المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

-أيضاً- مقدار من مساحة الأرض» . قال العلامة ابن هشام الأنصاري - العراق في أحاديث وآثار الفتن - جـ ١

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فصلفي بيان أنّ العراق تهيّج منها الفتن،وصلتها بأهمّ فتن هذا العصر

- ‌ طرق في ألفاظها نُكْرة

- ‌ أحاديث أخرى وقع التصريح فيها بذكر العراق، وأن الفتن تهيج منها، أو تكون فيها، وفي أسانيدها ضعف:

- ‌فصلفرية وردّها

- ‌فصلالفتن تموج موج البحر

- ‌فصلضروب الفتنة

- ‌الضرب الأول: لا ينفك عن الإنسان في أي مكان أو زمان كان

- ‌الضرب الثاني: الفتن التي تموج موج البحر

- ‌فصلزمن الفتنة (نشأتها، اشتدادها، آخرها)

- ‌فصلالخوارج والعراق

- ‌فصلاستمرار خروج الخوارج ووصول فتنتهم إلى كل مكان

- ‌فصلالخروج في عصرنا

- ‌فصلمظاهر الخروج الجديد ونواره الذي لم ولن يعقد

- ‌فتنة جهيمان والحرم المكي

- ‌فصلفتنة حماة

- ‌فصلفتنة الجزائر المتولّدة عن الخروج الأول في العراق

- ‌ فتنة الجزائر وجبهة الإنقاذ الإسلامية

- ‌مما زاد وَحَل هذه (الفتنة) :

- ‌فصلالتباس (الثورة) بمفهوم الجهاد

- ‌فصلالفرق بين المطلوب الشرعي وواجب الوقتوما عليه أصحاب الثورات والانقلابات ودعاة الخروج

- ‌فصلالفتن في كل زمان حسب رجاله

- ‌فصلاشتداد الفتن مع مضي الزّمن

- ‌فصلحرمة التشبه بأهل العراق في خروجهم الأول

- ‌فصلالفتنة وكلت بثلاث

- ‌فصلكلام جملي عن محور الفتنة وثمرتها ووقتهاومادتها ووسيلتها ووقت اشتدادها

- ‌فصلمكان الفتنة

- ‌فصلرد شيخنا الألباني لفرية (نجد) التي يطلع منها قرن الشيطانهي دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى

- ‌فصلالعراق والفتنة وإبليس

- ‌فصلفي تخريج حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي ألفاظ الحديث

- ‌فصلفي غريبه

- ‌فصلتنبيهات مهمات

- ‌فصلتبويبات العلماء على الحديث

- ‌ تبويبات المخرجين له:

- ‌ معرض الاستشهاد

- ‌فصلتعليقات وإيضاحات على حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث

- ‌فصلفي بيان الراجح في معنى (المنع) الوارد في الحديث عند الشراح

- ‌فصلفي سياق قول جابر وتخريجه

- ‌فصلفي سياق كلام العلماء في تحديد من هم المانعون

- ‌فصلفي سياق كلام أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌الإشكال الأول: كيف يقال عن حديث مسلم الذي فيه «منعت العراق…» متفق عليه

- ‌الإشكال الثاني: كيف يقال عن لفظ مسلم: متفق عليه

- ‌فصلفي سياق الألفاظ وما يشهد لها من الآثار

- ‌فصلفي بيان أن المراد بالأخبار السابقة أكثر من حادثة

- ‌فصلفي أحاديث الترك وإخراج أهل العراق

- ‌الحديث الأول: حديث بريدة بن الحصيب

- ‌ الكلام على إسناد حديث بريدة

- ‌الحديث الثاني: حديث معاوية بن أبي سفيان

- ‌الحديث الثالث: حديث أبي بكرة نُفَيع بن الحارث بن كَلَدة

- ‌ الكلام على إسناد حديث أبي بكرة

- ‌ هل الحديث منكر

- ‌ ثلاث ملاحظات مهمات، وكليّات معتبرات، وإفاضات وإضافات:

- ‌ شواهد بمعانٍ مقاربة من المرفوع والموقوف

- ‌فصلفي وصول الشر والفتن آخر الزمان كل مكان

- ‌الأول: كثرة الخير الذي ظهر من الشام في زمن عمر للمسلمين

- ‌الثالث: الفتن ظهرت في زمن الصحابة

- ‌الرابع -وبيت القصيد-: إن الفتن آخر الزمان ستشتد

- ‌فصلفي الأخبار السابقة، هل مضت وانتهت

- ‌فصلفي فتنة التتر والمغول

- ‌من الجدير بالذكر هنا أمور:

- ‌أولاً: وردت في بعض الحوادث صفاتٌ تأذن بأن بعض الآثار المتقدم ذكرُها إنما هي في هذه الفتنة

- ‌ثانياً: وقعت حوادث كثيرة قبل الاجتياح المذكور لبغداد

- ‌ثالثاً: تتابعت غزوات التتار

- ‌خامساً: حمل بعض شراح الحديث ما حصل من التتار على أنهم هم يأجوج ومأجوج

- ‌فصلحصار العراق الاقتصادي

- ‌أولاً: تبويبات بعض العلماء

- ‌ثالثاً: المتمعن في الكلام السابق يجد أن القائلين بأن الأمر قد ظهر تتفاوت أزمانهم

- ‌رابعاً: في الحديث ما يشير إلى هذا التكرار

- ‌فصلالمدينة النبوية ونصيبها من الفتن

- ‌فصلفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم «وعدتم من حيث بدأتم»

- ‌فصلفي خروج خيار أهل العراق منها

الفصل: -أيضاً- مقدار من مساحة الأرض» . قال العلامة ابن هشام الأنصاري

-أيضاً- مقدار من مساحة الأرض» .

قال العلامة ابن هشام الأنصاري النحْوِيّ في «المفصح المفهم والموضح الملهم لمعاني صحيح مسلم» (ص 374 - ط. الفاروق) :

«القفيز: مكيال أو مقدار مبلغه ثمانية مكاكيك، ويجمع على قُفْزان» انتهى.

‌فصل

تنبيهات مهمات

قال أبو عبيدة: لا بد من التنبيه هنا على ثلاثة أمور:

الأول: ليس المراد بـ (القفيز) هنا مقدار الكيل المذكور؛ إذ هو قليل لا يلتفت إليه بالنسبة إلى خيرات العراق؛ وإنما المراد به: (الجمع) . قال القرطبي في «تفسيره» (16/35) : «الواحدُ قد يُرادُ به الجمع عند الإضافة» ، قال:«كما جاء في الحديث: «منَعت العراق درهمها وقفيزها» » . وهكذا يقال عن «درهمها» .

الثاني: أثبتتِ الدراساتُ التي تُعنى بهذا النوع أنه بحجمين؛ فإما أن يكون ثمانية مكاكيك = 12 صاعاً، أو ستة عشر مكوكاً = 24 صاعاً، وهو ما يعادل (64) رطلاً، أو (128) رطلاً (1) .

(1) انظر: «شذور العقود في ذكر النقود» للمقريزي (ص 170 - كلام المحقق د. محمد عبد الستار عثمان) ، وفصل الدكتور سامح عبد الرحمن فهمي في كتابه «المكاييل في صدر الإسلام» (ص 38) في ذلك، فذكر أن الحجمين المذكورين عُرِفَا في القرن الرابع الهجري في العراق، قال:«أما القفيز الصغير فكانوا يتعاملون به في البصرة وواسط» ، وقال عن (الكبير) -وهو المعنيّ هنا-:«يستعمل في بغداد والكوفة» .

وانظر: «فقه الملوك» (1/268) و «المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري» (ص 66) لفالتر هنتس، ترجمه عن الألمانية د. كامل العسلي، منشورات الجامعة الأردنية.

ص: 198

وقد حقق بعضهم (1) في دراسة تاريخية مهمة، انتهى فيها إلى الترجيح بأنّ القفيزَ الذي وضعه عمر (2) على السواد مع الدرهم عند فتحه هو القفيز الأصلي، الذي كان موضوعاً في عهد كسرى.

قلت: ولا يبعد أن يكون (القفيز) هذا معمولاً به في زمنه صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب.

