المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث - العراق في أحاديث وآثار الفتن - جـ ١

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فصلفي بيان أنّ العراق تهيّج منها الفتن،وصلتها بأهمّ فتن هذا العصر

- ‌ طرق في ألفاظها نُكْرة

- ‌ أحاديث أخرى وقع التصريح فيها بذكر العراق، وأن الفتن تهيج منها، أو تكون فيها، وفي أسانيدها ضعف:

- ‌فصلفرية وردّها

- ‌فصلالفتن تموج موج البحر

- ‌فصلضروب الفتنة

- ‌الضرب الأول: لا ينفك عن الإنسان في أي مكان أو زمان كان

- ‌الضرب الثاني: الفتن التي تموج موج البحر

- ‌فصلزمن الفتنة (نشأتها، اشتدادها، آخرها)

- ‌فصلالخوارج والعراق

- ‌فصلاستمرار خروج الخوارج ووصول فتنتهم إلى كل مكان

- ‌فصلالخروج في عصرنا

- ‌فصلمظاهر الخروج الجديد ونواره الذي لم ولن يعقد

- ‌فتنة جهيمان والحرم المكي

- ‌فصلفتنة حماة

- ‌فصلفتنة الجزائر المتولّدة عن الخروج الأول في العراق

- ‌ فتنة الجزائر وجبهة الإنقاذ الإسلامية

- ‌مما زاد وَحَل هذه (الفتنة) :

- ‌فصلالتباس (الثورة) بمفهوم الجهاد

- ‌فصلالفرق بين المطلوب الشرعي وواجب الوقتوما عليه أصحاب الثورات والانقلابات ودعاة الخروج

- ‌فصلالفتن في كل زمان حسب رجاله

- ‌فصلاشتداد الفتن مع مضي الزّمن

- ‌فصلحرمة التشبه بأهل العراق في خروجهم الأول

- ‌فصلالفتنة وكلت بثلاث

- ‌فصلكلام جملي عن محور الفتنة وثمرتها ووقتهاومادتها ووسيلتها ووقت اشتدادها

- ‌فصلمكان الفتنة

- ‌فصلرد شيخنا الألباني لفرية (نجد) التي يطلع منها قرن الشيطانهي دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى

- ‌فصلالعراق والفتنة وإبليس

- ‌فصلفي تخريج حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي ألفاظ الحديث

- ‌فصلفي غريبه

- ‌فصلتنبيهات مهمات

- ‌فصلتبويبات العلماء على الحديث

- ‌ تبويبات المخرجين له:

- ‌ معرض الاستشهاد

- ‌فصلتعليقات وإيضاحات على حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث

- ‌فصلفي بيان الراجح في معنى (المنع) الوارد في الحديث عند الشراح

- ‌فصلفي سياق قول جابر وتخريجه

- ‌فصلفي سياق كلام العلماء في تحديد من هم المانعون

- ‌فصلفي سياق كلام أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌الإشكال الأول: كيف يقال عن حديث مسلم الذي فيه «منعت العراق…» متفق عليه

- ‌الإشكال الثاني: كيف يقال عن لفظ مسلم: متفق عليه

- ‌فصلفي سياق الألفاظ وما يشهد لها من الآثار

- ‌فصلفي بيان أن المراد بالأخبار السابقة أكثر من حادثة

- ‌فصلفي أحاديث الترك وإخراج أهل العراق

- ‌الحديث الأول: حديث بريدة بن الحصيب

- ‌ الكلام على إسناد حديث بريدة

- ‌الحديث الثاني: حديث معاوية بن أبي سفيان

- ‌الحديث الثالث: حديث أبي بكرة نُفَيع بن الحارث بن كَلَدة

- ‌ الكلام على إسناد حديث أبي بكرة

- ‌ هل الحديث منكر

- ‌ ثلاث ملاحظات مهمات، وكليّات معتبرات، وإفاضات وإضافات:

