الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ سَهْمٍ) لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِأَعْمَالِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي مُعَامَلَاتِ الْكُفَّارِ لِمَصَالِح الْقِتَالِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْأَمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لِكَوْنِ الْجِهَادِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهِ فِي الْأَذَانِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَهُنَا كَافِرٌ لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ.
(وَالْأُجْرَةُ) الْوَاجِبَةُ لِلْكَافِرِ مُسَمَّاةً كَانَتْ أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تُؤَدَّى (مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ) مِنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ (فَإِنْ أَكْرَهَهُ) الْإِمَامُ عَلَيْهِ (أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ) كَأَنْ قَالَ أُرْضِيك أَوْ أُعْطِيك مَا تَسْتَعِينُ بِهِ (وَقَاتِلْ وَجَبَتْ) لَهُ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَاتِلْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَإِنْ قَهَرَهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ (عَلَى الْخُرُوجِ) لِلْجِهَادِ (وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَا أُجْرَةَ) لَهُمْ (لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ) فِي الصَّفِّ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَخَرَجَ بِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِمْ فَلَهُمْ أُجْرَتُهَا (أَوْ هَرَبُوا قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ) أَوْ خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ (فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ) وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ لِيَكُونَ جَوَابُ مَا بَعْدَهُ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ.
(وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَعِدْهُمْ) بِشَيْءٍ (رَضَخَ لَهُمْ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَيُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَائِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْغَنِيمَةِ مَعَهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الْغَانِمُونَ (لَا إنْ خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّبِّ عَنْ الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَنَّهَا هَمٌّ عَنْ الْخُرُوجِ أَمْ لَا بَلْ لَهُ تَقْرِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ إنْ رَآهُ.
[فَصْلٌ يُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ]
(فَصْلٌ وَيُكْرَهُ) لِغَازٍ (قَتْلُ قَرِيبٍ) لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحْمِلُهُ الشَّفَقَةُ عَلَى النَّدَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِهِ (وَ) قَتْلُ الْقَرِيبِ (الْمَحْرَمِ أَشَدُّ) كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]«وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» (لَا إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ) صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ؛ لِأَنَّ «أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ» .
(وَيَحْرُمُ قَتْلُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) مِنْ الْكُفَّارِ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْجُنُونِ بِالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةٍ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُسْتَرَقُّونَ فَيَكُونُونَ قُوَّةً لَنَا (إلَّا إنْ قَاتَلُوا) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ.
(وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ أَنْبَتَ) الشَّعْرَ (الْخَشِنَ) عَلَى عَانَتِهِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ (لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ) بِدَوَاءٍ (وَحَلَفَ) أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ (وَحَلِفُهُ) عَلَى ذَلِكَ (وَاجِبٌ) وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ مَنْ يَدَّعِي الصِّبَا (لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ) فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ.
(وَيَجُوزُ قَتْلُ رَاهِبٍ) شَيْخٍ أَوْ شَابٍّ (وَأَجِيرٍ وَمُحْتَرِفٍ وَشَيْخٍ) وَلَوْ ضَعِيفًا (وَأَعْمَى وَزَمِنٍ) وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالصَّفُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» أَيْ مُرَاهِقِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ.
(وَيُقْتَلُ مِنْهُمْ ذُو الرَّأْيِ) وَغَيْرُهُ فَلَوْ ذُكِرَ غَيْرُهُ كَانَ أَوْلَى (وَكَذَا السُّوقَةُ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (لَا الرُّسُلِ) فَلَا يُقْتَلُونَ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ.
(وَيَجُوزُ حِصَارُهُمْ) فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ.
(وَ) يَجُوزُ (إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَالنَّارِ) قَالَ تَعَالَى {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5]«وَحَاصَرَ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ نَعَمْ لَوْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِالْقِسْطِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْسِيطَهُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَالْقِتَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا اسْتِمْرَارُ الْإِجَارَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ إلَخْ) الْأَوْلَى مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ رُجُوعِهِمْ فِي الْأُولَى قَدْ تَجِبُ إذَا لَمْ يَزُلْ قَهْرُ الْإِمَامِ عَنْهُمْ فِيهَا
(قَوْلُهُ: وَقَتْلُ الْقَرِيبِ وَالْمَحْرَمِ أَشَدُّ) خَرَجَ بِهِ الْمَحْرَمُ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ قَتْلَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلِهِ أَوْ كَانَ بَطَلًا لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ غَيْرُ قَرِيبِهِ وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ كَفَّ عَنْهُ لَأَنْكَى فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَدَّدَ جَمْعَهُمْ وَمَا فِي مَعْنَى هَذَا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا فَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ) أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى مِنْ قَوْمٍ لَا كِتَابَ لَهُمْ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعَا مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلَانِ أَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ سِوَاهُمَا فَلَهُ قَتْلُهُمَا وَأَكْلُهُمَا وَمِثْلُهُمَا فِي هَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (تَنْبِيهٌ) مِنْ الْمَعْلُومِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ يَمُوتُ كَافِرًا
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ.
(وَ) يَجُوزُ (سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ صِغَارِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ مَعَ أَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ تَشْمَلُ نِسَاءَهُمْ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ قُرْقُولٍ (وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ) .
(وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ) وَهُمْ بِالْبَلْدَةِ أَوْ الْقَلْعَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا (مُسْلِمٌ كُرِهَ) إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ لِحَبْسِ مُسْلِمٍ فِيهِمْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ لَا يُصَابُ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ فَلَا يَحْرُمُ الْقِتَالُ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فِيهَا كَمَا أَنَّ دَارَنَا لَا تَحِلُّ بِكَوْنِ الْمُشْرِكِ فِيهَا (إلَّا) إنْ فَعَلَ ذَلِكَ (لِضَرُورَةٍ) كَخَوْفِ ضَرَرِنَا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُصِيبُ مُسْلِمًا دَفْعًا لِضَرَرِنَا وَنِكَايَةً فِيهِمْ، وَحِفْظُ مَنْ مَعَنَا أَوْلَى مِنْ حِفْظِ مَنْ مَعَهُمْ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ رُزِقَ الشَّهَادَةَ (فَإِنْ أَصَابَهُ) بِمَا يَعُمُّ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَقَدْ عَلِمَهُ فِيهِمْ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ) فَقَطْ وَهَذَا حَكَاهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ.
(وَمَتَى تَتَرَّسُوا) فِي الْقِتَالِ (بِصِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ) وَنَحْوِهِمْ (وَلَوْ فِي قَلْعَةٍ رَمَيْنَاهُمْ) وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا رَمْيُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ.
(أَوْ) تَتَرَّسُوا (بِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلَا) تَرْمِيهِمْ إنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ وَاحْتَمَلَ الْحَالُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَفَارَقَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مَحْقُونَا الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حُقِنُوا لَحِقَ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ فَلَوْ رَمَى رَامٍ فَقَتَلَ مُسْلِمًا فَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ (فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ) إلَى ذَلِكَ بِأَنْ تَتَرَّسُوا فِي حَالِ الْتِحَامِ الْقِتَالِ بِهِ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا وَكَثُرَتْ نِكَايَتُهُمْ (جَازَ) رَمْيُهُمْ لِمَا مَرَّ (وَتَوَقَّيْنَاهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّاتِ وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْعَبْدِ لَكِنْ حَيْثُ تَجِبُ دِيَةٌ تَجِبُ فِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ (فَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ) وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَعُرِفَ قَاتِلُهُ) لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ جَدْوَى (وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا (وَكَذَا الدِّيَةُ إنْ عَلِمَهُ) الْقَاتِلُ (مُسْلِمًا) إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَوَقِّيه وَالرَّمْيُ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا لِشِدَّةِ الضَّرُورَةِ (لَا الْقِصَاصِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لَا يَجْتَمِعَانِ.
(وَإِنْ تَتَرَّسَ) كَافِرٌ (بِتُرْسِ مُسْلِمٍ) أَوْ رَكِبَ فَرَسَهُ (فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ) فَأَتْلَفَهُ (ضَمِنَهُ إلَّا: إنْ اُضْطُرَّ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
(فَصْلٌ يَحْرُمُ انْهِزَامُ مِائَةِ رَجُلٍ وَلَوْ) كَانُوا (سُكَارَى عَنْ مِائَتَيْنِ) وَالْمُرَادُ يَحْرُمُ انْهِزَامُ مَنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ مِنْ الصَّفِّ إنْ كَانَ الْكُفَّارُ مِثْلَيْنَا فَأَقَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِتَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45](وَإِنْ خَافُوا الْهَلَاكَ) بِالثَّبَاتِ إذْ الْغُزَاةُ يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ وَبِحُبِّ الْمَالِ وَبِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ لِلْمِثْلَيْنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا (إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ) فَلَا يَحْرُمُ الِانْهِزَامُ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ) مَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ إنْ اقْتَضَتْهُ
مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ
(قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمَهُ فِيهِمْ) أَيْ وَعَرَفَ مَكَانَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ إلَخْ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ: إنَّهُ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ مِثْلُ إنْ بَيَّتُوهُمْ لَيْلًا فَقَتَلُوهُمْ وَكَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ قَتَلَهُ فِي غَارَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى فِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ زَادَ فَقَالَ: سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ فِي الدَّارِ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ هَا هُنَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الرَّمْيُ إلَى هَذِهِ الدَّارِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ
(قَوْلُهُ: وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ) ضَعِيفٌ
(قَوْلُهُ: وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنِ) أَيْ وَالْمُعَاهَدِ
(قَوْلُهُ: وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ: فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ) أَيْ وَالْإِنْفَاقِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى إهْلَاكِكُمْ (قَوْلُهُ: وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ) وَبِالْإِسْرَافِ وَتَضْيِيعِ وَجْهِ الْمَعَاشِ (قَوْلُهُ: إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ) قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ إنْ لَمْ تَنْكَسِرْ أَيْ الْفِئَةُ الَّتِي انْصَرَفَ عَنْهَا بِانْصِرَافِهِ، فَإِنْ انْكَسَرَتْ بِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْصِرَافُ مُتَحَرِّفًا وَلَا مُتَحَيِّزًا وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُعْظَمُ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا لَوْ عَلِمَ الْمُتَحَيِّزُ أَنَّهُ كَانَ إنْ وَلَّى وَلَّى النَّاسُ مَعَهُ لِكَوْنِهِ زَعِيمَ الْجَيْشِ أَوْ أَمِيرَهُمْ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّاسِ الْمَتْبُوعِينَ وَأَبْطَالِهِمْ الْمَشْهُورِينَ وَيُنَزَّلُ إطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَهْنًا وَلَا يَنْقَدِحُ غَيْرُ هَذَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ وَنُقِلَ عَنْ الْوَالِدِ اعْتِمَادُهُ وَأَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِ الْمُعْظَمِ لَهُ تَضْعِيفُهُ لِأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْهُ لِوُضُوحِهِ وَوَجْهٌ ظَاهِرٌ (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ يَجِبُ الْعَزْمُ