قال ابن حزم في «الإحكام» (2/225 فقرة رقم 860 - بتحقيقي) : «صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذ دينارٍ من كل محتلِمٍ منهم ومحتلِمَة» .

قال يحيى بن آدم في كتابه «الخراج» (ص 67-68) بعد أن أورد حديثنا هذا:

«يريد الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر القفيز والدرهم قبل أن يضعه عمر على الأرض» .

ثم أسند حديث مسروق عن معاذ، وفيه ما يدل على صحة قوله -وهو المعني بكلام ابن حزم السابق-.

قال أبو عبيدة:

حديث معاذ هذا قد اختُلِفَ في إسناده؛ وروايةُ الجماعةِ عن الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كلِّ أربعين مُسِنّةً، ومن كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً، ومن كل حالمٍ ديناراً أو عِدْلَه من المَعَافِر (3) .

(1) هو الدكتور محمد ضياءالدين الريس في كتابه «الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية» (ص 334-336) .

(2)

صح عنه أنه وضع عند فتح العراق على كل جريب (والمراد به هنا مقياس للأرض) درهماً وقفيزاً. وانظر: «الاستخراج لأحكام الخراج» (ص 294 - تحقيق محمد الناصر) لابن رجب.

(3)

برود منسوبة إلى (معافر) ؛ قبيلة باليمن.

ص: 199

أخرجه من هذا الطريق: عبد الرزاق (6841) ، وأحمد في «مسنده» (1/382) ، والطيالسي (567) ، والدارمي (1/382) ، وأبو داود (1578) في الزكاة (باب في زكاة السائمة) ، والترمذي (622) في الزكاة (باب ما جاء في زكاة البقر) ، والنسائي في «المجتبى» (5/25-26) و (26) في الزكاة (باب زكاة البقر) وفي «الكبرى» (رقم 2230) ، ويحيى بن آدم في «الخراج» (رقم 228، 364) ، وابن الجارود (343) ، وابن حبان (4886) ، والدارقطني (2/102) ، والحاكم (1/398) ، والبيهقي (4/98 و 9/193) .

قال الترمذي: «هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، فأمره أن يأخذ. وهذا أصح» .

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وصححه ابن عبد البر في «التمهيد» (2/275)، وقال:«روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت» .

وقال ابن القطان -كما في «نصب الراية» (2/347) -: «ولا أقول أن مسروقاً سمع من معاذ، إنما أقول: إنه يجب على أصولهم أن يحكم بحديثه عن معاذ رضي الله عنه بحكم حديث المتعاصرين اللذين لم يعلم انتفاء اللقاء بينهما، فإن الحكم فيه أن يحكم له بالاتصال عند الجمهور، وشرط البخاري وابن المديني: أن يُعلَمَ اجتماعُهما ولو مرة واحدة، فهما إذا لم يعلما لقاء أحدهما للآخر، لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر: منقطع، إنما يقولان: لم يثبت سماعُ فلان من فلان، فإذن ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان؛ أحدهما: أنه محمول على الاتصال. والآخر: أن يقال: لم يعلم اتصال ما بينهما. فأما الثالث: وهو منقطع؛ فلا.

أقول: معاذ رضي الله عنه توفي بالشام سنة 18هـ.

ص: 200

ومسروق مات سنة 63هـ، وله ثلاث وستون سنة، وأصله من اليمن، وفد على عمر في رواية في سندها مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، وعاش بالكوفة، ومعاذ أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، ومسروق كان صغيراً، وجاء في خلافة أبي بكر -كما في «الإصابة» -، وقد لحق بالشام في خلافة عمر بن الخطاب، ومات بالطاعون هناك، فإدراك مسروق له ولقاؤه به، وروايته عنه شبه مستحيلة؛ لأنه كان عمره حين وفاة معاذ (18) سنة، وقد عرفت حال كل منهما -فإثبات السماع بمجرد المعاصرة -كما فعل ابن القطان، وابن حزم في «الإحكام» (رقم 887 - بتحقيقي) - لا يكفي هنا، والله أعلم.