- ‌ شواهد بمعانٍ مقاربة من المرفوع والموقوف

- ‌فصلفي وصول الشر والفتن آخر الزمان كل مكان

- ‌الأول: كثرة الخير الذي ظهر من الشام في زمن عمر للمسلمين

- ‌الثالث: الفتن ظهرت في زمن الصحابة

- ‌الرابع -وبيت القصيد-: إن الفتن آخر الزمان ستشتد

- ‌فصلفي الأخبار السابقة، هل مضت وانتهت

- ‌فصلفي فتنة التتر والمغول

- ‌من الجدير بالذكر هنا أمور:

- ‌أولاً: وردت في بعض الحوادث صفاتٌ تأذن بأن بعض الآثار المتقدم ذكرُها إنما هي في هذه الفتنة

- ‌ثانياً: وقعت حوادث كثيرة قبل الاجتياح المذكور لبغداد

- ‌ثالثاً: تتابعت غزوات التتار

- ‌خامساً: حمل بعض شراح الحديث ما حصل من التتار على أنهم هم يأجوج ومأجوج

- ‌فصلحصار العراق الاقتصادي

- ‌أولاً: تبويبات بعض العلماء

- ‌ثالثاً: المتمعن في الكلام السابق يجد أن القائلين بأن الأمر قد ظهر تتفاوت أزمانهم

- ‌رابعاً: في الحديث ما يشير إلى هذا التكرار

- ‌فصلالمدينة النبوية ونصيبها من الفتن

- ‌فصلفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم «وعدتم من حيث بدأتم»

- ‌فصلفي خروج خيار أهل العراق منها

الفصل: ‌فصلفي بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث

وفي تفسير المنع وجهان:

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهم سيسلمون وسيسقط عنهم ما وُظِّف عليهم [بإسلامهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظِّف عليهم](1) . والدليل على ذلك قوله في الحديث: «وَعُدْتم مِن حيث بَدَأتم» ؛ لأنه بدأهم في علم الله وفيما قدّر، وفيما قَضَى، أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا.

وقيل في قوله: «منعت العراق درهمها» : إنهم يرجعون عن الطاعة، وهذا وجه، والأول أحسن» .

قال أبو عبيدة: وما قال عنه: «أحسن» ؛ ليس براجح، بل هو مرجوح، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

‌فصل

في بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث

لا أعلم من أفرد هذا الحديث بمصنَّف خاص، على الرغم من كثرة التصانيف المفردة في كثير من آحاد الأحاديث (2) ، واقتصرت عناية العلماء به

= وذكر (ص 185) أنه «بلغ خراجه -أي: السواد- في أيامه -أي: عمر- مئة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم» .

قلت: ولا غرابة في ذلك، فإن تربة العراق يزيد من خصوبتها طمي نهري دجلة والفرات، وكانت تدر في تلك الأزمان من محصول (الرز) و (الشعير) ما لا يقل عن (200) نوع. انظر للتفصيل:«ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها» (1/31) .

بل وصلت في عهد عمر بن عبد العزيز إلى أكثر من ذلك، وانظر عن مقدارها في سائر العصور في:«أطراف بغداد تاريخ الاستيطان في سهول ديالي» (ص 274-275) .

(1)

ما بين المعقوفتين سقط من مطبوع «الدلائل» ، وأثبته من «تاريخ دمشق» لابن عساكر (2/211) .

(2)

لصديقنا يوسف العتيق -حفظه الله- «التعريف بما أُفرد من الأحاديث بالتصنيف» ، =

ص: 226

على سرد ما يحتمل من المعاني، دون التحقيق والتدقيق في المراد بها، ولعل ما يجري من أحداث، وما سيحصل من أمورٍ أكبرُ شاهدٍ على تحرير معانيه وبيان خوافيه، كيف لا؛ وهو من (علم الغيب) الذي أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم عليه؟!

ويمكننا أن نحصر المعاني التي أوردها العلماء في معنى (المنع) الوارد في الحديث بالأمور الآتية:

أولاً: هذا منه إخبار بأن أمورَ الدين وقواعدَه يُتركُ العمل بها لضعف القائم عليها، أو لكثرة الفتن واشتغال الناس بها، وتفاقم أمر المسلمين، فلا يكون مَنْ يأخذ الزكاة ولا الجزية ممن وجبت عليه، فيمتنع من وجب عليه حقّ من أدائه. قاله أبو العباس القرطبي في «المفهم» (7/230 - ط. دار ابن كثير) .

