الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشام مُدْيها ودينارها، ومنعت مصر إردبَّها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم» (1) شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمُه.
وكذلك حديث أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد الله، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم؛ يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنيّة. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعدُّه عدّاً» (2) .
وسبق معنى (المنع) واختلاف (الشراح) فيه، وهل وقع أم لا؟! مع قولهم: إن معنى (منع) : ستمنع، كما قدمناه عن غير واحد منهم.
ويعجبني صنيع ابن كثير إذ وضع هذا الحديث وغيره تحت عنوان (ذكر أنواع من الفتن وقعت وستكثر وتتفاقم في آخر الزمان)(3) .
وإنْ حمل بعض العلماء هذا الحديث على حوادث مضت، فإنّ وقوعه هذه الأيام على وجهٍ أظهر وأشد لقرائن وأمارات كثيرة؛ منها:
أولاً: تبويبات بعض العلماء
؛ مثل: ما صنعه ابن عساكر، بوّب عليه (باب ذكر بعض ما ورد من الملاحم والفتن مما له تعلّق بدمشق في غابر الزمان)(4) ، وما صنعه أبو عمرو الداني، بوّب عليه (باب ما جاء في خروج الروم)(5) .
(1) مضى تخريجه (ص 187) .
(2)
مضى تخريجه (ص 238) .
(3)
«الفتن والملاحم» (1/35) .
(4)
«تاريخ دمشق» (1/210) .
(5)
«الفتن» (رقم 602) .
ثانياً: قال الداودي عند إيراده هذا الحديث: «يريد أن ذلك يكون في آخر الزمان» (1) وقد حمله جمع على أمر قد تمّ؛ منهم:
ابن حزم، قال بعد كلام:«إنه -أي: هذا الحديث- إنذار منه عليه السلام بسوء العاقبة في آخر الأمر، وأنّ المسلمين سيمنعون حقوقهم في هذه البلاد، ويعودون كما بدأوا، وهذا -أيضاً- حق قد ظهر، وإنا لله وإنا إليه راجعون» (2) .
وذكر ذلك بناءً على معنىً ذكره في مكان سابق لهذا الكلام، قال:
فكأنه أراد أن معنى (المنع) : «سيرجعون من الطاعة، ويأبون مَنْ إذا ما وُظِّفَ عليهم في أحدِ الأمر، وذلك أنهم يرتدون عن الإسلام، وعن أداء الجزية، ولم يكن ذلك في زمانه، ولكن أخبر أنهم سيفعلون ذلك» (4) .
وفي هذا المعنى نظر، قدمنا المؤاخذات عليه فيما مضى (5) .
وممن ذهب إلى هذا الرأي (6) من الأقدمين -قبل ابن حزم-: الخطابي،
(1)«الأموال» (ص 143 - ط. دار السلام) ، ومثله عند ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (1/265 - ط. الرمادي) .
(2)
«المحلى» (7/341 - مسألة رقم 957) . ونقله عنه ابن حجر في «الفتح» (6/280) .
(3)
«المحلى» (5/247-248 رقم 642) .
(4)
«التذكرة» (3/213 - ط. دار ابن كثير) .
(5)
انظر: (ص 227 وما بعد) .
(6)
بمعنى أن المنع قد ظهر وانتهى.
قال -رحمه الله تعالى-:
«ومعنى الحديث، أنّ ذلك كائن، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين، ويوضع عليها الخراج شيئاً مقدراً بالمكاييل والأوزان، وأنه سيمنع في آخر الزمان، وخرج الأمر في ذلك على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم» . وارتضاه ابن الجوزي (1) وصاحب «عون المعبود» (2) والبُجُمْعَوِي (3)، وزاد عليه:«قلت: فارتفع في زماننا، فهو من معجزات النبوة» .
وسبق قول النووي (4) -وارتضاه صاحب «عون المعبود» (5) -: «هذا قد وجد في زماننا في العراق» .
وقال السيوطي شارحاً للحديث: «هذا قد وجد في زماننا، وهو الآن موجود لما غلبت عليه التتار» (6) .
