المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مما زاد وحل هذه (الفتنة) : - العراق في أحاديث وآثار الفتن - جـ ١

[مشهور آل سلمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فصلفي بيان أنّ العراق تهيّج منها الفتن،وصلتها بأهمّ فتن هذا العصر

- ‌ طرق في ألفاظها نُكْرة

- ‌ أحاديث أخرى وقع التصريح فيها بذكر العراق، وأن الفتن تهيج منها، أو تكون فيها، وفي أسانيدها ضعف:

- ‌فصلفرية وردّها

- ‌فصلالفتن تموج موج البحر

- ‌فصلضروب الفتنة

- ‌الضرب الأول: لا ينفك عن الإنسان في أي مكان أو زمان كان

- ‌الضرب الثاني: الفتن التي تموج موج البحر

- ‌فصلزمن الفتنة (نشأتها، اشتدادها، آخرها)

- ‌فصلالخوارج والعراق

- ‌فصلاستمرار خروج الخوارج ووصول فتنتهم إلى كل مكان

- ‌فصلالخروج في عصرنا

- ‌فصلمظاهر الخروج الجديد ونواره الذي لم ولن يعقد

- ‌فتنة جهيمان والحرم المكي

- ‌فصلفتنة حماة

- ‌فصلفتنة الجزائر المتولّدة عن الخروج الأول في العراق

- ‌ فتنة الجزائر وجبهة الإنقاذ الإسلامية

- ‌مما زاد وَحَل هذه (الفتنة) :

- ‌فصلالتباس (الثورة) بمفهوم الجهاد

- ‌فصلالفرق بين المطلوب الشرعي وواجب الوقتوما عليه أصحاب الثورات والانقلابات ودعاة الخروج

- ‌فصلالفتن في كل زمان حسب رجاله

- ‌فصلاشتداد الفتن مع مضي الزّمن

- ‌فصلحرمة التشبه بأهل العراق في خروجهم الأول

- ‌فصلالفتنة وكلت بثلاث

- ‌فصلكلام جملي عن محور الفتنة وثمرتها ووقتهاومادتها ووسيلتها ووقت اشتدادها

- ‌فصلمكان الفتنة

- ‌فصلرد شيخنا الألباني لفرية (نجد) التي يطلع منها قرن الشيطانهي دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى

- ‌فصلالعراق والفتنة وإبليس

- ‌فصلفي تخريج حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي ألفاظ الحديث

- ‌فصلفي غريبه

- ‌فصلتنبيهات مهمات

- ‌فصلتبويبات العلماء على الحديث

- ‌ تبويبات المخرجين له:

- ‌ معرض الاستشهاد

- ‌فصلتعليقات وإيضاحات على حديث: «منعت العراق

- ‌فصلفي بيان معنى (المنع) الوارد في الحديث

- ‌فصلفي بيان الراجح في معنى (المنع) الوارد في الحديث عند الشراح

- ‌فصلفي سياق قول جابر وتخريجه

- ‌فصلفي سياق كلام العلماء في تحديد من هم المانعون

- ‌فصلفي سياق كلام أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌الإشكال الأول: كيف يقال عن حديث مسلم الذي فيه «منعت العراق…» متفق عليه

- ‌الإشكال الثاني: كيف يقال عن لفظ مسلم: متفق عليه

- ‌فصلفي سياق الألفاظ وما يشهد لها من الآثار

- ‌فصلفي بيان أن المراد بالأخبار السابقة أكثر من حادثة

- ‌فصلفي أحاديث الترك وإخراج أهل العراق

- ‌الحديث الأول: حديث بريدة بن الحصيب

- ‌ الكلام على إسناد حديث بريدة

- ‌الحديث الثاني: حديث معاوية بن أبي سفيان

- ‌الحديث الثالث: حديث أبي بكرة نُفَيع بن الحارث بن كَلَدة

- ‌ الكلام على إسناد حديث أبي بكرة

- ‌ هل الحديث منكر

- ‌ ثلاث ملاحظات مهمات، وكليّات معتبرات، وإفاضات وإضافات:

- ‌ شواهد بمعانٍ مقاربة من المرفوع والموقوف

- ‌فصلفي وصول الشر والفتن آخر الزمان كل مكان

- ‌الأول: كثرة الخير الذي ظهر من الشام في زمن عمر للمسلمين

- ‌الثالث: الفتن ظهرت في زمن الصحابة

- ‌الرابع -وبيت القصيد-: إن الفتن آخر الزمان ستشتد

- ‌فصلفي الأخبار السابقة، هل مضت وانتهت

- ‌فصلفي فتنة التتر والمغول

- ‌من الجدير بالذكر هنا أمور:

- ‌أولاً: وردت في بعض الحوادث صفاتٌ تأذن بأن بعض الآثار المتقدم ذكرُها إنما هي في هذه الفتنة

- ‌ثانياً: وقعت حوادث كثيرة قبل الاجتياح المذكور لبغداد

- ‌ثالثاً: تتابعت غزوات التتار

- ‌خامساً: حمل بعض شراح الحديث ما حصل من التتار على أنهم هم يأجوج ومأجوج

- ‌فصلحصار العراق الاقتصادي

- ‌أولاً: تبويبات بعض العلماء

- ‌ثالثاً: المتمعن في الكلام السابق يجد أن القائلين بأن الأمر قد ظهر تتفاوت أزمانهم

- ‌رابعاً: في الحديث ما يشير إلى هذا التكرار

- ‌فصلالمدينة النبوية ونصيبها من الفتن

- ‌فصلفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم «وعدتم من حيث بدأتم»

- ‌فصلفي خروج خيار أهل العراق منها

الفصل: ‌مما زاد وحل هذه (الفتنة) :

و‌

‌مما زاد وَحَل هذه (الفتنة) :

أولاً: انتشار ذكرها بتأييد وإكبار على لسان الوعاظ والخطباء وطلبة العلم، وجلُّهم من مدرسة محمد سرور زين العابدين، لتوافق المشارب، واتحاد المذاهب!

ثانياً: زعْمُ الكثيرين من هؤلاء أنّ جبهة الإنقاذ امتداد لـ «جمعية العلماء» السلفية، التي كان العلامة السلفي عبد الحميد بن باديس من ورائها.

ثالثاً: الإشاعات المغرضة التي رافقتها، من أن علماء العصر كالشيخ الألباني، وابن باز (1)

-رحمهما الله- يؤيّدونها، ويدعون لها، وهم معها، وهي

(1) سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في 26/ذي الحجة/عام 1414هـ في مكة المكرمة ما نصه:

الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر تقر لكم بأنكم تؤيدون ما تقوم به من اغتيالات الشرطة وحمل السلاح عموماً، هل هذا صحيح؟ وما حكم فعلهم مع ذكر ما أمكن من الأدلة جزاكم الله خيراً؟

فأجاب -رحمه الله تعالى- ما نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فقد نصحنا إخواننا جميعاً في كل مكان -أعني: الدعاة-، نصحناهم أنْ يكونوا على علم وعلى بصيرة، وأن ينصحوا الناس بالعبارات الحسنة والأسلوب الحسن والموعظة الحسنة، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن!

عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: {ادْع إلى سَبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحَسَنة وَجَادِلهم بالّتي هي أَحْسن} [النحل: 125]، وقوله -سبحانه-:{وَلا تُجادلوا أَهلَ الكتاب إلا بالّتي هِي أَحسن إلا الّذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46] .

فالله جل جلاله أمر العباد بالدعوة إليه، وأرشدهم إلى الطريقة الحكيمة، والدعوة بالحكمة تعني الدعوة بالعلم: قال الله، قال رسوله، بالموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، عند الشبهة يحصل الجدال بالتي هي أحسن، والأسلوب الحسن حتى تزول الشبهة! =

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وإن كان أحد من الدعاة في الجزائر قال عَنِّي بأني قلت لهم: يغتالون الشرطة أو يستعملون السلاح في الدعوة إلى الله هذا غلط! ليس بصحيح!! بل هو كذب، وإنما تكون الدعوة بالأسلوب الحسن: قال الله، قال رسوله!

كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة المكرمة، قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يدعون الناس بالسلاح، يدعون الناس بالآيات القرآنية والكلام الطيب والأسلوب الحسن؛ لأن هذا أقرب إلى الصلاح وأقرب إلى قبول الحق!

أما الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من سنَّة أصحابه!!

لكن لما ولاّه الله المدينة وانتقل إليها مهاجراً، وكان السلطان له في المدينة، شرع الله الجهاد وإقامة الحدود، فجاهد عليه الصلاة والسلام المشركين وأقام الحدود بعد ما أمر الله بذلك!

فالدعاة إلى الله عليهم أن يدعوا إلى الله بالأسلوب الحسن: بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإذا لم تجد الدعوة قبولاً رفعوا الأمر للسلطان ونصحوا السلطان.

السلطان هو الذي ينفذ، يرفعون الأمر إليه فينصحونه بأن الواجب كذا والواجب كذا، حتى يحصل التّعاون بين العلماء وبين الرؤساء من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات، الدعاة يرفعون الأمر إليهم في الأشياء التي تحتاج إلى فعل: إلى سجن، إلى قتل، إلى إقامة حدّ، وينصحون ولاة الأمور ويوجهونهم إلى الخير بالأسلوب الحسن والكلام الطيب!!!

ولهذا قال -جل وعلا-: {وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتاب إلاّ بالّتي هي أَحسن إلا الّذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46] ، فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيرهم، فعلى ولي الأمر أن يعامله بما يستحق.

أما الدعاة إلى الله؛ فعليهم بالرفق والحكمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» ، ويقول عليه الصلاة والسلام:«من يحرم الرفق يحرم الخير كله» [رواه مسلم] .

فعليهم أن يعظوا الناس بالآيات، والأحاديث، ويذكّروهم بالعذاب، ومن كان عنده شبهة يجادلونه بالتي هي أحسن، الآية معناها كذا، الحديث معناه كذا، قال الله كذا، قال رسوله كذا، حتى تزول الشّبهة، وحتى يظهر الحق!!!

هذا هو الواجب على إخواننا في الجزائر وغير الجزائر، الواجب عليهم أن يسلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته حينما كانوا في مكة، وذلك بالكلام الطيب والأسلوب الحسن!!! =

ص: 83

تسير بفتاويهم وتوجيهاتهم! وهذا -والله- الكذب الصُّراح، وكاتب هذه السطور شاهد عيان على ما جرى بينهم وبين العلامة المحدث شيخنا محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني رحمه الله رحمة واسعة-، وهذا البيان:

أرسل القائمون على (الجبهة) المذكورة استفتاءً للشيخ الألباني في أصيل يوم الثلاثاء، الموافق للثامن عشر من شهر جمادى الآخرة، سنة 1412هـ عبر جهاز (الناسوخ) قبل يومين من الانتخابات العامة بالجزائر، فأرسل الشيخ ليلة اليوم الذي يليه عبر (الهاتف) إلى ثلاثة (1) ممن يحسن الظن بهم، وأخبرهم أنّ الله عز وجل أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بالمشورة، وهذه الأسئلة

-وعددها ستة- تدور حول (الانتخابات) و (البرلمانات) ، وهذا نصها مع أجوبتها بالحرف (2)، مأخوذة من خط الشيخ رحمه الله:

= لأن السلطان ليس لهم الآن لغيرهم، وعليهم أن ينصحوا السلطان والمسؤولين بالحكمة والكلام الطيب، والزّيارات بالنية الطيبة حتى يتعاونوا على إقامة أمر الله في أرض الله!

وحتى يتعاون الجميع في ردع المجرم وإقامة الحق، فالأمراء والرّؤساء عليهم التنفيذ، والعلماء والدعاة إلى الله عليهم النصيحة، والبلاغ والبيان، نسأل الله للجميع الهداية.

ونشرت هذه الفتوى مع غيرها في كثير من الصحف والمجلات.

(1)

هم: أخونا الشيخ حسين بن عيد العوايشة، وأخونا الأستاذ طاهر عصفور، وكاتب هذه السطور، وقد حاولنا التمنّع من إبداء الرأي، وأننا لا نقدم بين يدي الشيخ، وأصرّ الشيخ -رحمه الله تعالى- على ضرورة إبداء رأينا عند قراءته لكل سؤال من الأسئلة الستة، وكان يدوّن رؤوس ما نقول، ويناقش، ويستشكل؛ ليعلِّم، حتى صاغ الأجوبة كلها بقلمه.

(2)

نشرت -فتاواه- هذه في غير مجلة وصحيفة وكتاب -ومنها مجلتنا «الأصالة» (العدد الرابع)(ص 15-22) - في كثير من البلدان الإسلامية، وقد أودعتها في كتابي «مقالات الألباني» ، ولأخينا محمد بن عبد الله الإمام كتاب جيد ينصح بقراءته، بعنوان:«تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات» . ومن الجدير بالذكر أن بعض النواب في بلادنا الأردن قد تعلق بفتوى الشيخ هذه، وقال: إن الشيخ الألباني يرى أنني أولى الناس وأحقهم بالانتخاب، فبلغ الشيخ قوله، فعجب، واستنكر، وقال: أبلغوه أن عليه بفعله هذا إثمه وإثم من لحقه فيه إلى يوم الدين.

ص: 84

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد؛ فإلى لجنة الدعوة والإرشاد في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وبعد؛ فقد تلقيت أَصِيلَ هذا اليوم الثلاثاء الموافق للثامن عشر من شهر جمادى الآخرة سنة (1412هـ) رسالتكم المرسلة إليّ بواسطة (الناسوخ) ، فقرأتها وعلمتُ ما فيها من الأسئلة المتعقلة بالانتخابات، التي قلتم إنها ستجري عندكم يوم الخميس؛ أي: بعد غد، ورغبتم مني التعجيل بإرسال أجوبتي عليها، فبادرت إلى كتابتها ليلة الأربعاء لإرسالها إليكم بـ (الناسوخ) -أيضاً- صباح هذا اليوم -إن شاء الله-، شاكراً لكم حسن ظنكم بأخيكم وطيب ثنائكم عليه الذي لا يستحقه، سائلاً المولى سبحانه وتعالى لكم التوفيق في دعوتكم وإرشادكم.

وإليكم الآن ما يَسَّر الله لي من الإجابة على أسئلتكم، راجياً من المولى سبحانه وتعالى أن يلهمني السداد والصواب في ذلك:

السؤال الأول: ما الحكم الشرعي في الانتخابات التشريعية (ما يسمى بالبرلمان) التي نسعى من خلالها إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإقامة الخلافة الراشدة؟

الجواب: إن أسعد ما يكون المسلمون في بلادهم يوم ترفع راية (لا إله إلا الله) ، وأن يكون الحكم فيها بما أنزل الله، وإن مما لا شك فيه، أن على المسلمين جميعاً -كل حسب استطاعته- أن يسعوا إلى إقامة الدولة المسلمة، التي تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى منهج السلف الصالح،

ص: 85

ومن المقطوع به عند كل باحث مسلم، أنّ ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، وأول ذلك: أن يقوم جماعة من العلماء بأمرين هامين جدّاً:

الأول: تقديم العلم النافع إلى من حولهم من المسلمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يقوموا بتصفية العلم الذي توارثوه مما دخل فيه من الشركيات والوثنيات حتى صار أكثرهم لا يعرفون معنى قولهم:(لا إله إلا الله) ، وأنّ هذه الكلمة الطيبة تستلزم توحيد الله في عبادته -تعالى- وحده لا شريك له، فلا يستغاث إلا به، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، وأن لا يعبدوه -تعالى- إلا بما شرع الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ هذا من مستلزمات قولهم:(محمد رسول الله) ، وهذا يقتضيهم أن يُصَفُّوا كتب الفقه مما فيها من الآراء والاجتهادات المخالفة للسنة الصحيحة، حتى تكون عبادتهم مقبولة، وذلك يستلزم تصفية السنة مما دخل فيها -على مر الأيام- من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما يستلزم ذلك تصفية السلوك من الانحرافات الموجودة في الطرق الصوفية، والغلو في العبادة والزهد، إلى غير ذلك من الأمور التي تنافي العلم النافع.