وهذا كلام عامّ (1)، ينقصه:

أولاً: بيانُ هلْ وقع ذلك في عصر المصنف -وهو من وفيات سنة (656هـ) - أم لا؟

ثانياً: بيانُ مَن هو المانعُ للخيرات المذكورة في الأحاديث؟

ثالثاً: وفيه أن سببَ المنع: عدمُ وجودِ مَن يأخذ الزكاة والجزية، ولفظ الحديث لا يساعد عليه.

رابعاً: أما قوله: «يُتركُ العملُ بها لضعف القائم عليها أو لكثرة الفتن، واشتغال الناس بها، وتفاقم أمر الناس» ؛ فبعيد -أيضاً-؛ إذِ البلادُ المذكورة هي التي تمنع خيراتها، و (المنع) فيه معنى الكفّ (2) والحرمان مع جبر وقسْر

= طبعت (المجموعة الأولى) منه.

(1)

ومثله ما في «منية المنعم» (4/351) : «والمراد بمنع الدرهم والقفيز: منع خيرات البلاد من الزكاة والعشر والجزية والخراج» .

(2)

انظر: «معجم مقاييس اللغة» (5/278) ، «القاموس المحيط» (ص 988 - ط. مؤسسة الرسالة) .

ص: 227

وغلبة، والمذكور فيه غفلة وقلة الوازع للقيام بها، وشتان ما بين المعنيين!

وذكر بعض الشرّاح (1) معانيَ رجحوا غيرها عليها؛ هي:

ثانياً: أنّ هذه البلاد تمنع خيراتها بسبب إسلام أهلها، فتسقط عنهم الجزية (2) ، قال النووي -وتبعه صِدّيق حسن خان (3)، وصاحب «عون المعبود» (8/282) - عنه:«وهذا قد وجد» .

وقال السخاوي في «القناعة» (ص 106) : «وفي تأويله -أي: المنع- قولان» ، وجعل الأول:«لإسلامهم فسقطت عنهم الجزية» .

قلت: نعم، ولكن يرد عليه ما يرد على سابقه -وهو (حق)(4) -، ولكن لا صلة لهذا المعنى بمنطوق الحديث، وقد يقال: لازمٌ أن تمنع هذه البلاد خيراتها أن تكون -قبل ذلك- تحت سيطرة المسلمين، وفي هذا دلالة على إسلام أهلها أو بعضهم.

ويبقى -بناءً عليه- بيانُ (المنع) ، وسببه، ووقته الوارد في الحديث، ويقال عنه: هو لازم المعنى وليس المعنى.

وهذا القول هو الذي قدمه أبو محمد البغوي في «شرح السنة» (11/178)، قال:

«وللحديث تأويلان؛ أحدهما: سقوط ما وظّف عليهم باسم الجزية بإسلامهم، فصاروا بالإسلام مانعين لتلك الوظيفة، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

(1) مثل: النووي في «منهاجه» (18/28 - ط. قرطبة) ، وعنه صدِّيق حسن خان في «السراج الوهاج» (11/367، 368) .

(2)

قاله بنحوه البيهقي في «الدلائل» (6/330) ، ومضى كلامه قريباً.

(3)

في «السراج الوهاج» (11/367) .

(4)

ينقصه (العدل) ، والخير كله في اجتماع الأمرين، فافهم!

ص: 228

«وعدتم من حيث بدأتم» ؛ أي: كان في سابق علم الله سبحانه وتعالى، وتقديره: أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا» .

قلت: وا عجبي من تأييده لهذا المعنى بما ورد في آخره: «وعدتم حيث بدأتم» (1) ! وعذره -وهو من وفيات سنة (516هـ) - أنه لم يشاهد ما شاهدناه، ولم يسمع بما سمعناه.

