الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكْفِي قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ وَلَا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ أَيْضًا
(فَصْلُ يُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا ارْتَابَ بِهِمْ)
أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ (وَيَسْأَلُهُمْ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمْ (عَنْ زَمَانِ التَّحَمُّلِ) لِلشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَغَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً (وَ) عَنْ (مَكَانِهِ) مَحَلَّةً وَسِكَّةً وَدَارًا أَوْ صِفَةً أَوْ صَحَّحْنَا (وَ) عَنْ (مَنْ حَضَرَ) مَعَهُ مِنْ الشُّهُودِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَسْأَلُهُ أَتُحْمَلُ وَحْدَهُ أَمْ مَعَ غَيْرِهِ (وَ) عَنْ (مَنْ كَتَبَ) شَهَادَتَهُ مَعَهُ (وَبِأَيِّ مِدَادٍ كَتَبُوا) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِحِبْرٍ أَوْ بِمِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ وَإِذَا جَاءَ بِهِ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ (فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ) وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ (وَعَظَهُمْ) وَحَذَّرَهُمْ (فَإِنْ أَصَرُّوا) عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يُفَصِّلُوا (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الاستزكاء وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِلَّا فَإِنْ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ قَضَى وَإِلَّا اسْتَزْكَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَجْأَةً قَبْلَ أَنْ يَفْهَمُوا عَنْهُ ذَلِكَ فَيَحْتَالُوا فَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَكَانٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا صَنَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه (وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ) بِهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ (فَلَا يُفَرِّقُهُمْ وَلَوْ طَلَبَ) مِنْهُ (الْخَصْمُ) تَفْرِيقَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ
(فَصْلُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ) ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لِزِيَادَةِ عِلْمِ الْجَارِحِ (إلَّا إنْ شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا جَرَحَ بِهِ) فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَلَوْ عُدِّلَ) الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى (وَطَالَ) بَيْنَهُمَا (زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي) بِاجْتِهَادِهِ (طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ (وَلَوْ عَدَّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ فَهَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَعْدِيلِهِ الْمَذْكُورِ (فِي) شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ (الْكَثِيرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ (وَجْهَانِ) قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ يُقْبَلُ فِي أَلْفٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ (وَلَوْ عُدِّلُوا عِنْدَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءً بِعِلْمٍ) بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ وَقِيلَ يَعْمَلُ بِهَا إنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالتَّرْجِيحُ مَعَ التَّعْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ مُحْتَجًّا لَهُ بِقَوْلِ الْأَصْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَسَوَاءٌ مَا عَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا وَمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِهِمَا وَمَا قَالَهُ مَرْدُودٌ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ)
(وَهُوَ جَائِزٌ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ «وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ غَائِبٌ وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْك أَوْ نَحْوَهُ وَلَمْ يَقُلْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
اشْتِرَاطٌ عَلَيْهِ فَقَطْ وَيُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يُسَمِّيهِ أَوْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ قَرَابَةٍ اُتُّجِهَ اشْتِرَاطٌ لَهُ فَقَطْ وَيُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يُسَمِّيهِ وَإِنْ لُوحِظَ الِاحْتِيَاطُ اشْتِرَاطُ لِي وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. اهـ.
[فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا ارْتَابَ بِهِمْ]
(فَصْلٌ قَوْلُهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى صَدَّقَهُمْ) قِيلَ أَوَّلُ مَنْ فَرَّقَ الشُّهُودَ دَانْيَالَ وَقِيلَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ إلَخْ) مَحَلُّ عَدَمِ تَعَيُّنِ التَّفْصِيلِ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ حَقٌّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْصِلْ لَفَاتَ بِذَلِكَ حَقُّ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ لَا مَحَالَةَ غ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَجْأَةً إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَصْلُ تَقْدِيم بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ]
(قَوْلُهُ تَقَدُّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ) لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ وَلِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَالْمُعَدِّلُ نَافٍ وَالْإِثْبَاتُ أَوْلَى مِنْ النَّفْيِ وَيُشَبَّهُ ذَلِكَ بِمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا جُرِحَ بِهِ) فَتُقَدَّمُ الْأُولَى كَأَنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِأُخْرَى فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَتَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنْ يَعْرِفَ الْمُعَدِّلَانِ مَا جَرَى مِنْ جَرْحِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَكَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ ظَاهِرٌ فِيهِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ عُدِّلُوا وَطَالَ زَمَنٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الشُّهُودِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجِبُ طَلَبُ التَّعْدِيلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْطُلْ) الْمَرْجِعُ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ فَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ (قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ) هُوَ الْأَصَحُّ
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ)(قَوْلُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) وَالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْخَصْمِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ، وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَبُو سُفْيَانَ لَيْسَ بِحَاضِرٍ وَلَمْ يُنْتَظَرْ حُضُورُهُ وَهَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَأَبُو سُفْيَانَ حَاضِرٌ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَغِيبَ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ يَسْتَتِرَ فَلَا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بَلْ إفْتَاءً اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا هُوَ الْمُتَّضِحُ وَكَيْفَ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ وَلَمْ يُحَلِّفْهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ مَا حَكَمَ بِهِ لَهَا وَتُجْرِي دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِحُكْمِهِ عَلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرُّعَاةَ وَحُكْمِهِ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ بِأَنْ يَقْسِمَ أَوْلِيَاءُ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ
خُذِي وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأُسَيْفِعِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا فَإِنَّا بَايِعُوا مَالِهِ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا؛ وَلِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ مِنْ الصِّغَرِ وَالْمَوْتِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الدَّفْعِ فَإِذَا جَازَ الْحُكْمُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَيِّتِ فَلْيَجُزْ عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا (حَتَّى فِي الْعُقُوبَةِ) لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحْدِ قَذْفٍ (لَا) فِي الْعُقُوبَةِ (لِلَّهِ) تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) خَمْسَةٌ (الْأَوَّلُ) فِي (الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّعَى) وَقَدْرِهِ وَنَوْعِهِ (وَوَصْفِهِ وَقَوْلُهُ إنِّي مُطَالَبٌ بِالْمَالِ) فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ) فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ (جُحُودَهُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَرْطٌ، وَهِيَ لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ عَلَى مَا يَأْتِي (وَ) لَكِنْ (لَوْ لَمْ يَذْكُرْ جُحُودًا وَلَا إقْرَارًا سُمِعَتْ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ (فَإِنْ ذَكَرَ إقْرَارَهُ) وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ (لِيَكْتُبَ لَهُ) الْحَاكِمُ بِهِ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ (لَمْ تُسْمَعْ) لِمَا مَرَّ (أَوْ لِيَسْتَوْفِيَ لَهُ) الْحَاكِمُ حَقَّهُ (مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ) لِلْغَائِبِ (سُمِعَتْ) وَوَفَّاهُ حَقَّهُ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ، وَهُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِهَا وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ) عَنْ الْغَائِبِ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُهُ كَذِبًا قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ فَذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ (فَرْعٌ) لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهَا أَوْ أَبْرَأَنِي فِيهَا وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجَتْ إلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَنِي وَيَجْحَدَ الْقَبْضَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لَمْ يُجِبْهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي التَّحْلِيفِ وَبَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ) وَتَعْدِيلِهَا (يَحْلِفُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ وَحَدُّ قَذْفٍ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَنْ لَهُ إسْقَاطُ حَدِّ الْقَذْفِ بِاللِّعَانِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَقْضِي بِالْأَمْرِ اللَّازِمِ وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ) فَلَا يُرَدُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ لِشَاهِدٍ وَالْيَمِينِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْبَيِّنَةِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَيْ وَلَوْ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ هِيَ صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَلَوْ ادَّعَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَوَّلًا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ حَدَّثَ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ صَدَرَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ بِهَا وَلَوْ سَافَرَ الْقَاضِي بَعْدَهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ الَّتِي هِيَ فِي عَمَلِهِ وَالْمُدَّعِي مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِالدَّعْوَى فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَصَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِتِلْكَ الدَّعْوَى الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي الْإِرْسَالِ وَالنُّكُولِ أَوْ رَدِّ الْيَمِينِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِحَلِفِ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ مَعَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت هَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَسْتَقِلُّ بِالْمُهِمَّاتِ النَّاجِزَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ مِمَّا يَفُوتُ فَإِذَا وُجِدَتْ الْحُجَّةُ أَوْ جَدَّ الدَّعْوَى ع.