والآخر: أن يُرَبُّوا أنفسهم وذويهم ومن حولهم من المسلمين على هذا العلم النافع، ويومئذ يكون علمهم نافعاً وعملهم صالحاً؛ كما قال -تعالى-:{فَمَن كَان يَرجُو لِقَاء ربِّه فَليعمل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربِّه أَحَداً} [الكهف: 11] ، وحينئذٍ إذا قامت جماعة من المسلمين على هذه التصفية والتربية الشرعية، فسوف لا تجد فيهم من يختلط عليه الوسيلة الشركية بالوسيلة الشرعية؛ لأنهم يعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بشريعة كاملة بمقاصدها ووسائلها، ومن مقاصدها -مثلاً-: النهي عن التشبه بالكفار وتبني وسائلهم ونظمهم التي تتناسب مع تقاليدهم وعاداتهم. ومنها: اختيار الحكام والنواب بطريقة الانتخابات، فإن هذه الوسيلة تتناسب مع كفرهم وجهلهم الذي لا

ص: 86

يفرق بين الإيمان والكفر، ولا بين الصالح والطالح، ولا بين الذكر والأنثى، وربنا يقول:{أَفَنجعَل المسلمين كالمجرمين. مَا لكم كيف تَحكُمون} [القلم: 35-36] ويقول: {وَلَيس الذّكر كالأنثى} [آل عمران: 36] .

وكذلك يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بدأ بإقامة الدولة المسلمة بالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من عبادة الطواغيت، وتربية من يستجيب لدعوته على الأحكام الشرعية، حتى صاروا كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى، كما جاء في الحديث الصحيح، ولم يكن فيها من يُصِرُّ على ارتكاب الموبقات والربا والزنا والسرقات إلا ما ندر.

فمن كان يريد أن يقيم الدولة المسلمة حقّاً لا يُكتّل الناس ولا يجمعهم، على ما بينهم من خلاف فكري وتربوي، كما هو شأن الأحزاب الإسلامية المعروفة اليوم، بل لا بد من توحيد أفكارهم ومفاهيمهم على الأصول الإسلامية الصحيحة: الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح كما تقدم، {وَيَومئذ يَفرَح المُؤمنون بِنَصر الله} [الروم: 4-5] .

فمن أعرض عن هذا المنهج في إقامة الدولة المسلمة وسلك سبيل الكفار في إقامة دولتهم؛ فإنما هو (كالمستجير بالرمضاء من النار) ! وحَسْبُه خطأً -إن لم أقل: إثماً- أنه خالف هديه صلى الله عليه وسلم ولم يتخذه أسوة، والله عز وجل يقول:{لَقَد كَان لَكُم في رَسُول اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ لِمَن كَان يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كثيراً} .

السؤال الثاني: ما الحكم الشرعي في النصرة والتأييد المتعلقين بالمسألة المشار إليها سابقاً (الانتخابات الشرعية) ؟

الجواب: في الوقت الذي لا ننصح أحداً من إخواننا المسلمين أن يرشِّح نفسه ليكون نائباً في برلمان لا يحكم بما أنزل الله، وإن كان قد نص في دستوره:(دين الدولة الإسلام) ، فإنّ هذا النص قد ثبت عمليّاً أنه وضع

ص: 87

لتخدير أعضاء النواب الطيِّبي القلوب!! ذلك لأنه لا يستطيع أن يغير شيئاً من مواد الدستور المخالفة للإسلام، كما ثبت عمليّاً في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور.

هذا إن لم يتورط مع الزمن أن يُقر بعض الأحكام المخالفة للإسلام، بدعوى أنّ الوقت لم يحن بعدُ لتغييرها، كما رأينا في بعض البلاد؛ يُغَيِّر النائب زيّه الإسلامي، ويتزيّا بالزي الغربي مسايرة منه لسائر النواب! فدخل البرلمان ليُصلِح غيره فأفسد نفسه، وأوَّل الغيث قطرٌ، ثم ينهمر! لذلك فنحن لا ننصح أحداً أن يرشح نفسه، ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشَّحين من يعادي الإسلام وفيهم مرشَّحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج، فننصح -والحالة هذه- كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط، ومن هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه.

أقول هذا -وإن كنت أعتقد أنّ هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدم بيانه- من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، كما يقول الفقهاء.

السؤال الثالث: حكم خروج النساء للانتخابات؟

الجواب: يجوز لهن الخروج بالشرط المعروف في حقهن؛ وهو أن يتجلببن الجلباب الشرعي، وأن لا يختلطن بالرجال، هذا أولاً.

ثم أن ينتخبن من هو الأقرب إلى المنهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى كما تقدم.

السؤال الرابع: الأحكام الشرعية المتعلقة بأنماط العمل الشرعي في (البرلمان) ورجالاته؟

الجواب: فنقول: هذا سؤال غامض مرادكم منه غير ظاهر لنا؛ ذلك لأنّ المفروض أن النائب المسلم لا بد أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية على

ص: 88

اختلاف أشكالها وأنواعها، فإذا ما طرح أمر ما على بساط البحث فلا بد أن يوزن بميزان الشرع، فما وافق الشرع أيده، وإلا رفضه؛ كالثقة بالحكومة، والقَسَم على تأييد الدستور ونحو ذلك!!

وأما رجالات البرلمان! فلعلكم تعنون: ما موقف النواب الإسلاميين من رجالات البرلمان الآخرين؟ فإن كان ذلك مرادكم، فلا شك أنه يجب على المسلمين -نواباً وناخبين- أن يكونوا مع من كان منهم على الحق؛ كما قال رب العالمين:{وَكُونوا مَعَ الصّادِقين} [التوبة: 119] .

وأما السؤال الخامس والسادس: فجوابهما يُفهم مما تقدم من الأجوبة.

ونضيف إلى ذلك، أنْ لا يكون همُّكم -معشر الجبهة الإسلامية! - الوصول إلى الحكم قبل أن يصبح الشعب مهيَّئاً لقبول الحكم بالإسلام، ولا يكون ذلك إلا بفتح المعاهد والمدارس التي يتعلم فيها الشعب أحكام دينه على الوجه الصحيح، ويربَّى على العمل بها، ولا يكون فيهم اختلاف جذري ينشأ منه التحزب والتفرق، كما هو الواقع الآن مع الأسف في الأفغان، ولذلك قال ربنا في القرآن:{وَلا تَكُونوا مِنَ المُشركين مِن الّذين فَرّقوا دِينَهم وَكانوا شِيَعاً كُلُّ حِزبٍ بما لَدَيهم فَرِحون} [الروم: 31-32]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله» رواه مسلم.

فعليكم إذن بالتصفية والتربية بالتأني؛ فإنّ «التأني من الرحمن، والعجلة من الشيطان» ، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (1) -، ولذلك قيل: من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه، ومن رأى العبرة بغيره فليعتبر، فقد جرب بعض الإسلاميين من قبلكم في غير ما بلد إسلامي الدخول في البرلمان بقصد إقامة دولة الإسلام، فلم يرجعوا من ذلك ولا بخفي حنين!

(1) حديث ثابت، رواه أبو يعلى والبيهقي. انظر:«الصحيحة» برقم (1795) . (منه) .

ص: 89

ذلك لأنهم لم يعملوا بالحكمة القائلة: «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم» ، وهكذا كما قال رسول صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم.

