الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: نسأل الله أن يهديهم، وأن يرزقهم البصيرة في دينه، ويحقن دماء المسلمين.
السائل: هلا شرحتم لنا قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده
…
» (1) الحديث؟
الشيخ: لا يتسع المجال؛ لأنه ما بقي إلا دقيقة واحدة.
السائل: أعطِنا تاريخ المكالمة واسمك.
الشيخ: هذه المكالمة يوم الجمعة في شهر رمضان، أجراها مع إخوانه محمد بن صالح العثيمين من عنيزة بالمملكة العربية السعودية 1420هـ، نسأل الله أن ينفع بهذا (2) .
يظهر لنا من هذه المكالمة، أن اتجاهاً خارجيّاً عشعش في قلوب وعقول صغار الطلبة، وتعجلوا البلاء، فَجَرَتْ على أيديهم أحداث فيها فتن، أريقت بسببها دماء، وهتكت أعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله -تعالى-.
وهذا كلُّه، من مهيِّجات الفتن العراقية المنشأ، الخارجية المذهب، التي ثارت من تحت قدمي ذاك الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو قُتل ما كانت (3) فتنة، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
فصل
التباس (الثورة) بمفهوم الجهاد
المتمعِّن في (فتنتي حماة والجزائر) يجد أنهما اتخذتا مظهر (الثورة) ،
(1) أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
«فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر» (ص 149-166) .
(3)
مضى تخريجه (ص 53-58) .
وأُلبستا لباس (الجهاد) الشرعي، ونزِّلت عليهما أحكامُه!
ولهذا؛ (الثورات) أسباب نفسية، وقد تكون من (قناعات) عقدية، و (تصورات) منهجية، ومواقف عملية، فهي تدور على تكفير (السلطة) الحاكمة، بجميع فِآتِها، اعتماداً على ظاهر بعض النصوص، وأخذها أخذاً أوّليّاً، دون مراعاة لقواعد الاستنباط السلفية، كما حصل تماماً مع التابعي يزيد ابن صهيب أبو عثمان الكوفي (1) ، المعروف بـ (الفقير)، فإنه قال فيما أخرج مسلم في «صحيحه» (رقم 191) بعد (320) بسنده إليه:
كنتُ قد شغَفَني رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج، ثم نخرج على الناس (أي: بالثورة المسلحة) ، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم -جالس إلى سارية- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا هو قد ذكر الجهنَّميِّين (2) . قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله! ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: 192]، و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها} [السجدة: 20] ، فما هذا الذي تقولون؟
احتج هذا التابعي بآيات على مشربه، لُقِّنَها على أنها تقرر معانيَ أُخِذَت بالاستقلال دون سائر النصوص، فنبّه الصحابي الجليل جابر على خطئه المنهجي هذا، فقال له:
(1) كانت الخوارج بكثرة في الكوفة في زمن التابعين، قال العجلي في «تاريخ الثقات» (ص 517) :«نزل الكوفة ألف وخمس مئة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» ، وقال الذهبي في «الأمصار ذوات الآثار» (ص 174-175) :«نزل جماعة من الصحابة» وسمى أعيانهم، قال:«ثم كان بها من التابعين» وسمى أعيانهم، قال:«وما زال العلم متوفراً إلى زمن ابن عقدة، ثم تناقص شيئاً فشيئاً، وتلاشى، وهي الآن دار الروافض» ، وقال في «تذكرة الحفاظ» (3/840) :«الكوفة تغلي بالتشيع وتفور، والسُّني فيها طرفة» .
(2)
هم قوم تحتمشهم النار، وتصل منهم على قدر أعمالهم، ثم يخرجون منها إلى الجنة.
«أتقرأ القرآن؟» قال يزيد: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام-يعني: الذي يبعثه الله فيه-؟ قال يزيد: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يُخرِجُ الله به من يُخرج؟
ثم نعت (أي: جابر) وضع الصراط، ومر الناس عليه
…
و «أن قوماً يخرجون من النار، بعد أن يكونوا فيها» .
