الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْخَصِيِّ (وَلَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (تَعْيِينُ وَقْتٍ لِلْحُكْمِ) فِيهِ بِحَسَبِ حَاجَةِ النَّاسِ وَدَعَاوِيهِمْ (وَأَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ (يَسْمَعَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ (وَيُعْذَرُ) فِي عَدَمِ سَمَاعِهَا (لِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَصَلَاةٍ وَحَمَّامٍ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً) لِلتَّأْدِيبِ (وَسِجْنًا) لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا كَمَا اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَدْ «حَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ (فَرْعٌ) لَوْ (خَشِيَ) الْقَاضِي (هَرَبَ خَصْمٍ مِنْ حَبْسِهِ فَنَقَلَهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ جَازَ وَلَا يُمْنَعُ) الْمَحْبُوسُ (مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِنِسَائِهِ) فِي الْحَبْسِ (إنْ أَمْكَنَ) فِيهِ (فَإِنْ امْتَنَعْنَ) مِنْ ذَلِكَ (أُجْبِرَتْ أَمَتُهُ) عَلَيْهِ (لَا زَوْجَتُهُ) الْحُرَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَا الْأَمَةِ (إلَّا إنْ رَضِيَ سَيِّدُهَا) بِذَلِكَ فَتُجْبَرُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الْمَحْبُوسِ مِمَّا ذُكِرَ خَالَفَهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ (وَيُجَابُ الْخَصْمُ إلَى مُلَازَمَةِ خَصْمِهِ) بَدَلًا عَنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ (فَإِنْ اخْتَارَ الْغَرِيمُ الْحَبْسَ عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَشَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا الْعِبَادَةُ أُجِيبَ) فَيُحْبَسُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَهَلْ يُحْبَسُ مَرِيضٌ وَمُخَدَّرَةٌ وَابْنُ سَبِيلٍ) مَنْعًا لَهُمْ مِنْ الظُّلْمِ (أَوْ) لَا يُحْبَسُونَ بَلْ (يُوَكَّلُ بِهِمْ) لِيَتَرَدَّدُوا وَيَتَجَمَّلُوا (وَجْهَانِ) أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ (وَيُحْبَسُ الْوَكِيلُ وَأَبُو الطِّفْلِ وَقَيِّمُهُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ لَا غَيْرِهَا وَلَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ وَ) لَا (مَجْنُونٌ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (وَلَا مُكَاتَبٌ بِالنُّجُومِ) أَيْ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ (وَلَا عَبْدٌ جَانٍ) جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا (وَلَا سَيِّدُهُ) لِيُؤَدِّيَ أَوْ يَبِيعَ (بَلْ يُبَاعُ) عَلَيْهِ (إنْ) وُجِدَ رَاغِبٌ (وَ) امْتَنَعَ (مِنْ بَيْعٍ وَفِدَاءٍ) لَهُ (وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى الْمَحْبُوسِ) كَمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْجَلَّادِ عَلَى الْمَجْلُودِ (وَ) أُجْرَةُ (الْوَكِيلِ) أَيْ الْمُوَكَّلِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِهِ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ (عَلَى مَنْ وُكِّلَ بِهِ) بِضَمِّ الْوَاوِ (إنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ)
(الطَّرَفُ) الثَّانِي فِي (مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ وَإِقْرَارُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعِي (فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَكَذَا عِلْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي بِصِدْقِ الْمُدَّعِي (وَلَوْ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا أَمْ فِي غَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ ظَنًّا فَبِالْعِلْمِ أَوْلَى لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَلَوْ رَامَ الْبَيِّنَةَ نَفْيًا لِلرِّيبَةِ كَانَ أَحْسَنَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ الْحُجَجِ مَا لَا يَلْزَمُ مَعَهُ الْحُكْمُ إلَّا هَذَا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ عِلْمُهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وَحَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفُذْ الْحُكْمُ (لَا) فِي
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَمَا اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رضي الله عنه) قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَهِيَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَبْسُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا حَبْسُ الْجَانِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ وَمِنْهَا الْمُمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ الْحَالِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَمِنْهَا حَبْسُ التَّعْزِيرِ دَرْءًا عَنْ الْمَعَاصِي وَمِنْهَا حَبْسُ كُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ تَصَرُّفٍ وَاجِبٍ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا أَوْ أَقَرَّ بِإِحْدَى عَيْنَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهَا وَمِنْهَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ إنْ رَأَى ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ أَمِينًا أَوْ خَائِنًا فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْقَيِّمُ وَالْوَلِيُّ وَالْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَسَيِّدُهُ وَالْمُكَاتَبُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ بِالْحَبْسِ وَالْأَصْلُ فِي حُقُوقِ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ نَقَلَهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ) أَوْ قَيَّدَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيهِ أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ الْمَصْلَحَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعْنَ أُجْبِرَتْ أَمَتُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْقَاضِي: وَإِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ فَرَضِيَتْ لَمْ تُمْنَعْ فَإِنْ امْتَنَعَتْ وَكَانَتْ حُرَّةً لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَلَا تُحْبَسُ ظُلْمًا إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لُزُومُ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَرَضِيَ السَّيِّدُ أُجْبِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ سَيِّدُهَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ امْرَأَتَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهَا أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ مَسْكَنًا وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّبِيلِيُّ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِصَدَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِدُيُونِ النَّاسِ فَدَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْحَبْسِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ خَالِيًا يَصْلُحُ أَنْ يَخْلُوَ لِرَجُلٍ بِامْرَأَتِهِ لِحَاجَتِهِ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا كُونِي مَعِي فِي الْحَبْسِ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَهُ فِي الْأَوْقَاتِ إذَا اسْتَدْعَاهَا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهَا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ) لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فِيمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ وَمَا هُنَا إذَا لَمْ يَرَهَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ) أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الْوَكِيلُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِحَبْسِ الْأُمَنَاءِ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ مَا إذَا كَانُوا قَدْ فَرَّطُوا فِيهِ أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ بِحَيْثُ لَزِمَهُمْ ضَمَانُهُ ع
[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي مُسْتَنَدِ قَضَاءِ الْقَاضِي]
(قَوْلُهُ وَكَذَا عِلْمُهُ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُسْتَنَدُ عِلْمِهِ التَّوَاتُرَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالتَّوَاتُرِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَنَازَعَتْهُ فِي التَّوَاتُرِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحُكْمِ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَوْ يَنْقُصُ عَنْهُ اهـ قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ كُلَّ مَا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِهِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ بَلْ بَابُ الْقَضَاءِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ عَدْلَيْنِ فَمَتَى تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ لِلشَّاهِدِ بِهَا جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا فَلَوْ عَلِمَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ قَضَى بِعِلْمِهِ بِالْإِسْلَامِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ (قَوْلُهُ وَحَدُّ قَذْفٍ) وَإِعْسَارٍ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفُذْ الْحُكْمُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَهُ وَجْهٌ فِي النَّظَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَيْهِ وَشَرَطَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَوْنَ الْحَاكِمِ بِهِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَالَ
(حَدٍّ) وَتَعْزِيرٍ (لِلَّهِ) تَعَالَى لِنَدْبِ السَّتْرِ فِي أَسْبَابِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ النَّادِرَةِ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا.
(وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي (بِخِلَافِ عِلْمِهِ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) كَأَنْ عَلِمَ إبْرَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَلَا يُقْضَى بِهَا فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقْضَى فِي هَذِهِ بِعِلْمِهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّاشِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي) فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (حَكَمْت بِكَذَا) أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَوْ نَحْوُهُ (قُبِلَ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً) كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ وَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً (وَإِذَا ذَكَرَ) وَفِي نُسْخَةٍ تَذَكَّرَ (حُكْمًا) لَهُ (بِحُجَّةٍ) لِأَحَدٍ وَطُلِبَ مِنْهُ إمْضَاؤُهُ (وَجَبَ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ) كَمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ الْحُكْمُ بِهِ ابْتِدَاءً (وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ (حُكْمًا بِعِلْمٍ) أَيْ يَقِينٍ (وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَرَى الْقَاضِي رَجُلًا يُقْرِضُ رَجُلًا مَالًا أَوْ يُقِرُّ لَهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمِهِ) أَوْ فِيهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَيَحْكُمُ فِيهِ بِظَنِّهِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِمْ لِلْقَضَاءِ بِهِ بِمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِذَلِكَ إذْ رُؤْيَةُ الْإِقْرَاضِ وَسَمَاعُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَقْضِي بِالْعِلْمِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُهُ لَا مَا يَظُنُّهُ اخْتِيَارًا لَهُ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ مَا يَسْتَيْقِنُهُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّنِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بَعْدَ الدَّعْوَى فَالْحُكْمُ بِهِ لَا بِالْعِلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا نَعَمْ إنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ سِرًّا فَهُوَ حُكْمٌ بِالْعِلْمِ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ.