فالله سبحانه وتعالى أسأل أن يلهمنا رشدنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويهدينا للعمل بشرعة ربنا، متبعين في ذلك سنة نبينا ومنهج سلفنا، فإن الخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع، وأن يفرج عنا ما أهمَّنا وأغمَّنا، وأن ينصرنا على من عادانا، إنه سميع مجيد.

عمان صباح الأربعاء 19 جمادى الآخرة سنة 1412هـ.

وكتب

محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن

وسمعت الشيخ الألباني رحمه الله بعد صياغته للأجوبة، والفراغ منها، التأسُّف على ما آل إليه حال المسلمين، ويشكو من عجلة الشباب وتهوّرهم، وأنّ الجزائريين معروفون بحدّتهم، ويخشى على خيارهم من فتنة عظيمة، قد تصل إلى إراقة الدماء، وزجّ بمئات أو ألوف -وقد يزيد- في السجون! إي والله! إني سمعت ذلك بأُذنَيَّ منه، ووعاه قلبي، ثم بعد فترة غير بعيدة من الزمن قرأت كلاماً للعلامة السلفي الجزائري محمد البشير الإبراهيمي، كتبه سنة 1964م، ونشره في جريدته «البصائر» -وكأنه مكتوب بعد الذي حصل في الجزائر-، فتذكرت كلام شيخنا الألباني، فقرأته عليه في مجلس علمي في مكتبته، فأعجب الشيخ -رحمه الله تعالى-، وهذا نصُّه وفصُّه:

«أما في الجزائر؛ فالانتخابات -منذ سنّت لعبة لاعب، وسخرية ساخر، ورهينة استبداد، ولدت شوهاء ناقصة، وما زالت متراجعة ناكصة، وضعت من أول يوم على أسوأ ما يعرف من التناقض، وأشنع ما يُعلم من التحكم والميز والعنصرية، وهو تمثيل الأكثرية في المجالس المنتخبة للأقلية من السكان،

ص: 90

ولأقلية فيها للأكثرية منهم، قد كانت هذه الانتخابات شرّاً مستطيراً على الأمة الجزائرية، وأفتك سلاح رماها به الاستعمار، بعد أن نظر النظر البعيد، وكانت ضربة قاضية على ما كانت تصبو إليه وتستعد من وحدة الكلمة واجتماع الشمل، فكلما جهد المصلحون جهدهم في جمع كلمتها -وكادوا يفلحون- جاءت هذه الانتخابات فهدمت ما بنوا وتبرته تتبيراً؛ كان هذا كله قبل أن تقف الحكومة مواقفها المعروفة في انتخابات السنة الماضية، أما بعد أن ظهرت بذلك المظهر، وسنت للانتخابات الجزائرية دستوراً عنوانه:«الحيف والسّيف» ، وارتكبت فيها تلك الفضائح التي يندى لها الجبين خجلاً، والتي يأنف الفرد المستبد من ركوبها فضلاً عن حكومة جمهورية في مظهرها، ديمقراطية في دعواها، فإنّ الانتخاب أصبح وبالاً على الأمة ووباء، وذهب بالبقايا المدخرة فيها من الأخلاق الصالحة هباء، وأصبحت هذه الكراسي عاملاً قويّاً في إفساد الرجولة والعقيدة والدين، وإمراض العزائم والإرادات، وفيها من معاني الخمر أنّ من ذاقها أدمن، وفيها من آفات الميسر أن من جرّبها أمعن، وقد كنا نخشى آثارها في تفريق الشمل وتبديد المال، فأصبحنا نخشاها على الدين والفضيلة، فإنّ الحكومة اتخذت منها مقادة محكمة الفتل لضعفاء الإيمان ومرضى العقيدة وأسرى المطامع منا، وما أكثرهم فينا، خصوصاً بعد أن أحدثت فيها هذه الأنواع التي تجر وراءها المرتبات الوافرة، والألقاب المغرية.

ليت شعري؛ إلى متى تتناحر الأحزاب على الانتخاب وقد رأوا بأعينهم ما رأوا؟ وعلام تصطرع الجماعات؟ وعلام تنفق الأموالُ في الدعايات والاجتماعات إذا كانت الحكومة خصماً في القضية لا حكماً؟ وكانت تعتمد في خصومتها على القوة وهي في يدها، وكانت ضامنة لنفسها الفوز في الخصومة قبل أن تنشب، ويحٌ للأمة الجزائرية من الانتخاب، وويل للمفتونين به من يوم الحساب» (1) .

(1)«عيون البصائر» (ص 382-383) .

ص: 91

وكان الشيخ -رحمه الله تعالى- يسئل عما يجري في (الجزائر)، وهل يبشّر بخير وتمكين للمسلمين؟ فكان لا يزيد على قوله:«فقاقيع صابون» ، سمعته أُذناي، ووعاه قلبي.

وأما (الجبهة) ، فقد زادوا أتون (الفتنة) ، بأن أخذوا من (ناسوخ)(1) الشيخ الألباني المرسل لهم ما يفهم الناس أن الشيخ يؤيدهم، وكتموا الباقي، وركبوا رأسهم، ولم ينزلوا عند توجيهات العلماء، فكان ما كان، والله المستعان، وعليه التكلان.

وذهب ضحية هذه الفتنة عشرات الألوف (2) من الشباب، وفرّ قسم منهم في الجبال، وبايعوا (أميراً) لهم، وحصل بينهم خلاف، وانقسموا فرقاً (3) ، شأن سنة الله في أهل الباطل، وولغ بعضهم في دماء بعض، بل حدثني -عبر الهاتف واحد من كبائرهم- ممن تاب (4) أنّ النساء اللاتي في الجبل، كن يؤخذن سبايا للأمراء بعد الافتراق، وتحل الفروج باسم الجهاد، فعلى العلم والفهم، والدين والخلق والأعراض سلام؟!

(1) يسميه الناس: (الفاكس) !

(2)

ذكرت إذاعة لندن في محرم سنة 1416هـ أن الذين قتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات أربعون ألفاً. قاله الشيخ ابن عثيمين، وعلق عليه أخونا عبد المالك الجزائري الرمضاني في كتابه «فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر» (ص 139) :«هذا قبل أربع سنوات، أما اليوم فقد ذكرت الإحصائيات الرسمية أنها زادت على هذا العدد ثلاث مرات، والله أعلم بمن لم يُعرف عنه خبر، ولا وُجد له أثر» .

(3)

ستأتي أقسامهم على ألسنتهم أنفسهم ضمن كلام مطول للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- معهم.

(4)

اعتنت الصحف بتوبة هؤلاء، ونشرت تصريحات لبعضهم، تجد طرفاً من ذلك في جريدة «القبس» الكويتية، العدد (9544)(8شوال/1420هـ - 14/1/2000م) ، وجريدة «الخبر» الجزائرية، بتاريخ 21/12/1419هـ الموافق 7/4/1999م، وبلغنا ذلك من ثقات منهم. وانظر:«فتاوى العلماء الأكابر» (ص 48-59) .

ص: 92

وكان هؤلاء بين الحين والحين يقومون بالغزو -على تسميتهم-، ويرتكبون المجازر ويفخخون السيارات، ويثورونها في أماكن ازدحام الناس، مما سببوا قتل عدد غير قليل من الأبرياء!

ونشرت بعض الصحف (1) على لسان بعض التائبين من هؤلاء مقالةً تحت عنوان (كنا ضحايا فتاوى السلفية) ، وهذا كذب، بل أولئك سلموا أنفسهم لقادة ساقوهم باسم الدين، والكذب على العلماء السلفيين؛ مثل: ابن باز (2) ، والألباني، وابن عثيمين (3) -رحمهم الله تعالى-، فأوهموهم أنّ العلماء معهم، وأنهم ينزلون عند تقريراتهم، ويسيرون بفتاواهم وتوجيهاتهم!

والأمر ليس كذلك، بل هم يقرون أنّ الذي جرى في الجزائر ليس إلا على منهج (الخوارج) !