قال يزيد على إثر هذا الحديث، وقد نفعه الله به، وفهم الآيات السابقة التي احتج بها على ضوئه، ومعه، دون منافرة بين النصوص، ولا تضارب ولا تعارض، قال:«فرجعنا -أي: إلى الكوفة-، قلنا: وَيْحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» . فنفعه الله عز وجل باعتقاد صدق علماء الصحابة، وهذا أول شرط للانتفاع بالعلماء الربانيين عموماً، وفي وقت الفتن خصوصاً.
قال يزيد -كما في «صحيح مسلم» -أيضاً-: «فرجعنا، فلا والله ما خرج منا -أي: للثورة المسلحة- غيرُ رجل واحد» .
فالنفع لهؤلاء لا يكون إلا بمحاجة العلماء، وإزالة الشبه، ولا سبيل إلى إصلاحهم إلا بذلك، والعنف معهم يزيد من قوتهم وعنادهم، ويلهب نارهم، ويُبعدهم عن الجادة على وجه أظهر، وبمسافة أبعد.
ومع وجود الحماسات، والعواطف العاصفات، ودندنة الخطباء الحماسيين بضرورة إقامةِ (الجماعةِ المسلمةِ) ، مهمَّتَها التي وُجِدَت من أجلها، وهي حمل لواء الحق، ووجوب الجهاد ضد السلطات التي تمنع ذلك، وإيراد النصوص من الكتاب والسنة التي في ظاهرها تكفير هؤلاء، والاعتماد على فتاوى (المهابيل) وتقريرات أنصاف المتعلمين، وتوظيف نقولات الأقدمين من العلماء بغير إنصاف، وغالباً ما يكون ذلك بعد التورط في أعمال العنف أو التلبس بمقدماته؛ لتسويغ أحداث عنف، قد اندلعت على وجه عفوي، وأحياناً بطرق مجهولة، قد تكون من عمل جهات مغرضة، فتشعل نيران الحمية،
ويظهر الغضب العام، ويفلت الزمام من بين يدي العقلاء، فضلاً عن العلماء، ويفقد العقل دوره وسيطرته على مجريات الأحداث، ويتزحزح عن مكانه في هذه (الحضرة الجهادية الهستيرية) ، تاركاً مكانه للاندفاعات العاطفية، والحماسات الشبابية، وللرؤى والمنامات (1) والإلهامات، فيجتمع عرس الشيطان، بتزاوج هذه العناصر معاً، وإذا بالناس يصحون على هول الكارثة، ولا يفرقون بين الإسلام وما يمارس باسمه، فتتسع الفجوة، وتنوء النفوس عن حمل الأمانة، وتتراجع الدعوة إلى الإسلام الصحيح، كما عايشناه وعايناه، وملأ أسماعنا وأبصارنا، وإلى الله عاقبة الأمور.
ومن أهم المهمات، وأوجب الواجبات: تقعيد التفريق بين (الجهاد الشرعي) و (العمل الثوري) .
فقد «تداخلت في الآونة الأخيرة إلى درجة الالتباس، مفاهيم (الثورة) التي خلّفتها أحداث متنوعة، ورسختها في الأذهان فلسفات سياسية وإنسانية شتى، مع مبدأ (الجهاد الشرعي) وأحكامه، في أذهان كثير من الناس.
ولعل من أهم العوامل التي سببت هذا التداخل والمزج (2) :
أولاً: وحدة الظروف التي تبعث على الرغبة في التغيير والإصلاح.
ثانياً: وحدة الحوافز النفسية -أيضاً-، وهي التي تنشأ عادة من تلك الظروف.
ثالثاً: عدم تحصيل العلم الشرعي، الذي يصقل صاحبه بشخصية متميزة، تنظر إلى الأمور نظرة واسعة، وتحسن تقدير مآلات الأفعال، والنتائج، والمصالح والمفاسد، من خلال سنة الله الكونية والشرعية، وتحقيق واجب
(1) هكذا وقع للمسلمين في فتنة (جهيمان) ووظفت (الرؤى) -أيضاً- في أحداث (حماة) . وانظر: «هذه تجربتي هذه شهادتي» (ص 138) .
