الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذْ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِهَا كَمَا يَأْتِي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ الْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» ، وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّفَقُّدِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ (وَيُسْتَحَبُّ) لَهُ (أَنْ يُشْهِدَ) عَلَى الِاسْتِيفَاءِ (عَدْلَيْنِ) لِيَشْهَدَا عَلَى الْمُقْتَصِّ إنْ أَنْكَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ إنْ كَانَ التَّرَافُعُ إلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِيَنْتَشِرَ الْخَبَرُ فَيَحْصُلُ الزَّجْرُ، وَأَقَلُّ مَنْ يَحْضُرُهُ عَدْلَانِ.
(فَإِنْ قَتَلَهُ بِكَالٍّ، وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِمِثْلِهِ، أَوْ) قَتَلَهُ بِشَيْءٍ (مَسْمُومٍ) كَذَلِكَ (عُزِّرَ) لِتَعَدِّيهِ (وَالْوَلِيُّ إنْ تَعَمَّدَ غَيْرَ الرَّقَبَةِ) فِي اقْتِصَاصِهِ بِضَرْبِهَا (عُزِّرَ) لِذَلِكَ (وَلَمْ يُعْزَلْ) لِأَهْلِيَّتِهِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَأَمْكَنَ) خَطَؤُهُ عَادَةً بِأَنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ، أَوْ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِيهَا (فَعَكْسُهُ) أَيْ فَلَا يُعَزَّرُ إذَا حَلَفَ وَيُعْزَلُ؛ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا (وَلَا يُعْزَلُ مَاهِرٌ) فِي ضَرْبِ الرِّقَابِ (اتَّفَقَ خَطَؤُهُ) فَإِنْ ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُمَكَّنُ فِيهِ كَأَنْ ضَرَبَ رِجْلَهُ، أَوْ وَسَطَهُ فَهُوَ كَتَعَمُّدِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ (وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ (فِي مَالِهِ) لِتَعَمُّدِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (فَإِنْ كَانَ) السُّمُّ (مُوحِيًا فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
[فَرْعٌ تَنْصِيبْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ]
(فَرْعٌ: وَلْيُنَصِّبْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَرِزْقُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ) أَيْ مِنْ خُمُسِ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِأَهَمَّ مِنْهُ (فَالْأُجْرَةُ) لِلْمَنْصُوبِ (عَلَى الْجَانِي وَالْمَحْدُودِ) ؛ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فَلَزِمَتْهُمَا كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَزَّانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي (فَلَوْ قَالَ) الْجَانِي (أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي) ، وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ (مُنِعَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَهُوَ لَا يَتِمُّ بِفِعْلِ الْجَانِي؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ الْحَدِيدَةُ فَتَرَتْ يَدُهُ، وَلَا يَحْصُلُ الزَّهُوقُ إلَّا بِأَنْ يُعَذِّبَ نَفْسَهُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ (فَإِنْ أُجِيبَ) لِمَا قَالَهُ وَاقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ (فَهَلْ يُجْزِئُ) عَنْ الْقِصَاصِ (وَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا لَا كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ فِي الزِّنَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِي الْقَذْفِ بِإِذْنِ الْمَقْذُوفِ كَمَا يَأْتِي، وَكَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي.
وَالثَّانِي نَعَمْ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ لِحُصُولِ الزَّهُوقِ، وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَبِخِلَافِ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ يَدِ الْبَائِعِ، وَلَمْ تَزُلْ (وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ) فِي قَطْعِ يَدِهِ (فَقَطَعَ يَدَهُ جَازَ وَيُجْزِئُ) عَنْ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَمَنَعَ الْإِجْزَاءَ عَلَى وَجْهٍ كَمَا مَرَّ. وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ (بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ) لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ.
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي
وَقْتِ الْقِصَاصِ
وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ (عَلَى الْفَوْرِ إنْ أَمْكَنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْإِتْلَافِ فَيَتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ (فَيَقْتَصُّ فِي الْحَرَمِ) ، وَلَوْ فِي النَّفْسِ، أَوْ مَعَ الِالْتِجَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَوْ وَقَعَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي (لَا فِي مَسْجِدٍ) وَمِنْهُ الْكَعْبَةُ (وَ) لَا فِي (مِلْكِ إنْسَانٍ بَلْ يَخْرُجُ) مِنْهُمَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَيُسْتَوْفَى خَارِجَهُمَا لِلنَّهْيِ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ كَرَاهَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ.
(وَلَا يُؤَخَّرُ) الْقِصَاصُ (لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ، وَلَوْ) كَانَ الْقِصَاصُ (فِي الْأَطْرَافِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ لِذَلِكَ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ عَلَى الْمُضَايَقَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِذَلِكَ أَيْضًا. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. (وَيَقْطَعُهَا) أَيْ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ قَطَعَ الْأَطْرَافَ (مُتَوَالِيَةً، وَلَوْ فُرِّقَتْ) مِنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ.