(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ) ، وَإِنْ قَالَ أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ فَسُنَّ ر د (قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوْ إنْ قَالَ لَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ (قَوْلُهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ) أَيْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مَنْ لَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ لِسَفَهٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ) كَمُفْلِسٍ يُقِرُّ بِدَيْنٍ مُعَامَلَةً بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ إنَّهُ مُقِرٌّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا تُقْصَدُ لَهُ الدَّعْوَى، وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً لَا يَضُرُّهُ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الشَّارِحِ، وَهُوَ جَلِيٌّ إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى وَمُرَادُهُ بِالثَّلَاثِ هَذِهِ وَالْمَكْتُوبُ يَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا تَتِمَّةٌ لَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى قَالَ وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ شَاهِدَةٌ إلَخْ) وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَرْجَحِ بَلْ لَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَشْبَهِ لِاحْتِمَالِ الْجُحُودِ اهـ مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ وَكِيلًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْمُخْتَارُ النَّصْبُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَسْتَدْعِي جَوَابًا وَقَدْ تَعَذَّرَ جَوَابُ الْغَائِبِ فَالْمَنْصُوبُ يَقُومُ مَقَامَهُ مُنْكِرًا أَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِ الْغَائِبِ الْإِنْكَارُ (قَوْلُهُ فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ إلَى آخِرِهِ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي كَانَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَيَّ كَذَا وَقَدْ قَضَيْته وَالْآنَ مُنْكِرٌ الْقَضَاءَ وَلِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ لِتَحْكُمَ بِهِ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَحَكَمَ بِهَا
(الطَّرَفُ الثَّانِي)
وُجُوبًا) يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ (مُدَّعٍ عَلَى غَائِبٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ) عَلَيْهِ (بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ) يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ (مَا بَرِئَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ احْتِيَاطًا لَهُ إذْ لَوْ حَضَرَ أَوْ كَمَّلَ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَلَوْ اقْتَصَرَ) فِي حَلِفِهِ (عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَفَى) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ) بِمَا ادَّعَاهُ (بَيِّنَةً انْتَظَرَ بُلُوغَ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ) لِتَعَذُّرِ تَحْلِيفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ (وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينَيْنِ أَحَدُهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالْأُخْرَى) بَعْدَهَا (لِنَفْيِ الْمُسْقِطِ) مِنْ إبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ
(فَرْعٌ) لَوْ (ادَّعَى وَكِيلُ غَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَحْلِفْ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ (وَيُعْطِي الْحَقَّ) الَّذِي ادَّعَاهُ أَيْ يُعْطِيهِ لَهُ الْقَاضِي (إنْ كَانَ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هُنَاكَ مَالٌ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَمَجْنُونٍ) فِي مَعْنَاهُ الْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ (قَوْلُهُ إنَّ مَا ادَّعَاهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا أَطْلَقَهَا وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ حِسْبَةً عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَطَلَبَا الْحُكْمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إذْ لَاحَظَ فِي حُكْمِهِ جِهَةَ الْحِسْبَةِ مُعْرِضًا فِيهِ عَنْ الطَّلَبِ وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فس وَالْمُدَّعَى بِهِ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا فَلَا يُحَلِّفُ فِيهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُحَلِّفُ فِي كُلِّ دَعْوَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ مَيِّتٍ دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِمْ عَلَى غَائِبٍ وَرَامُوا بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُحَلِّفُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْمُسْقِطَاتِ كَمَا يُحَلِّفُ مُوَرِّثَهُمْ عَلَى الْبَتِّ وَهَذَا وَاضِحٌ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ) أَيْ الْآنَ أَوْ فِي وَقْتِي هَذَا.
