الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يَشرَبُونَ سوى الدِّماءِ مَدامَةً
…
أو ينشُقُونَ من الأسِنّة سَوسَنا
وقال غيره:
وخوّفني ذكْرُ الأسِير لوَصْفِهم
…
فلمّا رأيْتُ القومَ زدْتُ تخَوّفا
وقال آخر غيره:
عساكرُ كظَلامِ الليل مُقْبلَةٌ
…
فيها الأَسِنَّةُ مثلُ الشُّهب قد لمَعَتْ
الخيلُ قَد صَهَلَتْ والسُّمْرُ قَدْ نهَلَتْ
…
والهامُ قَدْ سَجَدت والبيضُ قد رَكَعَتْ
فتذكْرتُ قولَ من قال، فضمَمْتُه إلى هذا المقال:
بذا قَضَت الأيام ما بين أهلِهَا
…
مصائبُ قومٍ عنْد قومٍ فوائدُ
ووجدتُ بيتين لبعض الشعراء أنشَدَهُما كبيرٌ من كبراء حلب عندما طافت الشوطية ببلده، ثم فرَّ خارجاً منها، وكان مُتَرْجماً بالشجاعة والبسالة، لما عوتب على الهروب وهما في هذا المصراع الذي سيذكر؛ أعني: معناهما: «أعاير بذلك ولا أقتلا» .
فأما الرملة فإن العشير أخربوها، وأفسدوا فيها وأخذوا أموالها، وزادوا في الطغيان أكثر من التمرلنكية، نعوذ بالله من ذلك» .
خامساً: حمل بعض شراح الحديث ما حصل من التتار على أنهم هم يأجوج ومأجوج
! قال الكرماني في شرحه لـ «صحيح البخاري» المسمى «الكواكب الدراري» (1) عند شرحه حديثَ زينبَ بنتِ جحش، قالت:«استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرّاً وجهُه، يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من رَدْم يأجوج ومأجوج مثل هذه» (2) .
(1)(14/9) .
(2)
أخرجه البخاري (3346 و7059) ، ومسلم (2880) ، وغيرهما من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها.
وعقد سفيان (1)(أحد رواة الحديث) تسعين أو مئة، قال -رحمه الله تعالى-:
وقبل هذا العينيُّ مرةً، وردّه أخرى، قال في في «عمدة القاري» (2) :
ثم نقل ما ذكره هنا عن الكرماني في كلامه السابق وتعقبه، فقال في موطن آخر من «العمدة» (3) ما نصه:
ووافق الكرمانيَّ شيخُ شيوخِنا محمد راغب الطباخ في كتابه «ذو القرنين وسد الصين» (4) وخطّأ العيني، قال:
(1) هو: ابن عيينة.
(2)
(15/238) .
(3)
(24/181) ، ونحوه فيه (24/221) .
(4)
(ص 250 - بتحقيقي)، وجزم بهذا الرأي: طنطاوي جوهري في تفسيره «الجواهر» (9/203) ، وسيد قطب في «في ظلال القرآن» (4/2294) ، وقرره طارق سويدان في أشرطته «قصة النهاية» (الشريط الرابع/وجه 1) ، ومال إليه وقواه محمد رشيد رضا في مجلة «المنار» =
«فقول العيني: «هذا القول غير صحيح» ، هو غير صحيح، وهُوَ قَدْ ناقضَ نفسَه حيثُ قال في شرحه للحديث الأول -كما تقدم-:«إن الترك هم من نسل يأجوج ومأجوج، والجميعُ عنصرٌ واحد، وهم من أولاد يافث بن نوح» ، فيكون ما قاله الكرماني من أنّ يأجوجَ ومأجوجَ هم الترك، وقد جرى ما جرى ببغداد منهم هو الصَّواب والصحيح» .
قال أبو عبيدة: اضطربت الأقوال في (يأجوج ومأجوج) ، واختلفت أقوال العصريين فيهم على حدّ لا يمكن أن يكون مقبولاً، وقد ذكرتُ ذلك كله، مع تعقب ما ذهب إليه العلامة الطباخ رحمه الله في تعليقي على كتابه «ذو القرنين وسد الصين.. من هو.. وأين هو» (1) ، وأطلْتُ النفس جدّاً في ذلك، ولا معنى لإيراد ذلك هنا، إلا هذا التنويه والتنبيه، والله الموفق للخيرات، والهادي إلىالصالحات.