(وَيُؤَخَّرُ) الِاسْتِيفَاءُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَأَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ عَوْنًا فَرُبَّمَا حَدَثَ مَا يَحْتَاجُ إلَى كَفٍّ أَوْ رَدْعٍ، وَأَنْ يَأْمُرَ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْوَصِيَّةِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ، وَأَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَأَنْ يُسَاقَ إلَى مَوْضِعِ الْقِصَاصِ بِرِفْقٍ، وَأَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَأَنْ يَشُدَّ عَيْنَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَيُتْرَكَ مَمْدُودَ الْعُنُقِ لِئَلَّا يَعْدِلَ السَّيْفُ عَنْهُ وَالْعَاشِرُ أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ صَارِمًا لَيْسَ بِكَالٍّ، وَلَا مَسْمُومٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الشُّرُوطَ وَالْأَوْصَافَ إحْسَانًا فِي الِاسْتِيفَاءِ وَمَنْعًا مِنْ التَّعْذِيبِ لِحَدِيثِ «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْبَهَائِمِ فَالْآدَمِيُّ أَحَقُّ. اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرَهُ عَدُّوهُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ
(قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا لَا) وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي نَعَمْ)، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ نَاقِضُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا قَالَ هُنَا أَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا يُخَالِفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ مَنْعِ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ يَكُونُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا وَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ يَسْتَدْعِي عَدَمَ الِاتِّحَادِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالصِّيغَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ قَوْلُهُ: بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ هِبَةً، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَعْنَى الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ بِعْت تَسْتَدْعِي مُقَابِلًا. اهـ.
[وَقْتِ الْقِصَاصِ]
(قَوْلُهُ: لَا فِي مَسْجِدٍ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا مَقَابِرُ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْ لَا، وَهُوَ قِيَاسُ حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُهَا مُتَوَالِيَةً، وَلَوْ فُرِّقَتْ مِنْ الْجَانِي إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ
فِي الْقِصَاصِ، وَلَوْ فِي الطَّرَفِ مِنْ الْحَامِلِ، وَلَوْ مِنْ زِنًا (لِلْحَمْلِ) أَيْ لِوَضْعِهِ (وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً) وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا أَيْضًا (فِي سَائِرِ الْحُدُودِ كَحَدِّ الْقَذْفِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَلَاكِ الْجَنِينِ، أَوْ الْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ بَرَاءَتِهِ (وَتُحْبَسُ) مَنْ بِهَا حَمْلٌ وَعَلَيْهَا قِصَاصٌ (إلَى وَضْعِهِ، وَإِرْضَاعِهِ اللِّبَأَ وَوُجُودِ مُرْضِعَةٍ) مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنِهَا احْتِيَاطًا لِلْوَلَدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى مَا ذُكِرَ خَوْفًا عَلَى الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ بِالِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ وَضْعِهِ كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِ اللِّبَأِ مَعَ أَنَّهُ تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِوَضْعِهِ فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ أَوْلَى (وَيُسْتَحَبُّ صَبْرُ الْوَلِيِّ) بِالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ وُجُودِ مُرْضِعَاتٍ يَتَنَاوَبْنَهُ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ، أَوْ نَحْوِهِ (حَتَّى تُوجَدَ امْرَأَةٌ رَاتِبَةٌ) مُرْضِعَةٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ، وَنَشْؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ (وَتُجْبَرُ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ) فَلَوْ وُجِدَ مَرَاضِعُ وَامْتَنَعْنَ أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ وَعَطَفَ عَلَى وُجُودِ مُرْضِعَةٍ قَوْلَهُ (أَوْ وُجُودُ شَاةٍ تُغْنِيهِ) مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ كَانَ أَوْلَى. وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ، أَوْ مَا يَعِيشُ بِهِ، أَوْ تُرْضِعُهُ هِيَ حَوْلَيْنِ وَتَفْطِمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرِ إذَا تَضَرَّرَ بِفَطْمِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ عِنْدَهُمَا.