(قَوْلُهُ انْتَظَرَ بُلُوغَ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الصَّبِيِّ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ قَدْرَ دَيْنِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ بَلْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ لَكِنَّهُ فَرَضَ تِلْكَ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ هُوَ الَّذِي ادَّعَى لَهُ خَاصَّةً وَهَذِهِ فِيمَا إذَا كَانَا صَبِيَّيْنِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَوَجَّهَتْ فِي دَعْوَى أُخْرَى اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ وَلَكِنْ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطٍ مِنْ الصَّبِيِّ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخِّرُ الِاسْتِيفَاءَ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى نَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا إذْ لَا بُدَّ مَعَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْيَمِينِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى وَكَتَبَ أَيْضًا وَبِهَذَا عُلِمَ ضَعْفُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ مِنْ بَيْعِ عَيْنٍ مَرْهُونَةٍ لِمَيِّتٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَثْبَتَهُ وَكِيلُ غَائِبِينَ وَوَلِيُّ قَاصِرِينَ وَوُقِفَ الْيَمِينُ إلَى الْحُضُورِ وَالْبُلُوغِ (قَوْلُهُ ادَّعَى وَكِيلُ غَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَحْلِفْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ وَأَنَّ إيجَابَهُ لِلتَّحْلِيفِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِيمَا لَوْ أَقَامَ قَيِّمُ الطِّفْلِ بَيِّنَةً عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَقَالَ يُؤَخَّرُ مُسْتَحِقُّ الطِّفْلِ إلَى بُلُوغِهِ وَتَكُونُ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ حَقِّهِ وَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ الْغَائِبِ الَّذِي يُمْكِنُ حُضُورُهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ هَذَا مِنْ الْعَجَائِبِ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى هُنَا عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُدَّعَى لَهُ وَيَحْلِفَ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ. اهـ.
وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَيْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ وَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا لَوْ ادَّعَى وَكِيلُهُ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى غَائِبٍ فَيَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ (قَوْلُهُ وَيُعْطَى الْحَقَّ الَّذِي ادَّعَاهُ) أَيْ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَالٌ) إطْلَاقُهُ لَفْظَ الْمَالِ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَإِذَا كَانَ لِلْغَائِبِ دَيْنٌ فَلِلْقَاضِي قَبْضُهُ وَوَفَاءُ دَيْنِ الْغَائِبِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَأَفْتَى بِهِ وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَلَا يُحْجَرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا لَهُمْ فِي الذِّمَمِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ فِي الذِّمَمِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَفَّى مِنْ مَالِ الْحَاضِرِ وَالْغُرَمَاءُ لَا يَدَّعُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّفْلِيسِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَرُدُّهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التَّفْلِيسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا لَهُمْ فِي الذِّمَمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَاهُ صَارَ أَمَانَةً وَقَدْ يَحْصُلُ تَلَفٌ فَيَفُوتُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ مَضْمُونٌ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمِنَ هَذَا الْمَحْذُورَ عِبَارَةَ الْقَاضِي فِي فَتْوَاهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي إيفَاءَهُ مِنْهُ أَوْ فَاءَ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ قَبْضُ دُيُونِ الْغَائِبِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَنْقُلُهُ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْأَمَانَةِ فَبَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ أَغْبَطُ لِصَاحِبِهِ أَمَّا حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ دَيْنَهُ لِيُوفِيَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا يُقَالُ فِي تَوْفِيَةِ الْحَاكِمِ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ حَجَرَ عَلَى الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ إلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ لِأَنَّا نَقُولُ وَكَذَلِكَ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ تَحْجِيرٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُرِيدُ الْوَفَاءَ مِنْ هَذَا الْكِيسِ الْمَخْصُوصِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ إذَا حَضَرَ يُخَيَّرُ فَإِذَا غَابَ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ الْمَدْيُونِ يَفْعَلُهُ وَصَارَتْ الْخِيرَةُ الَّتِي لِلْمَدْيُونِ لِلْحَاكِمِ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالُوا يَجُوزُ الظَّفْرُ مِنْ مَالِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ أَمَّا إذَا غَابَ وَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَرَفَعَ غَرِيمٌ غَرِيمَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الدَّيْنَ وَيُوَفِّيَ بِهِ الْمُدَّعِي فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِوَفَاءِ الْمُدَّعِي لَا يَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ يَقْبِضُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُقِيمُهُ لِذَلِكَ ثُمَّ يُقْبِضُهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ
لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ خِلَافُهُ إنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَقَدْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَاكَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ (أَوْ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ) لَهُ (أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ (لَمْ يُؤَخَّرْ الْحُكْمُ لِيَمِينِهِ) عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ بَعْدَ حُضُورِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ (بَلْ) يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ ثُمَّ (يُثْبِتُ) هُوَ (الْإِبْرَاءَ أَوْ يُسَلِّمُ) الْحَقَّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحَقِّ ثُمَّ يُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ (وَكَذَا إنْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ (صَبِيٍّ مَالًا) وَادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ (فَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَيْنًا) بَدَلَهَا مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَقَدْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ الْحَقَّ (وَيَحْلِفُ) لَهُ (الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ) عَاقِلًا.
