الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ) صلى الله عليه وسلم أَوْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ (أَوْ آوَوْا عَيْنًا) عَلَيْهِمْ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا (أَوْ تَجَسَّسُوا) كَأَنْ كَاتَبُوا أَهْلَ الْحَرْبِ (جَمِيعًا) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (أَوْ) فَعَلَ (بَعْضُهُمْ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ انْتَقَضَ) الْعَهْدُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ نَقْضًا) وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يَخِلُّ بِالْعَقْدِ (وَبَيَّتُوا فِي بِلَادِهِمْ بِلَا إنْذَارٍ)، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ نَاقِضًا لِآيَةِ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] وَلِصَيْرُورَتِهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ (وَالنَّازِلُ بِنَا) أَيْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ (نَبْلُغُهُ الْمَأْمَنَ) وَلَا نَغْتَالُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمَأْمَنَ (فَإِنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ الْبَاقُونَ) فِيمَا مَرَّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَنْ اعْتَزَلُوهُمْ أَوْ بَعَثُوا إلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ عَلَى الْعَهْدِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا ثُمَّ (نَظَرْت فَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بَيَّتْنَاهُمْ) أَيْ مُنْتَقَضِي الْعَهْدَ (وَإِلَّا أَنْذَرْنَاهُمْ) أَيْ الْبَاقِينَ (لِيَتَمَيَّزُوا) عَنْهُمْ (أَوْ يُسْلِمُوهُمْ إلَيْنَا فَإِنْ أَبَوْا) ذَلِكَ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (فَنَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ (بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ) فَنَقْضُهُ مِنْ الْبَعْضِ لَيْسَ نَقْضًا مِنْ الْبَاقِينَ بِحَالٍ لِقُوَّتِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ النَّقْضِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَلَوْ) أَيْ وَكُلُّ مَا (اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا فِي الْجِزْيَةِ نُقِضَ هُنَا قَطْعًا) لِضَعْفِ هَذَا وَقُوَّةِ ذَاكَ وَتَأَكُّدِهِ بِالْجِزْيَةِ
(فَرْعٌ لَوْ اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ خِيَانَتَهُمْ بِأَمَارَاتٍ) تَدُلُّ عَلَيْهَا (لَا) بِمُجَرَّدِ (تَوَهُّمٍ لَمْ يُنْتَقَضْ) عَهْدُهُمْ (بَلْ يُنْبَذُ) إلَيْهِمْ جَوَازًا (الْعَهْدُ) قَالَ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} [الأنفال: 58] بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْبَذُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُؤَبَّدٌ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا فِي قَبْضَتِنَا فَيَسْهُلُ التَّدَارُكُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ جَانِبُهُمْ وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَجَرَوْا فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِبِلَادِنَا وَأَهْلِ الْهُدْنَةِ بِبِلَادِهِمْ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ بِالْخَوْفِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُنْذِرُهُمْ) بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ (وَيَبْلُغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ) قَبْلَ قِتَالِهِمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَفَاءً بِالْعَهْدِ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ قَبْلَ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ مَأْمَنُهُمْ (دَارُ الْحَرْبِ) وَتَبْلِيغُهُمْ إيَّاهُ يَكُونُ (بِالْكَفِّ) لِلْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (عَنْهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْهُمْ) إنْ كَانَ
(فَرْعٌ) يَجِبُ عَلَى الَّذِينَ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ الْكَفُّ عَنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلُ فِي حَقِّنَا وَبَذْلُ الْجَمِيلِ مِنْهُمَا فَلَوْ (نَقَصُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرَامَةِ) لَهُمْ (أَوْ الْإِمَامَ مِنْ التَّعْظِيمِ) لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُكْرِمُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُ (سَأَلَهُمْ) عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً) أَيْ عُذْرًا (وَلَمْ يَنْتَهُوا نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَنْذَرَهُمْ) قَبْلَ نَقْضِهِ، وَإِنْ أَقَامُوا عُذْرًا يُقْبَلُ مِثْلُهُ قِبَلَهُ
[فَصْلٌ صَالَحَ الْإِمَامُ الْكُفَّارَ بِشَرْطِ رَدِّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا]
(فَصْلٌ) لَوْ (صَالَحَ) الْإِمَامُ الْكُفَّارَ أَيْ هَادَنَهُمْ (بِشَرْطِ رَدِّ مَنْ جَاءَ) نَا (مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ) فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34](وَلَمْ يَجُزْ) بِذَلِكَ (رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ) إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تَزَوَّجَ بِكَافِرٍ؛ وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ (فَإِنْ صَرَّحَ بِشَرْطِ رَدِّهَا لَمْ يَصِحَّ) لِذَلِكَ (وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ (فَإِنْ جَاءَتْ) إلَيْنَا (مُسْلِمَةً) أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَجِيئِهَا (وَطَالَبَ الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا) لِارْتِفَاعِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا) أَيْ ذِمِّيًّا وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا كَانَ عَمْدًا مَحْضًا أَوْ عُدْوَانًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً وَدَفْعًا