الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* وقال في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص 26-27) عقب تخريجه:
«فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من «نجد» في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما هو العراق، وبذلك فسره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني، وتجد كلامهما في ذلك في «شرح كتاب الفتن» من «صحيح البخاري» للحافظ.
وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام، فإن كثيراً من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق، كالقتال بين سيدنا علي ومعاوية، وبين علي والخوارج، وبين علي وعائشة، وغيرها مما هو مذكور في كتب التاريخ، فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته» .
فصل
العراق والفتنة وإبليس
وردت مجموعة من الآثار فيها ذكر للفتنة في العراق، وسأعمل على بثّها في أماكنها من مبحثنا هذا (1) ، والذي يهمني منها هنا ذكر ما يشهد للأحاديث بوقوع مجمل الفتن الجسام، والبدع العظام، وأن ذلك كائن لا محالة في العراق، وأن الفتن التي تصف بالأمة، وتموج موج البحر فيها، وتلطم المسلمين في سائر أرجاء المعمورة، وتبقى لها آثار جليّة في حياتهم بعد انحسار أمواجها، إنما مبعثها من العراق، ذلك أن الشيطان تمكّن منها، واستقرّ فيها، وعبّر بعض السلف عن ذلك بقولهم:(قضى قضاءه) منها، وورد في بعض الأحاديث أنه (باض وفرّخ) في أهلها! وفي صحتها كلام، وهذا هو
(1) تراها مجموعة في فهرس خاص في (آخر الكتاب) -إن شاء الله تعالى-.
تفصيلها على التمام، ومنه يتبيّن أنه من كلام بعض الصحابة الكرام:
أخرج الطبراني في «الكبير» (12/261-262 رقم 13290) و «الأوسط» (7/220-221 رقم 6427) ، وابن المقرئ -وليس موجوداً في مطبوع «معجمه» ، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/317) -، وأبو الفتح الأزدي في «الضعفاء» -كما في «اللآلئ المصنوعة» (1/465) و «تنزيه الشريعة» (2/50) ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/58) -، والسمعاني في «فضائل الشام» (ص 39-40/رقم 10)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» ومن طريقه الخطيب -ومن طريقهما ابن عساكر (1/317-318) -؛ جميعهم عن ابن وهب -وليس في القسم المطبوع من «جامعه» -: أخبرني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن عُقيل، عن الزهري، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن ابن عمر (1)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
قال الطبراني: «تفرد به ابن وهب» .
وأسقط ابن المقرئ (الزهري) وزاد عن ابن وهب قوله: «أرى ذلك في فتنة عثمان؛ لأن الناس افتتنوا فيه، وسَلِم أهل الشام» .
(1) نقله محمد بن عبد الهادي في كتابه «فضائل الشام» (ص 27/رقم 16) وعزاه للطبراني، ووقع الحديث في مطبوعه خطأً عن (عمران) ! فليصحح.
(2)
بساق: عقبة بين (التيه) و (إيلة) . انظر: «معجم البلدان» (1/413) .
(3)
عبقريه، من (العبقر) ؛ وهو: موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن، ثم نسبوا إليه كل شيء تعجبوا من جودة صنعته وقوته، فقال: عبقريّ، وهو واحد وجمع، والأنثى: عبقرية، يقال: ثياب عبقرية.
وضُعِّف هذا الإسناد بعلل (1) ؛ هي:
الأولى: فيه أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي وهب، ضُعِّف، بل تعقب الذهبيُّ الحاكم عندما صحح حديثاً من طريقه، فقال في «التلخيص» (3/97) :«أحمد منكر الحديث» .
قلت: وتابعه عليه حرملة بن يحيى، وهو صدوق من أعلم الناس بابن وهب. قاله الدوري وابن يونس والعقيلي، كما تراه في «تهذيب الكمال» وغيره.
ورواية حرملة؛ عند: الطبراني، والفسوي، وابن المقرئ، والسمعاني، وابن عساكر.
ولذا لما قال ابن الجوزي على إثره: «وأحمد ابن أخي وهب كذاب» تعقبه السيوطي في «اللآلئ» (2/465) بقوله:
«قلت: كلا، بل أحمد ثقة روى له مسلم. وقال ابن عدي: كل ما أنكروه عليه فيحتمل، وإن لم يروه غيره، لعل عمه خصه به.