سادساً: لا يفهم من خلال ما سبق أنّ مقاتَلةَ الأعداء المذكورين في الأحاديث النبوية بصفات معيّنة هي محصورة فيهم، وأنهم هم فقط الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فعلى شهرة ما وقع ببلاد المسلمين من التتار والمغول، وحمل العلماء الأحاديثَ عليهم؛ إلا أنّ في بعضها ما يُشعِر بأن الأمر سيتكرر، وفق سنة الله عز وجل الكونية.
فقد ورد في حديث بريدة السابق (2) أنهم يسوقون المسلمين ثلاث مرات، وفيه:«أما السائقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم» .
ولا ندري هل تمت السياقات الثلاث أم لا؟! قال أبو العباس القرطبي
= (م11/274-277) الصادرة يوم السبت 29/ربيع الآخر/سنة 1326هـ، وهو في «الفتاوى» له (2/650-653) .
(1)
(ص 185، 250-276) .
(2)
(ص 297) .
-رحمه الله في «التذكرة» (1) عند حديث بريدة:
«قال الحافظ السيد ابن دحية رضي الله عنه: يخرج في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وست مئة جيشٌ من الترك يقال له الططر، عظُمَ في قتله الخطب والخطر، وقضى له من قتل النفوس المؤمنة الوطر، ولم تهتد إلى دفعه بالحيل الفطر، يقتلون من وراء النهر وما دونه من جميع البلاد بلاد خراسان، ومحو رسوم ملك بنى ساسان، وهذا الجيش ممن يكفر بالرحمن، ويُرى أنّ الخالقَ المصورَ هما النيران، وملكهم يعرف بخان خاقان، وخربوا بيوت مدينة نشاور وأطلقوا فيها النيران، وخار عنهم من أهل خوارزم كل إنسان، ولم يبق منهم إلا من اختبأ في المغارات والكهفان؛ حتى وصلوا إليها وقتلوا وسبوا وخربوا البنيان، وأطلقوا الماء في المدينة من نهر جيحان، فغرق فيها مباني الذرا والأركان، ثم صيروا المشهد الرضوي بطوس أرضاً بعد أن كان، وقطعوا ما أمر الله عز وجل به أن يوصل من الدين بأخسر الأديان، إلى أن وصلوا بلاد قهستان، فخربوا مدينة الري وقزوين وأبهر وزنجبان، ومدينة أردبيل ومدينة مراغة كرسي بلاد أذربيجان، واستأصلوا شأفة من في هذه البلاد من العلماء والأعيان، واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان، ودور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان، وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن، وكَفَّ كَفَّ الكفر عنهم بإيمان الإيمان، وأنزل عليهم مواد
(1)(ص 429-431 - ط. دار البخاري) .
التأييد والإحسان، فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان، واجتمع فيها مئة ألف ألف إنسان، وخرجوا إليهم كأُسْد ولكن غاباتها عوامل الخرصان، وقد لبسوا البياض كالثغور الأقحوان، وعليهم دروع فضفاضة في صفاء الغدران، وهُيِّئت للمجاهدين درجاتُ الجنان، وأُعِدت للكافرين دركاتُ النيران، وبرز إلى الططر القتلُ في مضاجعهم، وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمروا عن أصبهان مروق السهم من الرِّمَى وأنشدوا:
إلى الوادي فطمّ على القرى
ففروا منهم فرار الشيطان يوم بدر له حصاص، ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن لهم من الهلاك محاص، وواصلوا السير بالسرى وهدوا من همدان الوهاد والذرى بعد أن قامت الحرب على ساق والأرواح في مساق، من ذبح مثله وضرب الأعناق، وصعدوا جبل أورند فقتلوا من فيه من جموع صلحاء المسلمين، وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وانتهكوا منهم ومن نسائهم حرمات الدين، وكانت استطالتهم على مقدار ثلثي بلاد المشرق الأعلى، وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، وقتلوا في العراق الثاني عدة تقرب أن يستقصى، وربطوا خيولهم في سواري المساجد والجوامع، كما جاء في الحديث المنذر لخروجهم الشارع الجامع، وأوغلوا في بلاد المشرق أي إيغال، ونادوا الجيوش إليها مقادة أبي رغال» في كلام له إلى أن قال:
«وقطعوا السبل وأخافوها وجاسوا خلال الديار، وطافوها وملأوا قلوب المؤمنين رعباً وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً، وحكموا سيوفهم في رقاب أهلها، وأطلقوا يد التخريب في وعرها وسهلها، ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث، وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون (1) في الآخرة منها.