وقول البغوي هذا شبيه بما قدمناه قريباً عن البيهقي (2) ، وعلق ابن كثير (3) في «البداية والنهاية» (6/203) على تأييده هذا المعنى، بما ورد في آخره:«وعدتم حيث بدأتم» ، بقوله:«والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي احتج به على ما رجّحه من أحد القولين المتقدمين، وفيما سلكه نظر، والظاهر خلافه» .

وقال صاحب «تكملة فتح الملهم» (6/291) :

«وهذا التفسير فيه نظر؛ لأن أهل هذه البلاد لم يكونوا يؤدّون الجزية إلى المسلمين قبل أن يفتتحها المسلمون، وأما بعد ما افتُتِحَتْ هذه البلاد، صار المسلمون هم ولاة هذه البلاد، فلا معنى لأداء هذه البلاد الجزية.

نعم؛ كان الكفار من ساكني هذه البلاد يؤدون الجزية إلى ولاة المسلمين، ولم يثبت أن جميعهم أسلموا حتى سقطت عنهم الجزية رأساً» .

وأشار الشوكاني في «نيل الأوطار» (8/164) إلى رد هذا المعنى، فقال:

«وهذا الحديث من كلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم، ووضعهم الجزية والخراج، ثم بطلان ذلك؛ إما

(1) انظر: ما سيأتي عنه (ص 451) .

(2)

انظر: (ص 225-226) .

(3)

سيأتي كلامه برمته (ص 249-250) ، إذ السياق الذي في الكلام المزبور له دلالة توضح معناه.

ص: 229

بتغلبهم -وهو أصح التأويلين، وفي «البخاري» (1) ما يدل عليه، ولفظ الحديث يرشد إلى ذلك-، وإما بإسلامهم» (2) .

قلت: فجعل إسقاط ما وُظِّف عليهم بسبب إسلامهم من التأويلين، وقال عن الآخر:«أصح» . ويقتضي هذا أن هذا القولَ مرجوحٌ، وقد ردّه ابن الجوزي (3) وشيخنا الألباني (4) -رحمهما الله تعالى-، وفصّل الحميدي في ذلك، فقال:«وفي تفسير المنع وجهان؛ أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَعلم أنهم سيسلمون، وسيسقط ما وُظِّف عليهم بإسلامهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم، واستُدِلَّ على ذلك بقوله: «وعدتم من حيث بدأتم» ؛ لأن بدْأهم في علم الله، وفي ما قضى وقدّر أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا، وقيل في قوله:«مَنَعَت العراق درهمها» الحديث: أنهم يرجعون عن الطاعة؛ وهذا وجه، وقد استَحْسنَ الأولَ بعضُ العلماء، وكان يكون هذا لولا الحديث الوارد الذي أفصَحَ فيه برجوعهم عن الطاعة، أخرجه البخاري (5) من حديث سعيد بن عمرو، عن أبي هريرة، قال:«كيف أنتم إذا لم تَجْبُوا ديناراً ولا درهماً؟» فقيل: وكيف ترى ذلك؟ قال: «والذي نفسي بيده عن قول الصادق المصدوق. قال: عمَّ ذاك؟ قال: تُنتَهك ذمةُ الله وذِمّة رسوله، فيَشُدُّ الله قلوبَ أهلِ الذمة، فيَمنعون ما في أيديهم» » (6) .

(1) انظر: النقل الآتي قريباً عن الحميدي.

(2)

ولم يزد عليه شيئاً الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك في كتابه «بستان الأخبار مختصر نيل الأوطار» (2/437) .

(3)

في كتابه «كشف المشكل عن حديث الصحيحين» (3/566-567) ، وسيأتي كلامه بتمامه (ص 265-266) .

(4)

في «السلسلة الصحيحة» (7/199) ، وسيأتي كلامه بتمامه (ص 437) .

(5)

سيأتي تخريجه مفصلاً (ص 260) .

(6)

«تفسير غريب ما في الصحيحين» (ص 363) .

ص: 230

ثالثاً: وهو التأويل الثاني عند البغوي، ونص كلامه:

«والتأويل الثاني: هو أنهم يرجعون عن الطاعة، فيمنعون ما وظف عليهم، وكان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً على نبوته حيث أخبر عن أمر أنه واقع قبل وقوعه، فخرج الأمر في ذلك على ما قاله.