(2)
انظر بعضها في «قضايا فقهية معاصرة» (2/165) للبوطي.
الوقت (1) .
رابعاً: الهالة اللامعة من الدعاية التي أحيطت بها كلمة (الثورة) في أذهان كثير من الناس، في أعقاب ثورات عالمية، تركت وراءها أصداء كبيرة في الأذهان وفي النفوس، وجرّت وراءها ذيولاً من النتائج الانقلابية على صعيد الأفكار الاجتماعية، والأنظمة الاقتصادية.
ومع عدم التأصيل العلمي، ووجود هذه الهالة اللامعة، وجدنا الشباب المتحمس -الذي لم يتحصّن بتقعيدات العلماء الربانيين ومواقفهم (2) - أمام ما يشبه المفتاح السحري الذي لا يعجزه شيء عن فتح المغاليق المستعصية أمام طموحاتهم، ووفق تخيّلاتهم، لتحقيق تطلعاتهم في التغيير، وإعادة العز المنشود، والحلم المفقود.
خامساً: وزاد الطين بلة، أنّ هذا الطريق (طريق الثورات) أصبح مسلوكاً، ومارسته اتجاهات لها أصول متعددة باسم الإسلام، ووجدوا من يفتيهم بذلك لملابسات، وأسباب قد تظهر وقد تختفي!
وأن كثيراً ممن قوّم (هذه الثورات) علّق الجناية بسوء أصحابها، وعدم صدق نواياهم، وحرصهم على المناصب والمراتب والرواتب فحسب! دون أن يضع يده على المصاب الحقيقي، و (أصل الداء) !
فها هو -مثلاً- محمد سرور بن نايف زين العابدين يقول في تقويمه لما حصل في (فتنة حماة) :
«أتدرون كيف يربي بعضهم اليوم أصحابه؟! لقد وزعوا المناصب على أهل الحل والعقد فيهم: فهذا وزير الداخلية، وذاك للدفاع، والثالث للتربية والتعليم، والرابع للخارجية، والخامس لقيادة الجيش
…
ما تركوا وظيفة كبيرة
(1) انظر -لزاماً- ما سيأتي عن ابن تيمية (ص 747-748) وتعليقنا عليه.
(2)
فكيف إن صاحب ذلك: اتّهام وغمز وطعن بهم؟!
إلا وذكروا اسم صاحبها، وأصبح الجميع يتصرفون مع غيرهم على أساس المناصب الجديدة، وأركان هذه الحكومة العتيدة، لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد العدو، وبعد أن كانوا ينتقدون الشباب الذين فجروا هذه المعركة ويصفونهم بالطيش والتهور، أصبحوا يظنون أن النصر قد اقترب فغيروا لهجتهم، وادعوا بأنهم أصحاب الحق، وأهل الجهاد، وجميع الشهداء منهم، ومن يشك فيما يقولون فليسأل الشهداء؟!
ولم يكن رجالُ هذه الحكومة الجماعةَ الإسلامية الوحيدة في ساحة العمل، وكانوا يتكلمون عن الوحدة، لكنهم يرون أن هذه الوحدة يجب أن تتم بالانضمام إليهم، وبالكيفية التي يريدونها، ومن يرفض هذا الظلم فقد شق عصا الطاعة وخالف الجماعة.
انقشع غبار المعركة الوهمية بعد حينٍ من الزمن عن هزيمة محزنة ألمت بهذه الحكومة وبغيرها من الدعاة والجماعات، ولم ينعم أحد من هؤلاء بالمنصب الذي أسند إليه، وأعقبت الهزيمة خلافات واتهامات وانشقاقات، وهذه عاقبة كل من يخالف سنن الله الثابتة في النصر.