(1) بناء على رواية أبي داود، والمحفوظ خلافه، كما قدمناه مفصلاً (ص 300-302) .
قال المؤلف -أي: القرطبي-رحمه الله: فقد كملت -بحمد الله- خرجاتهم، ولم يبق إلا قتلهم وقتالهم، فخرجوا على العراق الأول والثاني كما ذكرنا، وخرجوا في هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد، وقتلوا جميع من كان فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، وحصروا ميَّافارقين واستباحوا جميع من فيها من الملوك والمسلمين، وعبروا الفرات إلى أن وصلوا إلى مدينة حلب فخربوها وقتلوا من فيها إلى أن تركوها خالية يباباً، ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام، في مدة يسيرة من الأيام، وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام، ودخل رعبهم الديار المصرية، ولم يبق إلا اللحوق بالدار الأخروية، فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بقطز رضي الله عنه بجميع من معه من العسكر، وقد بلغت الحناجر القلوب والأنفس، بعزيمة صادقة ونية خالصة، إلى أن التقى بعين جالوت، فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فقُتِل منهم جَمعٌ كثير وعدد غزير، وانجلوا عن الشام من ساعتهم، ورجع جميعه كما كان إلى الإسلام وعبروا الفرات منهزمين، ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خائبين خاسرين، مدحورين أذلاء صاغرين» .
قال أبو عبيدة: حمل بعضُ العلماءِ الأحاديثَ على خروجهم الأول، ووصولهم بلاد قهستان، وخرابهم قزوين.
ففي «الصحيحين» عن أبي هريرة، قال: صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن في سنة أحرص على أن أعيَ الحديث مني فيهنّ، سمعته يقول -وقال هكذا بيديه-:«بين يدي الساعة تقاتلون قوماً نعالهم الشعر، وهو هذا البارِز. وقال سفيان (1) مرة: وهم أهل البازر» (2) .
(1) هو ابن عيينة.
(2)
أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب المناقب (باب علامات النبوة في الإسلام) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (رقم 3591) ، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن (رقم 2912) ، وأحمد (2/300، 475) ، والحميدي (1102) ، وأبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (15/455 رقم 19681) - من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة، به. والمذكور لفظ البخاري.
وأخرجه ابن خزيمة (2/120 رقم 1040) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/450) من الطريق نفسه، مقتصرين على مقولة أبي هريرة رضي الله عنه.
وله عن أبي هريرة طرق عديدة، ورواه عنه جمعٌ؛ أشهرهم:
* سعيد بن المسيب
أخرجه البخاري (2929) ، ومسلم (2912) ، والترمذي (2215) ، وأبو داود (4304) ، وابن ماجه (4096) ، وابن أبي شيبة (15/92) ، والحميدي (1100) ، وأبو يعلى (5878) ، وأبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (14/779 رقم 18699) -، وابن حبان (6744) من طريق سفيان، وعبد الرزاق (20781) -وعنه أحمد (2/271) -: أخبرنا معمر. ومسلم (2912) بعد (63) ، وأبو عوانة -كما في «إتحاف المهرة» (14/779) - من طريق يونس بن يزيد؛ جميعهم عن الزهري، عن سعيد، به.
* همام بن مُنبِّه
أخرجه عبد الرزاق (20782) وعنه أحمد (2/319، 530) ، وإسحاق بن راهويه (1/431 رقم 499) ومن طريقه البخاري (3590) ، وابن حبان (6743) ، وأبو أحمد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (1/141) ، والحاكم (4/476) ، والبيهقي (9/176) وفي «الدلائل» (6/336) ، والبغوي (4244) ، ولؤلؤ في «جزئه» (رقم 7) من طريق معمر عنه، به. وسيأتي لفظه في (الفصل الآتي) .