وفيه بيانٌ على أن ما فعل عمر رضي الله عنه بأهل الأمصار فيما وَظَّف عليهم كان حقّاً، وقد رُوي عنه اختلافٌ في مقدار ما وضعه على أرض السواد» (1) .

قلت: وهذا القول من ضمن الأقوال التي أوردها النووي، مصدرة بـ (قيل) -وفيه إشارة إلى ضعفه عنده-، ونص عبارته:

«قيل: لأنهم يرتدون في آخر الزمان، فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها» (2)، ونحوه:

رابعاً: قوله: «وقيل: معناه: أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان، فيمتنعون مما كانوا يؤدّونه من الجزية والخراج وغير ذلك» (3) .

والملاحظ أن هذين المعنيين على نقيض ما قبلهما، وبَيْنَ المعنى (الثالث) و (الرابع) تلازمٌ وترابطٌ؛ إذ رِدّةُ المشركين ومنعهم الزكاة تستلزم قوة شوكتهم، كما لا يخفى.

وردد هذا المعنى غيرُ واحد من العلماء والباحثين؛ مثل:

(1)«شرح السنة» (11/178) .

(2)

«شرح النووي على صحيح مسلم» (18/28 - ط. قرطبة) ، وعنه صاحب «عون المعبود» (8/282) .

(3)

«شرح النووي على صحيح مسلم» (18/28-29) ، وعنه صاحب «عون المعبود» (8/282) .

ص: 231

* العلامة صِدّيق حسن خان -رحمه الله تعالى-.

قال في «شرحه صحيح مسلم» بعد أن أورد الأقوال السابقة -بترتيبها- عن النووي، وعلق على الأخيرين بقوله:

«قلت: وقد وُجد ذلك كله، في هذا الزمان الحاضر، في العراق، والشام، ومصر، واستولى الروم -يعني: النصارى- على أكثر البلاد، في هذه المئة الثالثة عشر، ولهم الاستيلاء على سائرها كل يوم، ولله الأمر من قبل ومن بعد» (1) .

* العلامة المحدث أحمد شاكر رحمه الله.

قال في تعليقه على «الخراج» (2) ليحيى بن آدم موضّحاً هذا المنع عن الأقطار المذكورة:

«فإن الأقطار الثلاثة لم تكن فُتحَتْ في عصر النبوة، وهذا الحديث آية كبرى، ففي خلافة عمر ضُمّتِ الأقطارُ الثلاثة إلى أمها -الحجاز-، وكانت دولة ملأت الخافقين، ثم توالت الفتن والأرزاء (3) على المسلمين، وتقطعت

(1)«السراج الوهاج» (11/368) .

(2)

(ص 68/هامش 1) ، وبنحوه قال الأستاذ صبحي الصالح رحمه الله في تعليقه على «أحكام أهل الذمة» (1/113 هامش 2)، قال:«وهذا الحديث من كلام النبوة، فإن هذه الأقطار الثلاثة لم تكن قد فُتِحَتْ في عصر النبوة، ولعل أبا هريرة قد أدرك خطر هذه النبوءة وأهميتها حين قال: «شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه» » ، وأحال على «خراج يحيى» ، ولم يخرج ما في هامش (2) من «أحكام أهل الذمة» (1/266 - ط. رمادي) على المذكور، إلا أنه لا عزو فيه!

وقال الدكتور مصطفى ديب البغا في تعليقه على «مختصر سنن أبي داود» (ص 437/ هامش 29 على حديث رقم 3035) :

«المراد استيلاء الكفار على هذه البلاد آخر الزمان، ومنعهم عن المسلمين ما كان يردهم من خيرات هذه البلاد» .

(3)

الأرزاء -جمع رزيئة-: هي المصيبة. كما في «القاموس» (ص 52 - ط. الرسالة) .

ص: 232

أوصالهم، وضمرت دولتهم، وتوزعت هذه الأمم ممالك لا صلة لواحدة منها بالحجاز، وفي كل منها حركة لنزع ربقة الإسلام، يقوم بها أفراد يسمون أنفسهم «المجددين» ، وإنما هم «المجردون» ، وها نحن نرى آثارها، ونسأل الله الوقاية من فتنتها. ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» (1) » .