بينما ذهب صديق حسن خان إلى أن ذلك وقع في زمانه، قال -رحمه الله تعالى- بعد كلام النووي على الحديث -وسبق إيرادنا إياه-:
(1) في «كشف المشكل في حديث الصحيحين» (3/567) .
(2)
(8/283) .
(3)
في «درجات مرقاة الصعود» (ص 128) .
(4)
(ص 228) .
(5)
(8/282) .
(6)
«الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» (6/222-223) .
(7)
«السراج الوهاج» (11/368) .
وعلق عليه شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- بقوله:
وقد ذهب رحمه الله في «السلسلة الصحيحة» (2) إلى تقوية المراد بـ (المنع) ما قاله النووي: «معناه: أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان، فيمتنعون مما كانوا يؤدّونه من الجزية والخراج وغير ذلك» (3)، قال بعده مباشرة:
«قلت: وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر من لفظ «المنع» ؛ بخلاف المعنى الأول، فهو عنه بعيد جدّاً؛ لأن من أسلم وسقطت عنه الجزية لا يصح أن يقال فيه: امتنع من أداء ما عليه؛ كما هو ظاهر بين.
ولقد كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث؛ وبيان أن الموقوف منه في حكم المرفوع، وبيان معناه؛ أن بعض الناس اليوم ظنوا أن لهذا الحديث علاقة
(1)«مختصر صحيح مسلم» (ص 538) للمنذري (هامش 3) ، ونقله عنه الشيخ عبد العزيز السيروان في كتابه «أحاديث سيد المرسلين عن حوادث القرن العشرين» (ص 59)، وقال على إثره -وذلك قبل حصار العراق وأحداثه الجسام-:«وهذا واضح للعيان، مشاهد في هذا الزمان، لا مرية فيه» .
(تنبيه) : لشيخنا الألباني رحمه الله بقلمه «مختصر صحيح مسلم» ، وهو غير الذي علق عليه، فهو من تأليف المنذري.
(2)
(7/199) .
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (18/29 - ط. قرطبة) .
بالفتنة العمياء التي حلت على المسلمين بسبب اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت، وما فرض على العراق من الحصار البري والبحري والجوي؛ لمنع وصول المُؤَن والأرزاق إليها من البلاد المسالمة لها!
فكثر السؤال عن هذا الحديث بهذه المناسبة، وهل له علاقة أو ارتباط بهذا الحصار للعراق؟
فأجبت بالنفي، وبينت لهم معناه بنحو ما تقدم نقله عن الإمام النووي رحمه الله.
كتبت هذا نهار الأربعاء: 1 صفر سنة 1411هـ. كفى الله المسلمين شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن» .
بينما تردد بعض المعاصرين (1) في ذلك، فقال:
«مسألة: في قول جابر رضي الله عنه: «يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم..» وهذا نور النبوة، ولا يُدرى هل وقع هذا الحصار لأهل العراق، ثم لأهل الشام؟ وهل يكون ما وقع من الحصار أيام الحروب الصليبية والتتار؟ أم لا يزال في علم الغيب، ويكون هذا الحصار أيام الملاحم قبل نزول عيسى عليه السلام والله -تعالى- أعلم» .
وجزم آخرون بأنه الحصار الذي ضرب على العراق منذ سنتين، قال صاحب كتاب «عمر أمة الإسلام» (2) في (الفصل الثاني: أهم علامات الساعة الصغرى) (3) :
(1) وهو الدكتور خالد بن ناصر بن سعيد الغامدي في كتابه «أشراط الساعة في مسند أحمد وزوائد الصحيحين» (1/360) .
(2)
لهذا الكتاب عُقَد، وينبغي لقارئه أن يحذر منه؛ لاعتماده على الإسرائيليات وجَعلِها من المسلّماتِ، ولِتسَلْسُلٍ من كيس مؤلّفه بين الأحداث الواردة في الأحاديث. وانظر تعليقي على كتاب «ذو القرنين وسد الصين» (ص 316) .
(3)
(ص 33) .