* الأعرج
أخرجه البخاري (2928، 2929، 3587) ، ومسلم (2912) ، وابن ماجه (4097) ، وابن أبي شيبة (15/92) ، والحميدي (1101) ، وأحمد (2/530) ، والحاكم (4/475-476) ، والبغوي (4242، 4243) ، والبيهقي (9/175-176) ، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (452) من طرق عن أبي الزناد عنه، به.
* أبو صالح
أخرجه مسلم (2912) بعد (65) ، وأبو داود (4303) ، والنسائي (6/44-45) ، وابن حبان (6745) من طريق يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، به. =
قال القزويني في كتابه «التدوين في أخبار قزوين» (1) :
«قوله: «لم أكن في شيء أحرص» ، وفي بعض النسخ:«لم أكن في سني» ، وهما صحيحان.
وقوله: «وقال هكذا بيده» ؛ يعني: أشار، يقال: قال بيده، وقال بعينه، كأن السبب في التعبير عن الإشارة بالقول أن الإشارةَ تُفهِمُ المقصودَ إفهام اللفظ.
وقوله: «نعالهم الشعر» ؛ أي: نعالهم من ضفائر الشعر، أو من جلود غير مدبوغة بقيت عليها الشعور، وذكر أنه يحتمل أنه أشار به إلى وفور شعورهم، وانتهاء طولها إلى أن يطأوها بأقدامهم أو أن يقرب من الأرض.
قوله: وهو هذا البارز، ذكر الحافظ أبو إسحاق الحموي المغربي
= وورد نحوه من:
* حديث أبي سعيد الخدري
أخرجه ابن ماجه (4099) : حدثنا الحسن بن عرفة، وأحمد (3/31) كلاهما، قال: ثنا عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح عنه رفعه بلفظ:«لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا صغار العيون، عراض الوجوه، كأنّ أعينهم حَدَقُ الجراد، كأنّ وجوههم المَجَانّ المُطْرَقة، ينتعلون الشَّعَر، ويتخذون الدَّرَق حتى يربطوا خيولهم بالنخل» . وإسناده حسن؛ من أجل عمار بن محمد، فإنه حسن الحديث، والحديث صحيح؛ لأنه توبع، تابعه أبو عبيدة عبد الملك بن معن، فرواه عن الأعمش عند ابن حبان (6747) .
* حديث عمرو بن تغلب
أخرجه البخاري (2927، 3592) و «التاريخ الكبير» (6/304-305) ، وابن ماجه (4098) ، وأحمد (5/69، 70) ، والطيالسي (1171) ، وابن الغطريف في «جزئه» (رقم 77) ، وابن قانع (2/212) ، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/2006 رقم 5040) بنحوه مختصراً ومطوّلاً.
(1)
(1/39-41) ، وأخرج الحديث بسنده من طريق البخاري، وعنده:«لم أكن في شيء أحرص» .
المعروف بابن قُرْقُول (1) : أن الراء في اللفظ مقدمة على الزاي، مفتوحة باتفاق الرواة، وأن بعضهم قال أنهم الديلم والبارز بلدهم، وحكى اختلافاً في اللفظ المحكية عن سفيان ثانياً، فذكر أن بعض الرواة نقلها بتقديم الراء -أيضاً-، لكن بكسرها.
قيل: على هذا أن المعنى هؤلاء البارزون لقتال الإسلام الظاهرون في البراز من الأرض، وأن بعضهم نقلها البازر بتقديم الزاي وفتحها، وأشعر ما ساقه بأن التفسير على هذا كتفسير البارز، وقضية ما ذكر أن البارز أو البازر بلد الديلم أن يكون ذلك اسماً لقزوين؛ لما اشتهر أنها بلد الديلم ومدينتهم» .
