الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا رواه قتادة (1) ، عن عبد الله بن بريدة، أخطأ فيه إسماعيل.
وبه: ثنا إسماعيل، عن نافع بن عامر، عن قتادة، عن عبد بن يزيد، عن سليمان ابن ربيعة -وكان من نساك البصرة-، قال: انطلقت مع ناس من أهل البصرة حاجين، فأتينا عبد الله بن عمرو، فقال:«يوشك بنو قنطوراء» - وذكر الحديث.
قال أبو عبد الله: إنما هو عبد الله بن بريدة» .
ففي هذا بيان أرجح طرق الخبر، وبه يثبت هذا الأثر مع ما سبق من طرق، ولله الحمد والمنّة.
لكن قد يقال: إن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك، فيها أخبار عن أهل الكتاب (2) ، فلعل هذه منها؟
فالجواب: إن هذه الأخبار وردت عن غيره -كما تقدم- وقد أخذها عنه جمع من صلحاء التابعين من البصرة والكوفة، وروي ما يأذن برفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ظفرتُ بجملة أحاديث وردت في ذلك، لا تخلو طرقها من كلام، ولكن بمجموعها مع ما سقناه من الآثار، تدلل على أنّ لها أصلاً محتجّ به، وهذا البيان، والله المستعان، لا ربّ سواه:
فصل
في أحاديث الترك وإخراج أهل العراق
ورد فيه عدة أحاديث وآثار، نسوقها مع بيان تخريجها، والله الموفق:
الحديث الأول: حديث بريدة بن الحصيب
.
(1) نسبه في «كنز العمال» (14/555-556 رقم 39588) لإسحاق بن راهويه وفيه على إثره: «قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات، لكن فيه انقطاع بين قتادة وأبي الأسود» .
(2)
انظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (2/532-533) .
أخرجه أحمد في «المسند» (5/348-349) : حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنتُ جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إن أمتي يسوقُها قوم، عراض الأوجه، صغار الأعين، كأن وجوههم الحَجَفُ (1) ، ثلاث مرات، حتى يُلحقوهم بجزيرة العرب، أما السائقة (2) الأولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما الثالثة فيُصْطَلمون (3) كلهم من بقي منهم» ، قالوا: يا نبي الله! من هم؟ قال: «هم الترك» ، قال: أما والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين» ، قال: وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر، والأسقية، بعد ذلك، للهرب مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من أمراء الترك» .
وأخرجه البزار في «مسنده» (4/129-130 رقم 3367 - «كشف الأستار» )، قال: حدثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا بشير (4) بن المهاجر، به، ولفظه:
«يجيء قوم، صغار الأعين، عراض الوجوه، كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة، فيُلْحِقون أهل الإسلام بمنابت الشيح، كأني أنظر إليهم، قد ربطوا خيولهم بسواري المسجد» ، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: «الترك» .
(1) الحَجَف: ضرب من التُّروس، من جلود ليس فيها خشب ولا رباط من عَصَب، واحدتها (حَجَفة) .
(2)
في الأصل: «السابقة» ، والصواب ما أثبتناه، وهو كذلك في طبعة الرسالة (38/44/ 22951) .
(3)
فيُصطَلَمون -بالبناء للمفعول-؛ أي: يُستأصَلون ويُبادون.
قال الطيبي في «شرحه المشكاة» (10/85) : «أي: يحصدون بالسيف، والاصطلام: افتعال من (الصلم) ، وهو القطع المستأصل» .
(4)
في مطبوع «كشف الأستار» : «بشر» ؛ وهو خطأ، صوابه المثبت.
قال الهيثمي عقبه: «قلت: له حديث عند أبي داود غير هذا» .
قلت: سيأتي قريباً، وهو هو، إلا أن بعض الرواة وهم فيه.
وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1) -ومن طريقه ابن الشجري في «الأمالي» (2/263) - قال: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، حدثنا ابن فضيل، به، مثله. وفيه زيادة بعد كلمة (الشيح) ما نصه:
«ثلاث مرات، أما المرة الأولى؛ فينجو منهم من هرب، وأما المرة الثانية؛ فينجو بعض ويهلك بعض، وأما المرة الثالثة؛ فيهلكون جميعاً، كأني أنظر إليهم
…
» الخ ما فيه.
وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (2/678-679 رقم 1910) من طريق يحيى بن سعيد، قال: أخبرني الحسن بن بشير بن المهاجر عن عبد الله ابن بريدة، به، ولفظه: «يسوق أمتي قوم
…
» نحو لفظ أحمد، مع قولة بريدة التي في آخره.
كذا في مطبوعه ومخطوطه (ج10/ق6/أ) ، وفي المخطوط فوق (الحسن) علامة إلحاق، ولا شيء في الهامش، إذ النسخة غير مقابلة، وليس في الرواة عن (بشير) الحسن، فيما أورده المزي، ولم يستوعب كما يظنه بعض الطلبة، ولذا استدرك عليه مغلطاي في بعض الرواة، دون الموطن الذي نحن بصدده.
وممن رواه عن بشير -أيضاً-:
* وكيع بن الجراح الرؤاسي، أخرجه الروياني في «مسنده» (1/77 رقم 36) : نا محمد بن إسحاق، أنا سفيان بن وكيع، نا أبي، عن بشير، به، مثل لفظ
(1) في رواية ابن المقرئ غير المطبوعة، وليست هي على شرط الهيثمي في «المجمع» ، ولا ابن حجر في «المقصد العلي» ، ووقعت هذه الرواية لابن عساكر في «تاريخه» والضياء في «المختارة» ، وغيرهما.
أحمد، إلا أنه تحرفت في مطبوعه «فيصطلمون» (بالميم) إلى (الحاء) ؛ فلتصوّب.
* خلاد بن يحيى، أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/474)، قال: أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وأبو الحسن أحمد بن محمد العنزي؛ قالا: ثنا معاذ بن نجدة القرشي، ثنا خلاد بن يحيى (1) ثنا بشير، به، مثل لفظ محمد بن فضيل.
وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقد اتفق الشيخان رضي الله عنهما على حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا
…
» (2) » .
وخولف معاذ بن نجدة، خالفه جعفر بن مسافر التِّنِّيس، وأخطأ فيه، وهذا البيان:
أخرجه أبو داود في «السنن» في كتاب الملاحم (باب في قتال الترك)(4/113 رقم 4315) : حدثنا جعفر بن مسافر التِّنِّيسي، ثنا خلاد بن يحيى، به، ولفظه:
(1) سقط ذكره من مطبوع «المستدرك» ، وأثبتّه من «إتحاف المهرة» (2/583 رقم 2313) .
(2)
مضى تخريجه.
(3)
نسبه في «الدر المنثور» (6/54) و «كنز العمال» (11/168-169 رقم 31073) للبيهقي والضياء -أيضاً-، وهو في «البعث والنشور» للبيهقي (ص 22/رقم 25) معلقاً عن بشير ابن المهاجر.
أخطأ جعفر بن مسافر -وفيه كلام (1) -، فقلب متنه، فجعل المسلمين هم الذين يسوقون الترك ثلاث مرات!
وهذه مخالفة لابن مسافر، خالف فيه معاذ (2) بن نجدة، وهو «صالح الحال، قد تكلم فيه» (3) ، ولكنه جوّده. ووافقت روايته رواية سائر من نقله عن بشير، وهم ثلاثة عدا خلاد، وهذه أمارات لائحة على مخالفة ابن مسافر، والقلْبُ (4) يقع للثقات، إذ الحفظ قد يخون، وقد يسبق اللسان، فينطق بما لا يريده صاحبه، كما هو معلوم.
قال صاحب «عون المعبود» (11/414) : «فانظر إلى سياق أحمد كيف خالف سياق أبي داود، مخالفة بينة لا يظهر وجه الجمع بينهما. وبوب القرطبي في «التذكرة» بلفظ (باب في سياق الترك للمسلمين وسياقة المسلمين لهم)(5) ثم أورد فيه رواية أحمد ورواية أبي داود، المذكورتين، وإني لست أدري ما مراده
(1) قال النسائي: صالح، وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (2/491 رقم 2010) : شيخ، وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/161)، وقال:«كتب عن ابن عيينة، ربما أخطأ» ، اقتصر المزي في «تهذيب الكمال» (5/110 رقم 955) على هذه الأقوال، وزاد مُغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (3/232 رقم 1006) على أن مسلمة بن قاسم وثقه، قال:«وخرج ابن حبان حديثه في «صحيحه» وكذلك الحاكم» ، قلت: وقال الذهبي في «الكاشف» (1/186) : «صدوق» ، وقال ابن حجر في «التقريب» (ص 141/رقم 957) :«صدوق ربما أخطأ» .
(2)
من رجال الحاكم، له في «المستدرك» عدة روايات، وتحرف اسمه في بعضها (1/492) إلى «معاوية» ! فليصحح.
(3)
قاله الذهبي في «الميزان» (4/133 رقم 8614) ، واقتصر على ما فيه صاحبُ «رجال الحاكم في المستدرك» (2/326 رقم 1612) .
(4)
إذ جعل (المسلمين) بدل (الترك) ، فقلب معنى الحديث رأساً على عقِب، ويا ليت الذي قاله يصح، لاسترحنا من تدوين هذه السطور، فما دفعني إليها إلا الشفقة والتحذير، وحتى يعلم كلّ منا أين يضع قدمه، ويحفّز همته على الثبات عند اشتداد الفتن، ويجمّع قواه النفسيّة على ملاقاتها، ويقوّي إيمانه -بإذن ربه- حتى تمر (الأعاصير) دون أن تنال منه، والله الواقي والهادي.
(5)
(2/428 - ط. دار البخاري) .