وقد رأيت -أيضاً- من قبل أن الترمذي قد رجّح الرواية المرسلة، ونقل الحافظ في «التلخيص» (2/152) عن الدارقطني في «علله» أنه رجح الرواية المرسلة كذلك، لكن عبارة الدارقطني في «العلل» (6/69) :«والمحفوظ عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ، وعن إبراهيم مرسلاً» .

وعلى كل حال؛ سواء رجحنا الإرسال أو الوصل، فمسروق لم يسمع من معاذ كما ترجح لدينا، وبه قال ابن القيم في «الزاد» ، وابن التركماني في «الجوهر النقي» (2/210) ، والله أعلم.

قال أبو عبيدة: ثبت هذا الحديث أو لم يثبت؛ فقد صح ذلك عن عمر، بل كان القفيز معروفاً قبل الإسلام، وهو من أصل آراميّ (1) ، وقد شاع استخدامه في عصر الجاهلية عند العرب، حتى نجدَ زهيرَ بن أبي سلمى يقول (2) :

(1) انظر: «النقود العربية وعلم النميات» (52) للكرملي.

(2)

في «ديوانه» (ص 26) ضمن قصيدة طويلة يمدح فيها هرم بن ضمضم المري، وهي في أول «ديوانه» في ستين بيتاً، وبيتنا هذا هو الثالث والثلاثون، ومعناه: أي فتغل لكم غلة ليست كغلة قرى العراق من الحب الذي يكال بالقفيز، أو من ثمن الغلة، وهي الدراهم، وإنما تغل لكم غلة من الموت والهلاك.

ص: 201

فَتُغْلِلْ لكم ما لا تُغِلُّ لأهلها

قُرىً بالعراقِ منْ قَفيزٍ ودِرْهمِ

الثالث: للمعاصرين جهود في بيان مقدار (القفيز) بمكاييل اليوم، و (القفيز) المعنيّ هنا ما كان قبل القرن الرابع الهجري؛ وهو الكبير على ما قدمناه، وقدره غير واحد (1) بحوالى (45) كغم (قمح) ، ويقدر بـ (60) لتراً.

ومن الجدير بالذكر عن هذا المكيال؛ ما يتعلق بقفيز (الحجاج) ، وتفيدنا المراجع (2) أن قفيزه كان يساوي الصاع النبوي، وهو يساوي (41.2125) لتراً.

قوله: «مُدْيَها» : مكيال معروف لأهل الشام، مفرده (المُدْي) -بضم الميم، على وزن قُفْل-، قال العلماء: يسع خمسة عشر مكوكاً. كذا قال شارحو «صحيح مسلم» ؛ مثل: النووي في «منهاجه» (18/28)، والسيوطي في «ديباجه» (6/223) -وفيه:«المدي: بضم الميم، وسكون الدال» -، وصديق حسن خان في «السراج الوهاج» (11/367)، ومثله عند بعض شارحي «سنن أبي داود» ؛ مثل: السهارنفوري في «بذل المجهود» (13/374) ، والبُجُمْعَوي في «درجات مرقاة الصعود» (ص 128) ، وكذا في كتب الغريب. وقاله -أيضاً- ابن اللباد في «المجرد للغة الحديث» (ص 348) وغيره.

(1) انظر: «الميزان في الأقيسة والأوزان» لعلي باشا مبارك (ص 146-147) ، و «المكاييل في صدر الإسلام» (38) لسامح فهمي.

وذهب فالتر هنتس في كتابه «المكاييل والأوزان الإسلامية» (ص 66) أن مقدار (القفيز) القديم يساوي (48.75) كغم، قال:«ونقدره في المعدل بـ (60) لتراً» . فالأقوال متقاربة. وانظر: (الفصل الثالث: فصل الضرائب الزراعية)(ص 172 وما بعد) من كتاب «الزراعة في العراق خلال القرن الثالث» .

(2)

انظر: «الخراج» (ص 31 - ط. بولاق) ، و «الأحكام السلطانية» (ص 149-150) للماوردي، و «الخراج وصنعة الكتابة» لقدامة بن جعفر (المنزلة السابعة) ، و «فتوح البلدان» (181) للبلاذري، و «تاريخ العرب» (8/426) .

