الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْحَائِطَ لَا كَسْرَهُ إزَالَةَ الِاسْمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى كَسْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبِرِّ إزَالَةُ الِاسْمِ
(فَرْعٌ) لَوْ (حَلَفَ لَا يَزُورُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا يَحْنَثُ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ أَوْ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخَلَ شَاةً) عَلَيْهَا صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ فِيمَا يَظْهَرُ (أَوْ) لَا يُدْخِلُهُ (بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ) وَلَوْ (فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ حَنِثَ) بِاسْتِظْلَالِهِ (بِالْأَزَجِ أَوْ) حَلَفَ (لَا يُفْطِرُ فَبِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفَطِّرُ يَحْنَثُ (لَا رِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَ) دُخُولِ (لَيْلٍ) وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفَطِّرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَاعَى فِيهَا الْعَادَةُ وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأُولَى أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْبِهُ الْفَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِحَمْلِهَا وَجَهْلِهِ وَظَنِّهِ حِيَالَهَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ الْأَمِيرُ فِي الْبَلَدِ فَخَرَجَ الْأَمِيرُ مِنْهَا فَاصْطَادَ ثُمَّ رَجَعَ وَاصْطَادَ لَمْ يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ دَوَامِ الصِّفَةِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مَا يُوَافِقُهُ
(كِتَابُ الْقَضَاءِ) بِالْمَدِّ أَيْ الْحُكْمُ وَجَمْعُهُ أَقْضِيَةٌ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ يُقَالُ لِإِتْمَامِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ وَإِمْضَائِهِ وَالْفَرَاغِ مِنْهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَتِمُّ الْأَمْرَ وَيُحْكِمُهُ وَيُمْضِيهِ وَيَفْرُغُ مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقَوْله تَعَالَى {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 105] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهَا فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «إذَا جَلَسَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلَكَيْنِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ فَإِنْ عَدَلَ أَقَامَا، وَإِنْ جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ» وَمَا جَاءَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» مَحْمُولٌ عَلَى عِظَمِ الْخَطَرِ فِيهِ أَوْ عَلَى مَنْ يُكْرَهُ لَهُ الْقَضَاءُ أَوْ يَحْرُمُ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي التَّوْلِيَةِ وَ) فِي (الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ) أَيْ تَوَلِّيهِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ (كَالْإِمَامَةِ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
(وَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِي نَاحِيَتِهِ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ (لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ) إذَا وَلِيَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا (وَلَا يُعْذَرُ) الْمُتَعَيِّنُ (لِخَوْفِ مَيْلٍ) مِنْهُ أَيْ جَوْرٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَقْبَلَ وَيَحْتَرِزَ مِنْ الْمَيْلِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ (وَلَا يَفْسُقُ بِالِامْتِنَاعِ) مِنْ ذَلِكَ (لِتَأَوُّلِهِ) فِي امْتِنَاعِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ (وَيُجْبَرُ) عَلَى الْقَبُولِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ، وَأُمَّا خَبَرُ «أَنَّا لَا نُكْرِهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَحَدًا» فَحَمَلُوهُ عَلَى حَالِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ مَعَ أَنَّهُ غَرِيبٌ (فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) مِنْ الْقَبُولِ (كُرِهَ) لِلْمَفْضُولِ (الطَّلَبُ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[كِتَابُ الْقَضَاءِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ] [
الْبَاب الْأَوَّلُ فِي تَوْلِيَة الْقَاضِي وَعَزْلهِ] [
الطَّرَفَ الْأَوَّلُ فِي التَّوْلِيَةِ]