وعلى ضوء هذه السنن نستطيع معرفة أسباب الهزائم المتكررة؛ لأن كل من يهتم بأمور الجماعة والعمل الإسلامي يعرف من أحوالهم ما يمكنه من الحكم على مدى التزامهم بسنن الله في النصر» (1) .
ويقول -أيضاً-:
«وقد تتفجر الخلافات، وتهتك الأستار، ويشتد الصراخ، ولكن من يتابع الأمور لا يجد حرصاً من أي طرف على وضع الحق في نصابه وتقويم الاعوجاج، وإنما التنافس على الزعامة وحطام الدنيا هو سبب هذه الخلافات -الجديدة منها والقديمة-، فقائد الحزب المرهوب الجانب يتهم بعض
(1)«قل هو من عند أنفسكم» (ص 96-98) .
مساعديه، ويحمّلهم مسؤولية الهزيمة، ويقول: إنهم كانوا ينفردون بأخطر القرارات ولا يردون الأمر إليه، ويتحدث عن اتصالات مشبوهة لهم مع العدو كانت تتم من وراء ظهره، وقد حذرهم منها ولم يخبر بقية المساعدين خوفاً من الفتنة، وإدراكاً منه لخطورة المرحلة التي كان يمر بها الحزب.
وهؤلاء المساعدون يردون على النار بأشد منها، وينقسم الحزب إلى حزبين، وإن كان عدد الذين يلتفون حول قائد الحزب -أي: شيخ القبيلة- أكثر؛ لأن تربية أعضاء الحزب قامت ابتداء على أنها جماعة المسلمين، وشيخه إمام المسلمين، وإن كانت ألفاظهم تدل على غير ذلك؛ لأن العبرة بالعمل وليس بالقول.
ويبقى شيخ القبيلة متربعاً على كرسي القيادة الوثير، مع أنه المسؤول الأول عن الهزائم المتكررة التي لحقت بحزبه، وشيخ القبيلة من أهم مشكلاتنا ومآسينا في هذا العصر، فقد يمرض، ويشتد مرضه، ويحول هذا المرض بينه وبين ممارسة القيادة الفعلية وبشكل خاص في المواقف الحاسمة! ومع ذلك يبقى مستلقياً على كرسيه -ولا غرابة في ذلك؛ فالكرسي اليوم قد يصبح سريراً- لا يفكر في الاستقالة، ولا يفكر من حوله في استبداله.
وقد يهزم شيخ القبيلة الحزبية، بل قد يخرِّف أحياناً، ومع ذلك يبقى متربعاً على كرسي القيادة.. وكيف تنتظرون من حزب إسلامي أن يخالف دستوره الذي ينص على أن القائد ليس لبقائه في هذا المركز زمن محدد، وفي هذا النص ما فيه من مخالفات للشروط التي يجب أن تتوفر في أهل الحل والعقد» (1) .
قال أبو عبيدة: الأسباب المذكورة مهمّة، وتوحي للقارئ أن الخلل في
(1)«قل هو من عند أنفسكم» (ص 101-103) .
صفات القائمين على هذه (الثورات) ! وليس كذلك؛ إذ إحكام (البدايات) سلامة في (النهايات) ، وضبط (المصطلحات) يقي من (الانزلاقات) ، فالثورة في الفتن الثلاث (الحرم المكي، حماة، الجزائر) لا وجود لها عند الفقهاء ألبتة (1) ، ولا يتصور أحد من العقلاء -فضلاً عن العلماء- القول بجوازها، وهذه الفتن يعرفها العلماء الربانيون عند بروزها، وظهور مخايلها، قبل وقوعها، وتمكّن قرونها، ويعرفها الجهال -كل الجهال- عند انقضائها، وانصرافها (2) .
و (الثورة)«تغيير جذري شامل يحدث في مسار الأنظمة السياسية أو الاجتماعية، قفزاً فوق سنة الله عز وجل في التدرج والتطور، سواء كان بطريقة سلمية، أو بالعنف وسفك الدماء» (3) ، وهذا يخالف سنة الله عز وجل الشرعية في التغيير، وطريق الأنبياء المسلوكة.