لكن في كثير من الروايات المدونة في الصحاح ما يدل على مقاتل قوم وراء الترك، كما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة» (3) . وعلى هذا فيتّجه (4)
(1) صاحب كتاب «مطالع الأنوار» ، والنقل المذكور فيه (ق 45/ب - نسخة مكتبة الملك عبد العزيز، المدينة المنورة) ، وقد شارفتُ -ولله الحمد- من نسخه تمهيداً لتحقيقه على عدة نسخ خطية نفيسة، يسر الله إتمامه ونشره بخير وعافية.
(2)
هي عند مسلم في «صحيحه» .
(3)
متفق عليه، ومضى تخريجه.
(4)
في مطبوع «التدوين» : «وفتتجه» ! وهو مليء بالأخطاء المطبعية، والمثبت من نسخة خطية تركية.
تفسير الأولين بالديلم والآخرين بالترك، ووصف الترك في الرواية السابقة بأن نعالهم الشعر لا يمنع من اختلاف الفريقين، أما إذا حملناه على أن نعالهم من الشعور أو من جلود بقيت عليها الشعور؛ فلأنهم في الأصل بعيداً من التّنعّم والترفُّه، فالترك سكان البوادي، والديلم سكان الشعاب والغياض، وأما إذا حملناه على كثرة الشعور وطولها؛ فلأنهم جميعاً مشغوفون بها، أما
…
الديلم فيعتنون بتوفيرها منشورة، وأما الترك فيعتنون بتطويلها مضفورة» انتهى كلامه.
فصل
في قتال الأكراد (1) وأهل فارس
يحتمل أن يكون المراد بالأحاديث المتقدمة قريباً غير ما حصل سابقاً، إذ حملها بعضهم على أقوام غير الترك وأهل الديلم، بل وقع التصريح بذلك عند أبي نعيم الأصبهاني (2) في «مستخرجه» من طريق سفيان، وقال في آخره:«قال أبو هريرة: وهم هذا البارز؛ يعني: الأكراد» .
وقال ابن حجر (3) : «وقيل: هي أرض فارس؛ لأن منهم من يجعل الفاء موحدة (4) ، والزاي سيناً» .
(1) لا بد من الإشارة إلى أنه قد دخل عدد كبير من (الأكراد) و (الأتراك) و (أهل إيران) الإسلام، وتأثروا بأخلاق المسلمين وأعمالهم، وظهر على أيدي بعضهم في فترة مضت دولة إسلامية مترامية الأطراف، اعتز بها المسلمون عصوراً طويلة، ومن المذكورين جماعات من أهل الديانة والعلم والصلاح.
(2)
كما في «فتح الباري» (6/609) .
(3)
في «فتح الباري» (6/609) -أيضاً-.
(4)
أي: باء، ثاني الحروف العربية.
وقال قبله ابن الأثير (1) : «ويعني بأهل البارز أهل فارس، كذا هو بلغتهم، وهكذا جاء في لفظ الحديث، كأنه أبدل السين زاياً (2) ، فيكون من باب (الباء والراء) لا من باب (الباء والزاي) ، والله أعلم» .
قلت: مع أنه ساق ذلك تحت (بزر) -بتقديم الزاي على الراء- تبعاً لأبي موسى المديني في كتابه «المجموع المغيث» (3)، فإنه قال ما نصه:
قال الكرماني في «الكواكب الدراري» (4) :
«قيل: المراد بالبارز: أرض فارس، وقيل: أهل البارز هم الأكراد الذين يسكنون في البارز؛ أي: الصحراء، ويحتمل أن يراد به الجبل؛ لأنه بارز عن وجه الأرض، وقيل: هم الديالمة» . ونقله عنه العيني في «عمدة القاري» (5) وأقره.
وقال القسطلاني في «إرشاد الساري» (6) :
(1) في «النهاية في غريب الحديث» (1/124) .
(2)
أي: والفاء باء، زاده ابن حجر على كلامه.
(3)
(1/155-156) ، وتتمة اسمه «في غريبي القرآن والحديث» ، وهو عبارة عن تتمة لكتاب أبي عبيد الهروي «الغريبين» ، وهذان الكتابان هما أساس كتاب «النهاية» لابن الأثير
…
رحمه الله.
(4)
(14/163) .
