الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخالات، وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أنّ هذا الأمر يُرضي رب الأرض والسماوات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر والذنوب الموبقات، والعظائم والخطيئات، وأنه مما زيَّنه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السماوات الذي نصب العداوة لأبينا آدم، ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات، والله المسؤول أن يعصمنا منه بحوله إنه مجيب الدعوات» .
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (6/64 - ط. الفاروق) :
«وأخبار الخوارج بالنهروان، وقتلهم للرجال والولدان، وتكفيرهم الناس واستحلالهم الدماء والأموال، مشهور معروف. ولأبي زيد عمر بن شبة في «أخبار النهروان وأخبار صفين» ديوان كبير، من تأمله اشتفى من تلك الأخبار، ولغيره في ذلك كتب حسان، والله المستعان» .
فصل
استمرار خروج الخوارج ووصول فتنتهم إلى كل مكان
فهذا يمثل أول اشتداد الفتن والموج الذي يشبه موج البحر، إذ وصلت فتنتهم إلى كل مكان، وبقي أثرُهم إلى الآن، والواقع المعايش بارز للعيان، في كثير من البلدان، وسيشتدّ مع مرور الزمان، وحسبنا الله، وعليه التكلان، وهذا هو الدليل والبرهان:
أخرج النسائي وغيره من حديث أبي برزة رفعه: «يخرج في آخر الزمان قوم كأنّ هذا منهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السَّهمُ من الرمية» (1) .
(1) أخرجه النسائي في «المجتبى» (7/119-120 رقم 4103) ، وابن أبي شيبة =
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «فإنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال، وقد اتفق المسلمون على أنّ الخوارج ليسوا مختصّين بذلك العسكر» (1) .
يشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ما أخرجه ابن ماجه (1/177-178 رقم 174 - ط. عواد) وغيره بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ينشأ نشءٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج فِرْقٌ قُطِع، حتى يخرج في أعراضهم الدجال» .
وبوّب عليه شيخنا الألباني رحمه الله في «السلسلة الصحيحة» (5/582 رقم 2455) : (استمرار خروج الخوارج) .
فمن سنة الله عز وجل التي لا تتخلف البتة في الخوارج ومن يسير على منهجهم في التغيير (2) -كما في هذا الحديث-، أنّ هؤلاء يظهرون بين الفينة والفينة ثم يُقْطعون، وورد (القطع) بصيغة المبني للمجهول، فيقطعون
= (10/536 رقم 37904) مختصراً، والطيالسي (923) ، وأحمد (4/421-422) ، والبزار (9/294 رقم 3846) بسند ضعيف، فيه الأزرق بن قيس، وشريك بن شهاب لم يوثقه غير ابن حبان، وأصله ثابت في «الصحيحين» وغيرهما من حديث جماعة من الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا المعنى صحيح، يشهد له ما أخرج البخاري (361) ، ومسلم (1066)، وغيرهما من حديث علي رفعه: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية
…
» . وهذه كلمات وصفات لا تنطبق على الذين خرجوا على علي أول الأمر، ففي هذا الحديث قال:«في آخر الزمان» ، والأحاديث الكثيرة في الخوارج لم يذكر فيها «في آخر الزمان» ، بل ذكر فيها: «سيخرج قوم
…
» فقط، وهنا قال:«في آخر الزمان» ، ومن المعلوم أنّ الذين خرجوا على علي كانوا في أول الزمان.
وانظر: «الخوارج والفكر المتجدد» (ص 33) ، وما سيأتي قريباً من حديث ابن عمر.
وانظر: «مجمع الزوائد» (6/299) .
(1)
«مجموع فتاوى ابن تيمية» (28/496) ، وانظره (28/499) .
(2)
انظر مزيد بسط لهذا فيما يأتي قريباً عن الفرق بين (الجهاد) و (الثورة) .
بالحجة والبرهان من قبل العلماء (1) ، والتخويف والتهديد من قبل السلطان، أو بهما جميعاً، أو بما يقضيه الله عز وجل في سنته الكونية.
وقد تفطن لهذا الإمام وهب بن منبه لما قال في نصيحته إلى أبي شَمِر ذي خولان، -وهي طويلة جدّاً- (2)، وفيها:
«ألا ترى يا ذا خولان! أني قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت للخوارج جماعة قط إلا فرّقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج، ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم لفسدت الأرض، وقطعت السبل، وقُطع الحج عن بيت الله الحرام (3) ، وإذَنْ لعَادَ أمرُ الإسلام جاهلية حتى يعود الناس
(1) من أول زيارات شيخنا الألباني رحمه الله إلى الأردن: مجيئه سنة 1973م لمناقشة هؤلاء، ووصل من دمشق إلى نواحي (عمان) بعد العشاء، وأخذ على الفور -بعد الصلاة- في مناقشتهم، واستمر ذلك إلى الفجر، وعادوا جميعاً عن رأيهم إلا واحد بقي على سوئه، حتى أصبح -والعياذ بالله- فيما بعد ملحداً مرتداً، يتنصل من الإسلام، ويتندّر به، وكان بعض الراجعين -ببركة هذا البيان- يعلن أمام طلبته -حتى في دروسه النظامية- رجوعه وتوبته.
(2)
انظرها بتمامها في «تاريخ دمشق» (17/ق478-479) ، و «سير أعلام النبلاء» (4/553-555) ، و «تهذيب الكمال» (31/150-156)، وقد نشرها أخونا الشيخ عبد السلام برجس بعنوان:(مناصحة الإمام وهب لرجل تأثّر بمذهب الخوارج) .