(وَلَوْ سَأَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ) الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ (أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ (أُجِيبَ) إلَيْهِ (وَقَالَ) صَوَابُهُ قَالَهُ (الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ) مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ وَقَالَ فَفِي الْبَحْرِ: أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْخُصُومَةِ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بِهَا سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (أَنْتَ وَكِيلُهُ) أَيْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَادَّعَى عَلَيْك وَأُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً (فَأَنْكَرَ) الْوَكَالَةَ (أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ) أَنِّي وَكِيلٌ (لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصَمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يَقُولُ لَسْت بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قَدْ تَقُومُ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَيَكْفِي اعْتِرَافُ الْخَصْمِ بِهَا حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي.
وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ تَخَاصُمَهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ نَقَلَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُ الْوَكِيلِ إثْبَاتَ الدَّيْنِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ أَوْ تَسْلِيمَ الْمَالِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُبْرِئُهُ مِنْهُ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ) عَلَى الْغَائِبِ (وَيُنْهِي) الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَحْكُمَ وَيَسْتَوْفِيَ (وَأَنْ يَحْكُمَ) عَلَيْهِ بِالْحَقِّ (وَيُنْهِي) الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُوَفَّى عَنْهُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُحْمَلُ هُنَاكَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَالَ الْغَزِّيِّ وَالْمَالُ الْغَائِبُ الَّذِي فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي كَالْحَاضِرِ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَطْلَقَ الْقُضَاةُ عَلَى الْمَالِ الْحَاضِرِ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ الْحَاضِرِ حَقٌّ فَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ عَبْدًا جَانِيًا وَهُنَاكَ فَضْلٌ فَهَلْ نَقُولُ لِلْقَاضِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُرْتَهِنَ وَالْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِأَخْذِ مُسْتَحِقِّهِمَا بِطَرِيقِهِ لِيُوَفِّيَ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ لِمُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَالْأَرْجَحُ إجَابَةُ الْمَدِينِ لِذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَقْتَضِ الْحَالُ إجْبَارَ الْحَاضِرِ عَلَى دَفْعِ مُقَابِلِهِ لِلْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ كَمَا فِي الزَّوْجَةِ تَدَّعِي بِصَدَاقِهَا الْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّ مَالَهُ حَاضِرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُوَفِّيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يُجْبَرَانِ وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْغَائِبِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْغَائِبَ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا وَحَيْثُ قُلْنَا يُجْبَرَانِ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) أَيْ أَوْ اسْتَوْفَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ صَبِيٌّ مَالًا إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ انْتِظَارِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فِيمَا مَرَّ وَاضِحٌ فَإِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطٍ مِنْ الصَّبِيِّ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى نَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ وَحْدَهَا (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأهُ) أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ أَوْ أَنَّهُ عَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الْوَكِيلُ لَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُ الْوَكِيلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَيُنْهِي) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ «وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ الْأَعْرَابِ ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشْيَمَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الضَّبَابِيِّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرِثَهَا» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو لِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي بَلَدٍ وَخَصْمٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ وَلَا حَمْلُ الْخَصْمِ إلَى بَلَدِ الْبَيِّنَةِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ
(تَنْبِيهٌ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي عَمَلِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِكِتَابِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَالِمًا بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَوَّلِ وَبِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ جَوَّزُوا الْكِتَابَ الْمُطْلَقَ وَالْكِتَابَ إلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ غَالِبَ قُضَاةِ الْبِلَادِ الْمُتَبَاعِدَةِ وَالْأَقْطَارِ الْمُتَنَائِيَةِ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَالِ بَعْضٍ شَيْئًا فَيَتَعَذَّرُ
