الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضل به ضلالاً كبيراً» (1) .
ووقت الفتنة: الجهل وقلة العلم والإيمان، وذهاب العدل في الأمة، وعدم إشراق نور النبوة، وعدم ظهور سلطان الحجة، والعمل من أمام العلماء والتقدم عليهم، وانتقاصهم، وقطع العامة عنهم، والطعن في الأحكام الشرعية المستفادة من نصوص الشرع، والفُرقة والاختلاف.
قال ابن تيمية بعد كلام: «وكان شيطان الخوارج مقموعاً لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة؛ أبي بكر وعمر وعثمان، فلما افترقت الأمة في خلافة علي رضي الله عنه، وجد شيطان الخوارج موضع الخروج، فخرجوا، وكفّروا عليّاً ومعاوية ومن والاهما
…
» (2) .
والشاهد من هذا كلِّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن منشأ الفتن، ووقت اشتدادها، والطريق التي توصل إلى (الدجال) ، ومن المعلوم بيقين أن بدعة (الخروج) -وهي أول بدعة عقدية حدثت في الأمة- ابتدأت من العراق، وهاجت منها على كثير من البلدان، في سائر الأزمان، وستتوالى وتشتد، وقد شاهدنا بعض ذلك بارزاً للعيان، ولا قوة إلا بالله.
فصل
مكان الفتنة
ومكانها: الوصول إلى كل مكان بمرور الزمان، ولكن لها محل تنزله، وتستقر به، ثم تهيّج منه، وهو العراق بخاصة، وجهة شرق المدينة بعامة.
أجاب الشيخ مقبل بن هادي -رحمه الله تعالى- عن سؤال في بيان
(1)«مجموع الفتاوى» (4/255) .
(2)
«مجموع الفتاوى» (19/89) .
معنى (نجد)(1) : أهي نجد الحجاز أم هي نجد العراق؟ فقال:
قال أبو عبيدة: ويتقوى هذا العموم بالمحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة بن حصن، فإنّ فيها المفاضلة الظاهرة بين رجال (نجد) و (أهل اليمن) .
أخرج النسائي في «السنن الكبرى» (8351) ، وأحمد في «المسند» (4/387) وفي «فضائل الصحابة» (1650) ، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2269، 2282) ، والطبراني في «مسند الشاميين» (969، 2040) ، والحاكم في «المستدرك» (4/81) من طريق عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/248-249 - مختصراً) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/327-328) ، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2270، 2283) ، والطحاوي في «المشكل» (804) من طريق جبير بن نُفير؛ كلاهما عن عمرو بن عبسة، قال: عرضت الخيل على رسول الله عليه السلام-وعنده عيينة بن بدر-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيينة:«أنا أفرس بالخيل منك» ، فقال عيينة: إن تكن أفرس بالخيل مني، فأنا أفرس بالرجال منك، قال:
(1) الواردة في الأحاديث المتقدمة.
(2)
«المصارعة» (ص 401-402) . وانظر: «موقف المسلم من الفتن» (ص 162-163) .
«وكيف؟» ، قال: إن خير رجال لبسوا البُرُد، ووضعوا سيوفهم على عواتقهم، وعرضوا الرماح على مناسج خيولهم، رجال نجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كذبت، بل هم أهل اليمن، والإيمان يمان إلى لخْم، وجُذَام، وعامِلَة، ومأكول حمير خيرٌ من أكلها، وحضرموت خير من بني الحارث» وسمى الأقيال الأنكال (1) .
وإسناده صحيح (2) .
وليس مراد عيينة (رجال نجد) أهل العراق خاصة، إذ هو يتكلم على قبائل معروفة، ولها أماكن معلومة.
وهذا الذي استظهرته معروف عند العلماء، ومن الخطإ العلمي المنهجي إسقاط الحادث الذي لم يعرفه المخاطبون -فضلاً عن المتحاورين كما في الحديث السابق- على أشياء ما دارت في خيالهم، وما سنحت في بالهم، فحصر الفتن في (العرق) ، وكون (الفتن) تهيج منها فحسب، تضييق لا داعي له، وحمل الأحاديث التي فيها (ذكر المشرق) على عمومها أحسن وأظهر وأقوى، إذ حمل النصوص على (التأسيس) مقدم عند العلماء على حملها على (التأكيد) ، والواقع -قديماً وحديثاً- يؤكد ذلك ويؤيده.
ويعجبني بهذا الصدد: تبويب ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/288-289) ، فإنه أورد جملة من ألفاظ الأحاديث التي سقناها في أول هذا الفصل، وبوب عليها (فصل: إشارات نبوية إلى ما يقع من شرق المدينة ويمنها ونجدها) .