وقال عبدان: كان مستقيم الأمر، ومن لم يلحق حرملة اعتمده» ، قال:«ولم ينفرد بهذا الحديث، بل تابعه عليه حرملة» .
الثانية: يحيى بن أيوب -وهو الغافقي- ليس بالقوي.
قلت: قال ابن حجر ملخصاً حاله: «صدوق ربما أخطأ» ، وهذا أعدل الأقوال فيه، وروايته مقرونة بابن لهيعة.
الثالثة: ابن لهيعة مطروح.
قلت: الكلام فيه مبسوط، وهو مشهور، فلا داعي للإطالة، ولكن الراوي
(1) ذكرها ابن الجوزي، وفاته الأخيرة منها، وهي العلة الحقيقية لهذا الأثر.
عنه هنا أحد العبادلة، وهو ابن وهب، روى عنه قبل اختلاطه، ومشى العلماء روايته.
الرابعة: عُقيل بن خالد يروي عن الزهري مناكير.
قلت: ليس كذلك، بل عُقيل بن خالد الأيلي من أثبت أصحاب الزهري وأكثرهم ملازمة له، ولذلك عدّه الحازمي وابن رجب في الطبقة الأولى من طبقات أصحابه (1) .
وعندما سئل أبو حاتم عن عقيل ومعمر أيهما أثبت؟ قال: عقيل أثبت، كان صاحب كتاب، وكان الزهري يكون بأيلة، وللزهري هناك ضيعة (2) ، كان يكتب عنه (3) .
وقد صرح بملازمته له: يونس بن يزيد، حيث قال: كان عقيل يصحب الزهري في سفره وحضره (4) .
وقال ابن معين: أثبت الناس في الزهري مالك بن أنس، ومعمر، ويونس، وعقيل، وشعيب بن أبي حمزة، وابن عيينة (5) .
وقال الذهبي: حدث عن ابن شهاب فأكثر وجود (6) .
كما وصفه ابن حجر بتأكيد التوثيق، فقال: ثقة ثبت (7) .
(1)«شروط الأئمة الخمسة» (ص 60)، وانظر:«شرح علل الترمذي» (2/613) .
(2)
ضيعة الرجل: ما يكون منها معاشه؛ كالصنعة والتجارة والزراعة. «النهاية» (3/108)، والمراد بها هنا: البستان.
(3)
عن «الجرح والتعديل» (7/43) .
(4)
عن «الجرح والتعديل» (7/43) .
(5)
«التاريخ» برواية الدوري (3/116) .
(6)
«السير» (6/301) .
(7)
«تقريب التهذيب» (ص 396/رقم 4665) .
فالخلاصة: أنه ثقة ثبت وعُدَّ من أصحاب الزهري (1) .
الخامسة -والأخيرة-: إن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر شيئاً، لذا لم يخرج له أصحاب الكتب الستة ولا غيرهم شيئاً عنه مباشرة، فلا ترجمة له في (مسند ابن عمر) في «تحفة الأشراف» ولا في «إتحاف المهرة» ، ولا رواية له عن ابن عمر في ترجمته من «تهذيب الكمال» (32/350-353) ، وبينهما واسطة على الأقل، يعرف ذلك من خلال من روى عنهم، بل بين بعض شيوخه وابن عمر واسطتان.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/60) : «رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» من رواية يعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس، عن ابن عمر ولم يسمع منه، ورجاله ثقات» .
قلت: وهذا أدق من قول شهاب الدين المقدسي في «مثير الغرام» (ص 98) : «رواه الطبراني عن ابن عمر، وإسناده قوي» !
نعم؛ روي مرفوعاً من وجه آخر، بلفظ فيه تبديل، ذُكر فيه ما لأهل مصر في الطريق السابق لأهل العراق في هذا الطريق، ولكن لا يفرح به! وهذا التفصيل:
أخرج المشرف بن المرجى في «فضائل بيت المقدس» (ص 434)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/318) من طريق خطاب بن أيوب: نا عباد ابن كثير، عن سعيد، عن قتادة، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الشيطان أتى العراق، فباض فيهم وفرّخ، ثم أتى مصر، فبسط عبقريَّه، ثم أتى الشام فطردوه» .