(لَا مَا حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ) فَلَا يُنْهَى الْأَمْرُ فِيهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْعُدَّةِ: لَا يَجُوزُ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَصَحُّ مَا فِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ جَازَ لَهُ الْإِنْهَاءُ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَكْسُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ (فَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ وَسَأَلَ إنْهَاءَ) الْحُكْمِ (إلَى قَاضِي بَلَدِهِ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِحُكْمِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ)
بِذَلِكَ كِتَابًا أَوَّلًا ثُمَّ يَشْهَدَ (وَيَقُولَ) فِيهِ (بَعْدَ ذِكْرِ الْبَيِّنَةِ) الْمَسْبُوقَةِ بِالدَّعْوَى أَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَضَرَ فُلَانٌ وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِ كَذَا بِكَذَا وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَ (حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحَكَمْت لَهُ بِالْمَالِ وَسَأَلَ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ) إلَيْك بِذَلِكَ (فَكَتَبْت لَهُ) وَأَشْهَدْت بِهِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ) فِيهِ حَكَمْت (بِشَاهِدَيْنِ) ، وَإِنْ (لَمْ يَصِفْهُمَا بِعَدَالَةٍ وَ) لَا (غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا (تَعْدِيلٌ) لَهُمَا (وَأَنْ يَقُولَ) حَكَمْت بِكَذَا (بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ) فَقَدْ يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِعِلْمِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ شُهُودِ الْحُكْمِ وَلَا شُهُودِ الْحَقِّ وَلَا ذِكْرُ أَصْلِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا (وَلِيَقْرَأَ الْكِتَابَ) الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى الشُّهُودِ وَيَقْرَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ أَوْ عَلَى حُكْمِي الْمُبَيَّنِ فِيهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الشَّامِلِ لَوْ اقْتَصَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ أَجْزَأَ لَكِنْ حَكَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِصِيغَةٍ قِيلَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدُ أَنَّ وَقْتَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَابِ (فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ) عَلَيْهِمَا وَجَهِلَا مَا فِيهِ (وَأَشْهَدَهُمَا عَلَى مَا أَنَّ فِيهِ حُكْمَهُ) أَوْ أَنَّهُ قَضَى بِمَضْمُونِهِ (لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَفْصِلَ) لَهُمَا (مَا حَكَمَ بِهِ) وَلَا يَكْفِي أَيْضًا مَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يُشْهِدَهُمَا عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ أَوْ مَا فِيهِ خَطُّهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَحْقِيقِهِ (وَلَوْ حَكَمَ بِحُضُورِهِمَا وَلَمْ يُشْهِدْهُمَا فَلَهُمَا الشَّهَادَةُ بِحُكْمِهِ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْشَاءَ الْحُكْمِ بِحُضُورِهِمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ إلَّا مَا مَرَّ عَنْ الشَّامِلِ (وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَطْلُبُ) وُجُوبًا (تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ الْحَامِلِينَ لِلْكِتَابِ وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ كَتَعْدِيلِ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ لَثَبَتَتْ بِقَوْلِهِمْ وَالشَّاهِدُ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ (وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ) لِآخَرَ (يَسْتَحِقُّ فُلَانٌ عَلَيَّ مَا فِي هَذِهِ الْقُبَالَةِ وَأَنَا عَالِمٌ بِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا إنْ حَفِظَهَا)، وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَهَمُّ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَجَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِالْمَنْعِ حَتَّى يَقْرَأَهُ وَيُحِيطَ بِمَا فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَضْمُونِ الْقُبَالَةِ مُفَصِّلًا أَمَّا الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا فِيهَا مُبْهَمًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قَطْعًا كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ الْمُبْهَمَةِ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (خَتْمُ الْكِتَابِ) حِفْظًا لِمَا فِيهِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَصَارَ خَتْمُ الْكُتُبِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا خَوْفًا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ.
(وَ) أَنْ (يَتْرُكَ مَعَهُمَا) نُسْخَةً (أُخْرَى) غَيْرَ مَخْتُومَةٍ (يُطَالِعَانِهَا) عِنْدَ الْحَاجَةِ (وَ) أَنْ (يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ نَقْشَ الْخَتْمِ) أَيْ الْخَاتَمِ الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ (وَأَنْ يُثْبِتَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُنْوَانِ أَيْضًا) كَمَا يُثْبِتُهُمَا فِي بَاطِنِ الْكِتَابِ (فَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ) الْحَقَّ بَعْدَ أَنْ أَحْضَرَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (شَهِدَا) عِنْدَهُ (بِأَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ وَخَتْمُهُ وَحَكَمَ بِمَا فِيهِ لِفُلَانٍ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ فَطَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ إنْهَاءَ الْأَمْرِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَضِيَّةَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُجِيبُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.