فها هو شيخنا الألباني يقول عما حصل في الجزائر بعد كلام: «فإذا كان

(1) هي جريدة «الصحافة» الجزائرية، في العدد (112) بتاريخ 2 جمادى الثانية سنة 1420هـ، الموافق 12/9/1999م.

(2)

لا تنس ما قدمناه عنه قريباً (ص 82-84) .

(3)

سئل الشيخ رحمه الله في شوال سنة 1414هـ: هل أنكم قلتم باستمرار المواجهة ضد النظام بالجزائر؟ فأجاب: «ما قلنا بشيء من ذلك» . وسئل في 13/صفر/سنة 1420هـ وفي بيته بمدينة عنيزة: ما حكم ما ينسب إليكم -حفظكم الله- من تأييد الجماعات المسلحة الخارجة على الحكومة الجزائرية؟ وأنكم معهم إلا أنكم عاجزون عن التصريح بذلك، لأسباب أمنية وسياسية؟

الجواب: «هذا ليس بصحيح، ولا يمكن أن نؤلب أحداً على الحكومة؛ لأنّ هذا تحصل به فتنة كبيرة، إذ أنّ هؤلاء الذين يريدون أن يقابلوا الحكومة ليس عندهم من القدرة ما يمكن أن يغلبوا الحكومة به، فما يبقى إلا القتل وإراقة الدماء والفتنة، كما هو الواقع، وما أكثر ما ينسب إلينا هنا في السعودية أو خارج السعودية، وليس له أصل عنا! والحامل لذلك -والله أعلم- أن الناس لهم أهواء، فإذا هَووا شيئاً نسبوه إلى عالم من العلماء؛ من أجل أن يكون له قبول، وهذه المسألة خطيرة» .

ص: 93

السؤال إذاً بأنَّ هؤلاء حينما يفخِّخون -كما يقولون- بعض السيارات ويفجِّرونها، تصيب بشظاياها من ليس عليه مسؤولية إطلاقاً في أحكام الشرع، فما يكون هذا من الإسلام إطلاقاً، لكن أقول: إنَّ هذه جزئية من الكُليَّة، أخطرها هو هذا الخروج الذي مضى عليه بضع سنين، ولا يزداد الأمر إلا سوءاً، لهذا نحن نقول: إنَّما الأعمال بالخواتيم، والخاتمة لا تكون حسنةً إلا إذا قامت على الإسلام، وما بُني على خلاف الإسلام فسوف لا يُثمر إلا الخراب والدَّمار» (1) .

فالشيخ الألباني رحمه الله يرى أنّ هذه المفاسد، من إراقة الدماء، وزعزعة الأمن، سببه (الخروج) الذي وقع في الجزائر، واستمر عليه (الخارجون) بضع سنين.

وبلا شك أن قتل المسلمين -أفراداً وجنوداً- لبعضهم بعضاً، واستحلال ذلك، هو عين مذهب الخوارج، وإن لم يقع التصريح بالتكفير بالكبيرة!!

ولذا لما سئل فقيه الزمان الشيخ ابن عثيمين عما يجري في الجزائر، فقيل له: تنطلق بعض الجماعات في محاربتها لأنظمتها من قاعدة تقول: «إنَّ محاربة الدول الإسلامية أوْلى من محاربة الدول الكافرة كفراً أصليّاً؛ لأنَّ الدول الإسلامية مرتدَّةٌ، والمرتدُّ مقدَّمٌ في المحاربة على الكافر، فما مدى صحة هذه القاعدة؟

فأجاب الشيخ -رحمه الله تعالى- بقوله: «هذه القاعدة هي قاعدة الخوارج الذين يقتلون المسلمين ويَدَعون الكافرين، وهي باطلة» (2) .

(1) من شريط مسجل ضمن «سلسلة الهدى والنور» (رقم 830/1)، وعنوانه:«من منهج الخوارج» .

(2)

من سؤال وجه له في بيته عصر يوم الجمعة، بتاريخ 13/صفر/1420هـ الموافق 28/5/1999م. وانظر:«فتاوى العلماء الكبار فيما أهدر من دماء في الجزائر» (ص 146) .

ص: 94

ولا أشك أنّ مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذي فيه ذكر الخوارج أفعالاً ومخالفاتٍ حذر منها، وليست العبرة بالاصطلاحات (1) التي تواطأ عليها العلماء.

وعليه؛ فلا يقال: هذه خرجت من أُناس سلفيين! عندهم بعض الأخطاء، وليسوا من الخوارج، فلا صلة لهذه الأحداث بما هُيِّج من فتن (العراق) !! بل هي خرجت من تحت قدمي أصناف، لهم وفاق وفراق مع (الخوارج) ، بل بعضهم يتطابق معهم في دينه، ولا ينفك عنهم قيد أُنملة (2) ، وقد أفصح عن هذه الأنواع بعضُ من تاب الله عليهم، عندما رجعوا إلى رشدهم وصوابهم، واتّصل بالعلماء الربانيين، وطلبة العلم، المتقدّمين النابهين، ولمزيد البيان والإيضاح أنقل لإخواني القراء الكرام ما جرى بين هؤلاء والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-:

حوار (3) بين ثوار الجزائر برؤوس الجبال مع العلاّمة ابن عثيمين بتاريخ: 1 رمضان 1420هـ

قال السائل: نحن أوّلاً: نُعلمكم أنَّ الذي يُخاطبكم الآن هم إخوانك المقاتلون، وبالضبط المقاتلون من (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) ، ونحن طبعاً سننقل كلامَكم -إن شاء الله عز وجل إلى جميع إخواننا المقاتلين في هذه الجماعة وغيرها -أيضاً-.

وذلك بعد أن بلغنا نداؤكم ونصيحتكم المؤرَّخة بتاريخ 13 من شهر صفر من العام الحالي.

(1) ولا مشاحة في الاصطلاح، كما هو مقرر عند العلماء.

(2)

وهذا هو سبب ذكري لهذه الحوادث في كتاب مفرد عن (فتن العراق) !

(3)

تم هذا الحوار عبر (الهاتف) .

ص: 95

والجدير بالذِّكر أنَّ نداءَكم ذلك لم يصل إلينا إلا منذ شهر ونصف، وهناك من الإخوة من لم يصلهم حتى الآن، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإنَّ الكثير من الإخوة مِمَّن بلغَتْهم نصيحتكم وقعت لهم شبهةٌ حالت دون الاستجابة لِما دعوتم إليه، فكان لا بدَّ إذاً من إجراء هذا الحوار الجديد مع فضيلتكم؛ أملاً أن نتمكَّن من خلاله من الإجابة على جميع التساؤلات المطروحة، وإزاحة جميع الشُّبه، وبيان الحقِّ البواح؛ حتى نصبح على مثل المحجَّة البيضاء، لا يزيغ عنها إلاّ هالك.

وعلى هذا الأساس، فإننا نلتمس من سماحتكم -حفظكم الله- إعطاءنا أكبر قدر من وقتكم، وأن تسهبوا في الشرح والبيان؛ لأنه لا يخفى عليكم -يا شيخنا! - أنَّ الإخوة عندنا قد رسَّختْ فيهم سنوات القتال أفكاراً وعقائد ليس من السهل -يا شيخ! - ولا من البسيط التخلي عنها واعتقاد بطلانها، إلا ببيان شافٍ منكم، وذلك لما لكم في قلوب الإخوة عندنا من عظيم المنزلة، ووافي التقدير والإجلال والاحترام؛ لأننا نعتقد أنكم من أعلام أهل السنة والجماعة في هذا العصر.

وإليكم الآن الشبه المطروحة -يعني: عندنا-.

الشيخ: دعني أتكلَّم قليلاً، ثم قال:

الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإنني من عنيزة القصيم -المملكة العربية السعودية- وفي أول يوم من رمضان عام عشرين وأربع مئة وألف، أتحدث إلى إخواني في الجزائر، وأنا: محمد بن صالح آل عثيمين.

