الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبذا لم يكن لها ظهور في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبرزت على هيئة ذاك الرجل، ولم يقتل، مع الأمر بذلك، وطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر وعمر قتله، ولم يفعلوا (1) ؛ لسنة الله الكونية القاضية بذلك، فظهرت في زمن عثمان، وكان قتله أول فتنة، وفرخت الفتن بعدها، وورد ذلك في عدة آثار عن الصحابة؛ منهم: حذيفة (2) ، وعلي (3) رضي الله عنهما.
فصل
اشتداد الفتن مع مضي الزّمن
ووجدنا مع تأخر الزمن شدة الفتن (4) ، وهذا من موجبات هذه القاعدة، فقد ثبت في «صحيح البخاري» (رقم 7068) ، وغيره بسنده إلى الزبير بن عدي، قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
(1) ورد هذا في الحديث الذي قدمناه (ص 53-58) .
(2)
سيأتي بيان ذلك عنه (ص 166) .
(3)
أخرجه السراج -وعلقه عنه الخطابي في «الغريب» (2/203) - بسنده إلى علي: أن قوماً أتوه، فاستأمروه في قتل عثمان، فنهاهم، وقال:«إن تفعلوا، فبيضاً فلتُفْرخُنّه» .
قال الخطابي: «هذا مَثَل، يقول: إن قتلتموه نَتجْتم فتنةً ولوداً، وشبَّهها بالبيض الذي يخرجُ منه الفراخ، قال الأعشى [في «ديوانه» (307) ] :
وفي كل عام بيضةٌ تفْقَؤونها
…
فتُفقأ وتبقى بيضةٌ لا أخالها»
وأخرج ابن سعد (3/65) إلى عمرو بن الأصم، قال: كنت فيمن أُرسلوا من جيش ذي خُشُب، قال: قالوا لنا: سَلُوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجعلوا آخر من تسألون عليّاً، أنَقْدَم؟ قال: فسألناهم، فقال: اقذفوا، إلا عليّاً، قال: لا آمرُكم، فإن أبيتم فبيض، فليُفْرخ» .
(4)
هنالك أدلة عديدة على هذا، انظر منها -على سبيل المثال- ما سيأتي (ص 538) .
قال الحافظ ابن حجر: «وقد استشكل هذا الإطلاق مع أنّ بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها، ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز، وهو بعد زمن الحجاج بيسير، وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج؟ فقال: لا بد للناس من تنفيس (1) .
وأجاب بعضهم: إنّ المراد بالتفضيل: تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر، فإنّ عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة من الأحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«خير القرون قرني» » .
وقال -أيضاً-: «ثم وجدت من عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد، وهو أولى بالاتباع، فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة، عن زيد بن وهب، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس؛ فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون (2) .
(1) قلت: ويؤيده الحديث الذي فيه: «وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلِكَتي. ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه» . وسيأتي بتمامه (ص 537-538) .
وأثر الحسن: أخرجه الدينوري في «المجالسة» (5/129-130 رقم 1950) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (12/175) ، وابن العديم في «بغية الطلب» (5/2059) .
(2)
أخرجه الدارمي في «السنن» (1/65) ، والطبراني في «الكبير» (9/109 رقم 8551) ، وابن وضاح في «البدع» (رقم 78، 248) ، وابن أبي زمنين في «السنة» (رقم 10) ، والداني في «الفتن» (رقم 210، 211) ، والفسوي في «المعرفة» (3/393) ، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/182) ، وابن بطة في «الإبانة» (1/ق 26/ب) ، والبيهقي في «المدخل» (رقم 205) ، وابن عبد البر في «الجامع» (رقم 2007، 2008، 2009، 2010) ، والهروي في «ذم الكلام» =