(قَوْلُهُ لَا مَا حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَ لَا وَلَوْ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْعُدَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا عَالِمٌ بِكَذَا إخْبَارٌ عَنْ عِلْمِ نَفْسِهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ بَلْ لَوْ شَهِدَ بِهِ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي غَيْرِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَسَأَلَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ) هَذَا إذَا عَلِمَ بَلَدَهُ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ كَتَبَ الْكِتَابَ مُطْلَقًا إلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ) ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ بِإِقْرَارِهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا فِي صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقُومُ حُكْمُهُ مَقَامَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ) وَجَرَى عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ وَمِنْهُمْ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَأَصْلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَلَوْ كَتَبَ كَاتِبٌ إقْرَارًا أَوْ كَتَبَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَأَشَارَ إلَى مَجْمُوعَةٍ فَقَالَ الْإِقْرَارُ الْمُثْبِتُ فِي هَذَا الذِّكْرِ إقْرَارِي وَأَنَا مُعْتَرِفٌ بِجَمِيعِ مَا أُثْبِتُهُ فِي هَذِهِ الْأَسْطُرِ فَالْوَجْهُ عِنْدَنَا ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ وَجَوَازُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ إذَا أَشَارَ الشُّهُودُ إلَى الذِّكْرِ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذًا بِتَفْصِيلِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَجَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِالْمَنْعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَطْعًا) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ نَقْشَ الْخَتْمِ) كُلُّ مَا يَرَاهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ شَرْطًا فِي الْقَبُولِ يُؤْتَى بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَنَ عَلَى حُكْمِ الْقَصْدِ ع
عَلَى هَذَا وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا) ، وَإِنْ لَمْ يَقُولَا وَأَشْهَدَنَا بِهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُهُمَا الْكِتَابَ وَالْخَتْمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِحُكْمِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ (فَرْعٌ التَّعْوِيلُ عَلَى) شَهَادَةِ (الشُّهُودِ فَلَوْ شَهِدُوا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ) أَوْ بَعْدَ أَنْ ضَاعَ أَوْ انْمَحَى أَوْ انْكَسَرَ الْخَتْمُ كَمَا فَهِمْت بِالْأَوْلَى (عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ كَمَا مَرَّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ تَذْكِرَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جَرَى رَسْمُ الْقُضَاةِ بِهِ (وَيَشْهَدُ بِهِ) أَيْ بِمَا فِيهِ (رَجُلَانِ وَلَوْ فِي مَالٍ) أَوْ زِنًا أَوْ هِلَالِ رَمَضَانَ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ فَضِّ الْكِتَابِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فَضَّهُ الْقَاضِي أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ الْأَدَبُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدُوا بَعْدَ فَضِّ الْقَاضِي لَهُ وَقِرَاءَتِهِمْ الْكِتَابَ
(فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَى) قَاضٍ (مُعَيَّنٍ) بِحُكْمٍ أَوْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ (فَشَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ) ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ (سَوَاءٌ عَاشَ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ مَاتَا) ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِمَا تَحَمَّلُوهُ عَنْ الْكَاتِبِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَوْتِ الْكَاتِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَكَالْمَوْتِ الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَخَرَسٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ فَسَقَ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ) ثُمَّ وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الثَّانِي (أَمْضَى حُكْمَهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ (لَا إنْ كَانَ) الْإِنْهَاءُ (إنْهَاءَ) سَمَاعِ (بَيِّنَةٍ) فَلَا يَقْبَلُهَا وَلَا يُحْكَمُ بِهَا كَمَا لَوْ فَسَقَ الشَّاهِدُ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا مُشَبَّهَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ فِسْقِ الْأَصْلِ أَوْ رِدَّتِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَجْرَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي غَيْرِ الْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ
(فَرْعٌ يَنْبَغِي) أَيْ يُنْدَبُ (أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَ) الْمَحْكُومِ (عَلَيْهِ وَ) أَنْ (يَصِفَهُمَا بِمَا يُمَيَّزَانِ بِهِ) مِنْ كُنْيَةٍ وَوَلَاءٍ وَاسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ وَحِلْيَةٍ وَحِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ (فَإِنْ شَهِدَا عَلَى الْمَوْصُوفِ) بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ (فَأَنْكَرَ الِاسْمَ وَالنَّسَبَ) وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمَوْصُوفُ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ أَمَّا إذَا شَهِدَا عَلَى عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حَكَمَ عَلَيْهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ (فَلَوْ قَالَ) لَا أَحْلِفُ عَلَى أَنِّي لَسْت الْمَوْصُوفَ بَلْ (أَحْلِفُ) عَلَى (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي) شَيْءٌ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِمَا أَنْكَرَهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الصَّغِيرِ قَالَ وَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ كَفَاهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قَالَ هُوَ اسْمِي وَلَسْت الْخَصْمَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ) لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ (يُعَاصِرُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ) الَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ (حَكَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ.