(1)(الأقيال) جمع (قَيل) ؛ وهو: الملك من ملوك حمير، يتقَيَّل مَنْ قبْلَه من ملوكهم؛ أي: يشبهه. و (الأنكال) جمع (نَكَل) ؛ وهو: الرجل القوي المجرِّب الشجاع، وتحرف في مطبوع «المعرفة والتاريخ» إلى «الأنفال» !! فليصحح.
(2)
انظر: «مجمع الزوائد» (10/43، 44) .
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (27/246-247) في شرح حديث: «إن الفتنة ها هنا» :
«إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم -والله أعلم- إلى ناحية المشرق بالفتنة؛ لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان
…
رضي الله عنه، وهي كانت سبب وقعة الجمل، وحروب صفين، كانت في ناحية المشرق، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق، وما وراءها من المشرق.
روينا عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخرها الدجال (1) .
(1) أخرجه الدينوري في «المجالسة» (2/164 رقم 286 - بتحقيقي) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص 459 - ترجمة عثمان) - من طريق زيد بن وهب، عن حذيفة، به. وله تتمة استنكرها الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/769) من أجلها، وتعقبه الذهبي في «الميزان» (2/107) بقوله:«فهذا الذي استنكره الفسوي من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا، لرددنا كثيراً من السنن الثابتة بالوهم الفاسد» .
وأخرج البخاري (7060) ، ومسلم (2885) بسنديهما إلى أسامة بن زيد، قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أُطُم من آطام المدينة، فقال:«هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا. قال: «فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كموقع القطر» .
قال ابن حجر في «الفتح» (13/16) في شرحه: «شبه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون، وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان وهلم جراً، ولا سيما يوم الحرة» .
وقال -أيضاً-: «إنما اختصت المدينة بذلك؛ لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان، كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه، ثم إن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه، ثم عليه بتوليته لهم، وأول ما نشأ ذلك من العراق، وهي من جهة المشرق
…
وحسن التشبيه بالمطر لإرادة التعميم؛ لأنه إذا وقع في أرض معينة عمها ولو في بعض جهاتها» . =
ومعلوم أن أكثر البدع إنما ظهرت وابتدأت من المشرق، وإن كان الذين اقتتلوا بالجَمَل وصِفّين منهم كثير من أهل الحجاز والشام، فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق، فكانت سبباً إلى افتراق كلمة المسلمين ومذاهبهم، وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة، والله أعلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ذلك لعلمه بوقوعه، ويحزن له، ولو ذكرنا الآثار والشواهد بما وصفنا، لخرجنا بذلك عما إليه في هذا الكتاب قصدنا، وبالله التوفيق» انتهى.
وقال -أيضاً- في شرحه:
ويعجبني -أيضاً- ما ذكره شراح «الشفا» للقاضي عياض، عند قوله:
«وفتح عليه في حياته: بلاد الحجاز، واليمن، وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، قال الخفاجي في «نسيم الرياض» (1/472) شارحاً الكلام السابق:
«وأما العراق فهو إقليم معروف، وهو عراق العرب، وفيه مدن عظيمة
= قال أبو عبيدة: كان لفتنة قتل عثمان أثراً بارزاً في ظهور كثير من الفرق، انظر تفصيل ذلك في:«العواصم والقواصم» لابن العربي (ص 173) ، «مجموع فتاوى ابن تيمية» (13/32) ، «فتح الباري» (12/283-284) ، «دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة» (ص 45-61) ، و «الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم» (ص 48-67) ، وما سبق (ص 138) من كلام ابن تيمية.
(1)
«التمهيد» (16/229 - ط. الفاروق) .
وقرى، وطوله من تكريت إلى عبادان، وهي قرية، ولذا قيل في المثل:(ما وراء عبادان قرية) ، وعرضه من القادسية إلى حلوان، ودجلة حده، جانبها الأيمن للعراق (1) ،
واليسار لفارس، وأما عراق العجم -وهو إقليم خراسان، ولفظ العراق عربي، وقيل: إنه معرَّب إيران» ، قال -وهذا هو موطن الشاهد-:«والعراق: فتح منها البحرين، وقدم أهلها على النبي صلى الله عليه وسلم على ما فُصِّل في السير والتواريخ، ومن لم يقف على هذا، قال: إنها إنما فتحت في زمن أبي بكر رضي الله عنه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيحها، ووعد بفتحها» انتهى.
فمن الخطإ الجسيم حصر (تهييج الفتن) بالعراق -بحدوده الجغرافية اليوم- ونسيان مسمى (العراق) وحدوده آنذاك، وتناسي الأحاديث التي فيها ذكر عموم جهة (المشرق)(2) ، والله الموفق.