كِتَابُ الْقَضَاءِ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَالْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاءُ الْحُكْمِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ مِنْ مُطَاعٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُطَاعِ عَنْ الْمُفْتِي قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي أَيْضًا تَجِبُ طَاعَتُهُ فَهُوَ مُطَاعٌ شَرْعًا قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ الْإِلْزَامُ مِمَّنْ لَهُ فِي الْوَقَائِعِ الْخَاصَّةِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا: أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمٍ وَمَحْكُومٍ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ وَطَرِيقٌ فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَوْ الصِّحَّةُ أَوْ الْفَسَادُ وَكَذَلِكَ السَّبَبِيَّةُ وَالشَّرْطِيَّةُ وَالْمَانِعِيَّةُ وَلَا يَحْكُمُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا نَدْبٍ فَإِنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِمَا مُبَاشَرَةً وَلَا اسْتِلْزَامًا بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ الْإِمَامُ عَلَى فَصْلِ كُلِّ الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (تَنْبِيهٌ)
سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ هَلْ التَّصَدِّي لِلْقَضَاءِ أَفْضَلُ أَمْ التَّصَدِّي لِلْفُتْيَا فَأَجَابَ بِأَنَّ التَّصَدِّي لِلْفُتْيَا أَفْضَلُ فَإِنَّ مُتَعَلَّقَهَا أَهَمُّ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ) هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا (قَوْلُهُ أَيْ تَوْلِيَةً) أَمَّا إيقَاعُ التَّوْلِيَةِ لِلْقَاضِي فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَاضِي الْإِقْلِيمِ فِي الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ الْخَبَرُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ تَعَيَّنَ فَرْضُ التَّوْلِيَةِ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ بَلَغَهُ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا وَلِيَ سَقَطَ الْفَرْضُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَإِذَا ارْتَفَعَا إلَى النَّائِبِ فَإِيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الدَّفْعُ إذَا كَانَ فِيهِ تَعْطِيلٌ وَتَطْوِيلُ نِزَاعٍ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إمَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ هُمَا وَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ
(قَوْلُهُ وَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ) وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى بَذْلِ مَالٍ لَزِمَهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَأَئِمَّتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ غ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا) أَيْ النَّاحِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُقُ بِالِامْتِنَاعِ لِتَأَوُّلِهِ) فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَمْتَنِعُ بِلَا تَأْوِيلٍ فَيَفْسُقُ فَلَا بُدَّ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَاسِقَ مَتَى حَصَلَ بِتَوْبَتِهِ الْعِلْمُ بِزَوَالِ الْفِسْقِ صَحَّتْ فِي الْحَالِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَاضِلِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ يَرْتَفِعُ فِسْقُهُ، وَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ ع (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الْمُفْتِي هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَزِدْت بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ لَفْظَةً وَإِلَّا إلَخْ لِيَسْتَقْسِمَ الْكَلَامُ اهـ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ وَمَنْ تَعَيَّنَ فَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ كُرِهَ لِلْمَفْضُولِ الطَّلَبُ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ الْفَاضِلِ فِي الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ الْمُقَلِّدِينَ الْعَارِفِينَ بِمَدَارِكِ مُقَلَّدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْفَاضِلُ مُجْتَهِدًا وَأَوْ مُقَلِّدًا عَارِفًا بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَالْمَفْضُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ تَوْلِيَتُهُ وَلَا قَبُولُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَوْجِيهُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ» (وَجَازَ) لَهُ (الْقَبُولُ) إذْ وَلِيَ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَالْقَبُولُ كَانَ أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالتَّوْلِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْقَبُولِ فَكَالْمَعْدُومِ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ (وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مِثْلُهُ وَكَانَ هَذَا مَشْهُورًا) يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ (مُكَفِّيًا) بِغَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ (كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ) وَعَلَى هَذَا حُمِلَ امْتِنَاعُ السَّلَفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَوْ مَكْفِيًّا (اُسْتُحِبَّ) لَهُ ذَلِكَ (لِيُنْتَفَعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دُونَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَبُولُ وَكَذَا الطَّلَبُ) ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبَّانِ (إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ) أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا فَيَحْتَرِزُ؛ لِأَنَّ أَهَمَّ الْعَزَائِمِ حِفْظُ السَّلَامَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ حُذِفَ لَفْظَةُ كَذَا كَانَ أَوْلَى
