الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فتنة حماة
ما وقع في مدينة (حماة) سنة 1402هـ - 1982م، من أحداث شهر شباط، وانفجرت ثورة عارمة باسم (الإسلام) في سوريا، ووقع اشتباك بين مجموعة ثائرين للإسلام مع النظام السوري، وتركزت الأحداث في (حماة) ، ودُمرَت بالقصف والتفجير والنسف أجزاءُ كبيرةٌ من المدينة، وخلف ذلك نحو خمسة وعشرين ألف قتيل، ودماراً هائلاً، شبّهته الصحافة الأجنبية بتدمير إحدى مدن الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن اعتقال الآلاف من سكانها، وتشريد عشرات الآلاف الآخرين داخل سورية وخارجها. (1)
وتبع ذلك، انشطارات وانقسامات في جماعة الإخوان المسلمين، وقيادتها السورية (2) ،...........................................................
(1) أصدر آنذاك مجموعة من الباحثين في المكتب الإعلامي للإخوان المسلمين كتاباً سموه «حماة مأساة العصر» ، فصَّلُوا فيه أحداث الوقائع وما جرى بالتفصيل، مع ذكر أسماء الضحايا، وكتب على طرته:«من منشورات: التحالف الوطني لتحرير سورية» !! والعجيب أنّ خطباء المساجد آنذاك -وقد سمعتُ ذلك- كانوا يذكرون الاعتداء على النساء، وهتك أعراضهن، مع تسمية بعضهن، وهن -لبعض المخاطبين- معروفات بأعيانهن! ولا قوة إلا بالله!
(2)
أرّخ عمر عبد الحكيم ذلك في كتابه «الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا» ، وهو في جزأين (الجزء الأول: التجربة والعبرة، آلام وآمال، والجزء الثاني: الفكر والمنهج) ، قال عن أوله (ص 19) :«يتحدث في معظمه عن تاريخ وتسلسل الأحداث في الثورة الجهادية المسلحة في سوريا كما حصلت وكما عايشتها بنفسي، وشاركت فيها بما قسمه الله، وأسأله القبول، فمعظم ما رويته هي أحداث عايشتها ساعة بساعة، أو تفاصيل سمعتها من أصحابها المجاهدين الثقات» !
وقال في الصفحة نفسها: «مما أكمل معرفتي التي حصلتها من خلال احتكاكي بالشريحة القيادية في رأس الهرم التنظيمي للإخوان المسلمين الدوليين، وللطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وإني إذ أدلي بشهادتي الحية هذه، لم أرقب إلا الله -تعالى-، مدركاً أبعاد هذه المغامرة، بقولي الحقيقة، والإدلاء بها علناً، مع كل ما يراد لها من الطمس والتجهيل» ، وأورد منه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أموراً تقشعر منها الأبدان، وتشيب لها الولدان، ولست بصدد الخروج عن (اليقين) إلى دائرة (الظن) و (التخمين) ، فمنهجي في كتابي هذا إبعاد المحتملات وإقصاؤه، ولكن نكبات
…
وصدمات
…
ومذابح
…
ومآسي يدفع الصادقون السذج الثمن، وتطوى دون دراسة وتقويم، بله التاريخ والتدوين، وتنتقل المأساة من بلد إلى آخر، مراهقون يجرِّبون، لعلهم يصلون، ولله سنة لا تتغير ولا تتبدّل:(لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) طريق العلماء الربانيين، والبعد عن سبيل المجرمين، وسيأتيك مزيد بيان فيما يسنح به المقام، وما أريد -والله- إلا الإصلاح!
ولا يفوتني هنا أمور:
الأول: الانقسامات التي واجهتها جماعة الإخوان المسلمين في سورية قديمة، أظهرها سنة (1970م) ، وأخطرها ما حصل سنة 1986م، على ما ذكر الشيخ سعيد حوى في كتابه «هذه تجربتي وهذه شهادتي» (ص 163) .
الثاني: من بين هذه الانقسامات المبكرة، انقسام ظهر على إثر الخلاف الحاصل بعد وفاة مصطفى السباعي بين أقطاب دعوتهم، وبرز تكتلان: أحدهما دمشقي حول (عصام العطار) ، وآخر (حموي - حلبي) حول كل من عبد الفتاح أبي غدة في حلب، وسعيد حوى في حماة. وسمي الأخير (الحلبي الحموي) :(التنظيم الدولي)، والآخر:(جناح دمشق) ، وكان فيه نَفَسٌ سلفي، وكان شيخنا الألباني يتردد على (دورهم) و (مجالسهم) ، وكان من بينهم رموز، ظهرت منهم مناصرة قوية للدعوة السلفية في العقيدة وضرورة الاحتجاج بالحديث، والاقتصار على الصحيح، ونبذ التعصب المذهبي دون الحزبي! ثم رحل العطار لألمانيا مؤسساً (حركة الطلائع) ، وبقي مترئساً لجناحه في سوريا، معتبراً نفسه رئيساً لجماعة الإخوان المسلمين، وبهذا اللقب كان يصدر بياناته.