* الشيخ محمد خليل هراس -رحمه الله تعالى-.

قال في تعليقه على كتاب «الأموال» (2) لأبي عبيد:

«المقصود من الحديث: أنّ كلَّ قطرٍ من هذه الأقطار المفتوحة ستمنع ما كان يؤديه من الخراج إلى بيت مال الخلافة.

وهذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قبل أن تُفتَح هذه الأقطار، ويُضربَ عليها الخراج» .

خامساً: للإمام الخطابي في «معالم السنن» (3) كلمة في تفسير (المنع) أوسع من العبارات السابقة، وليس فيها ما في القول الرابع، وإن كانت تلتقي معه في المعنى العام (4)، هذا نصها:

«ومعنى الحديث: أن ذلك كائن، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين،

(1) أخرجه البخاري (1876) ، ومسلم (147) في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة

رضي الله عنه.

(2)

(ص 91/ هامش 4) .

(3)

(4/248 - مع «مختصر السنن» ) أو (3/35 - ط. الطباخ) ، ونقلها عنه السهارنفوري في «بذل المجهود» (6/375) وصاحب «عون المعبود» (8/283) .

(4)

لم يتنبه لهذا من جعلَه عينَه، وصرح بذلك جمعٌ؛ منهم: العلامةُ الشيخ حمود التويجري رحمه الله في «إتحاف الجماعة» (2/234) وصاحب «تكملة فتح الملهم» (6/291-292) .

ص: 233

ويوضع عليها الخراج شيئاً مقدراً بالمكاييل والأوزان، وأنه سيمنع في آخر الزمان، وخرج الأمر في ذلك على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. وبيان ذلك: ما فعله عمر رضي الله عنه بأرض السواد، فوضع على كل جريب عامر أو غامر درهماً وقفيزاً، وقد روي عنه اختلاف في مقدار ما وضعه عليه» انتهى.

ونقلها ابن الجوزي (1) والبُجُمْعَوي (2)، وزاد عليها:«قلت: فارتفع في زماننا، فهو من معجزات النبوة» .

فكلمته هذه فيها: «وأنه سيمنع في آخر الزمان» ، ولم يذكر (المانع) ، ولا (سبب المنع) ، بخلاف ما في القول السابق.

ويبقى أن فيه إبهاماً وغموضاً، وذكرَ لازمَ المنع، وأنه يسبقه فتحٌ ووضع.

سادساً: المراد منع هذه البلاد كنوزها من أصحابها، واستيلاء المسلمين عليها، وهذا المنع هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله زوى (3) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلْكَ أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» (4) .

قال القاضي عياض في كتابه «إكمال المعلم» (5) شارحاً الحديث:

(1) في «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/567) .

(2)

في «درجات مرقاة الصعود» (ص 128) .

(3)

أي: جُمِعَتْ، يقال: انزوى القومُ وتدانَوْا وتضاموا، قاله المازري في «المعلم بفوائد مسلم» (3/208 - ط. دار الغرب) .

(4)

أخرجه مسلم (2889) من حديث ثوبان رضي الله عنه رفعه.

(5)

(8/425-426 - ط. دار الوفاء) ، وسيأتي له كلام (ص 253) على الحديث مختصر دقيق.

(فائدة مهمة) : أكملَ القاضي عياضٌ في شرحه هذا «المعلم» للمازري، ومعنى (إكماله) أنه ذكر فيه ما فات المازريَّ من مباحثَ مهمّةٍ، وذكر فيه تعقباتٍ واستدراكاتٍ مفيدةً، وإلا فالمازري قد شرح جميع «صحيح مسلم» ولم يبق منه شيء.

ص: 234

«وهذا الحديث عَلَم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لظهوره كما قال، وأنّ مُلكَ أمته اتسع في المشارق والمغارب، كما أخبر؛ مِن أقصى بحر طنجة (1) ، ومنتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق، مما وراءَ خراسان والنهر، وكثير من بلاد الهند والسند والصغد (2) ، ولم يتسعْ ذلك الاتساعَ من جهةِ الجنوب والشمال الذي لم يذكر عليه السلام أنه أُرِيَه وأن ملك أمته سيبلغه.