أقول لهم: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرَّر في حجَّة الوداع تحريمَ دمائنا وأموالنا وأعراضنا تقريراً واضحاً جليّاً، بعد أن سأل أصحابه عن هذا اليوم، والشهر،

ص: 96

والبلد، وقال:«إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟» (1) .

فهذا أمرٌ مجمعٌ عليه، لا يختلف فيه اثنان، والإخوة الذين قاتلوا في الجزائر منذ سنوات قد يكون لهم شبهة، ففي أوَّل الأمر، حينما اتَّجه الشعب الجزائري إلى جبهة الإنقاذ، وعلت أصواتهم لصالح الجبهة، ولكن

هذه الجبهة، حتى سيطر غيرُها، ولا شكَّ أنَّ هذا مؤسفٌ، وأنّ الواجب اتِّباع الأكثر الذي وافق ما ينبغي أن تكون عليه الأمة الجزائرية، من قول الحقِّ واتِّباع الحقِّ.

ولكن هذا لا يقتضي ولا يسوِّغ حمل الإخوةِ السلاحَ بعضِهم على بعض، وكان الواجب عليهم من أول الأمر أن يمشوا ويُكثِّفوا الدعوة إلى تحكيم الكتاب والسنة، وفي الجولة الأخرى، تكون أصواتهم

، ويكون وزنُهم في الشعب الجزائري أكبر، ولكن نقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، لو أراد الله أن يكون ما ذكرتُ لكان.

والآن، أرى أنَّه يجب على الإخوة أن يَدَعوا هذا القتال، لا سيما وأنَّ الحكومة الجزائرية عرضت هذا، وأمَّنت من يَضَع السلاح، فلم يبق عذرٌ.

والجزائر الآن تحمل الويلات بعد الويلات مما كانت عليه، وكنَّا قد تفاءلنا خيراً، حينما تولَّى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهدأت الأمور بعض الشيء.

لكننا -مع الأسف- سمعنا أنه حصل بعض العنف في هذه الأيام القريبة، وهو مِمَّا يُؤسف له أن يعود العنف إلى الجزائر المسلمة

شهر رمضان المبارك.

(1) أخرجه البخاري (1741) ، ومسلم (1679) .

ص: 97

والذي يجب على المسلمين أن يجمعوا كلمتهم على الحقِّ، في رمضان وفي غيره، لكن في رمضان أوكد.

فنصيحتي لإخوتنا المقاتلين

ثم قاطعه السائل قائلاً:

أحيطكم به علماً -يعني- حتى يخرج جوابكم موافقاً أو نافعاً للإخوة، يعني كأنكم تعتقدون أو تظنون أنَّ الذي يخاطبكم الآن هم أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ يا شيخ! الآن الساحة القتالية الجزائرية تضمُّ ثلاث فصائل (1) :

- أتباع (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) الذين خرجوا من أجل الانتخابات، وهلمَّ جرّاً تلك الأمور.

- وهناك (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) ، التي نكلِّمكم باسمها، ونحن من أعضائها، هذه -يا شيخ- ليس لها علاقة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، وليس لها علاقة بالتحزُّب، وليس لها علاقة بالانتخاب، إنّما خرجت بناء على اعتقادها كفر هذا الحاكم، وجواز الخروج عليه.

- وهناك طائفة ثالثة -يا شيخ- (الهجرة والتكفير) ، هذه التي لا زالت تمارس العنف، ولا تستمع إلى العلماء، أمَّا نحن المقاتلون في (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) ، فكما أسلفت لك منذ قليل نحب العلماء ونجُّلهم، خصوصاً علماء أهل السنة والجماعة كأمثالكم، ونأخذ بأقوالهم، غير أنه -كما ذكرتُ لك- هناك بعض التساؤلات والشبه حالت دون أن يُتلقّى كلامُكم بالقبول التام.

الشيخ: فهمتُ من كلامك الآن أنكم ثلاثة أقسام: جبهة الإنقاذ، الجماعة السلفية، والجماعة التكفيرية، هكذا؟

(1) هذا الذي وعدت به سابقاً.

ص: 98

السائل: أي نعم، جيّد يا شيخ!

الشيخ: أما جبهة الإنقاذ، فأظنّها أنّها وافقت المصالحة؟

السائل: أي نعم، هم الآن في هُدنة يا شيخ!

الشيخ: أما الجماعة السلفية؛ فأرى أن يُوافقوا؛ لأنه مهما كان الأمر، الخروج على الحاكم -ولو كان كفرُه صريحاً مثل الشمس- له شروط، فمن الشروط: ألا يترتب على ذلك ضررٌ أكبر، بأن يكون مع الذين خرجوا عليه قدرة على إزالته بدون سفك دماء، أما إذا كان لا يمكن بدون سفك دماء، فلا يجوز؛ لأنَّ هذا الحاكم -الذي يحكم بما يقتضي كفره- له أنصار وأعوان لن يَدَعوه.

ثمَّ ما هو ميزان الكفر؟ هل هو الميزان المزاجي -يعني- الذي يوافق مزاج الإنسان لا يكفر، والذي لا يوافقه يكفر؟! من قال هذا؟!

الكفر لا يكون إلا من عند الله ومن عند رسوله، ثم إن له شروطاً، ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا تحدَّث عن أئمة الجوْر -وقيل له: أفلا ننابذهم- قال: «لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» (1) ، وأين هذا؟

كثيرٌ من الإخوة -ولا سيما الشباب- الكفر عندهم عاطفي، مزاجي، ليس مبنيّاً على شريعة، ولا صدر عن معرفة بشروط التكفير، لهذا نشير إلى إخواننا في الجزائر أن يضعوا السّلاحَ، وأن يدخلوا في الأمان، وأن يُصلحوا بقدر المستطاع بدون إراقة دماء، هذا هو الذي يجب علينا أن نناصحهم به، ومن وُجِّهت إليه النصيحة، فالواجب عليه على الأقل أن يتأنَّى وينظر في هذه النصيحة، لا أن يردَّها بانزعاج واستكبار وعناد، نسأل الله -تعالى- أن يُطفئ الفتنة، وأن يزيل الغُمَّة عن إخواننا في الجزائر.

(1) أخرجه البخاري (7056) ، ومسلم (1709) من حديث عبادة بن الصامت.

ص: 99

السائل: هم الإخوة عندنا يعتمدون في الحكم بكفر حاكمهم على فتوى للشيخ ناصر الدِّين الألباني قديمة بُنيت -والله أعلم- على واقع غير صحيح (1)، يعتمدون علىهذا -يعني: في تكفير حاكمهم- وبالتالي، وكذلك هناك بعض طلبة العلم -أيضاً- يعتمدون عليهم في هذه المسألة، وعلى هذا الأساس فعندما ناديتموهم بوضع السلاح -مع اعتقادهم كفر حاكمهم- شقَّ ذلك عليهم كثيراً -يعني- وكبُر عليهم كثيراً -يعني- وضع السلاح والعودة تحت حكم من يعتقدون كفره -يعني- هذه معضلة كيف حلُّها يا شيخ؟

الشيخ: والله ليست معضلة؛ أوَّلاً: ننظر هل هناك دليل على كفر هذا الحاكم، والنظر هنا من وجهين:

الوجه الأول: الدليل على أنَّ هذا الشيءَ كفرٌ.

الثاني: تحقق الكفر في حقِّ هذا الفاعل؛ لأنَّ الكلمة قد تكون كفراً صريحاً، ولكن لا يكفر القائل، ولا يخفى علينا جميعاً قول الله عز وجل:{من كفر من بعد إيمانه إلا مَن أُكره وقلبُه مُطمئنٌّ بالإيمان ولكنْ مَن شَرَحَ بالكُفر صَدراً فَعليهم غضبٌ من الله وَلَهُم عذابٌ عظيم} [النحل: 106] ، رفع الله عز وجل حكم الكفر عن المكره وإن نطق به.

ولقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الربَّ عز وجل أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجل فقد راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلمَّا أَيِس منها اضطجع تحت شجرة، فبينما هو كذلك إذا بناقته حضرت، فأخذ بزمامها وقال: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أخطأ من شدة الفرح» (2) .

