) مِثْلُهُ الْمُتَوَارِي وَالْمُتَعَزِّزُ وَالْهَارِبُ (قَوْلُهُ أَوْ مُنْكِرٍ لَهُ) أَيْ وَلَوْ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ وَكَتَبَ أَيْضًا بِمَا يَتَحَقَّقُ امْتِنَاعُهُ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ أَحَدُهُمَا بِجُحُودِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَالثَّانِي بِأَنْ يُطَالِبَهُ فَيَأْبَى وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ لِحَاكِمٍ وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ بِذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَعَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ لِقُوَّةِ سُلْطَانِ الْغَرِيمِ قَالَ فِي الْكَافِي وَكَذَا لَوْ كَانَ بَابُ الْحَاكِمِ فَاسِدًا وَكَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ يَلِي أَمَرَهُ مِنْ مَالِ مَنْ جَحَدَهُ إذَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِثْلُ حَقِّهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عَرَضًا بَاعَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَفِي مَعْنَى الْمُنْكِرِ غَيْرُ مَقْبُولِ الْإِقْرَارِ كَالسَّفِيهِ وَنَحْوِهِ لَكِنْ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى صَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إنْ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَنَبَّهَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَزْمِ بِأَخْذِ الْجِنْسِ مَا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَهُوَ كَغَيْرِ الْجِنْسِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ لِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ بِوَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ بَاعَ عَرَضَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ حَقَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَسَّمُوا الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِذِكْرِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى الْعَيْنِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ بِيَدِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَكَالدَّيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ ع وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ لَا سِيَّمَا الْمُؤَبَّدَةُ كَالْمَالِكِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَغَيْرُهُ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْجِنْسِ عِنْدَ الظَّفْرِ لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهِ قَطْعًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ حِينَئِذٍ أَوْ احْتَاجَ فِي أَخْذِهِ إلَى رُكُوبٍ خَطَرٍ لِشِدَّةِ إحْرَازِهِ أَخَذَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي الرَّفْعِ إلَيْهِ إلَخْ) وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَا لِأَنَّ الشُّهُودَ رُبَّمَا جُرِحُوا (قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِي أَخْذِ غَيْرِ الْجِنْسِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ أَخْذِ غَيْرِ الْأَمَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِهِ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ بِالْقَاضِي أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا حَرَّرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ (قَوْلُهُ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ صُورَتَهُ مَا إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِ جَوَازِ كَسْرِ بَابِ الْغَرِيمِ وَنَقْبِ جِدَارِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ الْمُمْتَنِعِ أَوْ الْمُنْكِرِ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْغَائِبِ الْمَعْذُورِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَفِي مَعْنَى الْمَالِ الْمُخْتَصِّ كَمَا تَفَقَّهَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِلْمَدِينِ) أَيْ الْحَاضِرُ أَوْ الْغَائِبُ بِلَا عُذْرٍ أَمَّا الْغَائِبُ الَمَعْذُورِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ وَلَا فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ وُكِّلَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمَقُولُ خِلَافُهُ. اهـ. فَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ لَهُ تَمَلُّكُهُ أَيْ تَمَوُّلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْأَخْذِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَخَذَهُ لَا بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ تَمْلِيكٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ يَصِيرُ عَلَى مِلْكِهِ وَعِبَارَةُ تَعْلِيقِ إبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيِّ فَإِنْ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ إنْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا أَخَذَهُ مِلْكَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكِ. اهـ. بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
فَإِنْ قَصَدَ أَخْذَهُ عَنْ حَقِّهِ مَلَكَهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فَإِذَا أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ انْتَهَى وَوَافَقَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ فَمَعْنَى يَتَمَلَّكُهُ يَتَمَوَّلُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ (وَلَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (إنْ لَمْ يَطَّلِعْ الْقَاضِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ عَلَى الْحَالِ (بِيعَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ لِأَنَّ الْمَدِينَ بِامْتِنَاعِهِ سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ كَالْأَخْذِ وَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مُؤْنَةٌ وَمَشَقَّةٌ فَوْقَ الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدَ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْبَيْعِ كَمَا يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ الْأَصْلُ جَوَازَ بَيْعِهِ اسْتِقْلَالًا بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَيْضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ أَيْضًا مَعَ وُجُودِهَا وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِهِ بِهَا وَإِنَّمَا يَبِيعُ (بِالنَّقْدِ) أَيْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ (وَيَشْتَرِي) بِهِ (الْجِنْسَ) أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدًا) أَيْ نَقْدُ الْبَلَدِ وَيَنْبَغِيَ أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ مَا أَخَذَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (فَإِنْ قَصَّرَ) فِيهِ (وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ ضَمِنَهُ بِالْأَكْثَرِ) مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ كَالْغَاصِبِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِغَرَضِهِ كَالْمُسْتَامِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ فَكَذَا هُنَا (وَإِنْ أَخَّرَ بَيْعَهُ) الْأَوْلَى وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ (ضَمِنَ نَقْصَ الْقِيمَةِ لَا إنْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَأْخُوذَ فَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ قِيمَتِهِ كَالْغَاصِبِ (وَزِيَادَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ) لِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (أَوْ التَّمَلُّكِ) لِجِنْسِ حَقِّهِ مِلْكٌ (لِلْمَالِكِ) وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ أَوْ التَّمَلُّكُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جِنْسَ حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ (فَإِنْ بَاعَهُ الْآخِذُ وَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَفَّاهُ الْمَدْيُونُ) دَيْنَهُ (رَدَّ) إلَيْهِ (قِيمَتَهُ كَغَاصِبٍ رَدَّ) الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (وَقَدْ تَمَلَّكَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثَمَنَ مَا ظَفِرَ بِهِ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ (مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ) فَإِنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ مَا أَخَذَهُ وَبَاعَهُ لَكِنْ مَنْعُ الْأَخْذِ هُنَا وَتَمَلُّكُهُ الثَّمَنَ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ دَفْعِ الْغَرِيمِ وَمَا دَامَ الْمَغْصُوبُ بَاقِيًا فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ وَالْقِيمَةُ تُؤْخَذُ لِلْحَيْلُولَةِ.