ص: 202

وقال الخطابي في «معالم السنن» (4/248) : «المُدْي: مكيال أهل الشام، يقال: إنه يسع خمسة عشر أو أربعة عشر مكوكاً» . ونقله عنه صاحب «عون المعبود» (8/282) .

وقال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» (1/376) : «والمُدْي: صاع لأهل الشام معروف، قيل هو تسعة -كذا- عشر مكوكاً، والمكوك صاع ونصف، والصاع: أربعة أمداد، والمد خمسة أرطال وثلث، وهذا خلاف الحساب الأول» .

قلت: يريد بالأولِ مئةَ مدٍّ واثنان وتسعون مدّاً.

قلت: وكذا في «مطالع الأنوار» لابن قُرْقول (ق 314 - نسخة المكتبة السعودية العامة)، وفيه -أيضاً-:«تسعة -بتقديم التاء على السين- عشر مكوكاً» .

وقال ابن الأثير في «النهاية» (4/310) : «المُدْي: مكيال لأهل الشام، يسع خمسة عشر مكوكاً، والمكوك: صاع ونصف، وقيل: أكثر من ذلك» . وكذا في «المُعْرب» دون: «وقيل:

» .

وقال ابن الجوزي في «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/567) :

«والمُدْي: مكيال لأهل الشام، يقال: إنه يسع خمسة عشر مكوكاً» .

وفي «المصباح المنير» (ص 778) : «والمُدْي: وزن قُفْل: مكيال يسع تسعة عشر صاعاً، وهو غير المد، والمَدَى بفتحتين» .

وفي «القاموس المحيط» (1719) : «المُدي -بالضم-: مكيال للشام ومصر، وهو غير المُدِّ (1) ، وجمعه أمداء» . ولم يذكر مقداره.

(1) قال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» (1/376) والشوكاني في «نيل الأوطار» (8/164) : «المدي: مئة مد واثنان وتسعون مدّاً» ، زاد القاضي:«بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم» ، وزاد الشوكاني:«وهو صاع أهل العراق» .

ص: 203

وفي «لسان العرب» (15/274) : «المُدْي: من المكاييل المعروفة، قال ابن الأعرابي: هو مكيال ضخم لأهل الشام وأهل مصر» .

وفي «تهذيب اللغة» (14/221) : «والمُدْي: مكيال يأخذ جريباً» . وكذا في «إثبات ما ليس منه بد لمن أراد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد» (ص 131) .

قلت: الجريب: مكيال كان يساوي في القرن السابع الميلادي سبعة أقفزة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكان عيار مكيال الجريب في صدر الإسلام (29.5) لتراً، أو (22.715) كغم (قمح)(1) .

قال أبو عبيدة: والظاهر أن (المُدْي) أكثر من ذلك، فهو -على ما تقدم- خمسة عشر مكوكاً، والمكوك صاع ونصف؛ فهو (22.5) صاعاً.

وإذا كان (القفيز) -وهو يساوي 8 مكاكيك = 12 صاعاً- قد قدر بـ (60) لتراً، أو (45) كغم قمح؛ فلا شك أن (المُدي) أكثر من ذلك.

وقد عاير أبو عبيد القاسم بن سلام المُديين من الطعام بخمسة عشر صاعاً (2) ، وعايرها أبو عبيد الهروي في «الغريبين» (1/139) بالوزن، فقال:

«والمُدي: مكيال لأهل الشام، يقال له: الجريب، يسعُ خمسةً وأربعين رطلاً» (3) .

(1) انظر: «الخراج» لأبي يوسف (27) ، «أحسن التقاسيم» (181) للمقدسي، «الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية» (338-340) ، «إثبات ما ليس منه بد» (ص 132) ، «المكاييل والأوزان الإسلامية» لفالتر هنتس (ص 61) .

وفي «المصباح المنير» (130 مادة جرب) : «جريب جمعها (أجربة) و (جُربات) -بالضم- ويختلف مقدارها بحسب اصطلاح أهل الأقاليم، كاختلافهم في مقدار الرطل والكيل والذراع» .