لِصَائِلٍ أَوْ قَاطِعٍ غ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا أَطْلَقَهُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِشُبْهَةٍ أَمَّا لَوْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ كَمَا سَبَقَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يُخِلُّ بِالْعَقْدِ)«وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ فَنَقَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَهْدَ جَمِيعِهِمْ وَغَزَاهُمْ» وَكَذَلِكَ لَمَّا قَتَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ وَهُمْ حُلَفَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَوَى بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ الْقَاتِلَ وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ غَزَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَفَتَحَ مَكَّةَ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ يَتِمُّ بِعَقْدِ بَعْضِهِمْ وَرِضَا الْبَاقِينَ وَيَكُونُ السُّكُونُ رِضًا بِذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ مِثْلَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165]
[فَرْعٌ اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ خِيَانَة أَهْلُ الذِّمَّةِ بِأَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ أَمَانٌ فَنُقِضَتْ بِالْخَوْفِ؛ وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ أَقْوَى بِدَلِيلِ تَأْبِيدِهَا (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ نَقْضَ الْإِمَامِ لَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ) فَقَالَ، وَهُوَ عَجِيبٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ بِنَقْضِهِ أَيْ يَقْوَى عِنْدَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُبَلِّغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ) لَوْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ لَزِمَ الْإِمَامَ إلْحَاقُهُ بِمَسْكَنِهِ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ تَخَيَّرَ الْإِمَامُ
[فَرْعٌ عَلَى الَّذِينَ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ الْكَفُّ عَنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلُ فِي حَقِّنَا]
(قَوْلُهُ لَوْ صَالَحَ بِشَرْطِ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ وَتَمْنَعُهُ وَضَابِطُهُ كُلُّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ جَازَ شَرْطُ رَدِّهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ رَدُّ الْمَرْأَةِ)«؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا شَرَطَ جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً فَجَاءَ زَوْجُهَا فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُعْدَى زَوْجَةُ صَيْفِيِّ بْنِ إبْرَاهِيم بِمَكَّةَ فَجَاءَ فِي طَلَبِهَا وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قَدْ شَرَطْت لَنَا رَدَّ النِّسَاءِ فَارْدُدْ عَلَيْنَا نِسَاءَنَا فَتَوَقَّفَ صلى الله عليه وسلم مُتَوَقِّعًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَزَلَ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَامْتَنَعَ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَدِّهِنَّ» (قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (لَمْ نُعْطِهِ) لَهُ أَيْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا إعْطَاؤُهُ لَهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ} [الممتحنة: 10] أَيْ الْأَزْوَاجَ مَا أَنْفَقُوا أَيْ مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمِلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا غُرْمُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ الْمَهْرَ؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ
(وَإِنْ أَسْلَمَتْ) أَيْ وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ (مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً فَإِنْ أَفَاقَتْ رَدَدْنَاهَا لَهُ) لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهَا وَزَوَالِ ضَعْفِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِفَاقَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا لَمْ تُفِقْ فَلَا تُرَدُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْمَجْنُونِ (وَكَذَا إنْ جَاءَتْ عَاقِلَةً، وَهِيَ كَافِرَةٌ) سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا فِي الصُّورَتَيْنِ زَوْجُهَا أَمْ مَحَارِمُهَا (لَا إنْ أَسْلَمَتْ) قَبْلَ مَجِيئِهَا أَوْ بَعْدَهُ (ثُمَّ جُنَّتْ) أَوْ جُنَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ إفَاقَتِهَا (وَكَذَا إنْ شَكَكْنَا) فِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ جُنُونِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا (لَا تُرَدُّ) وَلَا نُعْطِيهِ مَهْرَهَا
(وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ لَمْ نَرُدَّهَا) ؛ لِأَنَّا، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ إسْلَامَهَا نَتَوَقَّعُهُ فَيُحْتَاطُ لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ (إلَّا إنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتْ الْكُفْرَ) فَنَرُدُّهَا