وانشق عن جناح العطار المتبقي في سوريا شِقٌّ ظهر فيها بين عامي (1975-1977م) ، وكان على هيئة كتلة صغيرة، تزعمها (محمد سرور زين العابدين) ، وظهر نتيجة ملاحظات على المنهج والإدارة التي خلّفها عصام وراءه، ودعيت هذه الكتلة بـ:(السروريين) باسم مؤسسها الذي ارتحل إلى الخليج، وأوجد لجماعته فيما بعد امتداداً في أقطار أخرى، حول منهج حاول فيه صاحبه: الاستفادة من تجربته الإخوانية، وأطر تنظيمهم، وعملهم المخطط الحزبي، مع العقيدة السلفية، وترعرع هذا التنظيم واشتد، من خلال تأثر رموز من طلبة العلم المتقدمين والدعاة العاملين بأطروحاتهم، ولم يكن لهذه المجموعة أثر يذكر في أحداث سورية، إلا مشاركات فردية، وما لبثوا إلا أن غادروا سورية كغيرهم.
ولمحمد سرور في كتابه «قل هو من عند أنفسكم» (ص 96-98) كلام يتكلم فيه على سوء حال القائمين على فتنة حماة. انظر: (ص 67، 72، 90-91، 92-93، 100 وما بعد) من =
ورمى قسم منهم نفسه في أحضان العراق (1) ،
وراحوا يرددون: سنحرر سورية،
= كتابه هذا.
الثالث: أخذت هذه الانقسامات -ولا سيما في أثناء الأحداث- بُعداً خطيراً، وعمت المشكلة، وجعلوه في بعض أشكاله غسيلاً منشوراً في الصحف، وترى نماذج من ذلك في «مجلة المجتمع» (العدد571) رجب 1402هـ الموافق 18/5/1982م، وجريدة «اللواء» الأردنية العدد (484) بتاريخ 9/6/1982م.
(1)
انظر «الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا» (1/69، 96-97، 105، 256 وما بعد) ، وعقد الإخوان المسلمون مع حزب البعث العراقي والاشتراكيين العرب والوحدويين الاشتراكيين (تحالفاً وطنيّاً) ، واضطربت (الفتاوى) بشأنه، وتحمس بعضهم فكتب في تلك الأجواء «التحالف السياسي في الإسلام» ، وتحمّس مجموعة من الشباب في بيان حكمه، وكانت (مجموعة محمد سرور) من الرافضين له بقوّة، وأظهروا مجموعة من (الفتاوى) بخصوصه للشيخ ابن باز والألباني و (محمد قطب) ! وهذا نص فَتَوَيِ الشيخين ابن باز والألباني -رحمهما الله تعالى-:
فتوى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز
السؤال: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: زعم بعض الناس وأشاعوا أنكم أفتيتموهم بجواز التحالف مع الكفار من وطنيين وعروبيين وقوميين واشتراكيين
…
فهل يجوز التعاون معهم أو التحالف لإسقاط طاغية، ومن ثم إقامة دولة دينها الإسلام وتقوم على حرية الاعتقاد، وحرية الأحزاب السياسية؟
الإحابة: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد؛ فلم يصدر مني فتوى في جواز التحالف مع كفرة، سواء كانوا من العرب أو كانوا من العجم، بل الذي صدر مني هو أنه لا يجوز التحالف مع أي كافر
…
وإنما سئلت عمن أراد أن يرجع عما هو عليه من النحل الكافرة، وأن يتوب منها وأن يتعاون مع المسلمين في جهاد فئة من الكفرة، ثبوت له لأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، من تاب من كفره وشركه وأحب أن يجاهد مع إخوانه المسلمين جهاداً شرعيّاً فلا بأس، التوبة تجبُّ ما قبلها
…
أما أن يتحالف مع كافر شيوعي أو يهودي أو نصراني أو أي كافر، فلا يجوز التعاون مع هؤلاء والتحالف معهم؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى إليه في غزوة بدر رجل، فقال:«يا رسول الله! أريد أقاتل معك. قال: أسلمت؟ قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك» .