(1)«مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب «العلل» للدارقطني» (1/185) .
ولفظ ابن عساكر: «إنّ إبليس
…
» مثله.
(خطاب بن أيوب) ، اختلف في اسمه على وجوه وألوان، نقله ابن رجب في «فضائل الشام» (ص 59) :«خطاب بن يوسف» ، ووقع في مطبوع «تاريخ ابن عساكر» و «اللآلئ» (2/466) :«خطاب بن أيوب» ، ووقع في مطبوع «فضائل بيت المقدس» :«حطاب -بالحاء المهملة- ابن أيوب» ، وآفة الحديث شيخه (عباد بن كثير)، قال البخاري في «الضعفاء الصغير» (رقم 227) :«تركوه» ، وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (408) :«متروك» ، وكان فيه بلاء وغفلة (1) .
وسعيد هو الجُريري مختلط.
فهذا إسناد ضعيف جدّاً.
وروي من مرسل إياس بن معاوية، أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/99) من طريق الحسين بن الطيب البلخي: ثنا عون بن موسى، عن إياس بن معاوية رفعه، بلفظ:
«إن الله تكفّل لي بالشام وأهله، وإن إبليس أتى العراق فباض وفرّخ،
…
» بنحوه.
وهذا مع إرساله منقطع بين البلخي وعون بن موسى.
هذه هي الطرق المرفوعة (2)
التي وقفت عليها للحديث، وهي ضعيفة لا
(1) انظر التفصيل في: «تهذيب الكمال» (14/145) ، «إكمال تهذيب الكمال» (7/178) .
(2)
ذكر السيوطي في «اللآلئ» (2/466-467) شاهداً آخر للحديث عن ابن عباس رفعه: «مكة آية الشرف، والمدينة معدن الدين، والكوفة فسطاط الإسلام، والبصرة فخر العابدين، والشام معدن الإسلام، ومصر عش إبليس وكهفه ومستقره،
…
» وعزاه لابن عساكر فقط.
قال أبو عبيدة: أخرجه أبو الحسن الرّبعي في «فضائل الشام ودمشق» (رقم 24) -ومن =
تنجبر بتعددها.
وأصح ما وقفت عليه في هذا الباب:
ما أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/305-306) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/318) - من طريق عباس بن أبي شملة، عن موسى بن يعقوب، عن زيد بن أبي عتاب، عن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (1) ، عن ابن عمر، قال:
قال ابن رجب: «وهذا الموقوف أشبه» (2) .
= طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/294-295) -، قال شيخنا الألباني في «تخريج أحاديث فضائل الشام» :«حديث منكر، تفرد بروايته المصنف عن شيخه أبي الحسن علي [بن الحسن] بن القاسم الطرسوسي، وقد ترجمه الخطيب في «تاريخه» (11/377) ، وكذا ابن عساكر، ولم يذكرا فيه توثيقاً، فهو مجهول الحال، وكذا شيخه أبو علي الحسن بن عبد الله بن محمد الأزهري، فإني لم أجد له ترجمة» .
قلت: الذي ترجم له الخطيب طُوسي وليس بطرسوسي، وهو متقدم على هذا الراوي الذي ترجمه الذهبي في «الميزان» (3/122)، وقال عنه:«صوفي، وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية» .
قلت: انظرها في: «اللسان» (4/220) .
فالحديث آفته الطرسوسي هذا، فإنه حدث بالأباطيل، وهذا منها.
وروي عن ابن عباس قوله، أخرجه ابن المرجى في «فضائل بيت المقدس» (ص 453-454) وسنده ضعيف جدّاً.
(1)
انظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» (2/12) ، و «توضيح المشتبه» (1/213-214) .
(2)
«فضائل الشام» (ص 60) .
قلت: إسناده لا بأس به، وفي بعض رواته كلام لا يضر -إن شاء الله-، وإنما أطلت النفس في تخريجه مرفوعاً -أيضاً-، لشيوعه وكثرة سؤال الناس عنه، ولا سيما هذه الأيام.