(وَلَوْ هَاجَرَ) قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا (الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ وَلَوْ مُسْتَوْلِدَةً وَمُكَاتَبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (عَتَقَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ قَاهِرًا لِسَيِّدِهِ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْقَهْرِ فَيُعْتَقُ؛ وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا (أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ فَكَذَا) يُعْتَقُ لِوُقُوعِ قَهْرِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ (أَوْ بَعْدَهَا فَلَا) يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ (وَلَا يُرَدُّ) إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُسْلِمًا مُرَاغِمًا لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ وَيُهِينُهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ (بَلْ يُعْتِقُهُ السَّيِّدُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْإِمَامُ) عَلَيْهِ (لِمُسْلِمٍ أَوْ اشْتَرَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ عَنْهُمْ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ) وَاعْلَمْ أَنَّ هِجْرَتَهُ إلَيْنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَتْ هُدْنَةً وَمُطْلَقًا إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَوْ هَرَبَ إلَى مَأْمَنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَهَا عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ هِجْرَتِهِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هِجْرَتَهُ؛ لِأَنَّ بِهَا يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا (وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَتَبْقَى مُكَاتَبَةً إنْ لَمْ تُعْتَقْ فَإِنْ أَدَّتْ) نُجُومَ الْكِتَابَةِ (عَتَقَتْ) بِهَا (وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ وَقَدْ أَدَّتْ شَيْئًا) مِنْ النُّجُومِ (بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ حُسِبَ) مَا أَدَّتْهُ (مِنْ قِيمَتِهَا) الْوَاجِبَةِ لَهُ (فَإِنْ وَفَّى بِهَا أَوْ زَادَ) عَلَيْهَا (عَتَقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ (وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ) وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُتَبَرِّعَةِ عَنْهُمْ بِهِ وَلِفَوْزِهَا بِالْعِتْقِ فِي مُقَابَلَتِهِ (وَلَا يَسْتَرْجِعُ) مِنْ سَيِّدِهَا (الْفَاضِلَ) أَيْ الزَّائِدَ (وَإِنْ نَقَصَ) عَنْهَا (وَفَّى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)
(وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ وَ) لَا (مَجْنُونٌ) لِضَعْفِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمَا (حَتَّى يَبْلُغَ) الصَّبِيُّ (أَوْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ وَيَصِفَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (الْكُفْرَ) أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ لَمْ يُرَدَّ
(وَإِنْ جَاءَ) مِنْهُمْ (حُرٌّ بَالِغٌ) عَاقِلٌ (مُسْلِمٌ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ) عَلَيْنَا (نَظَرْت فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ لَمْ يُرَدَّ وَإِلَّا رُدَّ إنْ طَلَبْته عَشِيرَتُهُ) ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمْ كَمَا «رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلٍ رضي الله عنه عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَحْمُونَهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَنْفُسُهُمْ يُؤْذُونَهُ بِالتَّقْيِيدِ وَنَحْوِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ تَأْدِيبًا فِي زَعْمِهِمْ (لَا) إنْ طَلَبَهُ (غَيْرُهُمْ) فَلَا يُرَدُّ (إلَّا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَقْهَرُهُمْ) وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ فَيُرَدُّ وَعَلَيْهِ حُمِلَ «رَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبَهُ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ فَلَا يُرَدُّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ مَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا (وَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الرُّجُوعُ) إلَيْهِمْ (بَلْ لَهُ قَتْلُ طَالِبِهِ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَ طَالِبِهِ.
(وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ: حِينَ رُدَّ إلَى أَبِيهِ أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا الْتَزَمَ بِالْهُدْنَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُمْ وَيَمْنَعَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمْ، وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضَتِهِ وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيضِ التَّصْرِيحُ فَيَمْتَنِعُ نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ أَمَانًا لَهُمْ وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا إعْطَاؤُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْأَمَانُ كَمَا لَا يَشْمَلُ الْأَمَانُ زَوْجَتَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهَا لَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى
(قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ إلَخْ) مَا صَرَّحَ بِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ يُخَالِفُ مَا رَجَّحَاهُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ مِنْ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا وَالْكَلَامُ هُنَا فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اسْتِمَالَتِهِ وَرَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ لِيَتَمَرَّنَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ وَفِي رَدِّهِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ تَضْيِيعٌ لِهَذَا الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يُرَدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ
(قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الرُّجُوعُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَهْرَبَ مِنْ الْبَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالرُّجُوعِ (قَوْلُهُ وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ) قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْإِمَامِ اهـ مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