(وَحَرُمَ) عَلَى الصَّالِحِ (لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ) لَهُ (وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ) قَاضٍ (صَالِحٍ) لَهُ (وَلَوْ) كَانَ (دُونَهُ وَبَطَلَتْ) بِذَلِكَ (عَدَالَتُهُ) فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ عَلَى قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ (وَلَوْ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ طَلَبُهُ جَازَ بَذْلُ الْمَالِ وَ) لَكِنَّ (آخِذُهُ ظَالِمٌ) كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى وَيَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ (وَكَذَا يُسْتَحَبُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ) قَاضٍ (غَيْرِ صَالِحٍ) لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْهُ لَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (طَلَبٌ وَ) لَا (قَبُولٌ) لَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْوَطَنِ وَفَارَقَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ مَعَ قِيَامِ حَاجَةِ بَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْبَلَدُ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَشْمَلْهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ مَعَ انْتِفَاءِ حَاجَةِ بَلَدِهِ إلَيْهِ هَذَا وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْبَلَدِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ وَالنَّاحِيَةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ النَّاحِيَةُ فَقَطْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمِنْهَاجُ (وَإِنْ صَلَحَ) لَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا (جَمَاعَةٌ وَقَامَ) بِهِ (أَحَدُهُمْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ) عَنْ الْجَمِيعِ (وَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْهُ (أَثِمُوا) كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ وَاحِدًا) مِنْهُمْ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ (، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ) فَإِنْ كَانَ (غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ) لِلْقَضَاءِ (فَكَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا) لَهُ (فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ) ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ عَزَلَ (وَوَلَّى) غَيْرَهُ (نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ عِنْدَهَا، وَأُمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا بَذَلَ مَالًا لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
(وَيُشْتَرَطُ) فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ (أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا إذَا رَأَى مُجْتَهِدًا) أَيْ (غَيْرَ مُقَلِّدٍ) فَلَا يُوَلَّاهُ كَافِرٌ وَلَوْ عَلَى كُفَّارٍ كَمَا سَيَأْتِي لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَلَا أُنْثَى وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهَا مُجَالَسَةُ الرِّجَالِ وَرَفْعُ صَوْتِهَا بَيْنَهُمْ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَلَا خُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا مُقَلِّدًا كَمَا فِي الْإِفْتَاءِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِنْ الْمُقَلِّدِ وَقَوْلُهُ إذَا رَأَى يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْآتِيَةِ.
(وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَرَفَ) مِنْهُمَا (الْخَاصَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَقَوْلُهُ وَالْبُلْقِينِيُّ إلَخْ وَيَلْحَقُ بِالْمَفْضُولِ فِيهِمَا الْمِثْلُ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ وَالْحَامِلُ (قَوْلُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ إلَخْ) أَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا (قَوْلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُزَادُ مَا إذَا كَانَ الْمِثْلُ يَرْتَكِبُ أُمُورًا يَضْعُفُ مُدْرِكُهَا فَيُنْدَبُ لَهُ الطَّالِبُ وَقَدْ يَقْوَى الْإِيجَابُ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَوْ كَانَ لَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ النَّاسِ فِي خُصُومَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ إلَّا بِجَهْدٍ وَتَعَبٍ وَتَكَلُّفٍ وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ بَعْضُ الْقَضَايَا لِلْكَثْرَةِ فَيُنْدَبُ الطَّلَبُ لِمَنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ بِحَيْثُ يَزُولُ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ فَيَحْتَرِزُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْإِقْدَامِ لَكِنْ قَطَعَ فِي الذَّخَائِرِ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ
(قَوْلُهُ وَحَرُمَ طَلَبٌ لَهُ) أَيْ وَقَبُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ) تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ النُّسَخِ السَّقِيمَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ طَلَبٌ وَلَا قَبُولٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أَوْ بِقُرْبِهَا صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ وَكَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ وَوُجُوبِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إلَخْ) أَيْ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا عَدْلًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مُجْتَهِدًا) قَالَ الْقَفَّالُ: فِي زَمَانِهِ لَا يُوجَدُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ عُرِفَ مَذْهَبُهُ وَصَارَ حَاذِقًا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ أَيْ مَنْصُوصَاتِهِ بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا لِإِمَامِهِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَخَرَّجَهُ عَلَى أُصُولِهِ وَأَفْتَى فِيهَا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهَذَا أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ (قَوْلُهُ وَلَا خُنْثَى) كَالْأُنْثَى، وَإِنْ زَالَ إشْكَالُهُ وَبَانَ رَجُلًا أَمَّا إذَا بَانَتْ رُجُولِيَّتُهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ صَحَّ تَقْلِيدُهُ جَزْمًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا بَانَتْ بِغَيْرِ قَوْلِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ لَا جَمِيعِهِمَا وَأَيِّ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأَوَامِرِ
وَالْعَامَّ وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ) وَالنَّصَّ وَالظَّاهِرَ (وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ) وَعَرَفَ (مِنْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَ وَالْآحَادَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُتَّصِلَ وَعَدَالَةَ الرُّوَاةِ وَجَرْحَهُمْ) ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ (وَ) عَرَفَ (أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَغَيْرَهُ) لِئَلَّا يُخَالِفَهُمْ فِي اجْتِهَادِهِ (وَ) عَرَفَ (الْقِيَاسَ جَلِيَّهُ وَخَفِيَّهُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْبَابِ الثَّانِي (وَصَحِيحَهُ وَفَاسِدَهُ) لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَ) عَرَفَ (لِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَإِعْرَابًا) لِوُرُودِ الشَّرِيعَةِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ (وَ) عَرَفَ (أُصُولَ الِاعْتِقَادِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ الصَّحَابَةُ يَنْظُرُونَ فِيهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ) وَلَا بَعْضُهُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَلَا) يُشْتَرَطُ (التَّبَحُّرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ بَلْ يَكْفِي جُلٌّ) أَيْ مَعْرِفَةُ جُلٍّ مِنْهَا.
(وَ) أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ (مُصَحِّحٌ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ) أَيْ غَالِبَهَا كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد فَيَعْرِفَ كُلَّ بَابٍ فَيُرَاجِعَهُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ كُلِّ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ) وَالِاخْتِلَافِ (وَيَكْفِيهِ) الْأَوْلَى بَلْ يَكْفِيهِ (أَنْ يَعْرِفَ أَوْ يَظُنَّ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي فِيهَا (أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ لِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَهُ) أَوْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَيَكْتَفِي) عَنْ الْبَحْثِ فِي الْأَحَادِيثِ (بِمَا قَبِلَهُ) مِنْهَا (السَّلَفُ وَتَوَاتَرَتْ أَهْلِيَّةُ رُوَاتِهِ) مِنْ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ وَمَا عَدَاهُ يَكْتَفِي فِي أَهْلِيَّةِ رُوَاتِهِ بِتَأْهِيلِ إمَامٍ مَشْهُورٍ عُرِفَتْ صِحَّةُ مَذْهَبِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالضَّبْطِ ثُمَّ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ الِاجْتِهَادُ) بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِيمَنْ يَتَوَلَّى أَيْضًا (أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مُكَلَّفًا عَدْلًا فَلَا يُوَلَّى فَاسِقٌ) وَلَا أَعْمَى وَلَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (وَلَا كَافِرٌ) وَلَوْ (فِي كُفَّارٍ) لِمَا مَرَّ.