وكذلك الرجل الذي كان

وقال: «لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما يعذبه أحداً من العالمين، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه في اليم،

(1) ليس هذا بصحيح ألبتة!

(2)

أخرجه البخاري (6309) ببعضه، ومسلم (2747) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 100

فجمعه الله وسأله؟ فقال: فعلت ذلك خوفاً منك يا رب» (1) ، ولم يكفر.

الحاكم قد يكون عنده حاشية خبيثة، ترقق له الأمور العظيمة وتسهلها عليه، وتزينها في نفسه، فيمضي فيما يعتقد أنه حلال، ولكنه ليس بكفر، ولا أظن أحداً من الجزائريين يقول: نعم! أنا أعلم أنّ هذا حكم الله ولكني أخالفه، ما أظن أحداً يقول ذلك عن عقيدة، فإنْ كان قد يقوله في باب المناظرة، لكن عن عقيدة لا يمكن فيما أظن؛ لأن شعب الجزائر شعب مسلم، وهو الذي أخرج الفرنسيين عن إكراه من أرضه، فالواجب على هؤلاء أن ينظروا في أمرهم، وأن يلقوا السلاح، وأن يصطلحوا مع أمتهم، وأن يبثوا الدعوة إلى الله بتيسير

لا بعنف، نعم!

السائل: شيخنا -حفظكم الله- هل يستلزم -يعني: لو فرضنا كفر الحاكم- هل يستلزم الخروج عليه بدون شروط يعني؟

الشيخ: لا! لا بد من شروط، ذكرتها آنفاً.

السائل: أي نعم!

الشيخ: لو فرض أنه كافر مثل الشمس في رابعة النهار، فلا يجوز الخروج عليه إذا كان يستلزم إراقة الدماء، واستحلال الأموال.

السائل: الآن -يعني- بعض الإخوة عندنا مثلاً يقولون إنهم ما داموا خرجوا وحملوا السلاح وخاضوا هذه الحرب مع هذا النظام، هم اليوم وإن اعتقدوا أن ما هم فيه ليس بجهاد؛ لأنهم كما ذكرتم لم يستوفوا الشروط، لكن رغم ذلك يسألون: هل يمكنهم رغم ذلك المواصلة وإن أيقنوا الفناء والهلاك، أم يهاجرون، أم ماذا؟

(1) أخرجه البخاري (3478) ، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما رضي الله عنهم، وخرجته بتفصيل في كتابي «من قصص الماضين» (ص 239-246) .

ص: 101

الشيخ: والله! لا يجوز لهم، والله! لا يجوز لهم المضي فيما هم عليه من الحرب الآن؛ إذ أنها حرب عقيم ليس لها فائدة ولا تولد إلا الشر والشرر.

السائل: أي نعم، شيخنا هم -يعني- إذاً أنتم لا تعتقدون كفر حاكم الجزائر يعني، فترون ذلك؟

الشيخ: لا نرى أن أحداً كافر إلا من كفره الله ورسوله وصدقت عليه شروط التكفير، من أي بلد، ومن أي إنسان، الكفر ليس بأيدينا، وليس إلينا، بل هو إلى الله ورسوله، إنّ الرجل إذا كفر أخاه وليس بكافر عاد الأمر إليه: المكفِّر، وكفر إلا أن يتوب.

السائل: شيخنا! بعض الإخوة عندنا -بعد أن سلموا بأن هذا ليس بجهاد على وفق ما ذكرتم يعني- لم يثقوا في الحكومة -يعني- نسبيّاً، فيسألون هل يجوز لهم المكث في الجبال دون الرجوع إلىالحياة المدنية بدون قتال

-يعني- يبقون بأسلحتهم في الجبال ويتوقفون عن القتال، لكن لا يرجعون إلى الحياة المدنية؟

الشيخ: أقول: إنهم لن يبقوا على هذه الحال، مهما كان الحال، ولا بد أن تحركهم نفوسهم في يوم من الأيام حتى ينقضوا على أهل القرى والمدن، فالإنسان مدني بالطبع.

يبقى في رؤوس الجبال وفي تلالها وشعابها، ومعه السلاح؟!

في يوم من الأيام لا بد أن تهيجهم النفوس حتى يكونوا قطاع طرق!

السائل: إذاً لا يجوز لهم المكث على هذه الحال؟

الشيخ: هذا ما أراه، أرى أن ينزلوا للمدن والقرى لأهليهم وذويهم وأصحابهم.

السائل: يعني الآن ما يجب على كل -في حالة إذا لم تستجب القيادة

ص: 102

لندائكم هذا، إذا لم تستجب يعني- إذا لم تستجب رؤوس المقاتلين لندائكم هذا، ما واجب كل مقاتل في حق نفسه؟

الشيخ: الواجب وضع السلاح، وأن لا يطيعوا أمراءهم إذا أمروهم بمعصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

السائل: شيخنا! هل يجوز أو يمكن -يعني- هل يجوز مخالفة نداءكم هذا من أجل فتاوى لبعض الدعاة؟

الشيخ: هذا يرجع إلى الإنسان نفسه، إن اعتقد أن ما يقوله أولئك القوم الذين يدعون إلى الاستمرار هو الحق لا يلزمهم الرجوع، ولكن يجب أن يتأمل الإنسان ويتدبر وينظر ما النتيجة في الاستمرار، كم للشعب الجزائري من سنة، وهو يرقب الويلات بعد الويلات ولم يستفد شيئاً؟!

السائل: الملاحظة أن هؤلاء الدعاة الذين ذكرتهم -يعني- دعاة غير معروفين -يعني- من أمثالهم أبو قتادة الفلسطيني الماكث في بريطانيا، هل تعرفونه يا شيخنا؟

الشيخ: لا نعرفه.

السائل: تعرفونه؟!

الشيخ: لا!

السائل: أبو مصعب السوري، ما تعرفونه؟

الشيخ: كل لا نعرفه، لكني أقول لك، إن بعض الناس ولا أخص هذا ولا هذا؛ إذا رأى الشباب اجتمعوا حوله، انفرد بما يذكر به، كما يقول القائل: خالف تُذكر، نعم (1) !

(1) الويل لمن يعمل من أمام العلماء وتقريراتهم، ولا سيما إن كان شابّاً متهوراً، محبّاً للزعامة، قليل التجربة، قلقاً في أمور معاشه وحياته!

ص: 103

السائل: شيخنا! هناك أحدهم يسمى أبا حنيفة الأريتيري، يدعي أنه تلميذكم، ويدعي أنّ الاتصال بكم أمر صعب، وأنكم محاطون بالمخابرات

-يعني- وغير ذلك، والإخوة ههنا، الإخوة المقاتلين يعتقدون أن الاتصال بكم بين الاستحالة والصعوبة، بناءً علىكلام هذا الإنسان، هل هذا صحيح؟

الشيخ: غير صحيح، أبداً كل الناس يأتون ويتصلون بنا، ونحن نمشي

-والحمد لله- من المسجد إلى البيت، في خلال عشر دقائق في الطريق، وكل يأتي

ويمشي، والدروس -والحمد لله- مستمرة، ونقول ما شئنا مما نعتقده أنه الحق.

السائل: هذا أبو حنيفة هل تعرفونه، أبو حنيفة الأريتيري هذا؟

الشيخ: والله! أنا لا أعرفه الآن، لكن ربما لو رأيته لعرفته، لكن كلامه الذي قاله كذب، لا أساس له من الصحة

وبعد حوار بينهم وبين الشيخ حول الذين قتلوا، وحول تأجيل هذه المكالمة.

قال الشيخ: والله! لو أجَّلتمونا إلى ما بعد رمضان إذا أمكن؟

السائل: يا شيخ! مستحيل؛ القضية جِدُّ شائكة كما ترى، وقضية دماء، وقضية أمة يا شيخ!

الشيخ: إذاً غداً

ثم تقدم سائل آخر فقال: يا شيخ! لو تعطينا الآن خمس دقائق لسؤال أخير؟

الشيخ: طيب!

