الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ قَضَائِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَلْنُقَدِّمْ) عَلَيْهِ (قَوَاعِدَ) فَنَقُولُ (الْمُعْتَمَدُ) فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي (الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ) وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُقَالُ الْإِجْمَاعُ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسُ يُرَدُّ إلَى أَحَدِهِمَا (وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إنْ لَمْ يَنْتَشِرْ) فِي الصَّحَابَةِ (حُجَّةً) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَأِ فَأَشْبَهَ التَّابِعِيَّ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ يُسَاوِيهِ فِي أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (لَكِنْ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ) عَلَى الْآخَرِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ) فِي شَيْءٍ (كَاخْتِلَافِ) سَائِرِ (الْمُجْتَهِدِينَ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتُّ سَجَدَاتٍ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا انْتَهَى.
وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ حُجَّةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ (فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ فِي الصَّحَابَةِ وَوَافَقُوهُ فَإِجْمَاعٌ حَتَّى فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ) كَغَيْرِهِ (مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ) وَإِنْ خَالَفُوهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ (فَإِنْ سَكَتُوا) بِأَنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ سُكُوتٌ وَلَا قَوْلٌ (فَحُجَّةٌ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَوْلُ مُجَرَّدَ فَتْوَى أَمْ حُكْمًا مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ خَالَفُوهُ لَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ هَذَا (إنْ انْقَرَضُوا) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِأَمْرٍ يَبْدُو لَهُمْ (وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ) ، وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ بَعْدَ تَأْثِيرِهِ (وَغَيْرُهُ)، وَهُوَ مَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (فَالْجَلِيُّ كَإِلْحَاقِ الضَّرْبِ بِالتَّأْفِيفِ) فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَمَا فَوْقَ الذَّرَّةِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَمِنْهُ مَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ كَخَبَرِ «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ عَلَيْكُمْ» (وَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ) فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا (وَغَيْرُهُ الْجَلِيُّ مَا يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ) لِلْأَصْلِ فَمِنْهُ مَا الْعِلَّةُ فِيهِ مُسْتَنْبَطَةٌ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ وَمِنْهُ قِيَاسُ الشَّبَهِ، وَهُوَ أَنْ تُشْبِهَ الْحَادِثَةُ أَصْلَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوْصَافِ بِأَنْ تُشَارِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَالْأَوْصَافِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ كَالْعَبْدِ يُشَارِكُ الْحُرَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْمَالِ فِي بَعْضِهَا فَيَلْحَقُ بِمَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ أَكْثَرُ (وَالْحَقُّ) الَّذِي أَمَرَ الْمُجْتَهِدُ بِإِصَابَتِهِ (مَعَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْفُرُوعِ) .
قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ فِي الْأُصُولِ (وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ لِقَصْدِهِ) الصَّوَابَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (فَقَطْ) أَيْ لَا لِاجْتِهَادِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَأِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ (فَإِنْ بَانَ لِلْقَاضِي الْخَطَأُ فِي حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ نَظَرْت فَإِنْ خَالَفَ) فِيهِ (قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَإِجْمَاعٍ أَوْ ظَنِّيًّا مُحْكَمًا) أَيْ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ نُقِضَ) وُجُوبًا (حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْبَقِيَّةِ (وَعَلَيْهِ إعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِانْتِقَاضِهِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحَاصِلُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَحْجُورِهِ بِالْحُكْمِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَالِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَإِنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وَصِيَّتِهِ تَبْقَى وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ وَضَعُفَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَاكِمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَوْ شَهِدَ بِالْمَالِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَقَبِلْنَا شَهَادَتَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَشْهَدُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ بِالْمَالِ لِمَنْ هُوَ مُوصًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي جِهَتِهِ مَالٌ لِوَقْفٍ هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ غَيْرِ الْحُكْمِ ع وَالظَّاهِرُ تَفَقُّهًا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِجِهَةِ وَقْفٍ كَانَ نَاظِرُهَا الْخَاصُّ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَمِثْلُهُ مَدْرَسَةٌ وَهُوَ مُدَرِّسُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ وَالْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالنَّظَرِ فَكَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَصَرَّحَ شُرَيْحٌ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِي الْغَنِيمَةِ بِالْغُلُولِ إلَّا إذَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ ع وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ الْقَاضِي أَحَدَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ مَعَ غَاصِبٍ أَجْنَبِيٍّ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَصِيرُ بَعْضِ الْوَقْفِ إلَيْهِ إذْ قَدْ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ قَضَاء الْقَاضِي]
(قَوْلُهُ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ
(قَوْلُهُ فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُنْتَشِرَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَوْ كَانَ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ غ (قَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ) الدَّافَّةُ الْجَيْشُ يَدُفُّونَ نَحْوَ الْعَدُوِّ وَالدَّفِيفُ الدَّبِيبُ صِحَاحٌ وَقَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا) كَأَنْ اسْتَنَدَ إلَى نَصٍّ فَبَانَ مَنْسُوخًا أَوْ إلَى عُمُومٍ فَبَانَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ خُصَّتْ بِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَإِجْمَاعُ) قَالَ الكوهكيلوني وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ لِلضَّرُورَةِ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ (قَوْلُهُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ) أَوْ دَلَالَةُ الْعَامِّ (قَوْلُهُ نُقِضَ) كَأَنْ يَقُولَ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته أَوْ فَسَخْته أَوْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَوْ رَجَعْت عَنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا مِمَّا بِهِ يَحْصُلُ النَّقْضُ بِ " نَقَضْتُهُ " أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته وَفِي هَذَا بَاطِلٌ وَنَحْوُهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نَقْضٌ وَقَدْ قَضَى شُرَيْحٌ فِي زَوْجٍ وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ تَشْبِيهًا لَهُ بِالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ وَجَدْت هَذَا فَنَقْضُهُ عَلَيَّ وَدَفَعَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ) كَأَنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ أَوْ بِنَصٍّ فَبَانَ نُسْخَةً أَوْ بِعُمُومِ نَصٍّ ثُمَّ بَانَ خُرُوجُ تِلْكَ الصُّورَةِ بِدَلِيلٍ مُخَصِّصٍ وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِاجْتِهَادِهِ مَا إذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَحَكَمَ بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ
بِصُورَةِ الْحَالِ لِيَتَرَافَعَا إلَيْهِ فَيَنْقُضُهُ سَوَاءٌ أَعَلِمَا أَنَّهُ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْحُكْمَ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُهُ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَتَأْوِيلُهَا مُتَعَيِّنٌ انْتَهَى.
وَمِنْ ثَمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ إلَى مَا قَالَهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ تَتَبُّعُ قَضَاءِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ وَفِي تَعْبِيرِهِمْ بِنَقَضَ وَانْتُقِضَ مُسَامَحَةً إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَإِنْ بَانَ لَهُ) الْخَطَأُ (بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَجَّحَهُ) أَيْ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ (اعْتَمَدَهُ مُسْتَقْبَلًا) أَيْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ (وَلَا يَنْقُضُ بِهِ حُكْمًا) ؛ لِأَنَّ الظُّنُونَ الْمُتَقَارِبَةَ لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا فَلَوْ نَقَضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلِشِقِّ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ شَرَكَ الشَّقِيقَ فِي الْمُشْرِكَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِحِرْمَانِهِ وَلَمْ يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وَقَالَ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي.
(وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَ) مُدَّةِ (الْعِدَّةِ أَوْ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَ) بِنَفْيِ بَيْعِ (الْعَرَايَا وَمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثْقَلِ) أَيْ فِي الْقَتْلِ بِهِ (وَ) صِحَّةِ (بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَ) نِكَاحِ (الْمُتْعَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (نُقِضَ) قَضَاؤُهُ (كَالْقَضَاءِ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ) وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي عِصْمَةِ النُّفُوسِ فِي الرَّابِعَةِ وَفِي جَعْلِ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا مُطْلَقًا أَوْ حَيًّا كَذَلِكَ فِي الْأُولَى وَالْحَاكِمُ الْمُخَالِفُ جَعَلَهُ فِيهَا مَيِّتًا فِي النِّكَاحِ دُونَ الْمَالِ وَلِظُهُورِ الْأَخْبَارِ فِي خِلَافِ حُكْمِهِ فِي الْبَقِيَّةِ وَبُعْدِهَا عَنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي عِنْدَهُ وَقِيلَ لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ نَفْسِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ {وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَاسِدُ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ هَجَسَ فِي النَّفْسِ أَوْ لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ الشَّيْءُ بِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ} فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ، وَهُوَ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ فَاسِدٌ (لَا) إنْ قَضَى بِصِحَّةِ (النِّكَاحِ بِالْأُولَى) أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ هُنَا وَفِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ زِيَادَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ (وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَبِلَهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ) لِلْقَضَاءِ (نُقِضَ أَحْكَامُهُ) كُلُّهَا (وَإِنْ أَصَابَ) فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (قُلْت لَعَلَّهُ) فِيمَا إذَا (لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ
(فَرْعٌ) لَوْ (كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ لَا يُنْقَضُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ) بَلْ رَأَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ (أَعْرَضَ عَنْهُ) وَلَا يُنْفِذُهُ كَمَا لَا يَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ ثُمَّ حَكَى عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ عَكْسِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ وَتَرَافُعَ خُصَمَاءِ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَمْضِي حُكْمُهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ أَمَّا لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ يُنْقَضُ فَيَعْرِضُ عَنْهُ جَزْمًا وَيَنْقُضُهُ بِطَرِيقِهِ (وَلَوْ اُسْتُقْضِيَ مُقَلَّدٌ) لِلضَّرُورَةِ (فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ
(فَصْلٌ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي) الصَّادِرُ مِنْهُ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ (ظَاهِرًا) لَا بَاطِنًا (فَلَا) يَحِلُّ (حَرَامًا وَلَا عَكْسُهُ) فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرَيْ الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يَأْتِي هُنَا خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْإِبْضَاعِ (قَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ فَقَوْلُهُمْ نَقَضَهُ أَيْ أَظْهَرَ نَقْضَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِنَفْيِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَبِنَفْيِ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَبِنَفْيِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَبِنَفْيِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهَا كَمَا لَا يُنْقَضُ نِكَاحٌ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ وَقَدْ قَطَعَ فِي الْحَاوِي بِنَقْضِ الْحُكْمِ فِيهَا، وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُوَافِقُ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ بِلَا وَلِيٍّ لَكِنَّهُ يُنْسَبُ النَّقْضُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَحَذَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِ الرُّويَانِيِّ وَكَتَبَ شَيْخُنَا صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ الْعَدَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ بِنَقْضِ الْحُكْمِ فِيهَا وَيُقَاسُ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ بِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ) كَالتَّحْلِيفِ بِالْمُصْحَفِ (قَوْلُهُ قُلْت لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ) قَدْ جَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ عَكْسِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ إلَخْ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْفُونِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْحِجَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (تَنْبِيهٌ) صِيغَةُ تَنْفِيذِهِ حُكْمَ غَيْرِهِ نَفَّذْت حُكْمَ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ أَمْضَيْته وَفِي هَذَا الْحُكْمِ صَحِيحٌ أَوْ جَائِزٌ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَنْفُذُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُفْتِيَ مُقَلِّدٌ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ فَعَلَ نُقِضَ لِفَقْدِ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ اتِّسَاعُ حُكْمِهِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَلَوْ مُقَلِّدًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى إلَخْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ بِالتَّقْلِيدِ