(3)
إي والله! والتاريخ الحديث شاهد على ذلك، وهذان مثالان مستعجلان:
الأول: اقترح داعية -منسوب يا للأسف للسلفية- في الجزائر -في خطبة جمعة ألقاها في وقت أزمة الخليج- الذهاب إلى بيت الله الحرام، والاعتصام هناك، قال بالحرف:«في هذا الحج نمشي جميعاً إلى البيت الحرام، ونعتصم به، فلا نخرج حتى تخرج أمريكا من الخليج» .
والآخر: قام رأس من رؤوس الإخوان المسلمين في الأردن -وهو: أحمد الأزايدة رحمه الله تعالى وغفر له- أمام حشد هائل في مهرجان خطابي، دعى فيه المسلمين إلى (مقاطعة) الحج إلى بيت الله الحرام، حتى يخرج الأمريكان من الخليج.
ولا أدري أيهما أخذ الفكرة من الآخر، وقل لي بربك -وتأمل قبل الجواب-! أيهما أفقه من الآخر؟! =
يستعينون برؤوس الجبال (1) ، كما كانوا في الجاهلية، وإذن لقام أكثر من عشرة -أو عشرين- رجلاً ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، ومع كل رجل أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضاً،
…
» .
قال أبو عبيدة: وهذا الذي حصل مع الخوارج من أول تاريخ نشأتهم، فقد قاتل عليٌّ رضي الله عنه ذلك العسكر في النهروان، وكاد أنْ يقضي عليهم، وقلعهم من مركزهم (حروراء) ورجعوا إلى (الكوفة) ، وبقيت ثلّة منهم ثارت في الأرض.
قال البغدادي في «الفرق بن الفرق» (ص61) :
«وقتلت الخوارج يومئذٍ -أي: يوم النهروان- فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس، صار منهم رجلان إلى سجستان، ومن أتباعهما خوارج سجستان، ورجلان صارا إلى اليمن، ومن أتباعهما إباضية اليمن، ورجلان صارا إلى عُمان ومن أتباعهما خوارج عُمان، ورجلان صارا إلى ناحية الجزيرة، من أتباعهما كان خوارج الجزيرة، ورجل منهم صار إلى تل مورون، ثم خرج على علي بعد ذلك من الخوارج جماعة كانوا على رأي المحكمة الأولى، منهم أشرس بن عوف، وخرج عليه بالأنبار، وغلفة التيمي من تيم عدي خرج عليه بماسيذان، والأشهب بن بشر العرني خرج عليه بجرجرايا، وسعد بن قفل خرج عليه بالمدائن، وأبو مريم السعدي خرج عليه في سواد الكوفة، فأخرج علي إلى كل واحد منهم جيشاً مع قائد حتى قتلوا أولئك الخوارج، ثم قتل علي رضي الله عنه في تلك السنة في شهر رمضان، سنة ثمان وثلاثين من
= ومن اللطيف أنّ بعضهم -آنذاك- كان ينقل عن شيخنا الألباني وجوب المقاتلة مع العراق، ونشرت ذلك (إذاعة اليهود) ، وقد سأل بعض الجزائريين شيخنا عن ذلك، فأمرهم الشيخ بقوّة أن يتصدوا لذلك (الشاب) المفتي، قال:«كي لا يلحد في الحرمين الشريفين» . انظر: «مدارك النظر» (ص412) .
(1)
وهكذا حصل مع أهل الجزائر في فتنة عمياء، سيأتي ذكر طرف من ذلك، وقانا الله الشرور والمهالك، وجنّبنا الردى، وركوب ما لا يرتضى، وأعاذنا من الهوى.
الهجرة» .
وباض وفرَّخَ هذا المعسكر في كثير من البلدان، وكانت (العراق) هي مسرح أحداثه، فثار جنده على معاوية في الكوفة، وذلك سنة إحدى وأربعين. وقاموا بعدها بثورات متعددة ما بين سنة (41) سنة (64) ، ووقف منهم الولاة الأمويون موفقاً حازماً شديداً، يقول الطبري -مثلاً- في حوادث سنة (58هـ) :
«وفي هذه السنة اشتد عبد الله بن زياد على الخوارج، فقتل منهم صبراً جماعة كثيرة، وفي الحرب جماعة أخرى» (1) ، واشتدت شوكتهم بعد انهيار الدولة الأموية سنة أربع وستين، قال ابن جرير في حوادث سنة (65هـ) :«وفي هذه السنة اشتدت شوكة الخوارج بالبصرة» (2) . وقتل رئيس الأزارقة منهم: نافع بن الأزرق، وارتحلوا من حينها من نواحي البصرة والأهواز وأوغلوا شرقاً، فانتقلوا إلى أصبهان وكرمان وتمكنوا هناك، وخرجوا سنة اثنتين وسبعين، وغَلَبوا على البحرين (3) ، ودُحِروا منها في سنة ثلاث وسبعين (4) ، وخرجوا بعدها مرات عديدة، وبقيت لهم بقية في العراق في عهد الدولة العباسية، وقاموا بعدّة ثورات في خلافة الرشيد، وفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين ظهر خارجي ببلاد ربيعة، فقاتله نائب الموصل، فكسره وانهزم أصحابه (5) ، وانتهى التطواف القلق بهم إلى الاستقرار في أماكن معينة، قال ابن حزم:«ولم يبق اليوم من فرق الخوارج إلا الإباضية والصفرية فقط» (6) .
(1)«تاريخ الطبري» (5/313) .
(2)
«تاريخ الطبري» (5/613) .
(3)
انظر: «تاريخ ابن جرير» (6/174) .
(4)
انظر: «تاريخ ابن جرير» (6/195)
(5)
انظر: «البداية والنهاية» (10/306) .
(6)
«الفصل في الملل والأهواء والنحل» (4/190) .