(فَلَوْ بَادَرَ) الْمُسْتَحِقُّ (وَقَتَلَهَا) بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ (قَبْلَ وُجُودِ مَا يُغْنِيهِ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ فِيهِ) كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا بِبَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ (وَلَا تُحْبَسُ) هِيَ (فِي حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَرَجْمٍ (بَلْ تُمْهَلُ حَتَّى يَتِمَّ) لِلْوَلَدِ (حَوْلَانِ، وَنَجِدُ) بَعْدَهُمَا (مَنْ يَكْفُلُهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَلَوْ ادَّعَتْ) جَانِيَةٌ (حَمْلًا صُدِّقَتْ) ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ، وَلَمْ تَشْهَدْ بِهِ الْقَوَابِلُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَمَارَاتِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْحَامِلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهَا، وَهُوَ الْجَنِينُ (وَيَصِيرُ) الْمُسْتَحِقُّ (إلَى وَقْتِ الظُّهُورِ) لِلْحَمْلِ لَا إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ وَمَحَلُّ تَصْدِيقِهَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً لَمْ تُصَدَّقْ (فَإِنْ بَادَرَ، وَقَتَلَهَا حَامِلًا، وَلَمْ يَنْفَصِلْ) حَمْلُهَا (أَوْ انْفَصَلَ سَالِمًا) ثُمَّ مَاتَ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ (أَوْ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ، وَكَفَّارَةٌ) فِيهِ (أَوْ مُتَأَلِّمًا فَمَاتَ فَدِيَةٌ، وَكَفَّارَةٌ) فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَأَلُّمَهُ وَمَوْتَهُ مِنْ مَوْتِهَا (وَالدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَا تُتَيَقَّنُ حَيَاتُهُ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ خَطَأً، أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ (وَإِنْ كَانَ) قَتَلَهَا (بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ عَلِمَا بِالْحَمْلِ، أَوْ جَهِلَا) ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْآمِرُ بِهِ وَالْمُبَاشِرُ كَآلَةٍ لَهُ لِصُدُورِ فِعْلِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَبَحْثِهِ (لَا إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ دُونَهُ) فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ لِاجْتِمَاعِ الْعِلْمِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ دُونَ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى (وَلَوْ قَتَلَهَا جَلَّادُ الْإِمَامِ فَكَالْوَلِيِّ) فِي أَنَّهُ (يَضْمَنُ إنْ عَلِمَ دُونَ الْإِمَامِ) -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُوَالِي، وَلَوْ كَانَ مَعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ خَطَرُ الْقَطْعَيْنِ عَلَى وَاحِدٍ حَتَّى يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْحَامِلِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا حَقَّانِ حَقُّ الطِّفْلِ وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي التَّعْجِيلِ وَمَعَ الصَّبْرِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحَقَّيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِصَاصُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ يُقَدَّمُ الطَّرَفُ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَلَاكِ الْجَنِينِ) رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ فِي الزِّنَا فَقَالَ عَلِيٌّ لَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (قَوْلُهُ: وَتُحْبَسُ مَنْ بِهَا حَمْلٌ إلَخْ) أَيْ إذَا طَلَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِلسُّلْطَانِ الْحَبْسُ إلَى الْحُضُورِ وَالْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا قِصَاصٌ) أَيْ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَوُجُودِ مُرْضِعَةٍ) لَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمُرْضِعَةُ فِي الْحَالِ، وَلَا تَسَلَّمَتْهُ لَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيُوجِدُ عَنْ قُرْبٍ مُرْضِعَةً تَتَرَتَّبُ لِرَضَاعِهِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَعْجِيلِ قَتْلِهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِانْتِفَاءِ تَلَفِ الْمَوْلُودِ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ: أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكْتَفُوا بِلَبَنِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الْفَرْضِ حَيْثُ لَا بَهِيمَةَ لَبُونَ، وَهَذَا أَقْرَبُ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ مُرْضِعَةٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلَدُ ثَدْيَهَا هَلْ يُؤَخَّرُ قَتْلُ أُمِّهِ لِذَلِكَ أَوْ لَا، وَيُحْلَبُ فِي إنَاءٍ، وَيُؤْجَرُهُ كَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إذْ لَا تَكُونُ دُونَ الْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ وُجُودِ شَاةٍ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ) هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَدَمِ إطْلَاقِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى الشَّاةِ، وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ مُرْضِعَةٌ إذْ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَرْضَعَ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرِ إلَخْ) فَالتَّقْيِيدُ بِالْحَوْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ) الْمُرَادُ بِالْمَخِيلَةِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ بِهِ أَوْ إقْرَارُ الْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِيَمِينٍ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّعٍ لِتَرْتِيبِ الْيَمِينِ لَهَا بِطَلَبِ الْمُسْتَحَقِّ قَطْعًا أَوْ بِدُونِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فِيمَا تَعْلَمُ، وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ: وَتَحْلِفُ مُدَّعِيَةُ الْحَمْلِ بِلَا مَخِيلَةٍ، وَقَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يُقْبَلُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا: يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْمَخِيلَةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى الْمَخِيلَةِ. قَوْلُ كَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ الْمُسْتَحَقُّ إلَى وَقْتِ الظُّهُورِ) وَذَلِكَ بِمُضِيِّ حَيْضَةٍ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَحَّحُوهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قُلْت لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ الْمُسْتَفْرِشُ لَهَا حَمْلًا، وَقَالَتْ لَا أَدْرِي هَلْ يُلْتَفَتُ إلَى دَعْوَاهُ قُلْت إنْ ارْتَابَتْ فَنَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فِي دَعْوَاهَا الرِّيبَةَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت لَوْ مَرِضَتْ مُدَّعِيَةُ الْحَمْلِ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ مَنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ بِإِمَارَاتِهِ قَبْلَ أَوَانِ نَفْخِ الرُّوحِ مَرَضًا مَخُوفًا، وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ إنَّهَا تَمُوتُ فِيهِ عَنْ قُرْبٍ لَا مَحَالَةَ قُلْت لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَمَحِلُّ تَصْدِيقِهَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً) كَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا لِئَلَّا يَقَعَ حَمْلٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ حَقِّ وَلِيِّ الدَّمِ فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَغْشَاهَا فَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ مَوْجُودٌ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى مَنْعِ الْقِصَاصِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَّجَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