وقوله: «وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» ظاهره الذهب والفضة، والأشبه أنه أراد كنز كسرى وقيصر وقصورهما وبلادهما؛ يدل على ذلك: قوله في الحديث الآخر عنهما في هلاكهما: «ولتنفق كنوزهما في سبيل الله» (3) . وقوله في حديث جابر بن سمرة المخرج بعد -: «لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي بالأبيض» (4) . فقد بان أن الكنز الأبيض هو كنز كسرى، ويكون الأحمر هو كنز قيصر.

ويدل عليه: ما جاء في حديث آخر في ذكر الشام: «إني لأبصر قصورهما الحمر» (5) .

(1) هي مدينة على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء من البر الأعظم أو بلاد بربر، بينها وبين «سبتة» مسيرة يوم، وهي آخر حدود أفريقيا من جهة الغرب، وقد وصلها الفتح الإسلامي في العهد الأموي بفتوحات عقبة بن نافع، وطارق بن زياد، وموسى بن نصير، انظر:«مراصد الاطلاع» (2/894) .

(2)

هي قرى متصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى قريب من بخارى. انظر: «مراصد الاطلاع» (2/842) .

(3)

أخرجه مسلم (2918) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه، ولفظه:«قد مات كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتُنْفَقنَّ كنوزهما في سبيل الله» .

(4)

أخرجه مسلم (2919) بعد (78) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه-رفعه.

(5)

أخرجه أحمد (4/303) ، والنسائي في «الكبرى» (8878) ، وأبو يعلى في «المسند» (1685) من حديث البراء بن عازب رفعه، وهو طويل، «غريب، تفرد به ميمون بن أستاذ» . =

ص: 235

وقوله: «إني لأبصر قصر المدائن الأبيض» (1) . ثم ذكر حديثَنا في هذا السياق، قال:

«ويدل على ذلك -أيضاً-: قوله عليه السلام: «إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها» . فقد أضاف الفضة البيضاء إلى العراق وهي مملكة كسرى، والدينار الأحمر إلىالشام وهي مملكة قيصر. وقد يدل هذا -أيضاً- إلى ما ذكرناه أولاً من المراد به الذهب والفضة. وقيل: هو المراد بالحديث» انتهى.

وذهب إلى نحوه أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتالي، الشهير بـ (الأُبّي)(ت 827هـ) في شرحه المسمى «إكمال إكمال المعلم» (2)، قال في شرح قوله صلى الله عليه وسلم:«وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض» ما نصه:

«الظاهر أنهما الذهب والفضة، وهما كنزا كسرى وقيصر، ملكي الشام والعراق؛ لحديث: «إذا (3) منعت العراق درهمها (4) ، ومنعت الشام مُدْيها

= قاله ابن كثير في «السيرة» (3/194-195) ، وحسّنه ابن حجر في «الفتح» (7/397) !

قلت: إسناده ضعيف، لميمون أبي عبد الله، نقل الأثرم عن أحمد قوله عنه: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: لا شيء، وقال أبو داود: تكلم فيه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/418)، وقال:«كان يحيى القطان يسيء الرأي فيه» . ولذا قال الهيثمي في «المجمع» (6/130-131) : «رواه أحمد، وفيه ميمون أبو عبد الله، وثّقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات» .

قلت: وفي «صحيح البخاري» (4101) أصله دون الزيادات التي فيه.

(1)

قطعة من الحديث السابق.

(2)

(7/312) ، وبنحوه في «مكمل إكمال الإكمال» (7/242) للسنوسي.

(3)

هذه رواية ابن ماهان من «صحيح مسلم» كما قدمناه، وانظر عنها: كتابي «الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح» (1/368) ، ففيه كلام مستوعب جيد على (رواة الصحيح) ، قلّ أن تجده في كتاب، والحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة.

(4)

كذا في الأصل! وسقط منه «قفيزها و

» .

ص: 236