فـ (الثورة)«تتفجر من (رغائب) الإنسان و (رعوناته) ، وتتجه إلى سطح (الوقائع الاجتماعية) ، ولا تهتم بدخائل (التربية الفردية) (4) » ، بخلاف الجهاد الذي له ميادينه، وغاياته، وأهله، وأحكامه، وضوابطه، وهو بمثابة السياج الذي يحفظ بيضة الأمة من جهة، ويبلغ دعوتهم إلى سائر الأمم من جهة ثانية، يلتحم فيه أبناء المسلمين جميعاً لتأدية هاتين الفريضتين من خلال نوعي الجهاد: الدفع والطلب، وهو ماضٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة.
أما أن يقوم شاب متحمس، وينزو على المنبر، ويتلثم، لئلا يعرف، فيشْتُم المسؤولين، ويقذع في السب، ويدعو العوام للخروج، والتفجير،
(1) فهي على وزان (لا أصل له) في الأحاديث المكذوبة.
(2)
ورد في هذا أثر عن الحسن البصري، انظره (ص 672) .
(3)
«قضايا فقهية معاصرة» (2/166، 180) .
(4)
«قضايا فقهية معاصرة» (2/166، 180) .
والتثوير، ويفرّ -وربما فرَّ قبل الصلاة، إن جاءت السلطات (1) - ويحاكَمُ المستمعون، ويُؤخَذون بجريرة ذاك المراهق، ويعدّ هذا (جهاداً) ! و (طاعة) لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نعلم لهذا أثراً ولا مستنداً!
قال أبو عبيدة: معذرة لإخواني القراء على هذا الاستطراد، ولولا حرصي على حقن دماء المسلمين بعامة والشباب السلفي بخاصة، ما دونت هذه السطور، وليس همّي التفصيل في بيان أحكام الجهاد (2) ، ولكن همي لفت نظرهم إلى ضرورة التفريق بين الجهاد المشروع وغيره، «وفي الجملة؛ فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم» (3) ، وقد قالوا كلمتهم، وتكلموا على (الثورات) التي حلّت في بعض بلاد المسلمين، وكشفوا عن أسباب ذلك، فها هو شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- يقول بعد تقريره لأهمية (التصفية) و (التربية) :
«إن ما يقع سواء في الجزائر أو في مصر (4) ، هذا خلاف الإسلام؛ لأنّ الإسلام يأمر بالتصفية والتربية
…
» (5)، ويقول بعد كلام في جواب سؤال عن استخدام الثوار للمتفجِّرات التي تودي بحياة العشرات:
(1) كما وقع كثيراً في الجزائر (المسكينة) !
(2)
يسر الله لي تحقيق كتاب ابن المناصف «الإنجاد في أحكام الجهاد» ، وهو كتاب سلفي يبيّن الأحكام التفصيلية لمسائل (الجهاد) بالأدلة.
(3)
«منهاج السنة النبوية» (4/504) .
(4)
بسبب جماعات التكفير والهجرة وأفراخها!
(5)
من شريط مسجل يوم 29/ جمادى الأولى/ سنة1416هـ - الموافق 23/10/1995م، وهو في (سلسلة الهدى والنور) (رقم 830/أ) بعنوان:(من منهج الخوارج) .
(6)
من شريط مسجل يوم 29/ جمادى الأولى/ سنة1416هـ - الموافق =
ثم قال عن هذه الثورات التي وقعت في الجزائر: «إنّ هذه جزئية من الكليّة، أخطرها هو هذا الخروج الذي مضى عليه بضع سنين، ولا يزداد الأمر إلا سوءاً» (1) .
