الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري (1)
الذين احتج بهم وأكثر (2) في «صحيحه» في غير ما حديث، كما بيّنه العلماء، ولما كان البخاريُّ غيرَ معروف بالتدليس؛ كان قوله في هذا الحديث:(قال) في حكم قوله (عن) أو (حدثني) أو (قال لي) .
قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه «الاستقامة» (1/294) عن رواية شبيهة بروايتنا هذه، وهي حديث هشام بن عمار في (المعازف)، وعلقه البخاري عنه -وهو من شيوخه-:«صح فيها ما رواه البخاري في «صحيحه» تعليقاً مجزوماً به، داخلاً في شرطه» .
الإشكال الثاني: كيف يقال عن لفظ مسلم: متفق عليه
، ولفظ البخاري بعيد عنه (3) ، والمعنى وإن كان مؤتلفاً، فالألفاظ مختلفة؟
(1) ذكره الحافظ ابن عدي في كتابه «أسامي من روى عنهم محمد بن إسماعيل البخاري من مشايخه الذين ذكرهم في جامعه الصحيح» (ص 177/رقم 193) ، ورضيّ الدين الصَّغاني في كتابه «أسامي شيوخ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري» (ق58/ب)، قال:«روى عنه البخاري في باب حلاوة الإيمان، وفي الفتن، وغير موضع» ، وذكر أبو علي الجياني في كتابه «التعريف بشيوخ حدّث عنهم محمد بن إسماعيل البخاري وأهمل أنسابهم، وذكر ما يعرفون به من قبائل وبلدانهم» شيخه هذا في مواطن منه، انظرها:(ص 66/رقم 94 وص 67 رقم 96 وص 69 رقم 98 وص70 رقم 106، 107 وص 73-74 رقم 111، 112، 113 وص75 رقم 115) ، هذه مواطن ذكر فيها (محمد) مهملاً هكذا، وحمل على أنه ابن المثنى، وفي هوامش المعلق غيرها. وانظر:«فتح الباري» (13/298) في كتاب الاعتصام (باب 13) ، وذكره -أيضاً- أبو الوليد الباجي في «التعديل والتجريح» (2/647 رقم 508/60)، وقال:«أخرجه البخاري في الإيمان والفتن وغير موضع» ، وانظر: كلام المعلق والمحقق د. أبو لبابة حسين، وقال الجياني في «المعلم بشيوخ البخاري ومسلم» (ص 242 رقم 211) :«روى عنه البخاري في الإيمان وغير موضع» ..
(2)
روى عنه البخاري في «صحيحه» مئة وسبعة أحاديث.
(3)
(تنبيه) للفظ ابن أبي شيبة الموقوف على أبي هريرة - (سيأتي ص 271) -، ففيه زيادة على ما عند البخاري لفظة «قفيز» ، وهي في لفظ مسلم -أيضاً-، وهذا يؤكد أن أصل الحديث واحد، ولكن قد ينشط الراوي فيفصّل ويرفع، وقد يقتصر مرة أخرى على الوقف أو الإيجاز.
والجواب: إن العلماء في تخريجاتهم يتجوّزون في ذلك، وقد نبّه غيرُ واحدٍ على أنّ أصلَ الحديث إنْ كان في «الصحيحين» فإنه يُعزَى للشيخين، فقال السخاوي عند كلامه على (المستخرجات) -وأصحابُها أكثرُ الناسِ تجوّزاً في نسبة الأحاديث لـ «الصحيحين» ، على الرغم من اختلاف الألفاظ-:
وقال الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري في «نيل الأماني على مقدمة شرح القسطلاني لصحيح البخاري» (2) : «اعلم أن ما أخرجه المؤلفون بعد الشيخين، كـ «السنن» لأبي داود إذا قالوا فيه: أخرجه البخاري أو مسلم؛ فلا يعنون بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلماً أخرج أصل ذلك الحديث» . قال: «فعلى هذا ليس لك أن تنقل حديثاً منها وتقول: هو على هذا الوجه من كتاب البخاري أو مسلم؛ إلا أن تقابل لفظَه، أو يقول الذي خرجه: أخرجه البخاري بهذا اللفظ. كذا في «الملخص» ، ومثل ذلك يقال فيما يخرجه السيوطي في «الجامع الصغير» عن الشيخين أو أحدهما، فتفطّن» .
وكلام أهل العلم في هذا الباب كثير، يصعب حصره، ويطول تعداده، ولكن أذكر كلاماً نقله الزيلعي عن ابن دقيق العيد، فيه ضرورة التزام اللفظ في الحديث المعزو، لا يجب إلا على من يقصد الاحتجاج بلفظة معينة من ذلك الحديث. ذكر ذلك في كلامه على حديث:«أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، قال:
«واعلم أن كثيراً من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا
(1)«فتح المغيث» (1/40) .
(2)
(ص 26) .
الحديث في كتبهم إلى مسلم وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في «سننه» (1)، وإنما رواه مسلم (2) بلفظ:«إذا دبغ الإهاب فقد طَهُر» .
واعتذر عنه الشيخ تقي الدين في كتاب «الإمام» ، فقال:«والبيهقي وقع له مثل ذلك في كتابه كثيراً، ويريد به أصل الحديث لا كل لفظة منه» ، قال: وذلك عندنا معيب جدّاً إذا قصد الاحتجاج بلفظة معينة؛ لأن فيها إيهام أن اللفظ المذكور أخرجه مسلم، مع أن المحدثين أعذر في هذا من الفقهاء؛ لأن مقصود المحدثين الإسناد ومعرفة المخرج، وعلى هذا الأسلوب ألفوا كتب الأطراف.
فأما الفقيه الذي يختلف نظره باختلاف اللفظ؛ فلا ينبغي له أن يحتج بأحد المخرجين، إلا إذا كانت اللفظة فيه» (3) انتهى.
الإشكال الثالث: كيف يقال: إن لفظ مسلم متفق عليه، وغاية ما عند البخاري أنه من قول أبي هريرة، ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
والجواب من أربعة وجوه:
الأول: في لفظ البخاري قسم مرفوع؛ وهو: «تنتهك ذمة الله
…
» .
الثاني: ذكر أبو هريرة منع ما في أيدي أهلِ الذّمة لحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصرح في هذه الرواية بألفاظه، أو لم يسقه بتمامه، وإنما وقع
(1)(1/16) ، وكذا في «الخلافيات» (1/194 رقم 53 - بتحقيقي) ، وكذا صنع المزي في «تحفة الأشراف» (5/53) ، وتعقبه ابن حجر في «النكت الظراف» ، فراجعه.
(2)
في «صحيحه» (رقم 366) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(3)
«نصب الراية» (1/116) . وانظر في هذه النقولات وغيرها مع توجيهها: «نقد تعليقات الألباني على شرح الطحاوية» (ص 14-28) للعلامة الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله، مع تعقبات أخينا الشيخ سمير الزهيري -حفظه الله- عليه في كتابه «فتح الباري في الذب عن الألباني» (ص 9-13) .