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستعين بالمشركين، في قتال قريش، فهكذا لا يستعان بالمشركين =
بالدبابة العراقية والبندقية الفلسطينية، والبطل السوري!! وفتحت لهم من
= والكفار في قتال أي طائفة؛ لأنهم لا يؤمنون، إنما يستعان بأهل الإيمان والهدى والإسلام ولو كان فيهم معاصي، أما الكفرة فلا يستعان بهم ولا نتحالف معهم في جهاد أي شخص كان أو جهة كانت، أو أي طائفة كانت؛ لأن الكافر مهما كان لا يؤمن سواء كان يهوديّاً أو نصرانيّاً، أو شيوعيّاً أو إباحيّاً، أو غير ذلك، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه لا يستعان بأهل الشرك في قتال الكفرة؛ لأنهم إخوانهم لا يؤمنون، قال -الله تعالى-:{يَا أيّها الّذين آمنوا لا تَتّخذوا بِطَانةً مِن دونكم لا يَألونكم خَبَالاً وَدّوا ما عَنِتّم قد بدت البغضاء مِن أفواههم وَما تُخفي صدورهم أكبر قَد بيّنا لكم الآيات إنْ كُنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تُحبّونهم وَلا يُحبّونكم وَتُؤمنون بِالكتاب كُلِّه وإذا لَقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عَضّوا عليكم الأنامل مِن الغَيظ قُل مُوتوا بغيظكم إنّ اللهَ عَلِيمُ بذات الصُّدور} .
بيّن -سبحانه- أنه لا يجوز لنا أنْ نتخذ بطانةً من الكفرة؛ لأنهم يودون عَنَتَنا ومشَقَّتنا وضرنا، ولا يألون خبالاً؛ أي: تخريباً وتدميراً وإفساداً، فلهذا وجب الحذر منهم، ولا يستعان إلا بأهل الإسلام، ولا يتحالف إلا مع أهل الإسلام، لا مع الكفرة اللئام، وأسأل الله أنْ يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفقهم لما فيه رضاه، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يصلح قادة المسلمين أينما كانوا، وأن يردهم للصواب، وأن يعيذهم من طاعة الهوى والشيطان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
فتوى الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني
السؤال: فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني: سمعتم منذ مدة عن قيام تحالف وطني بين الإخوان المسلمين والبعثيين والاشتراكيين والناصريين، في إطار ما سمي بالتحالف الوطني لتحرير سورية، ما حكم الإسلام في هذا الأمر؛ نرجوا أنْ تبينوا لنا ذلك، جزاكم الله خيراً
…
الإجابة: الذي أعتقده بعد حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنّ هذا التحالف لا شبيه له في الإسلام، ولم يقع مثله لا فيما بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن زمنه عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لسببين اثنين:
أولاً: إنه تحالف من جماعة لا يمثلون إلا أنفسهم، لا يمثلون المسلمين، ولا يكون أي تحالف -إذا كان التحالف مشروعاً- إلا من حاكم مسلم نصب على المسلمين باختيارهم وليس بالرغم عنهم.
ثانياً: أنّ في هذا التحالف أموراً واضحة ليس من صالح الإسلام، ذلك؛ لأن المتحالَفَ معه قوي في عدده وفي سلاحه، أما المتحالف فهو ضعيف، فستكون النتيحة أن يتغلب ولو بعد زمن يسير هذا القوي على الضعيف، وتضمحل شخصية الضعيف، ويكون الحكم كما هو القائم الآن بغير ما أنزل الله، فهذا التحالف الذي وقع بينهما -أي: بين الفريقين- هو حبر على ورق كما يقال.
العراق إذاعة، بُحَّتْ أصواتُهم فيها للثورة، وبالنشيد لها، وكان لهم فيها معسكرات تدريب للجهاد -زعموا-، وأصبح لا يخلو واحد منها -فيما بعد- من سجن للعملاء المدسوسين فما بينهم على -زعم القائمين عليها- في فتنة عمياء، رسمت في ليلة ظلماء، وسفكت فيها الدماء، وتراشق الساعون والقائمون فيها بالويلات وعظائم الأمور، مما يعسر حصره، ولا يفيد في هذا المقام ضبطه وتعداده.
والذي أراه -والله أعلم- أنّ سبب هذه الفتن: العجلة، وعدم فقه واجب الوقت، وفقدان تربية العلماء على المنهج السلفي الرباني، وعدم التكييف الشرعي الصحيح لما يقومون به من مهالك ومصائب باسم الإسلام، وينطبق على هؤلاء نعت ابن خلدون، فها هو يقول عنهم، وكأنّه يريدهم بأسمائهم وشخوصهم:
«ممن أخذوا أنفسهم بإقامة الحق، ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته» .
وقال عنهم -وأصاب كبد الحقيقة-: «لا يشعرون بمغبة أمرهم، ومآل أحوالهم، فهم موسوسون، يحتاج في أمرهم إلى المداواة إن كانوا من أهل الجنون، وإما التنكيل بالقتل (1) (!!) أو الضرب إن أحدثوا هرجاً، وإما إذاعة السخرية منهم» (2) .
وكان شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- آنذاك ينهى هؤلاء عما يقومون
(1) معاذ الله أن نجوّز لكافر قتل مسلم وإهراق دمه، فكلام ابن خلدون على (الحكام المسلطين) آنذاك، وليس على الواقع الذي جرت فيه هذه الفتنة!
(2)
«مقدمة ابن خلدون» (ص 159) .