وقد ظفرتُ به من كلام عمر رضي الله عنه، فلعل عبد الله أخذه عن أبيه، وهذا البيان:
أخرج أبو بكر البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» (6/486-487) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو النصر، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا عبد الله بن صالح المصري، أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد، عن أبي عَذَبَةَ، قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان، فصلى لنا الصلاة، فسهى فيها حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فلما سلَّم أقبل على الناس، فقال: مَنْ هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل، ثم قام آخر، ثم قمت أنا ثالثاً أو رابعاً، فقال: يا أهل الشام! استعدوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرّخ، اللهم إنهم قد لبسوا عليّ فالبس عليهم وعجل عليهم بالغلام الثقفي، يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يَقبَلُ من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم.
قال عبد الله بن صالح: وحدثني ابن لهيعة بمثله، قال: وما ولد الحجاج يومئذٍ.
وكذا رواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/529) عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح.
ورواه عثمان الدارمي ويعقوب بن سفيان (2/755) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (67/81-82) -، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/442) عن أبي اليمان، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة ابن أزهر، عن أبي عذبة، قال: قدمت على عمر رابع أربعة
…
، وذكر الحديث.
قال عثمان: قال أبو اليمان: علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة، فلما أغضبوه استعجل العقوبة التي لا بد لهم منها.
وأخرجه ابن عساكر (67/82) من طريق شريح بن عبيد عن عمر بن سليم الحضرمي
…
وذكر نحوه.
قلت: وطريقه في علم هذا النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أسماء بنت الصديق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن في ثقيف كذاباً ومبيراً» ؛ فالكذاب: المختارُ بن أبي عبيد، والمبير هو الحجاج، كما فَسَّرتْ ذلك للحجاج حين قتل ولدها رضي الله عنه، وذلك ثابت في «صحيح مسلم» (4/1971-1972) .
وقد كان الحجاج من الملوك الجبارين الذين طغوا في البلاد، وقتل الجمَّ الغفير من صدر هذه الأمة، ومع هذا فأمره إلى الله، فإنه لم يقترف بغير الظلم وسفك الدماء، ولا يلتفت إلى قول الرافضة فيه من تكفيره وتكفير مستتيبيه، بل هو من ملوك الإسلام، له ما لهم، وعليه ما عليهم. أفاده ابن كثير في «مسند الفاروق» (2/663-664) .
وذكر البلاذري في «أنساب الأشراف» (10/387 - جمل منه) ضمن خبر طويل، فيه وصية عمر للمغيرة بن شعبة، وقوله له:«إني أريد أن أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان» ؛ يريد: العراق. وأسنده من طريق ضعيف، ومنقطع.
وجاء نحوه ضمن أثر طويل عن كعب قوله في محاورة له مع عمر
…
رضي الله عنه.
أخرج ابن عساكر (1/159) بسنده إلى أبي إدريس، قال:
قدم علينا عمر بن الخطاب الشام، فقال: إني أريد أن آتي العراق، فقال له كعب الأحبار: أُعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك. قال: وما تكره من
ذلك؟ قال: بها تسعة أعشار الشر، وكل داء عضال، وعصاة الجن، وهاروت وماروت، وبها باض إبليس وفرَّخ (1) .
ورواه مالك في «الموطأ» (604 - رواية يحيى، و2/154 رقم 2055- رواية أبي مصعب الزهري) بلاغاً، قال: بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق، فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين، فإنّ بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال.
زاد أبو مصعب: «والعضال؛ يعني: الأهواء» .
وقال ابن عبد البر: «سئل مالك عن الداء العضال، فقال: الهلاك في الدين» ، وقال:
«وأما السحر؛ فمنسوب إلى أرض بابل، وهي من العراق، وتنسب
…
-أيضاً- إلى مصر.
وأما فسقة الجن؛ فهذا لا يعرف إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له، وذلك معدوم في هذه القصة.
ولأهل الكوفة والبصرة روايات؛ رواها علماؤهم في فضائلها.
ذكر أبو بكر بن أبي شيبة كثيراً منها.