فإذاً؛ هذه الجزئية (وهي المجازر الشنيعة) ، هي فرع من كلية، (وهي جواز الخروج، وفكر التكفير) ، وهذا يلتقي مع ما نحن بصدده من ربط هذه الثورات بما في العراق من فتن مهيّجات، وصلت إلى أنحاء المعمورة، وسارت إلى جميع الجهات، ولا قوة إلا بالله.
وقال شيخنا بعد كلام: «
…
ولذلك، فكلّ الجماعات التي تدَّعي الانتساب إلى السلف، إذا لم يعملوا بما كان عليه السلف، ومن ذلك ما نحن بصدده أنه لا يجوز تكفير الحكام، ولا الخروج عليهم، فإنما هي دعوى يدّعونها، هذه مسألة واضحة البطلان جدّاً» (2) .
وهذا التأصيل عند الشيخ واضح المعالم، كان يكرره ويؤكّده، ونشر (3) في حياته في (فتوى) مطوّلة، أثنى عليها على علماء العصر الكبار (4)، وما جاء فيها بصصد الكلام عن مسألة (التحكيم) و (ثورات) الشباب على الحكام بسببه:
«ثم كنت ولا أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام
= 23/10/1995م، وهو في (سلسلة الهدى والنور) رقم (830/أ) بعنوان (من منهج الخوارج) .
(1)
من شريط مسجل يوم 29/ جمادى الأولى/ سنة1416هـ - الموافق 23/10/1995م، وهو في (سلسلة الهدى والنور) رقم (830/أ) بعنوان (من منهج الخوارج) .
(2)
من شريط مسجل يوم 29/ جمادى الأولى/ سنة1416هـ - الموافق 23/10/1995م، وهو في (سلسلة الهدى والنور) رقم (830/أ) بعنوان (من منهج الخوارج) .
(3)
في جريدة «المسلمون» عدد (556)(ص 7) بتاريخ 5/5/1416هـ وكذا في مجلة «البحوث الإسلامية» (49/373-377) .
(4)
نشرت في جريدة «المسلمون» -أيضاً- عدد (557)(ص 7) بتاريخ 12/5/1416هـ.
المسلمين: هبُوا أن الحكام كفار كفر ردّة، ماذا يمكن أن تعملوه؟ هؤلاء الكفار احتلوا من بلاد الإسلام، ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين، فماذا نستطيع نحن وأنتم أن نعمل مع هؤلاء، حتى تستطيعوا أنتم مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار؟ هلا تركتم هذه الناحية جانباً، وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة؟ وذلك باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ربَّى أصحابه عليها
…
وذلك ما نُعبِّر عنه في كثير من مثل هذه المناسبة بأنه لا بد لكل جماعة مسلمة تعمل بحق لإعادة حكم الإسلام، ليس فقط على أرض الإسلام، بل على الأرض كلها، تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد.
فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني: هل يكون الطريق بإعلان الثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنون أن كفرهم كفر ردة؟!
ثم مع ظنهم هذا -وهو ظنٌّ خاطئ- لا يستطيعون أن يعملوا شيئاً! ما هو المنهج؟ ما هو الطريق؟ لا شك أن الطريق هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدندن حوله ويذكر أصحابه به في كل خطبة: «وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم» ، فعلى المسلمين كافة -وخاصة منهم من يهتم بإعادة الحكم الإسلامي- أن يبدأ من حيث بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو ما نكني نحن عنه بكلمتين خفيفتين: (التصفية) و (التربية) ؛ ذلك لأننا نحن نعلم حقيقة يغفل عنها أو يتغافل عنها في الأصح أولئك الغلاة، الذين ليس لهم إلا إعلان تكفير الحكام، ثم لا شيء!
وسيظلون يعلنون تكفير الحكام، ثم لا يصدر منهم إلا الفتن، والواقع في هذه السنوات الأخيرة التي يعلمونها، بدءاً من فتنة الحرم المكي إلى فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء كثير من المسلمين الأبرياء، بسبب هذه الفتنة، ثم أخيراً في سورية، ثم الآن في مصر والجزائر مع الأسف، إلخ
…