(فَإِنْ وُجِدَ) ، وَهُوَ (مَيِّتٌ) بَعْدَ الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ (وَقَدْ عَاصَرَهُ وَقَعَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدُوا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ) يَنْبَغِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَنْ يُرَاجِعَ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فِيمَا كَتَبَ بِهِ وَأَشْهَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْقَاضِي رِيبَةٌ فِي قَوْلِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ غ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ نَائِيًا عَنْهُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَيَقُولُ اسْتَخْلِفْ عَنِّي (قَوْلُهُ بَعْدَ فِسْقِ الْأَصْلِ) أَوْ رِدَّتِهِ خَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ فَسَقَ بَعْدَ عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ.
(قَوْلُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ) مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْقَاضِي بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فِسْقٍ وَتَقَلَّدَ غَيْرُهُ مَكَانَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ كِتَابٍ إلَى غَيْرِهِ كَالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَعْزُولِ لَا يَحْكُمُ بِهَا الْمُوَلَّى بَعْدَهُ وَيَحْكِي فِي الْبَحْرِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ قَالَ إنَّ الْكِتَابَ يَخْرُجُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ عَنْ أَنْ يَكُونَ بَيِّنَةٌ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَالَ شُرَيْحٌ: إذَا مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ غَيْرُهُ وَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ أَوْ وَصَلَ فِي حَيَاةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَى قَاضٍ آخَرَ قَبِلَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاضٍ، وَإِنْ عَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا شَهِدَ عَلَى الْمَوْصُوفِ) قَالَ فِي الْحَاوِي.: إذَا وَقَفَ الْقَاضِي عَلَى عُنْوَانِهِ وَخَتَمَهُ سَأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْهُ قَبْلَ فَضِّهِ سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ فَإِذَا أَخْبَرَاهُ فَضَّهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَفُضَّهُ وَيَقْرَأَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ فَإِذَا قَرَأَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ جَازَ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ فَضَّهُ وَقِرَاءَتِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ فَإِذَا قَرَأَهُ الْقَاضِي سَأَلَ الشَّاهِدَيْنِ سُؤَالَ شَهَادَةٍ لَا سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ إذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا حَضَرَ فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ وَإِلَّا فَيَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ وَخَتْمَهُ حَكَمَ فِيهِ لِفُلَانٍ بِكَذَا عَلَى هَذَا وَأَشْهَدَنَا بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَا وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِمَا أَنْكَرَهُ) جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى حَسَبِ الْجَوَابِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَوْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِ الْقَبْضِ أَوْ الْبَرَاءَةِ لَمْ يُجِبْهُ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ قَدْ حَلَّفَهُ وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَالَةِ شُهُودِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا عَدَاوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لَمْ يُجِبْهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا وِلَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا شَرِكَةَ أُجِيبَ إلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَحْكُومِ لَهُ دُونَ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ الَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) مِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَى مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ كَتَبَ فِي الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فَأَقَرَّ أَنَّهُ الْمُسَمَّى وَأَنْكَرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُحْضِرَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا كَذَلِكَ الْحُجَّةُ إذَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