ولم تُختطّ الكوفة ولا البصرة إلا برأي عمر رضي الله عنه، ونزلها جماعة من كبار الصحابة، وكان بها العلماء والعباد والفضلاء، وأهل الأدب،
(1) أخرجه ابن عساكر من طرق (1/120-121، 121، 121-122، 159) ، وفي جلها ثناء على (الشام) ، وفصلت في تخريج ذلك في تعليقي على «الحنائيات» ، يسر الله نشره.
وفي بعضها ذكر للعراق؛ كقوله (1/121) : «أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من العراق؛ فإنها أرض المكر وأرض السحر، وبها تسعة أعشار الشر، وبها كل داء عضال، وبها كل شيطان مارد» .
وأخرجه -أيضاً- ابن المرجى في «فضائل بيت المقدس» (ص 64-65، 442-443) .
والفقهاء، وأهل العلم، وهذا أشهر وأغرب من أن يحتاج إلى استشهاد؛ لأنه علم ظاهر، وعلم فسقة الجن علم باطن، وكل آية تعرف لناحيتها فضلاً تنشره إذا سئلَتْ عنه، وتطلب العيب لمن عابها، ومن طلب عيباً وجده، والفاضل حيث كان فهو فاضل، والمفضول الساقط حيث كان من البلدان، لا تصلحه بلدة؛ لأنّ الأرض لا تقدس صاحبها، وإنما يقدس المرء عمله (1) ، وإن من مدح بلدة وذم أخرى يحتاج إلى توقيف ممن يجب التسليم له على أنه لا مدح ولا ذم لبلدة إلا على الأغلب من أحوال أهلها، وأما على العموم فلا.
وقد عم البلاء والفتن اليوم في كل جهة من جهات الدنيا» (2) .
قال أبو عبيدة: هذا كلامه -رحمه الله تعالى- في عصره وأوانه، فكيف لو رأى ما رأينا، وبلغه ما بلغنا، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله من غربة الإسلام وأهله.
وقد يكون التحذير حاصلاً لأمارات واقعة من غير مدافعة في بعض الأحداث (3) ، أو في حق بعض الأشخاص، فها هو عبد الله بن سلام جلس على طريق علي رضي الله عنه حين أتاه، فقال له: أين تريد؟ قال: العراق. قال: «لا تأت العراق، وعليك بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فالزمه، ولا أدري هل ينجيك، فوالله لئن تركته لا تراه أبداً» .
أخرجه إسحاق بن راهويه -كما في «المطالب العالية» (18/57-58 رقم 4376 - العاصمة) -، وأبو العرب في «الفتن» (ص 82) ، ونعيم بن حماد في «الفتن» (1/153 رقم 390) ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص
(1) ورد هذا في أثر، سبق تخريجه.
(2)
«الاستذكار» (27/248-249) .
(3)
كما في الاقتتال الواقع آخر الزمان عند انحسار الفرات عن كنز من ذهب، والظاهر أن ذلك يكون في العراق ويحتمل أن يكون في سورية! وفي الأحاديث والآثار ما يشير إلى هذا وذاك، وسيأتيك قسم منها في محله -إن شاء الله تعالى- (وانظر: ص 535) .
354، 356 - ترجمة عثمان) بإسناد صحيح.
وقال البوصيري في «إتحاف المهرة» (10/118-119 رقم 9696)
…
-وعزاه لإسحاق-: «ورواته ثقات» .
ومما يتفطن له بهذا الصدد، ما سبق تخريجه مطولاً -وهو في «الصحيحين» وغيرهما- من قوله صلى الله عليه وسلم:«ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان» و «المراد بذلك: اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان، ومن الكفر» (1) ، وضرب المثل بقرني الشيطان فيما لا يحمد من الأمور.
(1)«شرح النووي على صحيح مسلم» (2/34) ، ونحوه في «الفتح» (6/406) وغيره، كما تقدم.
(2)
«موقف المسلم من الفتن» (167) ، ونحوه في كتاب «العقلانيون ومشكلتهم مع أحاديث الفتن» (ص 33)، وزاد:«ومن المتوقع أن تثور الصين لتحرير بعض جزرها المتمردة عليها، كما صرح بذلك وزير الدفاع الأمريكي في كتاب «الحرب القادمة والصين» من قبل المشرق
…
» !!
وفي كتاب «استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري، =