(5)
(16/133)، وبيّن أن (البازر) -بتقديم الزاي- تصحيف؛ ومعناه: السوق بلغة العجم والترك -أيضاً-.
(6)
(6/49) .
«قيل: هم أهل فارس، أو الأكراد الذين يسكنون في البارز؛ أي: الصحراء، أو الديالمة» .
قلت: لا يبعد عندي أن يكون المعنيّون أهل فارس والأكراد معاً، على وفق ما حصل ووقع من قريب، ولا سيما أن لفظ الحديث:«بين يدي الساعة تقاتلون قوماً نعالهم الشعر» .
فظاهره أن مقاتلة هؤلاء تبدأ من المخاطبين، وهم العرب، ويشهد له ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خُوزاً وكرمان من الأعاجم» (1) .
و (خُوز)(2) -بضم الخاء المعجمة، وبالزاي-، قال الكرماني:«هو بلاد الأهواز وتستر» (3) .
قال العيني: «والمعنى: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا أهل (خوز) وأهل (كرمان) ، قوله: «من الأعاجم» (5) ؛ يعني: هؤلاء الصنفين من الأعاجم» .
(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب المناقب (باب علامات النبوة في الإسلام)(3590) ، ومسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن (باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل
…
) (رقم 2912) ، وغيرهما كثير، ولا فائدة من الإطالة، وسيأتي ذكر بعضهم في معرض ذكر الفوائد الزوائد، والله الموفق.
(2)
كذا هو الصواب، وقال بعضهم:«خُورُ كِرمان» براء مهملة، وبالإضافة! والعجب تفسير صاحب «هرمجدون» (ص 76، 101) إذ زعم أنها (الصين) و (روسيا) ، هكذا دون أي مستند!
(3)
«شرحه على صحيح البخاري» (14/162) .
(4)
«شرحه على صحيح البخاري» (14/162) .
(5)
هذا يرجح أن القتال يكون من العرب، إذ المقاتَلُون ليسوا كذلك، فتأمل.
ثم قال: «قيل: فيه إشكال؛ لأن هؤلاء ليسوا من الترك، ورُدَّ بأنه لا إشكال فيه؛ لأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك» (1) .
وقال القسطلاني: «ويحتمل أن يكون هذا الحديث غير حديث قتال الترك» (2) .
وهذا المعنى يلتقي مع ما ورد في قتال (أهل البارز) ، وهم -كما قدمنا- أهل فارس والأكراد.
ويؤكد ذلك؛ أن ابن حبان في «صحيحه» بوب عليه (ذكر الإخبار عن قتال المسلمين العجم من أهل خُوز وكرمان)(3) ، ثم بوب على الأحاديث المتقدمة في ذكر (الترك)(4) بعده مباشرة (ذكر الإخبار عن قتال المسلمين أعداء الله الترك)(5)، ومن دقته تبويبه بعد بابين من ذلك:
(باب الإخبار عن وصف الموضع الذي يكون ابتداء قتال المسلمين إياهم فيه)(6) .
وساقه بإسناد صحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)«عمدة القاري» (16/131-132) .
(2)
«إرشاد الساري» (6/48) .
(3)
(15/144 رقم 6743 - مع «الإحسان» ) .
(4)
انظرها: (ص 297 وما بعد) .
(5)
(15/45 رقم 6744 - مع «الإحسان» ) .
(6)
(15/147-148 رقم 6747 - مع «الإحسان» ) .
(7)
هو بهذا اللفظ عند أحمد (3/31) ، وابن ماجه (4099) .
وهذا يوافق الآثار التي قدمناها عن غير واحد من الصحابة.
ويؤكدّه: أن البخاري قال في «صحيحه» على إثره بعد روايته من طريق يحي: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة
…
وساقه، قال:«تابعه غيره عن عبد الرزاق» .
قال ابن حجر في «الفتح» (6/608) : «وقد أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في «مسنديهما» عن عبد الرزاق، وجعله أحمد حديثين» .
والشاهد: قوله: «جعله حديثين» ، وهو عند أحمد (1)(2/319) وإسحاق (1/431 رقم 499) في «مسنديهما» ، وعزاه لهما ابن حجر في «تغليق التعليق» (4/55) و «هدي الساري» (ص 178)، وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (11/374-375 رقم 20782) ومن طريقه: ابن حبان (6743) ، وأبو أحمد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (1/141) ، والبيهقي (9/176) وفي «الدلائل» (6/336) ، والبغوي في «شرح السنة» (4244) ، ولؤلؤ في «جزئه» (رقم 7) .
و (خُوز) : هو إقليم (خوزستان) الآن، غربي إيران، «وتسمية هذا الإقليم بخوزستان قد بطلت، وصارت هذه الولاية التابعة لبلاد فارس تسمى (عربستان) ؛ أي: إقليم العرب» (2) ، وفيه (نهر كارون)(3) .
(1) ومن طريقه: الحاكم (4/476) .
(2)
«بلدان الخلافة الشرقية» (ص 267) . وانظر عن (خوز) والاختلاف في ضبطها هل هي بالراء أم بالزاي في: «المؤتلف والمختلف» (1/500) للدارقطني، «مشارق الأنوار» (1/205) ، «النهاية» (2/87) ، «تاج العروس» (3/194 و4/35) . وانظر عن تصحيف (عبد الرزاق) لها في «تصحيفات المحدثين» (1/141-142) ، و «جزء لؤلؤ» (ص 27/رقم 7) .
(3)
تسميته القديمة (دجيلة) : تصغير (دجلة) ؛ لأنه يمر بمدينة الأهواز، فميزوه بذلك عن دجيل دجلة في أعلى بغداد، ولهذا النهر روافد كثيرة، تلتقي فيه، وعلى كل شيء يسير أسفل من ملتقى هذه الروافد، يصير نهر دجيل فيضاً عظيماً يحمل مياه أنهار خوزستان مجتمعة، ويجري شرق فيض دجلة إلى أن يصب في خليج فارس. من «بلدان الخلافة الشرقية» (ص 268) .
وأما (كِرمان) فهو إقليم في الجنوب الشرقي من إيران -أيضاً- (1) ، «بين خراسان وبحر الهند» (2) .
قال ابن العراقي بعد كلامه المسهب على (خوز) و (كرمان) وصفات هؤلاء القوم المذكورة في الحديث، قال:
قلت: هم غير (الترك) ، كما قدمناه بدلائله، ونحن أحق من ابن حجر بقوله (4) :«وقد ظهر مصداق هذا الخبر» ، وعجلة الزمان لا تقف، والقصور في زماننا في تتبع وفهم أحاديث أشراط الساعة لائح، وهو من بابة هجران العلم، فشأنه كشأن بحث (النوازل) في الفقه، وكشأن (التجويد) في تحقيق (تراثنا) التليد، وغيره من ضروب وألوان العلم المفيد.
والذي يلاحظ بقوّة: أن أشراط الساعة لا تقبل القياس، وهي أخبار لا مجال لإعمال الرأي فيها، والعجلة في إنزالها في غير محالها، أو التكهن بها قبل وقتها يخرجها عن ظاهرها، ولا داعي لذلك كله.
(1) انظر تعريفا مسهباً بخططه وتاريخه في: «بلدان الخلافة الشرقية» (ص 17، 39، 337-359) .
(2)
«إرشاد الساري» (6/48) . وزاد الكرماني في «شرحه على البخاري» (14/162) : «وبين عراق العجم وسجستان» . وانظر: «معجم البلدان» (4/454) ، «معجم ما استعجم» (3/1125) ، «هدي الساري» (ص 178-179) ، «لوامع العقول» (5/59) .
(3)
«طرح التثريب» (7/224) .
(4)
في «فتح الباري» (6/609) ، وعنه القسطلاني في «إرشاد الساري» (6/49) .
بقي بعد ذلك إشكال يذكره الشراح، وهذه عبارة الكرماني (1) في صياغته وجوابه:«فإن قلت: أهل هذين الإقليمين، ليسوا على هذه الصفة. قلت: إما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك، وقيل: إنّ بلادَهم فيها موضعٌ اسمُه كِرمان، وقيل: ذلك لأنهم متوجهون من هاتين الجهتين. [قال] الطيبي: لعل المراد بهما صنفان من الترك؛ كان أحد أصول أحدهما من خوز، وأحد أصول الآخر من كرمان» (2) .