السائل: إخواننا من الجماعة السلفية للدعوة والقتال يحبونكم، وينظرون إليكم على أنكم من علمائنا الذين يجب أن نسير وراءكم، لكن

ص: 104

الشيخ: جزاهم الله خيراً.

السائل: لكن هناك أسئلة تدور في رؤوسهم، من بين هذه الأسئلة يقولون: أننا إذا نقلنا إلى الشيخ عن طريق أشرطة مصورة -يعني- وبينا له فيها قتالنا أننا لا نقتل الصبيان، ولا نقتل الشيوخ، ولا نفجر المدن، بل نقتل من يقاتلنا من هؤلاء الذين لا يحكمون كتاب الله عز وجل فينا، فإن الشيخ

-يعني- بعد أن يعرف بأن عقيدتنا سليمة، وأن منهجنا سليماً، وأن قتالنا سليم، فإن فتواه ستتغير، ما قولكم في هذا بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً؟

الشيخ: لا! قولي: إن الفتوى لا تتغير-مهما كانت نية المقاتل- فإنها لا تتغير؛ لأنه يترتب على هذا أمور عظيمة، قتل نفوس بريئة، استحلال أموال، فوضى!

السائل: شيخنا! حفظك الله، إذا كان في صعودنا إلى الجبال اعتمدنا علىفتاوى، وإن كانت كما قال الأخ -يعني- ظهر خطؤها، ولو كانت من عند أهل العلم، وبعض فتاوى بعض الدعاة ظنًّا منا أن ذلك حجة في القتال، فصعدنا إلى الجبال وقاتلنا سنين، يعني فما دور المجتمع الآن في معاملتنا؟ هل يعاملنا كمجرمين، أم أننا كمجاهدين أخطأنا في هذه الطريق؟

الشيخ: أنت تعرف أن جميع المجتمعات لا تتفق على رأي واحد، فيكون الناس نحوكم على ثلاثة أقسام:

- قسم يكره هؤلاء ويقول: إنهم جلبوا الدمار وأزهقوا الأرواح وأتلفوا الأموال، ولن يرضى إلا بعد مدة طويلة.

- وقسم آخر راضٍ يشجع، وربما يلومهم إذا وضعوا السلاح!

- القسم الثالث: ساكت، يقول: هؤلاء تأولوا وأخطأوا، وإذا رجعوا فالرجوع إلى الحق فضيلة.

السائل: شيخنا! حفظك الله، نريد كلمة توجيهية إلى الطرفين، أقصد

ص: 105

إلى الإخوة الذين سينزلون إلى الحياة المدنية وإلى المجتمع؛ يعني: كيف نتعامل الآن؟ وأن ينسوا الأحقاد، نريد نصيحة في هذا الباب حفظكم الله؟

الشيخ: بارك الله فيكم، أقول: إنّ الواجب أن يكون المؤمنون إخوة، وأنه إذا زالت أسباب الخلاف وأسباب العداوة والبغضاء فلنترك الكراهية، ولنرجع إلى ما يجب أن نكون عليه من المحبة والائتلاف، كما قال الله عز وجل:{إنّما المُؤمنون إخوةٌ فَأَصلِحوا بين أَخَوَيْكم واتّقوا الله} [الحجرات: 10] .

نسأل الله التوفيق والسداد، وهل أنتم على عزم أن تتصلوا غداً أم لا؟ أما الآن فنقطع، وما يمكن أن نزيد

وعند الموعد قال السائل: المهم -يعني- أن أركز على أهم ما يمكن أن يؤثِّر على الإخوة عندنا -يعني- المقاتلين حتى يرجعوا إلى الحق.

الشيخ: طيب! توكل على الله.

السائل: إن شاء الله، أهم قضية -يا شيخ- ادعاؤهم أنك لا تعلمون واقعنا في الجزائر، وأن العلماء لا يعرفون الواقع في الجزائر، وأنكم لو عرفتم أننا (سلفيين) ! أن هذا سيغير فتواكم، فهل هذا صحيح؟

الشيخ: هذا غير صحيح، وقد أجبنا عنه بالأمس، وقلنا مهما كانت المبالغات فإراقة الدماء صعب، فالواجب الكف الآن والدخول في السلم.

السائل: شيخنا! ما رأيكم فيمن يعتقد أن الرجوع إلى الحياة المدنية يعتبر ردة؟

الشيخ: رأينا أن من قال هذا فقد جاء في الحديث الصحيح أن من كفّر مسلماً أو دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك عاد إليه (1) .

(1) أخرجه البخاري (6104) ، ومسلم (60) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 106

السائل: شيخنا! ما رأيكم في قولهم أنه لا هدنة ولا صلح ولا حوار مع المرتدين؟

الشيخ: رأينا أن هؤلاء ليسوا بمرتدين، ولا يجوز أن نقول إنهم مرتدون حتى يثبت ذلك شرعاً.

السائل: بناءً على ماذا شيخنا؟

الشيخ: بناء على أنهم يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

السائل: نعم! نعم يا شيخنا!

الشيخ: فكيف نقول إنهم كفار على هذه الحال؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي

بالسيف، فشهد أن لا إله إلا الله، أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة، مع أن الرجل قال ذلك تعوذاً كما ظنه أسامة، والقصة مشهورة (1) .

السائل: شيخنا! سؤال عقائدي -يعني- قضية الفرق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله؟

الشيخ: يعني مثلاً من ترك الصلاة فهو كافر، من سجد لصنم فهو كافر، من قال إن مع الله خالقاً فهو كافر، وهذا كفر عملي، وأما الكفر الاعتقادي ففي القلب.

السائل: شيخنا! الكفر العملي هل يخرج من الملة؟

الشيخ: بعضه مخرج وبعضه غير مخرج، كقتال المؤمن، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«فقتاله كفر» (2)، ومع ذلك لا يخرج من الملة من قاتل أخاه المؤمن بدليل آية الحجرات: {وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

(1) أخرجها البخاري (4269، 6872) ، ومسلم (96) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (48) ، ومسلم (116) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 107

فأصلحوا بينهما} ، قال:{إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 9-10] .

السائل: متى يصبح الكفر العملي كفراً اعتقاديّاً شيخنا؟

الشيخ: إذا سجد لصنم، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، إلا أن يكون مكرهاً.

السائل: وفي قضية الحكم بغير ما أنزل الله؟

الشيخ: هذا باب واسع، هذا باب واسع، قد يحكم بغير ما أنزل الله عدواناً وظلماً، مع اعترافه بأن حكم الله هو الحق، فهذا لا يكفر كفراً مخرجاً عن الملة، وقد يحكم بغير ما أنزل الله تشهياً ومحاباة لنفسه، أو لقريبه، لا لقصد ظلم المحكوم عليه

ولا لكراهة حكم الله، فهذا لا يخرج عن الملة، إنما هو فاسق، وقد يحكم بغير ما أنزل الله كارهاً لحكم الله، فهذا كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، وقد يحكم بغير ما أنزل الله طالباً موافقة حكم الله، لكنه أخطأ في فهمه، فهذا لا يكفر، بل ولا يأثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وإن أصاب فله أجران» (1) .

السائل: شيخنا! مثلاً عندنا للأسف الشديد مسجد حُوِّل إلى ثكنة عسكرية، تشرب فيها الخمور، وتسمع فيها الموسيقى، وتعطل فيها الصلاة، ويسب فيها الله ورسوله -يعني- هذا ما حكمه؟

الشيخ: هذا فسوق، فلا يحل تحويل المسجد إلى ثكنة عسكرية،؛ لأنه تحويل للوقف عن جهته وتعطيل للصلاة فيه.

السائل: شيخنا! كلامكم واضح والحمد لله، وبهذه الصيغة يزيح -إن شاء الله- الشبه التي تحول دون أن يعمل الحق عمله -إن شاء الله-.

(1) أخرجه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

ص: 108