(1) اعتنى العلماء -قديماً وحديثاً في (خطط مدينة بغداد) وتأسيسها، وتعرضوا فيها إلى حدود (العراق) ، وتجد ذلك في كتب البلدان -أيضاً-، فقال البكري -مثلاً- في «معجم ما استعجم» (3/929) ما نصه:
وانظر: (العراق) في «معجم البلدان» (4/93-95) ، كتاب «الجغرافيا» (ص 156) لابن سعيد المغربي، «مراصد الاطلاع» (2/926-927) .
(2)
مما يؤكد إعمال العموم: ما يروونه: «أناخ بكم الشُّرُف الجُونُ» .
و «الشُّرُف» -مضمومة الشين والراء- جمع (شارف) ، والجيم من (الجُون) مضمومة
…
-أيضاً-؛ يريد: الإبل المسَانَّ. والجُون: السُّود، شَبَّه بها الفتن. وقد يروى (الشُّرُق الجون)
…
-بالقاف-؛ أي: الجائية من قبل المشرق. قاله الخطابي في «غريب الحديث» (3/243) .
وزاد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (1/324) : «أراد صلى الله عليه وسلم فتنة أو حرباً» . ونقل عن ابن قتيبة، قال:«أمور تأتي من قبل المشرق» . وانظر: «غريب الحديث» (2/90) لأبي عبيد، =
ويدل على هذا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/654 - ط. دار الفكر) بسند صحيح عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا: نعم. قال: «فإنّ الدجال يخرج منها» (1) .
= «النهاية» (2/463) لابن الأثير، و «تاج العروس» (6/153) .
والحديث أخرجه نعيم في «الفتن» (رقم 6) ، والطبراني والعسكري في «الأمثال» -كما في «كنز العمال» (11/245 و14/228) - وسنده ضعيف، وفيه مجاهيل، ولفظه:«إذا تقارب الزمان، أناخ بكم الشُّرُف الجُون، فتن كقطع الليل المظلم» ، وفيه رشدين بن سعد، وشيخه ابن لهيعة، والراوي عن أبي هريرة: أبو عثمان الأصبحي مجهول.
وانظر: «الأحاديث المسندة المرفوعة من كتاب الفتن» (ص 78) .
(1)
دلت أحاديث وآثار كثيرة صحيحة على خروج الدجال من (خُراسان) و (أصبهان) ، وهبوطه (خوز) و (كرمان) -وهي جميعاً الآن في (إيران) ، وسيأتي التعريف بها-، وينزل قرية (كوثا) -وهي في نحو منتصف الطريق بين (المحاويل) و (الصويرة) ، وهي على (26) كيلو متراً من الأولى، وتعرف اليوم بـ (تل إبراهيم) و (تل جبل إبراهيم) ؛ لوجود مرقد عليه قُبة في أعلى التل ينسب إلى إبراهيم.
انظر: «بلدان الخلافة الشرقية» (ص 94-95) .
وسمي بـ (خلة) بين العراق والشام، ويدخل الأردن، ويبدأ هلاكه بـ (عقبة أفيق) وهي قرية من حوران في طريق (الغور)، والعامة تقول:(فيق) ، تنزل هذه العقبة إلى (الغور) وهو الأردن، وهي عقبة طويلة نحو ميلين. أفاده ياقوت في «معجم البلدان» (1/233) . ثم يتحول إلى فلسطين، ويتم هلاكه في مدينة (اللد) ، ويسبقها -والله أعلم- إتيانه الحجاز، ونزوله بسبخة في المدينة -هي (سبخة الجرف) غربي جبل أحد-، وتفصيل ذلك حديثيّاً يطول، وأكتفي بالإحالة على المصادر الآتية:«مسند أحمد» (1/4، 7 و5/221) ، «جامع الترمذي» (2237) ، «سنن ابن ماجه» (4072) ، «المنتخب من مسند عبد بن حميد» (رقم 4) ، «مصنف ابن أبي شيبة» (15/137، 145-162 - الهندية، 85/654 - دار الفكر) ، «مصنف عبد الرزاق (11/395-396) ، و «مسند أبي بكر الصديق» للمروزي (99) ، «مسند أبي يعلى» (1/39-40) ، «الفتن» لحنبل بن إسحاق (رقم 22، 23، 24، 27، 29، 36، 49، 50) ، «الفتن» للداني (629) ، «الفتن» لنعيم بن حماد (2/530-532 - ط. الزهيري، ص 394-396 - ط. التوفيقية)(باب من أين مخرج الدجال) ، =
ففي هذا الأثر أن (خراسان) من العراق، وهي (عراق العجم) ، كما قدمناه آنفاً.
وأخرج حنبل بن إسحاق في آخر جزئه «الفتن» (ص 165-166/رقم 50)، قال: حدثنا قبيصة وحجاج، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي غالب، قال:
كنت أمشي مع نوف بن فضالة، ولا أعرفه، حتى انتهيت إلى عقبة أفيق (1)، فقال: هذا المكان الذي يقتل فيه الدجال.