(2)

انظر: «الأموال» له (ص 519) .

(3)

وذهب إليه أبو محمد البغوي في «شرح السنة» (11/178)، فقال:«والمُدي: مكيال لأهل الشام يسع خمسة وأربعين رطلاً» . وفي «طلبة الطلبة» (96) للنسفي: «المدي: مكيال يَأخُذُ جريباً» .

ص: 204

وهو عند الأول بمعاير الوزن -على ما يلزم من كلامه- نيف وثمانون رطلاً، وكذا قال بعض الباحثين (1) :«ومن المحتمل أن يكون هناك مكيال آخر باسم (مُدْي) ذي سعة مختلفة» .

قوله: (درهَمَها) : المراد به الجمع، فالواحد يراد به الجمع عند الإضافة، ولهذا شواهدُ عديدةٌ (2) .

و (الدرهم) عملةٌ ساسانيةٌ متداوَلَةٌ بين أقطار الشرق قبل الإسلام، تشكل مع (الدنانير) البيزنطية السكةَ المتداوَلةَ في بلاد العرب قبل الإسلام، وقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السكة، وتعامل المسلمون بها (3) ، وقد ورد ذكر الدرهم في القرآن الكريم (4) ، والسنة النبوية (5) ،

وكان هناك درهمٌ (يمنيّ) ، وهو المعروف بـ (الدرهم الحِمْيَرِيِّ) ، كان يرِدُ إلى الحجاز، ولكن بأعداد قليلة (6) .

(1) انظر: «المكاييل في صدر الإسلام» (ص 35) لسامح فهمي، و «الخراج والنظم المالية» (350) للريس.

(2)

انظر: تعليق الشيخ محمد خليل هراس على «الأموال» لأبي عبيد (ص 91) وما سيأتي قريباً من كلام القرطبي في «تفسيره» (16/35) .

(3)

انظر: «الفتوح» للبلاذري (ص 263) ، «تحقيق تعريب الكلمة الأعجمية» لابن كمال باشا (ص 43-44 - ط. دار الجيل) .

(4)

في قوله -تعالى-: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20]، ولم يرد في القرآن في غير هذا الموطن. انظر:«المعجم المفهرس لألفاظ القرآن» (ص 257) .

(5)

انظر: «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي» (2/123-125) .

وورد كذلك في بعض الآثار، فأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/665 رقم 215 - ط. دار الفكر) بإسناد صحيح عن ابن سيرين، قال:«كان ابن عمر يقول: «رحم الله ابن الزبير، أراد دنانير الشام، رحم الله مروان أراد دراهم العراق» » .

(6)

انظر: «الأموال» (ص 525) لأبي عبيد، و «النقود والمكاييل والموازين» للمناوي (ص 35 وما بعد)، و «الأموال في دولة الخلافة» لعبد القديم زلوم (ص 200-204) -وفيه: «أما = الدراهم؛ فقد كانت مختلفة الأوزان

وكانت وزن المثقال من الذهب؛ أي: ثمانية دوانق، والدانق =

ص: 205

قوله: «ودينارها» :

كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يتعاملون بالذهب والفضة وزناً، وكانت دنانير الفرس بين أيديهم، ويردّونها في معاملتهم إلى الوزن، ويتصارفون بها بينهم (1) .

ويقال للدنانير: (الهرقلية) ؛ تنسب إلى هرقل عظيم الروم، فكانت العرب تسميها (الهرمكية) ، وقد ذكرها كُثيّر عزّة في شعره، فقال (2) :

يروق عيون الناظرات كأنه

هرقْليُّ وزْنٍ أحمرُ التبر راجحُ

ويمكن تحديد وزن المثقال للدينار آنذاك بدرجة عالية من الدّقة، ولا يلزمنا هنا أن ننطلق من قطع النقود نفسها، بل من صَنْج الزجاج التي صنعت لتعييرها، إن أكثر الصَّنج الزجاجية التي عُثِرَ عليها حتى الآن دقةً -وترجع إلى سنة 780هـ- وتتطابق فيما بينها بفارق لا يتجاوز الثلث المليغرام، تعطينا للدينار وزناً وسطاً قدره (4.231) غم (3) .