فَإِذَا رَدَّ الْعَيْنَ رَدَّ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِنَفْسِهِ وَهُنَا الْمُسْتَحَقُّ الدَّيْنُ فَإِذَا بَاعَ وَأَخَذَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرُدَّ شَيْئًا وَلَا يُعْطِيَ شَيْئًا وَقَدْ بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْأُمِّ (فَإِنْ أَخَذَ) مِنْ مَالٍ غَرِيمِهِ (فَوْقَ حَقِّهِ وَقَدْرِهِ) أَيْ وَأَخَذَ قَدْرَهُ فَقَطْ (مُمْكِنٌ ضَمِنَ الزَّائِدَ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَقَطْ (فَلَا) يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ مَعَ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ قَدْرِ حَقِّهِ (وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَأْخُوذِ تَعَدٍّ) فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ قَدْرِ حَقِّهِ) فَقَطْ (بَاعَ الْجَمِيعَ) وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرَ حَقِّهِ (وَرَدَّ مَا زَادَ) عَلَيْهِ إلَى غَرِيمِهِ (بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا) وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَرَدَّ مَا زَادَ كَذَلِكَ (وَيَتَمَلَّكُ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً عَنْ صِحَاحٍ) لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ مَعَ إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ (لَا عَكْسَهُ) وَقِيمَةُ الصِّحَاحِ أَكْثَرُ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ (فَلْيَبِعْهَا بِدَنَانِيرَ وَيَشْتَرِي بِهَا) دَرَاهِمَ (مُكَسَّرَةً وَيَتَمَلَّكُهَا) فَلَا يَبِيعُهَا بِدَرَاهِمَ مُكَسَّرَةٍ لَا مُتَفَاضِلًا لِلرِّبَا وَلَا مُتَسَاوِيًا أَيْ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ لِلْإِجْحَافِ بِالْغَرِيمِ (وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ) كَأَنْ يَكُونُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فَإِذَا أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ انْتَهَى) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَصِيرُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمْ مَلَكَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالشَّارِعِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَبَضَهُ إيَّاهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْمَدِينُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْجِنْسِ بِالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ لَا بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَوَافَقَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ) لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْجِنْسِ عَنْ الْحَقِّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَمِلْكٌ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ فَيَمْلِكُهُ إنْ كَانَ بِصِفَتِهِ وَإِلَّا فَكَغَيْرِ الْجِنْسِ وَسَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نَائِبِهِ) قَالَ فِي التَّوْشِيحِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَكَّلَ لَهُ إلَّا مَنْ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَكَتَبَ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت فَمَا فَائِدَةُ عَدَمِ وُجُوبِ الْمُرَافَعَةِ إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِالْبَيْعِ قُلْت فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا ظَفَرَ بِالْجِنْسِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ مَا أَخَذَهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ) لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَخَّرَهُ لَذَهَبَتْ مَالِيَّتُهُ أَوْ مُعْظَمُهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بَدَّلَا عَنْ حَقِّهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ هُنَا نَظَرَا لَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْ تَمَلُّكِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ الْأَقْرَبُ الْجَوَازُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قَصَّرَ فِيهِ وَتَلَفَ الْمَأْخُوذُ ضَمِنَهُ بِالْأَكْثَرِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ فَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بِهَذَا الْقَصْدِ فَكَلَامُهُمْ هُنَا فِي غَيْرِ الْجِنْسِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ لِيُبَاعَ وَيَسْتَوْفِي مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِقَصْدِ الْبَدَلِيَّةِ فَالْوَجْهُ الْجُرْمُ بِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ كَمَا لَوْ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَأَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي الْمَأْخُوذَ إلَّا مُؤَجَّلًا هَلْ لَهُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ وَيَتَمَلَّكُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَقَدْرِهِ وَيَرْضَى بِالْأَجَلِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ هُنَا بِمِثْلِهِ وَيَكُونُ كَلَامُهُمْ مَفْرُوضًا فِي قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ غ وَقَوْلُهُ هَلْ لَهُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَأْخُوذَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الْمَأْخُوذُ بَاقِيًا وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقِيمَةِ إذْ الْبَيْعُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا لَا بِالْقِيمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ تَالِفًا فَقَدْ قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِتَرْكِ الْبَيْعِ حَتَّى تَلْفِتْ الْعَيْنُ كَانَتْ قِيمَتُهَا قِصَاصًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَاضِحٌ وَظَنِّي أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا وَفَّاهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي النِّهَايَةِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَا فِي مَسْأَلَةِ الظَّفْرِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ) وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ إنَّهُ إذَا
لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرو دَيْنٌ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهُ فَلِزَيْدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ بَكْرٍ مَا لَهُ عَلَى عَمْرٍو.