ويعجبني كلام للعيني فيه رد على من دمج بين ما ذكرناه من فتنة التتر والمغول وقتال الفرس والكرد، وفرق بينهما في معرض حديثه عن (التتر)، قال -رحمه الله تعالى-:
«كان أول خروج هذا الجنس متغلباً في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وست مئة، فعاثوا في البلاد، وأظهروا في الأرض الفساد، وخربوا جميع المدائن حتى بغداد، وربطوا خيولهم إلى سواري الجوامع، كما في الحديث، وعبروا الفرات، وملكوا أرض الشام في مدة يسيرة، وعزموا على دخولهم إلى مصر، فخرج إليهم ملكها قطز المظفر، فالتقوا بين جالوت، فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فانجلوا عن الشام منهزمين، ورأوا ما لم يشاهدوه منذ زمان ولا حين، وراحوا خاسرين أذلاء صاغرين، والحمد لله رب العالمين.
ثم إنهم في سنة ثمان وتسعين ملك عليهم رجل يسمى غازان، زعم أنه من أهل الإيمان، ملك جملة من بلاد الشام، وعاث جيشه فيها عيث عباد
(1) ونحوها عند ابن حجر في «الفتح» (6/607) ، والعيني في «العمدة» (16/132) ، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (6/48) ، والسخاوي في «القناعة» (ص 126) ، وسائر أصحاب الشروح.
(2)
«شرح الكرماني على صحيح البخاري» (14/162) .
الأصنام، فخرج إليهم الملك الناصر محمد فكسرهم كسراً ليس معه انجبار، وتفلل جيش التتار وذهب معظمهم إلى النار وبئس القرار. انتهى كلام صاحب «التلويح» .
قلت: هذا الذي ذكره ليس على الأصل والوجه؛ لأن هؤلاء الذين ذكرهم ليسوا من خوز ولا من كرمان، وإنما هؤلاء من أولاد جنكز خان، وكان ابتداء ملكه في سنة تسع وتسعين وخمس مئة، ولم يزل في الترقي إلى أن صار يركب في نحو ثمان مئة مقاتل، وأفسد في البلاد، وكان قد استولى على سمرقند وبخارى وخوارزم الذي كرسيها تبريز والري وهمدان، ولم يكن هو دخل بغداد، إنما خرب بغداد وقتل الخليفة هلاون بن طلوخان بن خرخان المذكور، وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل من أهله وقرابته خلق كثير وشعر بنصب الخلافة بعده وكان قتله في سنة ست وخمسين وست مئة، ثم بعد ذلك توجه هلاون إلى حلب في سنة سبع وخمسين وست مئة، ودخلها في أوائل سنة ثمان وخمسين وست مئة، وبقي السيف مبذولاً ودم الإسلام ممطولاً سبعة أيام ولياليها، وقتلوا من أهلها خلقاً لا يحصون، وسبوا من النساء والذراري زهاء مئة ألف، ثم رحل هلاون من حلب ونزل على حمص، وأرسل أكبر نوابه كتيعانو مع اثني عشر طومان، كل طومان عشرة آلاف إلى مصر ليأخذها، وكان صاحب مصر حينئذٍ الملك المظفر، فتجهز وخرج ومعه مقدار اثني عشر ألف نفس مقاتلين في سبيل الله، فتلاقوا على عين جالوت، فنصره الله -تعالى- على التتار، وهزمهم بعون الله ونصرته يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين وست مئة، وقتل كتيعانو في المعركة، وقتل غالب من معه، والذين هربوا قتلهم العرب في البراري والمفاوز.
وقال صاحب «التوضيح» تابعاً لصاحب «التلويح» : إنه في سنة ثمان مئة وتسعين، ويسمى غازان إلى آخر ما ذكرناه عن قريب. قلت: هذا -أيضاً- كلام فيه خباط، وهذا غازان -بالغين والزاي المعجمتين- يسمى -أيضاً- قازان
…
-بالقاف موضع الغين-، واسمه: محمود، تولى مملكة جنكزخان في العراقين