(وَمَنْ نُصِّبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْوُلَاةِ مِنْ نَصْبِ حَاكِمٍ لَهُمْ (فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ لَا) تَقْلِيدُ (حُكْمٍ) ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ بِالْتِزَامِهِمْ لَا بِإِلْزَامِهِ (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا سَمِيعًا) فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ أَصَمَّ (وَلَا أَخْرَسَ) ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ (وَلَا يَضُرُّ ثِقَلُ سَمْعِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَهُ (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَكُونَ كَافِيًا) فِي الْقَضَاءِ (وَلَوْ) كَانَ (أُمِّيًّا) لَا يَكْتُبُ وَلَا يَحْسِبُ وَلَا يَقْرَأُ الْمَكْتُوبَ وَتَعْبِيرُهُ كَالرَّافِعِيِّ بِالْأُمِّيِّ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْسِنَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَيَّدَ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إذَا كَانَ مَنْ يَتَوَلَّى بِمَحَلٍّ فِيهِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَثِقُ هُوَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَضَاعَتْ حُقُوقٌ وَمَصَالِحُ كَثِيرَةٌ (وَلَا) الْأَوْلَى فَلَا (يُجْزِئُ ضَعِيفُ رَأْيٍ) لِتَغَفُّلٍ أَوْ اخْتِلَالِ رَأْيٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَنُدِبَ) لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ (قُرَشِيٌّ وَمُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالتُّقَى أَوْلَى مِنْ) مُرَاعَاةِ (النَّسَبِ) وَنُدِبَ (ذُو حِلْمٍ وَتَثَبُّتٍ وَلِينٍ وَفَطِنَةٍ وَتَيَقُّظٍ وَكِتَابَةٍ) وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ الْكِتَابَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) نُدِبَ (صِحَّةُ حَوَاسَّ) وَأَعْضَاءٍ (وَمَعْرِفَةٌ بِلُغَةِ الْبَلَدِ) الَّذِي يَقْضِي لِأَهْلِهِ (قَنُوعٌ سَلِيمٌ مِنْ الشَّحْنَاءِ صَدُوقٌ) وَافِرُ الْعَقْلِ ذُو وَفَاءٍ وَسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ.
وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَالنَّوَاهِي تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهِمَا وَعَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ عِدَّةَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ وَلَعَلَّ الْحَافِظَ عَبْدَ الْغَنِيِّ جَعَلَ عِدَّتَهُ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ لِذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ بَلْ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مُشْكِلِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِأَنَّهَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَغَالِبُ الْأَحَادِيثِ لَا يَكَادُ يَخْلُو عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَسِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَفَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ) أَيْ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ وَمُقْتَضَيَاتُ التَّرْجِيحِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَ الْقِيَاسَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَتُهُ تَصْحِيحَ حِسَابِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمُقْتَضَيَاتُ التَّرْجِيحِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَخْ) الْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَخَالَفَهُمْ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَلَامِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مَنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ عَدَمَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَقَوْلُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَلَامِ الْبَيْضَاوِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ أَوْ يَظُنَّ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا) أَمَّا الْقَاضِي الَّذِي يَنْزِلُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ عَلَى حُكْمِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ أَعَمًى كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ كَانَ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي مَنْعُهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ يَرَى الْإِنْسَانَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصُّوَرِ فَكَالْأَعْمَى (قَوْلُهُ عَدْلًا) ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ إذَا مَنَعَ النَّظَرَ فِي مَالِ الِابْنِ مَعَ عِظَمِ الشَّفَقَةِ فَمَنْعُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ الَّتِي بَعْضُهَا حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِمَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَمْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا أَعْمَى) وَلَا مَنْ لَا يُبْصِرُ نَهَارًا وَلَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا) الْكِفَايَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ وِلَايَةٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْقَضَاءِ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَشَرَطَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ كَوْنَهُ عَالِمًا بِلُغَةِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا لَكِنَّ الْجُمْهُورَ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ الْآدَابِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَحَمَلَ الْحُسْبَانِيُّ كَلَامَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَفْهَمُ عَنْهُمْ وَلَا يَفْهَمُونَ عَنْهُ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا إذَا عَرَفَ مُصْطَلَحَاتِهِمْ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ وَأَقَارِيرِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