الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وركاكة الألفاظ» (1) .
والخبر الذي معنا؛ لا أقول: إنه لا يخالف الأصول، بل فيه ما هو مقرر في العقول في زمن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والغاية من إيراده أمور:
الأول: كثرة الخير الذي ظهر من الشام في زمن عمر للمسلمين
(2) ، وأجرى الله ذلك على يد عبده خالد بن الوليد، ويقول هنا ما معناه:«لما اطمأنّ الشام وهدأ وذهبت شوكته، وسكنت الحرب منه، وصار ليناً، لا مكروه فيه، فإنما هو خِصب كالحنطة والعسل عزلني عمر، واستعمل غيري» (3) .
ويدلك على هذا لفظ الأعمش؛ وهو: «إن عمر بعثني إلى الشام وهي بهمة» .
الثاني: إن الهند كانت في نفوسهم البصرة، وبه تفهم سائر الأحاديث الواردِ فيها ذكرُ (الهند) .
الثالث: الفتن ظهرت في زمن الصحابة
، ولكن الذي يموج منها موج البحر يكون بعد وفاة عمر، وسبق تفصيل وتأصيل وتدليل هذا، ولله الحمد والمنة.
الرابع -وبيت القصيد-: إن الفتن آخر الزمان ستشتد
، وتظهر بجلاء في جميع البلدان، «فينظر الرجل، فيتفكر: هل يجد مكاناً لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر، فلا يجده» ، ويكون هذا وهم (بذي بليان) ؛ أي: وهم طوائف وفرق من غير إمام، كما قدمناه، وإن كان خالد قد تعوذ أن تدركه تلك الأيام، فوالله إنا نعيشها ونحسّ بها، فنعوذ بالله من الخذلان، أو أن نردّ على أعقابنا، أو أن نفتن.
(1)«ديوان الضعفاء» (478 - آخره) .
(2)
انظر تحديده فيما سيأتي (ص 226) .
(3)
من كلام أبي عبيد في «غريب الحديث» (4/30) .
نعم؛ الفتن تظهر آخر الزمان على هيئة أمواج (تجيء) و (تنكشف)(1) ، وهذه الأمواج لها أماكن، تكاد لا تسلم منها محلّة، ولكن ارتطامها المباشر يكون في بلدان معيّنة، وتبدأ بالمشرق، ثم تتحوّل إلى المغرب، وعندئذٍ تكون بدايات وإرهاصات الملاحم التي تسبق خروج المهدي.
أخرج البخاري في «التاريخ الكبير» (1/63) ، ونعيم بن حماد في «الفتن» (1/263 رقم 749) ، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/73 رقم 1389) -ومن طريقه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/2146 رقم 5385) -، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/63) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (17/187 رقم 502) ، وابن عبد البر في «الاستيعاب» (3/138-139 - بهامش «الإصابة» ، أو 3/179 - ط. دار الكتب العلمية) من طريق حريز بن عثمان، ونعيم بن حماد في «الفتن» (1/265 رقم 758) ، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/73 رقم 1388) ، والطبراني (2) في «الكبير» (17/187 رقم 501) ، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/2146 رقم 5384) من طريق صفوان بن عمرو. ونعيم بن حماد في «الفتن» (1/263 رقم 748) من طريق أرطاة بن المنذر؛ ثلاثتهم عن الأزهر (3) بن عبد الله، عن عصمة بن قيس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتعوّذ في صلاته
(1) هذان اللفظان نبويان ثابتان في «صحيح مسلم» من حديث عبد الله بن عمرو سيأتي بتمامه (ص 537-538) ، وانظر تعليقنا عليه.
(2)
لفظه فيه: «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله
…
» . فجعله في المرفوع، خلافاً لما في سائر المصادر، والعجب أن مؤلف «الأحاديث المسندة المرفوعة من كتاب «الفتن» لنعيم بن حماد» (ص 138 رقم 167، 168، 170) أورده في كتابه من طرقه الثلاثة! وهو ليس على شرطه، وضعّفه بما هو ليس بعلة له، فتعلّق بشيوخ نعيم، وهم متابعون، ولم يذكر -كعادته- مصادر الحديث!
(3)
جعله بعض الرواة عن حريز: «الوليد بن أزهر الهوزي» ، قال ابن عبد البر:«هكذا قال (الوليد بن أزهر! وروى غيره عن حريز، بن عثمان، عن أبي الوليد أزهر بن راشد» .
من فتنة المغرب، لفظ حريز.
ولفظ صفوان: «أنه كان يتعوذ بالله من فتنة المشرق. فقيل له: كيف فتنة المغرب؟ قال: تلك أعظم وأعظم» .
ولفظ أرطاة: «تلك أعظم وأطمّ» .
قال الهيثمي في «المجمع» (7/220) : «رجاله ثقات» .
قلت: فيه أزهر الهوزني، شامي، ذكره ابن حبان (4/39) في (ثقات التابعين) ، وعده أبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (1/185 رقم 50) من (الصحابة) ، وأسند برقم (128) من طريق مبشر بن إسماعيل عن جرير (1) ، عن أبي الوليد أزهر بن قيس صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب.
وقال: «لا أعلم له غيره» .
وأخرجه ابن شاهين -ومن طريقه أبو موسى في «الذيل» -: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، به. أفاده ابن حجر في «الإصابة» (1/228) .
