الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى يَتَوَطَّنَ) بَلَدًا (ثُمَّ يُغَرَّبَ) مِنْهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ يُغَرَّبُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَهُ (وَيُرَاقَبُ الْمُغَرَّبُ) أَيْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ فِي الْمَكَان الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَلَا يُحْبَسُ فِيهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَاقَبُ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا لَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ وَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ وَبِقَوْلِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَأَنْ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْجَمْعُ حَذَفَ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ. (وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ الْمُغَرَّبُ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ (فَإِنْ خِيفَ رُجُوعُهُ) إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ (حُبِسَ) جَوَازًا.
(وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ غُرِّبَ مِنْهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ) لِيَتَوَالَى الْإِيحَاشُ (فَلَا تُفَرَّقُ السَّنَةُ) فِي الْحُرِّ، وَلَا نِصْفُهَا فِي غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ الْبَلَدُ.
(وَلَوْ زَنَى الْمُغَرَّبُ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ (غُرِّبَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ) أَيْ بَقِيَّةُ مُدَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ (وَلَا يُعْتَدُّ بِتَغْرِيبِهِ نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَغْرِيبِ الْإِمَامِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ رَجَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَبْسِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الْحَبْسِ مَجْهُولَةٌ لَهُ بِخِلَافِ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ، وَأَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لَا وَقْتُ وُصُولِهِ إلَى مَا غُرِّبَ إلَيْهِ.
(وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) مَعَهَا، وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِخَبَرِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ الزَّانِيَةِ الْهَتْكَ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا، وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى تَغْرِيبِهَا وَحْدَهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ (وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهَا) إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ (فَلَوْ امْتَنَعَ) مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا بِأُجْرَةٍ (لَمْ يُجْبَرْ) كَمَا فِي الْحَجِّ؛ وَلِأَنَّ فِي إجْبَارِهِ تَعْذِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ (وَيُؤَخَّرُ) حِينَئِذٍ (تَغْرِيبُهَا) إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا تُغَرَّبُ وَيَحْتَاطُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ.
(وَفِي الِاكْتِفَاءِ) فِي الْخُرُوجِ مَعَهَا (بِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ) اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ أَمْنِ طَرِيقٍ، وَجْهَانِ) أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ، وَأَحَدُهُمَا عَلَى مَا فِي السَّقِيمَةِ الَّتِي اخْتَصَرَتْ مِنْهَا الرَّوْضَةُ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ مَطْمُوعٌ فِيهِنَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ. انْتَهَى. وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى أَمَّا مَعَ الْخَوْفِ فَلَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ، وَهَلْ يُشْرَعُ التَّغْرِيبُ عِنْدَ الْخَوْفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ قَوْلٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ حَتَّى لَا يُغَرَّبَ الرَّجُلُ، وَلَا الْمَرْأَةُ الْمُسْتَصْحَبَةُ لِلزَّوْجِ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَمْرَدَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(وَيُنْفَى الْمُخَنَّثُونَ تَعْزِيرًا) لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مُدَّةَ تَغْرِيبِ الزَّانِي.
[فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ]
(فَصْلٌ: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) ، وَلَوْ مَرَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إقَامَتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ فَالْآيَةُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ لَمْ يُمْنَعْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا لِلْحَجِّ أَوْ الْجِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ مَقْصُودِهِ وَيَكْفِي فِي التَّنْكِيلِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْعَوْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي السَّفَرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (فَرْعٌ) لَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ لِلْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) أَمَّا الْأَمَةُ فَهَلْ الْمَطْلُوبُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا سَيِّدُهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيَبْعُدُ أَنْ نُوجِبَ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَخْ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَبِهِ يَتَأَيَّدُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ الْآتِي ش (قَوْلُهُ: فَلَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ) لِإِخْفَاءِ أَنَّ مَحْرَمَهَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ أَجْبَرَهَا لِلْخِدْمَةِ مُدَّةَ التَّغْرِيبِ أُجْبِرَ لَا مَحَالَةَ.
(قَوْلُهُ: أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ كَمَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ وَاطِئًا أَمْ مَوْطُوءًا
(فَصْلٌ)(قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) قَضِيَّةُ حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الطَّرِيقَيْنِ يَنْفِي صُوَرًا. إحْدَاهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فِيمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا زَنَى فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ أَنَّهُ زَانٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى. الثَّالِثَةُ إذَا وُجِدَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا، وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا لَمْ تُحَدَّ خِلَافًا
{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] ، وَإِمَّا بِالْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى هُوَ وَالْبُخَارِيُّ خَبَرَ «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» عَلَّقَ الرَّجْمَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ، وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ وَوَصَفَ الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ (مُفَسَّرٌ كَالشَّهَادَةِ) وَاحْتِيَاطًا لِلْحَدِّ وَسَعْيًا فِي سِتْرِ الْفَاحِشَةِ مَا أَمْكَنَ وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقِصَّةِ مَاعِزٍ.
(وَيُجْزِئُ) أَيْ يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ (إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ) بِالزِّنَا.
(وَإِنْ رُئِيَا) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ (تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا) ، وَلَمْ يُحَدَّا.
(وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً) مِنْ نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ.
(وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عَنْ حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (وَالشَّفَاعَةِ فِيهِ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّانِي) وَلِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً (السَّتْرُ) عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ «مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ أَوْ قَذَفَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ التَّضْيِيقِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَعْصِيَةَ أَنْ لَا يُظْهِرَهَا لِيُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ فَيَكُونُ إظْهَارُهَا خِلَافَ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا أَوْ مُجَاهَرَةً فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَكَذَا الشَّاهِدُ) يُسْتَحَبُّ لَهُ سَتْرُهَا بِأَنْ يَتْرُكَ الشَّهَادَةَ بِهَا (إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً) ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا شَهِدَ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ فَكَلَامُهَا فِيمَا إذَا لَمْ يَرَ مَصْلَحَةً مُتَدَافِعٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهِ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِهَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِزِنًا أَوْ شُرْبٍ) لِمُنْكَرٍ (اُسْتُحِبَّ لَهُ الرُّجُوعُ) كَالسَّتْرِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ مُقْتَضَى خَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ حَدٌّ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ السَّتْرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهُورِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى زِنَاهُ مَنْ لَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِشَهَادَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا الْمُقِرُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ لِمَا مَرَّ (فَإِنْ رَجَعَ) عَنْ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ (سَقَطَ) عَنْهُ (الْحَدُّ) لِتَعْرِيضِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ «لَعَلَّك قَبَّلْتَ لَعَلَّك لَمَسْتَ أَبِكَ جُنُونٌ» ؛ وَلِأَنَّهُمْ «لَمَّا رَجَمُوهُ قَالَ رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَسْمَعُوا وَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
(فَلَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ) عَنْ إقْرَارِهِ (فَلَا قِصَاصَ) عَلَى قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ، وَقَوْلُ الدَّارِمِيِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاتِلُ بِرُجُوعِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ (وَيُضْمَنُ بِالدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِهَا بِجَامِعِ الشُّبْهَةَ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ، وَتَمَّمَهُ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا) بِأَنْ كَانَ مُعْتَقِدًا سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ (فَمَاتَ) بِذَلِكَ (فَالْوَاجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِمَالِكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. الرَّابِعَةُ قَذَفَهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَنَا، قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي بَابِ اللِّعَانِ مِنْ الِاصْطِلَامِ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ إظْهَارُهَا خِلَافَ الْمُسْتَحَبِّ) وَيُكْرَهُ إظْهَارُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا أَوْ مُجَاهَرَةً فَحَرَامٌ قَطْعًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِهَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ مَأْثُومًا مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا، وَالْحَاكِمُ حَنَفِيٌّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّهُ بِالتَّعْرِيضِ وَيُعَزِّرُهُ أَبْلَغَ مِمَّا يُوجِبُ الشَّافِعِيُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي طَلَبِ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ الْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ ر.
(قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ) وَمِثْلُهُ لَوْ قَذَفَ وَثَمَّ بَيِّنَةٌ بِالْفِعْلِ أَوْ الْإِقْرَارِ فَعَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَطَلَبَهُ الْمَشْتُومُ، وَعَلِمَ عَدْلَانِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ يَلْزَمُهُمَا الْأَدَاءُ بِهِ لِطُهْرِ الشَّاتِمِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْإِعْلَامُ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَتَبَ أَيْضًا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ يَلِي شَيْئًا شَرَطَ مُتَوَلِّيهِ الْعَدَالَةَ كَالْوُقُوفِ وَالْأَيْتَامِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْأَحْكَامِ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا إصْرَارَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ لَا سِيَّمَا إذَا اطَّلَعُوا عَلَى إنْفَاقِهِ الْمَالَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ لِانْعِزَالِهِ بِفِسْقِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ غَيْرَ الْحَاكِمِ قَدْ تَابَ، وَأَنَابَ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ رَجَعَ) كَقَوْلِهِ كَذَبْت أَوْ رَجَعْت عَمَّا أَقْرَرْت بِهِ أَوْ مَا زَنَيْت أَوْ فَأَخَذْت أَوْ لَمَسْت فَاعْتَقَدْته زِنًا أَوْ لَا حَدَّ عَلَيَّ (قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ) بَلْ سَقَطَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ جُمْلَةً حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ حُدَّ وَيَبْقَى بِرُجُوعِهِ عَلَى حَصَانَتِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَ النَّاشِرِيُّ: مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَذَا فِي الْقَذْفِ الْحَادِثِ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَأَمَّا الْقَذْفُ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَلَا مِرْيَةَ بِعَدَمِ الْحَدِّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا إذَا ادَّعَتْ حُرَّةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ دُونَ الْمَهْرِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ، وَإِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ) فَالْإِطْلَاقُ هُوَ الرَّاجِحُ.