(وَإِنْ رَدَّ) الْغَرِيمُ (إقْرَارَهُ) أَيْ إقْرَارَ غَرِيمِ الْغَرِيمِ (لَهُ) أَوْ جَحَدَ غَرِيمُ الْغَرِيمِ اسْتِحْقَاقَ رَدِّ الدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَظْفَرَ بِمَالِ الْغَرِيمِ وَأَنْ يَكُونَ غَرِيمُ الْغَرِيمِ جَاحِدًا أَوْ مُمْتَنِعًا أَيْضًا وَعَلَى الِامْتِنَاعِ يُحْمَلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَلْزَمُ الْآخِذَ أَنْ يُعْلِمَ الْغَرِيمَ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ حَتَّى إذَا طَالَبَهُ الْغَرِيمُ بَعْدُ كَانَ هُوَ الظَّالِمَ (وَلَهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ) لَهُ عَلَى آخَرَ جَاحِدٍ لَهُ (بِشُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ) لَهُ عَلَيْهِ (قَدْ قُضِيَ) أَيْ أُدِّيَ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَدَاءَهُ (وَلَهُ جَحْدُ مَنْ جَحَدَهُ) أَيْ وَلِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ جَحَدَ حَقَّ الْآخَرِ إنْ جَحَدَ الْآخَرُ حَقَّهُ لِيَحْصُلَ التَّقَاصُّ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ النَّقْدَيْنِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دُونَ مَا لِلْآخَرِ عَلَيْهِ جَحَدَ مِنْ حَقِّهِ بِقَدْرِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَدِّ الْمُدَّعِي) وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ) وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَى الْمُنْكِرِ لِيَنْجَبِرَ ضَعْفُ جَانِبِ الْمُدَّعِي بِقُوَّةِ حُجَّتِهِ وَضَعْفُ حُجَّةِ الْمُنْكِرِ بِقُوَّةِ جَانِبِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُحْوِجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُطَالِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُجَّتِهِ إذَا تَخَاصَمَا وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَوْ سَكَتَ خُلِّيَ وَلَمْ يُطَالِبْ بِشَيْءٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ لَا يُخَلَّى وَلَا يَكْفِيهِ السُّكُوتُ فَإِذَا طَالَبَ زَيْدٌ عَمْرًا بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ فَزَيْدٌ خَالَفَ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مِنْ بَرَاءَةِ عَمْرٍو وَلَوْ سَكَتَ تُرِكَ وَعَمْرٌو يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ وَلَوْ سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَزَيْدٌ مُدَّعٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَخْتَلِفُ مُوجِبُهُمَا غَالِبًا وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ وَقَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ (قَبْلَ الدُّخُولِ أَسْلَمْنَا مَعًا) فَالنِّكَاحُ بَاقٍ (وَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْنَا (مُرَتَّبًا) فَالنِّكَاحُ مُرْتَفِعٌ (فَالزَّوْجُ) عَلَى الْأَصَحِّ (مُدَّعٍ) لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسِلَامَيْنِ مَعًا بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مُدَّعِيَةٌ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ تُرِكَتْ وَهُوَ مُدَعًّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَوْ سَكَتَ لِزَعْمِهِمَا انْفِسَاخَ النِّكَاحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ وَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَيَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ فَمَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ثُمَّ (وَإِنْ قَالَ) لَهَا (أَسْلَمْتِ قَبْلِي فَلَا نِكَاحَ) بَيْنَنَا (وَلَا مَهْرَ) لَك (وَقَالَتْ) بَلْ أَسْلَمْنَا (مَعًا صُدِّقَ) فِي الْفُرْقَةِ بِلَا يَمِينٍ وَفِي الْمَهْرِ (بِيَمِينِهِ) عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَصُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مَلَكَهُ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ أَوْ دُونَهَا أَمَّا لَوْ كَانَ فَوْقَ حَقِّهِ فِي النَّوْعِ أَوْ الصِّفَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَطْعًا لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ قَهْرِيٌّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْوَدِ فِيهِ وَالضَّابِطُ فِيمَا يَظْهَرُ إنْ كَانَ مَا يُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى دَفْعِ مِثْلِهِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ نَوْعًا أَوْ صِفَةً فَلَا كَمَا لَوْ كَانَ حَقُّهُ مِنْ نَوْعٍ رَدِيءٍ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ نَوْعٍ جَيِّدٍ أَوْ كَانَ حَقُّهُ مَعِيبًا وَالْمَأْخُوذُ سَلِيمًا وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ دُونَ حَقِّهِ فِي النَّوْعِ وَالصِّفَةِ بِأَنْ كَانَ بِالْعَكْسِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ إذَا رَضِيَ بِهِ وَسَامَحَ بِالْجَوْدَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ حَقُّهُ وَجَبَ عَنْ سَلَمٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَنْهُ غَيْرَ نَوْعِهِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ النَّوْعِ هُنَا كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ إقْرَارَهُ لَهُ أَوْ جَحَدَ إلَخْ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عِلْمُ الْغَرِيمَيْنِ بِالْأَخْذِ وَتَنْزِيلِ مَالِ الثَّانِي مَنْزِلَةَ مَالِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَظْفَرَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآخِذُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ بِشُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ قَدْ قُضِيَ) يُظْهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا حَيْثُ نُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الْمُسْقِطَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ إنَّمَا يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَإِذَا قَصَدَ بِيَمِينِهِ غَيْرَهُ لَمْ يُطَابِقْ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحُكْمِ وَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ فَهَلْ لَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى صَدَاقِهَا وَتَحْلِفُ عَلَيْهِ وَتَأْخُذُ الدَّيْنَ وَتَوَفِّيهِ عَنْهُ فَأَجَابَ إنْ كَانَتْ ضَمِنَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا أَوْ بِإِذْنِهِ فَطَرِيقُهَا أَنْ تُؤَدِّيَ عَنْهُ الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ تَحْلِفُ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِفَهُ بِكَوْنِهِ صَدَاقًا فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا التَّعَرُّضَ لِذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مُشْكِلٌ غ
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ: الظَّاهِرَ) الظَّاهِرُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَطْلُوبُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ الْأَرْجَحُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ مِنْ وُجُودٍ وَعَدَمٍ وَكُلٌّ مِنْهَا مُتَعَذِّرٌ هُنَا لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مُدَّعِيًا أَبَدًا لِأَنَّ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ هَذَا وَآخَرُ عَلَى بَرَاءَةِ هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْقَرَائِنِ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَادِثَةِ فَتَارَةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الطَّالِبِ وَأُخْرَى صِدْقُ الْمَطْلُوبِ وَإِنْ أُرِيدَ الثَّالِثُ فَلَمْ تُجْعَلْ الْمَرْأَةُ مُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ وَهِيَ لَا تَسْتَصْحِبُ شَيْئًا بَلْ تَتْرُكُ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ الَّذِي كَانَ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَلْتَزِمُ الثَّالِثُ وَيُمْنَعُ كَوْنُ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ مُسْتَصْحِبَةً بَلْ تَسْتَصْحِبُ بَقَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ عِنْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ ر وَقَالَ الزَّنْجَانِيُّ نَعْنِي بِهِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِصْحَابَ فَإِنْ قَالَ الْمَرْأَةُ لَا تَسْتَصْحِبُ شَيْئًا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ تَسْتَصْحِبُ بَقَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ عِنْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ أَوْ نَقُولُ نَعْنِي بِهِ مَا يَخْرُجُ عَلَى وَفْقِ الْغَالِبِ الْمُسْتَمِرِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَاقُبَ كَذَلِكَ لَا التَّسَاوُقَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ إلَخْ) شَمِلَ مَا إذَا جَاءَا نَا مَعًا وَمَا إذَا جَاءَتْنَا أَوَّلًا وَعَكْسَهُ (قَوْلُهُ فَالزَّوْجُ عَلَى الْأَصَحِّ مُدَّعٍ) يُمْكِنُ أَنْ يَعْكِسَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَيُقَالُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِزَعْمِهَا ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ وَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ غ (قَوْلُهُ فَمَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ) لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَهُوَ كَالْأَمِينِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فَمَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ هُنَا خِلَافَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَجِيئُهُمَا مُسْلِمَيْنِ فَلَوْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى إسْلَامَهُمَا مَعًا صُدِّقَتْ قَطْعًا.