وَالْأَصْلُ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي قَدْ عَلِمْت وَحَكَمْت بِعِلْمِي اهـ وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ع (قَوْلُهُ لَا فِي حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ فِيهِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ كَالرِّدَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ قَالَ وَكَذَا إذَا اعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَلَوْ اعْتَرَفَ سِرًّا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَنْ يَكُونَ بِحُضُورِ النَّاسِ قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ فَقَدْ أَفْتَيْت فِيهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ بِالْإِسْلَامِ وَيُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ فَقَالَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ تَرَتُّبَ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ عَلَيْهِ إنَّمَا وَقَعَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ نُفُوذَ حُكْمِهِ بِحَالٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ لَكَانَ قَاطِعًا بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي زِنَا الْمَقْذُوفِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَمْ يُقِمْ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى زِنَاهُ وَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحُدَّهُ فَاَلَّذِي أَجَبْت بِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُجِيبُهُ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالشُّهَدَاءِ كَاذِبٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَإِذَا كَانَ كَاذِبًا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ فَيَقْضِي فِيهَا عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ فِيهِ نَظَرٌ فَسُنَّ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدْ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عِلْمِهِ حُكْمُهُ بِخِلَافِ عَقِيدَتِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ فِيهِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُبْرَمُ مِنْ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُهُ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا ذَكَرَ حُكْمًا لَهُ بِحُجَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ) مَا الْمُرَادُ بِالتَّذَكُّرِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى إمْضَاءِ الْحَاكِمِ وَالْحُكْمُ وَأَدَاءُ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ هَلْ هُوَ التَّذَكُّرُ لِلْحُكْمِ وَالتَّحَمُّلُ مُفَصَّلًا أَوْ يَكْفِي التَّذَكُّرُ الْإِجْمَالِيُّ وَهُوَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَصْلَ الْوَاقِعَةِ دُونَ تَفَاصِيلِهَا إنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا عِبْرَةَ بِالتَّذَكُّرِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ مَحْفُوظًا عَنْهُ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ وَذَكَرَ أَصْلَ الْقَضِيَّةِ دُونَ تَفَاصِيلِهَا فَهُوَ قَرِيبٌ يَحْتَمِلُ حَدًّا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الرِّيَبِ وَالشُّكُوكِ غ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقَ التَّذَكُّرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَذَكُّرِ الْقَضِيَّةِ بِتَفَاصِيلِهَا وَلَا يَكْفِي تَذَكُّرُ الْحَادِثَةِ عَلَى الْإِجْمَالِ وَبِهِ صَرَّحَ الْجَاجَرْمِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ عَرَفَ صِحَّةَ خَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ حُكْمِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِخَطِّهِ، وَإِنْ صَحَّ فِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِخَطِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَرَى الْقَاضِي رَجُلًا يُقْرِضُ رَجُلًا إلَخْ) أَوْ يُقِرُّ عِنْدَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا أَوْ يَدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ قَتَلَهُ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ أَمَتِي وَتُصَدِّقُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا رَأَى الْحَاكِمُ رَجُلًا يَتَصَرَّفُ فِي دَارِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِالْمِلْكِ قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ: وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِهِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ وَقَدْ يُقَالُ بَابُ الْقَضَاءِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ؛ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ عَدْلَيْنِ فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ إذْ السَّمَاعُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَكَذَا فِيمَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ عَلَى الرَّاجِحِ فَمَتَى تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ لِلشَّاهِدِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا كَمُشَاهَدَةِ الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ وَاسْتِصْحَابِ حُكْمِهِمَا وَكَمُشَاهَدَةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلَا مُعَارِضٍ وَكَخِبْرَةِ بَاطِنِ الْمُقِرِّ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَالَةِ وَطُرُقِ الْإِمْلَاكِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ نَعَمْ لَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الظُّنُونِ وَمَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ بِلَا أَسْبَابٍ لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا، وَأَمَّا كُلُّ سَبَبٍ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الشَّهَادَةِ وَشَرَعَهَا بِهِ فَالْأَشْبَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا عَلِمَهَا الْحَاكِمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ مَا يَسْتَيْقِنُهُ إلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ مَا إذَا ظَنَّ أَصْلَ اللُّزُومِ وَفِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَحَقَّقَ أَصْلُ اللُّزُومِ وَإِنَّمَا نَشَأَ الظَّنُّ مِنْ جِهَةِ اسْتِصْحَابِ بَقَائِهِ لِجَوَازِ الْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ لَا يَشْهَدُ بِمَا ظَنَّهُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ إلَّا أَنْ يَنْشَأَ الظَّنُّ مِنْ اسْتِصْحَابٍ