= وانظر منه -أيضاً-: (باب المعقل من الدجال) ، «تاريخ بغداد» (13/111 و14/68) ، «المتفق والمفترق» للخطيب (3/1428) ، «غريب الحديث» للحربي (3/1127) ، «المعجم الكبير» (7/98) ، «مسند الروياني» (1/439) ، «الكامل» لابن عدي (2/846) ، «الكنى» للدولابي (1/98) ، «أخبار الدجال» لعبد الغني المقدسي (ص 73) .
وانظر -أيضاً-: «مجمع الزوائد» (7/338، 340-350) ، «كنز العمال» (14/311-312) ، و «الفتن والملاحم» (1/72 وما بعد) لابن كثير، «جامع الأصول» (10/346) ، و «إتحاف الخيرة المهرة» (10/292-294)(باب من أين يخرج الدجال وما جاء في نزوله (خوز) و (كرمان)) ، «قصة المسيح الدجال» (95، 144) .
بقي بعد هذا: التنبيه على أن سعيد بن المسيب لم يدرك أبا بكر، وأن في بعض هذه المواطن ذكراً لـ (العراق) مقروناً بـ (الدجال) ، وليس من همي تتبع ذلك على وجه فيه تفصيل، وتكفي هذه الإشارة. وانظر: الأثر اللاحق، والله الموفق.
وانظر في (العراق) و (المهدي) : «مسند أبي يعلى» (6940) ، «إتحاف الخيرة المهرة» (10/283-284 رقم 9973) .
وورد في ذلك آثار عديدة -أيضاً-، منها ما أخرجه مسدد -كما في «إتحاف الخيرة» (10/209 رقم 9835) - عن عبد الله الملطي:«شاطئ الفرات طريق بقية المؤمنين هراباً من الدجال» .
(1)
عقبة أفيق-بفتح أوله وكسر ثانيه-، أخرج أحمد (5/221) ، وابن أبي شيبة (15/117) ، والحربي في «غريبه» (3/1127) ، والروياني (1/439) ، وحنبل بن إسحاق في «الفتن» (رقم 27) ، والطبراني في «الكبير» (7/98 رقم 6445) ، وأبو القاسم البغوي في =
فقلت: من أنت؟ فقال: أنا نوف، فقلت: يرحمك الله، ألا أخبرتني حتى أسامرك وأذاكرك وأحمل عنك! فقال: من أنت؟ فقلت: من أهل البصرة، فقال: هل إلى جنبكم جبل يقال له سَنِير؟ فقلت: سنام، فقال: هو هو، فقال: هل إلى جنبكم نهر يقال له الصَّفِي؟ فقلت: صفوان، فقال: هو هو، أما إنهما يسيران (أي: يكونان) مع الدجال طعاماً وشراباً، وهو جبل ملعون، وهو أول جبل وُضع في الأرض.
ثم ينزل عيسى عليه السلام، فيمكث في الأرض أربعين صباحاً، اليوم كالساعة، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم.
وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (1569 - ط. الزهيري، ورقم 1562 - ط. التوفيقية) : حدثنا عبد الصمد، عن حماد، به مختصراً.
وإسناده حسن، أبو غالب اسمه حَزَوَّر، تابعي شامي، صاحب أبي أمامة صُدَيّ بن عجلان، وأما نوف فهو البكالي الحميدي، من أهل دمشق، وهو ابن امرأة كعب الأحبار، كان عالماً، ويروي كثيراً من الإسرائيليات (1) .
و (جبل سنير) أو (سنام) هو جبل مشرف على البصرة، إلى جانبه ماء، ويقال: إنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب (2) ، ويسمى اليوم (جبل
= «معجم الصحابة» (3/254 رقم 1193) ، والدولابي في «الكنى» (1/98) ، وابن عدي (2/846) ، وابن عساكر (2/229) ، وعبد الغني المقدسي في «أخبار الدجال» (ص 73) بسند حسن من حديث سفينة، ضمن حديث أوله: «ألا إنه لم يأت نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال
…
» ، وفيه عن الدجال:«ثم يسير حتى يأتي الشام، فيهلكه الله عند عقبة أفيق» . وإسناده لا بأس به. قاله ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/97)، وقال الهيثمي في «المجمع» (7/340) :«رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر» . وانظر: «إتحاف المهرة» (5/547 رقم 5910) ، «كنز العمال» (14/311-312) وعزاه للطيالسي.
(1)
ترجمته مطولة في «تاريخ دمشق» (62/303-313) .
(2)
انظر: «معجم البلدان» (3/260) ، «معجم ما استعجم» (2/758) .