= قيراطان ونصف، فتكون عشرين قيراطاً، وقد ضُرِبَتْ بهذا الوزن في العهد الساساني وعهد الخلفاء الراشدين والأمويين» . قلت: وعليه؛ فهذا هو مقدارها في هذه (اللفظة) -وإن كان المراد به ما هو من جنسها على الجمع كما قدمناه-، و «فقه الملوك ومفتاح الرتاج» (1/206، 581) ، و «مقدمة ابن خلدون» (ص 261-262 - ط. دار القلم، بيروت) -وفيه كلام بديع محرر على مقداره-، و «النقود واستبدال العملات» لعلي السالوس (ص 30-33) ، و «شذور العقود في ذكر النقود» (ص 110 وما بعد - ط. محمد عبد الستار عثمان) ، و «الميزان في الأقيسة والأوزان» (ص 55) -وفيه ما يعادل الدراهم على اختلاف أوزانها وتعدد أنواعها بالغرام-، و «النقود» (ص 14-15) لحسين عبد الرحمن، و «موسوعة النقود العربية وعلم النميات، فجر السكة العربية» لعبد الرحمن فهمي (ص 29) ، و «تاريخ الإسلام» (2/212) .

(1)

«مقدمة ابن خلدون» (261) ، وفيه تفصيل لتأريخ ضرب (الدنانير) ، وما كتب عليها.

(2)

البيت في «ديوانه» (183 - تحقيق د. إحسان عباس) .

(3)

انظر: «إثبات ما ليس منه بد» (ص 140) ، «تخريج الدلالات السمعية» (608) ، =

ص: 206

والمراد بـ (الدينار) هنا؛ الجمع، كما قدمناه على (القفيز) و (الدرهم) .

قوله: «إِرْدبَّها» :

(الإرْدبّ) -بالراء والدال المهملتين بعدهما موحدة-: مكيال معروف لأهل مصر. قال الأزهري في «تهذيب اللغة» (1) وغيره:

«يأخذ أربعة وعشرين صاعاً من الطعام بصاع النبي صلى الله عليه وسلم،

والإردب أربعة وستون مَنّاً بمَنِّ بلدنا» . كذا في جل شروح الحديث (2)، وبعضهم زاد:«والهمزة زائدة مكسورة» (3) .

وفي «القاموس» (ص 114)، مادة (ردب) :«الإرْدَب -كقِرْشَبٍّ-: مكيالٌ ضخمٌ بمصر، يضمّ أربعةً وعشرين صاعاً» . ونقله صاحب «عون المعبود» (8/282) .

وقدره البغوي في «شرح السنة» (11/178) والمناوي في «التوقيف على مهمات التعاريف» (ص 50) بأربعةٍ وستين مَنّاً، ولا يزال هذا المكيال

= «التراتيب الإدارية» (1/416) ، «موسوعة النقود العربية» (30) لعبد الرحمن فهمي، «الدينار الإسلامي» (11) لناصر النقشبندي، «النقود واستبدال العملات» لسالوس (ص 27-33) ، «النقود العباسية» (100) ليوسف غنيمة، «الميزان في الأقيسة والأوزان» (48) ، «المكاييل والأوزان الإسلامية» (9) ، «تاريخ التمدن الإسلامي» (1/141) ، ومقالة موسى المازندراني «تاريخ النقود الإسلامية» منشورة في مجلة «الاجتهاد» ببيروت، العددان (34، 35) ، سنة1997م، (ص 446 وما بعد) ، وما قدمناه في الإحالات على التعريف بـ (الدرهم) .

(1)

(14/104) .

(2)

انظر: «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/567) ، «شرح النووي على صحيح مسلم» (18/28 - ط. قرطبة) ، «معالم السنن» (4/248) ، «الديباج على صحيح مسلم» (6/223) ، «تكملة فتح الملهم» (6/292) ، «السراج الوهاج» (11/367) ، «النهاية في غريب الحديث» (1/37) .

(3)

«بذل المجهود» (13/374) و «درجات مرقاة الصعود» (ص 128) .

ص: 207