وترجم ابن عبد البر في «الاستيعاب» (1/74) لأزهر بن قيس، وقال:«لم يرو عنه غير حريز بن عثمان -فيما علمت-، حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب، لا أعلم له غيره» ، وتابعه الذهبي في «تجريد أسماء الصحابة» (1/13 رقم 85) ، وهذا وهم سببه سَقْطٌ في طريق البغوي، وتابعه عليه الآخرون، حتى الذهبي! وكشف ابن حجر في «الإصابة» (1/228-229 رقم 516) عن هذا الوهم وترجم (أزهر بن قيس) في
(1) كذا في مطبوعه، وهو مليء بالأخطاء والتحريفات، وصوابه:«حريز» ، ونقله عنه ابن حجر على الجادّة.
(2)
كذا جعله مرفوعاً! وهو موقوف.
(القسم الرابع)(1) ،
وقال:
(1) رتب ابن حجر كتابه «الإصابة» على الحروف، وجعل في كل حرف (أربعة) أقسام:
القسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريقُ صحيحةً أو حسنةً أو ضعيفةً، أو وقع ذكره بما يدلّ على الصحبة بأيّ طريق كان، مع تمييزه ذلك في كل ترجمة.
القسم الثاني: فيمن ذُكِر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة من النساء والرجال، ممن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في دون سنّ التمييز، إذْ ذِكْرُ أولئك في الصحابة، إنما هو على سبيل الإلحاق؛ لغلبة الظن على أنه رآهم لتوفّر دواعي أصحابه على إحضارِهم أولادَهم عنده حين ولادتهم، ليحنّكهم ويسمّيهم ويبرك عليهم، وأحاديث هؤلاء من قبيل المراسيل عند المحققين. ولذا قال ابن حجر:«ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول» .
والقسم الثالث: فيمن ذُكر في كتب رجال الصحابة من المُخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قطُّ أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا رأوه، سواء أسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا أصحابَه باتفاقٍ من أهلِ العلم بالحديث، وإن كان بعضُهم قد ذَكَر بعضَهم في كتب الصحابة؛ فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا لمقاربتهم لتلك الطبقة، لا أنهم من أهلها، وأحاديث هؤلاء مرسلة بالاتفاق.
و (القسم الرابع) : فيمن ذُكِر في الكتب على سبيل الوهم والغلط، وبيان ذلك البيان الظاهر الذي يُعَوَّلُ عليه على طرائق أهل الحديث.
وقد نظم بعضهم هذا التقسيم الذي جعله الحافظ ابن حجر مصطلحاً لـ «إصابته» بقوله:
القسمُ الأَوّلُ من «الإصابهْ»
…
للعسقلاني هُم الصحابهْ
توفَّرت فيهم شروطُ صحبتِهْ
…
وبَلَغو أوانَ حملِ دعوتهْ
وثاني الأقسام لمن في الصغرِ
…
لَعَلَّهُ رآهُ خيرُ مُضَرِ
ثالِثُها مَن في الأوان خَضْرَما
…
وليس منهم باتِّفاق العُلَما
رابعها في نبذِ مَن تفاحَشا
…
غلَّطَهم فيه وفيه ناقَشا
فهذه الأبيات الخمسة حِفْظُها مع فهمها معينٌ على معرفة صنيع ابن حجر في «الإصابة» بسرعة حين احتياج الطالب إلى الوقوف على أي رجل أراده من الأقسام الأربعة. قاله الشيخ الشنقيطي في «دليل السالك إلى موطإ الإمام مالك» (ص 195) . وانظر تقديمي لـ «تذكرة الطالب المعلّم» (ص 22-23) .
«وقد تم الوهْمُ عليهم فيه جميعاً؛ وسببه أن الإسناد الذي ساقه البغوي سقط منه والدُ أزهر، واسم الصحابي، وبقي اسمُ أبيه، فتركيب هذه الترجمة من اسم أزهر ومن اسم والد أزهر، واسم الصحابي؛ ولا وجود لذلك في الخارج، وتبع البغوي ابن شاهين، وبقيَّة مَن جاء بعده من غير تأمُّل.
وإيضاح ذلك، أن حريز بن عثمان إنما رَوَى الحديث المذكور عن أزهر ابن راشد، وقيل: ابن عبد الله الهوزني، عن عصمة بن قيس، عن النبي
…
صلى الله عليه وسلم (1)(!!)، قال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا علي بن عيّاش، قال: حدثنا حريز ابن عثمان، عن أبي الوليد أزهر الهَوزني، عن عصمة بن قيس صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتعوّذ بالله من فتنة المغرب.
ورواه ابن سعد عمن أخبره، عن أبي اليمان، عن حريز.
وكذا رواه البخاري في «تاريخه» عن أبي اليمان. ورواه ابن أبي عاصم والطبراني وأبو نعيم من طريق إسماعيل بن عياش، عن حريز بن عثمان، عن أزهر بن عبد الله، عن عصمة بن قيس.
ويزيد ذلك وضوحاً، أن البخاري وغيره لما ذكروا ترجمة أزهر الهوزني، عرّفوه بأنه يروي عن عصمة بن قيس، وأن حريز بن عثمان يَرْوِي عنه.
(1) الصواب أنه موقوف على عصمة، نعم ورد مرفوعاً عن غيره ولا يثبت، أخرجه أبو عمرو الداني في «الفتن» (4/925 رقم 485) عن شعيب بن حرب، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من فتنة المغرب» . وإسناده واهٍ بمرة، فيه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي هالك، وشعيب من صغار أتباع التابعين.
وأخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/265 رقم 759) عن ابن عباس رفعه: «أحذركم فتنةً تقبل من المشرق، ثم فتنة تقبل من المغرب» . وإسناده ضعيف جدّاً، فيه يحيى بن سعيد العطار.
وتجد تتمة التخريج مع ما ورد في الباب، في الدراسة المفردة عن (العجم والروم في أحاديث الفتن) ، يسر الله إتمامها بخير وعافية.